الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (380) - سورة طه 131-135

الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه،ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى }[طه:135]

هذه الآيات من آخر سورة طه، وفيها توجيه من الرب الإله -سبحانه وتعالى- إلى عبده، ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- الذي أقامه الله -تبارك وتعالى- نذيراً للعالمين، وحمله أعظم حمل عرفته الرسل لا يوجد  حمل كالحمل الذي حمله النبي صلوات الله والسلام عليه فإنه حمل رسالة إلى الناس كلهم، أن يدعوا جميع أمم الأرض إلى الله -تبارك وتعالى- ليس قومه العرب وحدهم، وحدهم ، وهم قوم أهل عناد لتنذر قوماً لدا بل لينذر، ويخاطب اليهود، والنصارى، والفرس، والروم، وسائر شعوب الأرض، وهذا من وقته إلى آخر الدنيا أن يحمل هذا العبء العظيم، والرسالة العظيمة، وأن يرسل إلى الناس كلهم بهذا الدين، وكل الأمم، والشعوب التى بعث لها النبي كانت على غير هذا الصراط، والطريق الذي يدعو إليه، فقد درس التوحيد، ومعرفة الرب على الحقيقة دُرست من الناس، وبقيت الناس في عماية كاملة، النصارى في شركهم، وكفرهم، واليهود في ضلالهم، وعنادهم، وقولهم على الله -تبارك وتعالى- بغير علم، واتهامهم فيما اتهموه لرسول الله -تبارك وتعالى- وأمور من الظلمة تفوق الحظر، والمشركون في عمايتهم الكاملة عن يوم القيامة، ونسبتهم إلى الله -تبارك وتعالى- يعني غير الحق في أنه لن  يعيدهم، وأنهم لن يخلقهم مرة ثانية، وتشبيههم لله -تبارك وتعالى- بملوك الأرض وأنه يقبل الشفاعة، وإن لم يرضى عن الشافع، والمشفوع؛ فأمور عظيمة جداً.

 بعد ذلك ما كان من الشرور التي عليها الناس، وأن الله نظر إلى أهل الأرض قبل أن يبعثهم؛ فمقتهم عربهم، وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب رسالة عظيمة حملها، وأمم معاندة، محادة لله، ورسوله رسالة عظيمة، ولا شك أنه حمل يعني تعجز عنه الجبال حملها هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ }[المدثر:1-7].

 هذه السورة توجيه من الله -تبارك وتعالى- للرسول أن يقوم بهذا العبء، وقال له الله في إفتتاحات هذه السورة بهذين الحرفين {طه}[طه:1] ثم قال له: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:2] لكن أنت قد بعثت برسالة عظيمة {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى(3) تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى(4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}[طه:1-8]  بيان لصفات الرب -تبارك وتعالى- الذي حمل عبده هذه الرسالة، وأقامه ليقوم هذا المقام.

 ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- له تجربة موسى عليه السلام فيما قام فيه، أن أرسله إلى أكبر طاغوت في وقته؛ ثم بعد ذلك إلى شعب غليظ، لا يستقيم بسهولة على أمر الله -تبارك وتعالى- وينفلت يميناً، وشمالاً، وكيف يعنى أقام فيهم، وأقامهم على أمر الله -تبارك وتعالى- فهو من أولي العزم من الرسل ثم في النهاية ذكره الله -تبارك وتعالى- بما نال آدم عليه السلام يعني تركه للأمر الإلهى، ونسيانه له؛ ثم ما كان من هذا {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه:115] بعد هذا ربنا قال للرسول في نهاية هذه السورة يعني احمل هذا الأمر {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}[طه:130] أمره بأن يصبر على ما يقوله هؤلاء الكفار أن يتوجه إلى ربه -سبحانه وتعالى- بالعبادة، ويكون شأنه العبادة الصلاة، وقد فرض الله -تبارك وتعالى- خمس صلوات في هذه الأوقات التي ذكر الله -تبارك وتعالى- رسوله أن يسبحه فيها -سبحانه وتعالى- يسبح بحمده فيها صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، وصلاة العصر قبل غروبها، ومن آناء الليل المغرب، والعشاء، وأطراف النهار وسط النهار الذي هو الظهر لَعَلَّكَ تَرْضَى أن هذا، هذا ثمرة ذكر الله -تبارك وتعالى- تسبيحه، وتحميده بهذه الصلوات في هذه الأوقات [لَعَلَّكَ تَرْضَى] بما يعطيك الله، بما يعطيك الله -تبارك وتعالى- في الآخرة، والله -تبارك وتعالى- قد أخبر بأنه سيرضي نبيه -صلوات الله والسلام عليه- {وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:21].

