الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (384) - سورة الأنبياء 29-37

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:30-35].

هذه الآيات سياق جديد، وفاصل جديد في هذه السورة سورة الأنبياء يسوق الله -تبارك وتعالى- فيها مجموعة من آياته العظيمة الباهرة في السماوات، والأرض، وأن أهل الكفار على رغم يعني بعض هذه الآيات لكنهم أعرضوا عنها، ولم يتدبروها، ولم يعرفوا الإله الواحد الخالق، المدبر لها -سبحانه وتعالى- [أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا] السماوات كل ما أعلانا، وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنها سبع لكن معرفة الخلق بهذه السماوات معرفة ضئيلة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- قد وسعها توسعة عظيمة لا يستطيع البشر مهما أوتوا من قدرة، وآلات إلى يومنا هذا أن يعرفوا لها أبعاد {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47]  {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}[الواقعة:75]{وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة:76] فإذا كانت كل هذه النجوم المرئية بالعين، وبالآلة كلها دون السماء الدنيا؛ فماذا بعد هذه السماء الثانية، والثالثة، والرابعة إلى السابعة؟ وَالأَرْضَ ما نحن عليها يخبر -سبحانه وتعالى- [أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا] قال أهل العلم بتفسير من السلف، الرتق يعني أن السماء جافة ليس فيها لا يشقها السحاب، والأرض رتق بمعنى أنها جلدة جافة [فَفَتَقْنَاهُمَا] فقتق الله -تبارك وتعالى- يعني السماء بالسحب التي تخترقها، وهي مصدر المطر، وفتق الله -تبارك وتعالى- يعنى الأرض بالنبات عندما ينزل عليها المطر، وتربو الأرض، وتنتفش؛ ثم تخرج نباتها [وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ] جعل الله -تبارك وتعالى- من الماء الذي هو النازل من السماء، نازل من السحاب [كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ] كل شيء من هذه المخلوقات الموجودة يعني الأرض تحيا بالماء؛ فالنبات حياته بالماء، والإنسان، والحيوان، وكل هذه الدواب حياتها الماء جعل الله -تبارك وتعالى- الماء هو العنصر الذي تحيا به هذه الموجودات، بعض أهل العلم يفسر هذه الآية بما وصل إلى علم البشر في الوقت الحاضر من تفسير لهذا النظام الشمسي، بل النظام الكوني، وهو أن أصل هذه السماوات، والأرض كانت مادة متماسكة واحدة؛ ثم حصل لها انفجار عظيم هذا الانفجار العظيم الذي جعل كل جزء من هذه الأجزاء من هذه النجوم، والأقمار، والشمس يندثر في مكانه؛ ثم تجاذبت فيما بينها أصبح فيه تجاذب بين الكتل الصغيرة، والكتل الكبيرة، وحصل لها يعني هذا الدوران، وهذه الأفلاك التي سارت فيها، وقد كان هذا أمر نظري إن كيف وجد يعني هذه النجوم، والأقمار، والشموس، وهذه المجموعات وجدت هذا؛ فإنها كانت في الأول كتلة هذا، مادة العالم كلها كانت كتلة واحدة، باقية كأنها, ثم حصل لها هذا الإنفجار الذي وزعها في هذه الأنحاء، وطبعاً من يقول هذا من أهل الكفر، وعلماء المادة في الكفر يجعلون أنه لا تفسير لوجود المادة، من الذي أوجد المادة هذه في الذات قبل أن يحصل لها هذا الانفجار؟ وكيف صار لها هذا الانفجار؟ ما الذي جعل المادة تنفجر على هذا النحو؟ ثم كيف نظمت هذه الكتل بعد هذا الانفجار، وكل كتلة منها يعني أصبحت في مكان؟ وكيف سارت هذه المسارات؟ طبعاً كل هذه يقولون إنه فعل بالصدفة، ولا إله، ولا خالق وراء هذا، وإنما انتظم هذا الكون هكذا عبثاً، وسداً دون أن يكون وراءه مدبر يدبر ذلك، وهذا من أبطل الباطل، وهذا كله من أبطل الباطل؛ فأصلاً وجود هذه الكتلة، كتلة السماوات، والأرض، وهي مكونة، ومعلوم عند البشر الآن أن كل ذرة من ذرات هذه المادة مبنية بناء في غاية الإحكام بناء نواة في هذه الذرة، وإلكترونات تدور جزيئات أخرى تدور حول هذه النواة تختلف هذه الجزيئات بحسب نوع هذه المادة إذا كانت مادة خفيفة كالهيدروجين، مادة ثقيلة كالحديد يختلف هذه الجزيئات التي تدور حول مادتها؛ فهذا البناء هذه أصل المادة مبنية هذا البناء المحكم، والمادة الحية من الخلية الحية كذلك، عالم كامل كأنه عالم السماوات، والأرض فهي مبنية بناء عظيما جداً، كل خلية من خلايا مثلاً الإنسان تحمل كل صفاته الوراثية في داخلها؛ فكيف يكون هذا قد وجد بدون موجد، وقد كان على هذا النحو لا تفسير للأمر، وإنما هو يعني تفسير بالجهل لا، نجهل سبباً لذلك، والحال أن ليس هذا جهلاً للسبب لا بد أن يكون وراء هذه صانع، مدبر، خالق ليس من، لا ينتمي إلى هذه المادة هو الذي خلقها، وهو الذي يعني أوجدها، وهو الذي قهرها، وهو الذي أدارها على ما يديره عليه -سبحانه وتعالى- فالشاهد أنهم فسروا وجود الكون، ووجود هذه، وانتظامه، وهندسته على هذا النحو بهذا الذي سموه الانفجار العظيم سواء أن كان هذا، أو هذا؛ فإن الله تبارك وتعالى خلق هذه السماوات، ويخبر بأنه [كَانَتَا رَتْقًا] ربما كانت كتلة واحدة ولكن الله -تبارك وتعالى- فتقهم، أي شقها، ووضع كل جرم من هذه، أو جزء من هذه الشيء الذي كان واحداَ. الأرض، والسماء في مساره، وفي مكانه الذي يسير فيه، ولا يتعداه.