  {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ........}[طه:131] لا تنظر إلى الدنيا، تمدن عينيك الذي هو إطالة النظر [إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ] ما كان الدنيا كانت هؤلاء مع الكفر الذين حاول النبي، والذين أرسل لهم النبي مع الكفر كانوا في الغناء، والثراء؛ فمشركوا العرب، كبرائهم، وعظمائهم في البساتين الجميلة في الطائف، وفي الأموال العظيمة في مكة، وفي ما عندهم من النعم. وكذلك كسرى، وقيصر في الحرير، والديباج، والأموال مع كفرهم، وعنادهم [وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ] قال -جل وعلا- [زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا] المتاع الدنيوى إنما هو متاع قليل عمره كعمر الزهور، أو أن له حلاوة، حلاوة الزهر لكنه ينتهى.

 {........لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131] رزق ربك في الجنة التي ينبغي أن تكون محط أمل المؤمن هي أمله، وهذا هي الخير من  هذه ما يعطيه الله أهل الدنيا من الدنيا وَأَبْقَى رزقهم باقي [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] أمر من الله -تبارك وتعالى- لرسوله، وطبعا هذه الأوامر أوامر للأمم كلها وأمر أهلك بالصلاة  وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أهل الإنسان هم زوجته، وأولاده بِالصَّلاةِ يعني أمره أولاً هو بأن يصلي، قال: {........وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}[طه:130] ثم [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ] أمره سبحانه وتعالى أن يأمر أهله بالصلاة [وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] واصطبر عليها على الصلاة هنا ما قال، واصبر، وإنما بزيادة الطاء التي تدل على بذل عظيم الصبر [وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] وذلك أن الصلاة حتى تقام يجب أن يكون هناك صبر عليها في استكمال شرائطها من الوضوء، وستر العورة، واستقبال قبلة، وطهارة في البدن، والثوب، والمكان كذلك أداء أركانها؛ ثم المحافظة عليها لأنها تأتي على مدار اليوم، والليلة، وبعضها يأتي بعد أوقات راحة، وقد يأتي بعد أوقات شغل بالمتاع؛ فتحتاج المواظبة على الصلاة، والدوام عليها إلى اصطبار للنفس، وحبس لها على القيام بهذا الأمر كما قال الله -عز وجل- في الصلاة [وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ] القيام بها شأن كبير {.......إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:45]  ثم صلاة الليل، وما فيها من الثقل لأنها ترك لما يحبه الإنسان من الراحة، والقيام بين يدي الله -تبارك وتعالى- كما قال -جل وعلا- {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}[المزمل:6] أشد وطئا يعني على البدن، وعلى النفس، فتحتاج إلى صبر.

 قال: {.......وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132] [لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا] يعني توجده، وإنما الله -تبارك وتعالى- هو الذي يرزق عباده -سبحانه وتعالى- يعني لا نسألك رزقاً لنفسك، بل الله -تبارك وتعالى- هو الرزاق؟؟؟؟؟؟؟؟ نَحْنُ نَرْزُقُكَ الله -تبارك وتعالى- يرزق عباده إذاً توجه بكليتك إلى الله -تبارك وتعالى- واسعى في الدنيا، السعي الذي يؤدي إلى أن تنال رزقه -سبحانه وتعالى-.