 {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ........}[الأنبياء:30] الماء الذي خصت به هذه الأرض، هذه الكتلة من جملة هذه الكتل المرئية التي نراها، القمر، المريخ، عطارد، غيرها من كواكب مجموعتنا التي هي حول الشمس، أو من غيرها؛ فالله -تبارك وتعالى- خص هذه الأرض بهذا الماء الذي جعل منه كل شيء حي، هذا الماء هذا العنصر العجيب، الغريب، الذي فيه هذه المنافع العظمى، وأولها أنها عنصر الحياة، أنه عنصر الحياة لكل موجود، فلا حياة لهذه الموجودات من نبات، وحيوان، وإنسان إلا بالماء [وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ] , قال -جل وعلا- {........أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30] يعني هلاً آمنوا إذ وقفوا على هذه الآيات، وأن هذه الآيات الباهرة العظيمة لا يوجدها، ولا يصنعها إلا إله مقتدر، قوي؛ فالذي يضع كل جرم من هذه الأجرام في مكانها، ويديره في مكانه، ومساره لا يتعداه، الشمس هذه الكبيرة التي هي أكبر من الأرض مليون مرة {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5] بحساب دقيق لا تتقدم جزء من معشار جزء من الثانية عن حركتها، ولا تتأخر عن هذه الحركة؛ فانتظام يدل على قهر عظيم جداً من الرب الإله الذي خلق هذا، وأداره -سبحانه وتعالى- فقال -جل وعلا- {........أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30] أفلا يؤمنون بالرب الإله الخالق لهذه السماوات، والأرض كانت رتقا، وفتقهم على هذا النحو، وجعل من الماء كل شيء حي، قال -جل وعلا- {........أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30].

 ثم قال -جل وعلا- [وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ] يخبر -سبحانه وتعالى- بأنه أرسى هذه الأرض في مسارها بالجبال، وضع الجبال، وبهذه التقسيم الذي هي عليه؛ فأرسى هذه الأرض؛ فأصبحت تسير، ولا يحس ساكنها بأدنى حركة لها إلا فيما يعني يخص الله -تبارك وتعالى- ذلك من هذه الزلالزل التي تكون هنا، وهنا تذكيراً بالزلزال الأعظم {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا(3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:1-4].

  قال -جل وعلا- [وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ] الجبال ترسو ترسيها كما تكون، كما ترسو السفينة، وتقف ونقول ترسو السفينة أي أنها كفت عن الجريان، ووقفت؛ فجعل الله -تبارك وتعالى- للأرض هذه الرواسي، هذه الجبال التي أرستها، وجعلتها لا تميل، ولا تتحرك [أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ] أن تميد بهم، الميد هو الميل يعني حتى لا تميد الأرض بهم، بل تكون ثابتة مستقرة {........وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}[الأنبياء:31] جعل الله -تبارك وتعالى- في الأرض لما أرسى الجبال لم يجعلها كتلة واحدة يصعب اختراقها تصبح كأنها سد يفصل بين جانب، وجانب، وإنما أرسى الله -تبارك وتعالى- الجبال بهذه، بهذا الصنع الإلهي البديع في أنه جعل بين هذه الجبال مسارات حتى يستطيع الإنسان أن يسير هنا من هنا، ولا توجد هذه الجبال كتلة واحدة تسد ما بين جانب، وجانب من الأرض [وَجَعَلْنَا فِيهَا] أي في الجبال فجاجا، الفج هو الطريق الواسع [سُبُلًا] وسبل أقل من الفج؛ فالفج هو الطريق الواسع الكبير، والسبيل هو يعني الطريق الأصغر من هذا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ لعلهم يهتدون في سيرهم في جنبات هذه الأرض.

  {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}[الأنبياء:32] وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ خلق الله -تبارك وتعالى- السماء حال كونها سقفاً محفوظاً، السقف ما أعلانا؛ ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنها محفوظا، قال أهل العلم إنها سقف محفوظ، حفظه الله -تبارك وتعالى- من الشياطين أن يخترقوه، وأن يستمعوا إلى الملأ الأعلى، كما قال -جل وعلا- في الشياطين {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}[الصافات:8]{دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:9]{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}[الصافات:10] فحفظه الله -تبارك وتعالى- من صعود الشياطين، ومن اختراقه، والآن توصل البشر إلى أن سقف الأرض محفوظ، وهو علوها جعل الله -تبارك وتعالى- مغلفة بأغلفة تحفظ ساكن هذه الأرض من هذه الأشعة الكونية التي تنتظم هذا الكون، وكذلك من هذه الشهب التي يعني تخترق هذا، هذه الفضاء يمنة، ويسرة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- جعل هذا سقف محفوظ فما جعل الله من أغلفة حول هذه الأرض، وأغطية أصبحت تحفظ سكان هذه الأرض من هذه الأشعة التي لو اخترقتهم، وأتت إليهم؛ فإنها تفنيهم يقال الآن أنه لو أن ثقب مثل ثقب الإبرة من هذه طبقة الأوزون التي تغلف هذه الأرض مفتوحة تفتح على الناس، ويدخل منها هذه الأشعة؛ فإنها تقتل كل من في الأرض، ولا تبقى حياة [وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا] تقول هنا السماء يعني التي علت، تعلو السماء الأرض [سَقْفًا مَحْفُوظًا] يحفظهم حتى لا يعني تأخذهم هذه الأشعة الكونية.

 قال -جل وعلا- [وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ] وهم عن آياتها عن آيات هذه السماء [مُعْرِضُونَ] هذه الآيات الكبرى التي جعلها الله -تبارك وتعالى- في السماء أولا إبداعها، جمالها، الأجرام التي فيها، انتظامها على هذا النحو، ما بدأ يعرفه الناس كل يوم عن يعني نظام هذا الكون، وصناعة هذا الكون المحيط بهم لكنهم يروا كل هذه الآيات، وهم عنها معرضون، لا يتفكرون بأن لهذه خالق، إله واحد، وأنه لا يمكن أن يكون قد خلقها سداً، وعبثا، وأنه هو الذي أنزل الكتب لتدل العباد عليه -سبحانه وتعالى- وتعرف العباد طريقه -جل وعلا- لكن هؤلاء الكفار معرضون عن الآيات التي أقامها الله -تبارك وتعالى- في هذه السماء [وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ].