 قال الله -جل وعلا- [وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى] العاقبة في كل الأمور للتقوى، وهذا بيان أن مآله إلى الخير، ومآل الذين عاندوه من أهل الثروات، وأهل الأموال، وغيرها، والذين قالوا هذه المقالات الشنيعة في النبي من أنه ساحر، وكاهن، وكذاب، وما قالوه العاقبة للتقوى، العاقبة، وهي النهاية؟؟؟؟؟ من العاقب آخر الأمر، نهاية المطاف لمن؟ للتقوى، أهل التقوى في الدنيا، والآخرة في النصر، والتمكين، والعز، وبيان.... سيكون للمؤمنين، وذلك الجنة، والسعادة الأبدية ستكون لأهل الإيمان، وأما الكافر فعاقبته في الدنيا خسار، وعاقبته في الأخرى إلى دمار؛ فالخسار كله إنما هو للكافر [وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى].

 ثم قال -جل وعلا- [وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ] هذا بيان تعنت هؤلاء الكفار، وأنهم معاندون مستكبرون على الحق، وقالوا أي الكفار الذين أرسل لهم  هذا النبي -صلوات الله والسلام عليه-[لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ] هل يأتينا النبي بآية من ربه ما دام أنه يقول أنه رسول أين الآية التي أتى بها، قال -جل وعلا- {........أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى}[طه:133] كيف يطلب هؤلاء آيات، وقد أنزل الله -تبارك وتعالى- هذا الكتباب، وفيه بينة من الصحف الأولى المنزلة على الرسل السابقين، وهي هذه الصحف هي بأيدي أهل الكتاب، وهذا النبي الأمي الذي لم يقرأ، ولم يكتب أتى  بتفصيلات هذا الأمر لم يقرأه، ولم يكتبه، وهذا من أعظم الأدلة على أنه رسول الله حقاً، وصدقاً من أين له أن يعلم هذا الذي قيل عن موسى، وعن يوسف، وعن نوح، وعن إبراهيم، وعن هؤلاء الرسل، والذي هو تماماً يعني عند أهل الكتاب في كتابهم؛ فيجب أنهم عندما جاءهم النبي بهذا، وعلموا أن هذا مطابق لذلك السابق، ولم يقرأه النبي {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت:48] وقد عاش النبي أربعين سنة في غير علم بتاتاً عن هذا ما سمعوا منه كلمة من الكلمات حول هذا الذي أتاه بعد ذلك من الدين، والوحي أربعين سنة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتكلم بشأن من هذه الشئون التي أوحاها الله -تبارك وتعالى- إليه بعد أن أرسله فمن أين له بذلك؟ [أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى].