 ثم قال -جل وعلا- {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء:33] وَهُوَ الله -سبحانه وتعالى- وليس غيره [الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ] الليل، والنهار الذي يعني يتداول، ويتناوب على هذه الأرض؛ فالأرض التي نحن فيها يتناوب عليها الليل، والنهار كل هذه، كل يوم، وليلة، كل أربعة، وعشرين ساعة يأتينا ليل كامل، ويأتينا نهار كامل. فهو الذي -سبحانه وتعالى- [خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ] والليل، والنهار لا بد منهما جميعاً لحياة هذه الموجودات على هذه الأرض هذه الأحياء كلها لا يمكن تنتظم حياتهم، وتبقى حياتهم دون ليل، ونهار ليل للراحة، والسكون ببرودته، وسكونه، وظلمته فهذا للراحة تسترح فيه المخلوقات ينام النبات، وينام الحيوان، وينام الإنسان، ويستريح؛ ثم بعد ذلك يأتي النهار حيث يتحرك الجميع، حيث النشاط، النبات يبدأ بالحركة، والتمثل الضوئي، والحيوان يتحرك والإنسان في طلب معاشه {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[القصص:73] [وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ] الشمس هذا الكوكب العظيم دفئنا، حرارتنا، ضوئنا، سناءنا، هذا..... وهي الباعثة لهذه الحياة في هذه الأرض، ولولا وجودها لما كنا، ولا وجدنا أصلاً، جعلها الله -تبارك وتعالى- [وَالْقَمَرَ] هذا كوكبنا الحبيب، القريب من هذه الأرض الذي له هذه المنافع العظيمة؛ فهو جمال هذه الأرض، وهو حسبانها في حركته، وضوئه، هلالاً؛ ثم يصل إلى البدر؛ ثم يميل مرة ثانية إلى أن يكون هلالاً {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ........}[البقرة:189] ثم هو بحركته هذه في إنتظامه جاذبيته للمد، والجزر هذا يعني كوكبنا القريب حاجتنا إليه حاجة؛ فالله -تبارك وتعالى- هو الذي خلق هذا .

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء:33] كل من هؤلاء في فلك يسبحون، وانظر هنا التعبير الإلهي في الليل، والنهار، ما قال -جل وعلا- وهو الذي خلق الأرض، والشمس، والقمر في فلك يسبحون، وإنما قال: [اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ] فذكر الليل، والنهار علماً أن الليل، والنهار هم يعني هم خصوص ما يجري على هذه الأرض، وذلك أنه لو قيل يعني في ذلك الوقت الذي ينزل فيه القرآن قيل لهم، قال لهم الرب -تبارك وتعالى- أن الأرض هي كذلك تسير في فلك تسبح يعني في هذا، في السماء كما تسبح يعني كما يسبح القمر، وكما يسبح الشمس لكان هذا أعظم داعي لكفرهم، وعنادهم، وردهم وأن هذا أمر يعني النبي يتكلم بغير المعقول لكن جاء التعبير على هذا النحو أولا لا ليفزع المخاطبين في هذا الوقت بحقيقة يعني هذه الآية الكونية الباهرة وجود الأرض على هذا النحو، كرة معلقة في الفضاء على هذا النحو، وهي تدور كذلك في فلكها مثل ما يدور القمر، ومثل ما يدور الشمس في إتقان، وأنها بحساب، ولا تتأخر يعني ثانية، ولا جزء من الثانية عن دورتها حول نفسها، ودورتها حول الشمس هذا أمر عظيم جداً، علم البشر هذا بعد ذلك لكن هذا من جملة الآيات التي يقول الله -تبارك وتعالى- فيها [وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ]  {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[الأنبياء:33].