 قال -جل وعلا- {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه:134] وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ يعني لو أن الله، يخبر -سبحانه وتعالى- بأنه لو أهلك هؤلاء الكفار عندما كانوا مشركين، معاندين قبل أن يرسل لهم هذا النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- فإنهم في النهاية إلى جهنم لأنهم قد أشركوا بالله، وقعوا في الشرك غيروا دين إسماعيل عليه السلام، وخرجوا من التوحيد إلى الشرك، فلو أهلكهم الله -تبارك وتعال- على الحال التي كانوا فيها من الشرك، والكفر بالله -تبارك وتعالى- وما يفعلونه، وما ينسبونه إلى الله لكان مصيرهم العذاب[وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا] يعني لقالوا يوم القيامة يعني يارب أنت أنزلت علينا هذا العذاب، ومن قبل أن ترسل إلينا رسولا تحذرنا من عقوبتك هذه، وتبين لنا طريق الحق، وترشدنا لأن  الذين نفعله هو يعنى شرك، وكفر بك؛ فكنا نهتدي[لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ] لو أنت أرسلت لنا رسولا لاتبعنا آياتك  [مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى ] في الآخرة لأن من أدخله الله -تبارك وتعالى- النار قد أذله، وقد أخزاه [مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى] في هذا العذاب الأخروي؛ فالله يخبر بأن هؤلاء يبين -سبحانه وتعالى- منته -جل وعلا- على هؤلاء المعاندين، المكذبين الذين أرسل إليهم هذا النبي الكريم موضحاً، مبيناً، وأنه لو أن الله -تبارك وتعالى- أهلكهم بعذاب قبل أن يبعث هذا النبي لكان احتجوا على الله يوم القيامة، وطلبوا منه يقولوا كيف يعني لما لم ترسل لنا رسولاً فنتبع آياتك لو انك أرسلت إلينا رسولاً في الدنيا لاتبعنا آياتك قبل أن نذل هذا الذل، وهذا الخزي بهذا العذاب؛ فليحذر هؤلاء هذا؛ فليحذر هذا لأنه أقيمت الحجة لأن الله -تبارك وتعالى- الآن؛ فيخبر -سبحانه وتعالى- أنه قد أرسل هذا الرسول، وبين، ولكنهم عاندوا، وبالتالي لن يستطيعوا أن يقولوا هذه المقالة، ما يستطيعوا يوم القيامة يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولاً {........لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه:134] وذلك أنه قد جاءهم الرسول الذي يبين لهم، ويوضح لهم، وبالتالي سيأتيهم الذل، والخزي، والعار، ولا يستطيعون أن ينطقوا يعني أي أنه قد جاءهم الرسول الذي أقام عليهم الحجة.

[ قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا]  قل لهم كل متربص أنا، وأنت مُتَرَبِّصٌ منتظر، منتظر هذا الأمر هم كانوا يتربصون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ذهاب أمره، وانتهاء دينه، وتفرق من معه، وأنه إذا مات أهمل ذكره، ولم يعرف الناس شأنه شأن من كان من الشعراء السابقين؛ فإنهم لما ماتوا انتهى ذكرهم، وعفى أثرهم، أو أن هذا يعني مجنون لا يمكن أن يصل إلى شيئاً من هذا الذى يقوله؛ فهذا تربصهم، وأما تربص أهل الإيمان بأهل الكفر؛ فإنما هو حسب موعود الله -تبارك وتعالى- أنهم إن لم يستقيموا على أمر الله -تبارك وتعالى- لا بد أن ينزل الله -تبارك وتعالى- عقوبته بهم في الدنيا، وكذلك سينزل عقوبته بهم في الآخرة؛ فقال لهم [قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ] نحن نتربص بكم ما وعدنا الله -تبارك وتعالى- فيكم من الخزي، والذل، والدمار في هذه الدنيا، ومن العذاب الذي ستنالونه في الآخرة، وأنتم تتصورون بأن هذا ديننا سينتهي، وأنه شأن النبي إلى الاضمحلال نتربص [قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا]  والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما وقف على القليب، قليب بدر الذي جمع فيه أجسام الكفار سبعين جثة من جثث الكفار الذين قتلوا في بدر جمعوا، وألقوا كلهم يعني في قليب واحد لطمر هذا قليب خبيث حتى يطمر فيكون قبرهم؛ فالنبي لما وضعت فيه هذه جثث الكفار وقف النبي على شفا القليب، وبدأ يناديهم واحداً، واحداَ بإسمهم يا فلان، يا فلان، يا فلان، يافلان، يا فلان هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، قال أرأيتم الذي وعد به الله -تبارك وتعالى- حق؟ هذه النهاية، هذه نهايتهم, هؤلاء كانوا يعني هم الملأ من قريش، هم مستكبرون، هم معاندون لهذه الرسالة؛ فانظر كيف كانت النتيجة نتيجة أنهم يعني ماتوا هذه الميتة الشريرة، ولم يجدوا من حتى يواري يعني إخوانهم ما استطاعوا أجسادهم لأنهم  القتلى قتلوا، والأسرى أسروا، والباقي فر؛ فكان هذا؛ ثم كذلك العذاب الذي ينتظرهم لأنهم الكافر يقتل، ويدخل إلى النار، كما قال -تبارك وتعالى- {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال:50] وهذا في بدر [وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ] الملائكة يتوفونهم [يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ] {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[الأنفال:51] ذَلِكَ  هذا العذاب الذي تنالوه [بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ] فالله -تبارك وتعالى- تهددهم، وتوعدهم، قال: قل لهم [كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ] أنتم تتربصون بنا ما تتخيلونه، ما تظننونه من تخيلات المريضة، الضعيفة، ونحن نتربص بكم ما أخبر الله -تبارك وتعالى- وما وعدنا الله -تبارك وتعالى- فيكم ، ولا شك أن الذي ما الذي سيكون، ووعد الله -تبارك وتعالى- ما يخبر به الله -عز وجل- به، هو الحق؛ فالنبي في جانب الرب -جل وعلا- وهؤلاء يعني في جانب الشيطان {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:135] [فَسَتَعْلَمُونَ] علم يقين، وهذا عندما يأتيهم موعود الرب -تبارك وتعالى- بالموت على هذا النحو في الدنيا؛ ثم بما يشاهدونه في الآخرة [فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ] من الذين هم صراطهم، طريقهم سوي مستوي [وَمَنِ اهْتَدَى] فالكفار بيقولوا نحن أصحاب الصراط السوي، وكان أبو جهل قبل معركة بدر يقف، وينادى الرب، ويناشد، ويقول: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لم يعرف، وأبغضنا إليك, انظر ظلمة القلب لأي حد، وظن هذا الكافر المعاند أنه هو الذي على الحق هو، وقومه، وأنهم هم الأقرب إلى الله، يقول: اللهم أقطعنا للرحم, الذي أقرب إلى الله يقول: اللهم اقطعنا للرحم الذي قطع الرحم، والذي أتى بما لا يعرف؛ فجعل هذا الدين، دين الله -تبارك وتعالى- قول ملك السماوات، والأرض هو الذي لا يعرف، وأما مقالته هو من الشرك، والكفر هي المعروف، وهي المعروفة، وأبغضنا إليك هو الذى تبغضه اقتله اليوم، واجعل الدائرة عليه هذا أكبر ظلمة يعني بعيد وين بعيد كل البعد أن يعرف الحق، قال الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ........}[الأنفال:19] إِنْ تَسْتَفْتِحُوا تطلبوا حكم الله -تبارك وتعالى- فيما بينكم، وبين النبي؛ فقد جاءكم الفتح [وَإِنْ تَنتَهُوا] عن الكفر، والعناد [فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا] إلى حرب النبي نَعُدْ {........وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال:19].

  {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ.......}[طه:135] من هم؟ نحن، ولا أنتم؟ ولا شك أن أصحاب الصراط السوي، المستقيم هو النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه، هؤلاء الذين هم على صراط الله، وعلى طريق الله -تبارك وتعالى- [وَمَنِ اهْتَدَى] من الذي اهتدى الهداية الحقيقية نحن أم أنتم؟ هذه سورة عظيمة، وهذا الختام، وهذه المواعظ للنبي -صلى الله عليه وسلم- يعني توجيه الخطاب فيها للنبي أمر عظيم جداً الذي يقوم بأمر هذا الدين، ولا شك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قام يعني حق القيام بأمر الله -تبارك وتعالى- ومن ذلك هنا ما وصاه الله -تبارك وتعالى- به {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131]{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132] فقد تمثل النبي في هذا أعظم تمثل؛ فإن النبي لم يجعل لهذه الدنيا يعني نظرة عنده بل كانت كل نظرته للآخرة -صلوات الله عليه وسلم- وعاش فيها بأدنى مستوى من العيش ممكن أن يعيشه الإنسان، بل لا يستطيع أحد أنت يعيش كما كان النبي يعيش -صلوات الله والسلام عليه- فهذه أم المؤمنين عائشة يسألها ابن أختها عروة يقول لها يا خالة  قبل ذلك تقول له والله يا ابن أختي لقد كان يأتي الهلال، والهلال، والهلال ثلاث أهله نراها في شهرين، ولا يوقد فى أبيات رسول الله نار؛ فقال لها يا خالة فما كان طعامكم؟ فتقول الاسودان التمر، والماء من يستطيع أن يعيش هذه العيشة في بيوت النبي شهرين كاملين لا يوقد في أبيات النبي نارا، ويعيش النبي عندما نرى حياة النبي صلى الله عليه وسلم الدنيوية نجد أنها حياة يتسحيل بتاتاً أن يحياها إلا هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه- هذا عمر بن الخطاب يدخل على النبى، وقد آل النبي من نسائه شهرا يقول دخلت عليه فى مشربة، والنبي نائم على رمال حصير قد أثر في جنبه رمال، سرير، رماله التي هي خيوط السرير نام النبي عليها بدون فراش تحته، والنسيج الذي يكون على هذه الحبال بلي، والنبي نام على الحبال قد أثر في جنبه، ونظرت يقول في الغرفة المشربة ما أجد شيئاً يرد البصر غير معلقة، جلد معلق, فقلت يا رسول الله كسرى، وقيصر في الحرير، والديباج، وأنت رسول الله؛ فقال : يا ابن الخطاب مالي، ومال الدنيا مالي، وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت ظل شجرة؛ ثم تركها؛ ثم قال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة، وعاش النبي هذه الحياة إلى أن توفاه الله، افتتاح الدنيا عليه -صلوات الله والسلام عليه- فقد أخرجت أمنا عائشة رضى الله تعالى عنها للناس كساء غليظ، ثوب غليظ من الصوف، وقالت: قبض رسول الله وسلم في هذين هذا كساء، وثوب من الصوف غليظ، وقالت لهم: قبض رسول الله في هذين  يعنى هذا لباسه الذي كان يلبسه عندما مات. وعندما  النبي مرض قبل موته -صلوات الله عليه وسلم- مرض أكثر من أسبوع مرض موت لا يستطيع أن يصلي بالناس صلاة الجماعة، وقال: امروا أبو بكر فليصلي بالناس بعد أن عجز يعني أن يصلي بالناس، وفي قصة عجزه قصة طويلة صب على نفسه يقول يغشى عليه؛ ثم يقوم ليذهب إلى الصلاة فلا يستطيع؛ فيقع يغشى عليه يقول: صبوا علي من سبع قرب يصبوا عليه؛ ثم ينتعش قليلاً، ويذهب، يحاول أن يذهب ليصلي؛ فيقع مغشياً عليه إلى أن قال بعد ذلك امروا أبا بكر فليصلي بالناس، ومع هذا المريض فى حال مرضه يعنى عندما يبحث له عن ثياب رقيقة، ثياب خفيفة مثلا من القطن، أو نحو ذلك، وكان الذي عند النبي ثياب خشنة من الصوف تقول أم المؤمنين قبض رسول الله في هذين، وتوفي -صلوات الله وسلامه عليه- ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاع من شعير طعام لأهل بيته -صلى الله عليه وسلم- لا شك أن النبي تمثل يعني هذا الأمر، قام بهذا الأمر الذي أمره الله -تبارك وتعالى- لننظر.

 أقول ختام سورة طه، ختام عظيم جداً، قول الله -تبارك وتعالى- {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}[طه:130] وانظر صلاة النبي -صلوات الله وسلامه عليه- وقيامه بالليل إلى أن يتوفاه الله -تبارك وتعالى- لا يترك قيام الليل يعني سفراً، ولا حضراً {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131]{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه:132] أمر عظيم، أمر عظيم، أوامر عظيمة للنبي -صلوات الله والسلام عليه- وقيام عظيم للنبي الخاتم -صلوات الله والسلام عليه- بأمر الله.

 بهذا تنتهي هذه السورة العظيمة سورة طه أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما فيها. لله الحمد، والمنة، وصلاةً وسلاماً دائمين على عبده، ورسوله محمد سيد الأولين، والآخرين.