{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:34] ثم بين -سبحانه وتعالى- أنه حكم على كل الموجودات، والأحياء بالموت، والفناء [وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْد] كل بشر يوجده الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض؛ فإنه إلى موت [أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ] وهذا رد إلى مقالتهم، مقالة الكفار الذين كانوا يقولون ننتظر بهذا النبي ما جرى يعني على من قبله من الشعراء؛ فإنهم إذا ماتوا اندثر ذكرهم، وانتهى أمرهم؛ فكانوا يعني يقولوا؛ فلننتظر بمحمد يعني موته، وأنه أبتر لا عقب له، سينتهي أثره، ويقطع ذكره، قال -جل وعلا- مبيناً أن النبي سيموت مثل ما يموت الغير، ومثل ما يموتون، قال: [وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ] لا، الخلد هو البقاء السرمدي، الأبدي [أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ] إن مت هل هم يعني سيخلدوا بعدك، وسيبقوا، إنما هذا الموت أمر كتبه الله -تبارك وتعالى- على الجميع أما النبي -صلوات الله والسلام عليه- إن الله سيجعل ذكره في الأرض ما بقيت الأرض، وسيبقى ذكره في السماء  {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ(1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ(2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}[الشرح:1-4] رفع الله -تبارك وتعالى- ذكره، وأبقى هذا الدين الذي جاء به دين للعالمين {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ}[ص:67]{أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ}[ص:68] فهذا النبأ العظيم هذا لا بد أن يبقى، ولا بد أن ينتظم العالمين {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[ص:87]{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}[ص:88].

 ثم قال -جل وعلا- {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.......}[الأنبياء:35] هذا حكم الرب الإله الخالق لهذا الخلق أن كل نفس لا بد أن تذوق الموت، وأن تذوقه لا بد طعم الموت هذا يمر، ويأتي على كل أحد تنتزع روحه من بدنه {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35]  وَنَبْلُوكُمْ نختبركم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فالله -تبارك وتعالى- يختبر عباده -سبحانه وتعالى- [بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ] بالشر ليبلو صبرهم، ورجوعهم إلى إلههم، ومولاهم -سبحانه وتعالى- والشرور الكثيرة كالأمراض، والأسقام، والفقر، وغيرها من هذه؟؟؟؟؟ فهذه ابتلاءات يبتلي عباده -سبحانه وتعالى- بما شاء [وَالْخَيْرِ] من النعمة، والصحة، والمال، والجاه، وما هذه النعم التي لا تحصى [فِتْنَةً] اختبار، وابتلاء لكل أحد يبتليه الله -تبارك وتعالى- والله -تبارك وتعالى- يريد من عباده حال يعني أن يبتلوا بالشر أن يصبروا، ويرجعوا إليه -سبحانه وتعالى- كما قال -جل وعلا- للمؤمنين {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155)الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة:155-156] وفي الخير أن يعرفوا أن هذا منه -سبحانه وتعالى- ويشكروه، ويقوموا بحق شكره -جل وعلا- [وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ] قدم الشر لأنه يعني أعظم في البلاء، والاختبار، وفي هذا المقصد أنه يعني يراد به الاختبار.

 ثم قال -جل وعلا- {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ........}[الأنبياء:36] قال -جل وعلا- {........وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}[الأنبياء:36] بعد أن ساق الله -تبارك وتعالى- هذه الآيات في الخلق في السماوات، والأرض، وكيف أنه هيأ هذه يعني الأرض لسكن الناس، والماء الذي جعله فيها بالليل، والنهار الذي يغشاها، وأخبر أن إعراض الكفار عن أن يتذكروا يعني صنيع الرب -تبارك وتعالى- وآياته في هذا الكون، وأخبر أنهم في قبضته -سبحانه وتعالى- وأن كل ما يعتريه هذا الإنسان على هذه الأرض إنما هو من الله خيراً، وشراً؛ فإنما يعنى مجريه، وفاعله الله -تبارك وتعالى- وذلك ليختبر عباده -سبحانه وتعالى- ويبتلي إيمانهم ليكون الجزاء بعد ذلك على أساس من هذا الاختبار.

هنا بين الله -تبارك وتعالى- يعني ظلمة قلوب، وعقول هؤلاء الكفار، وأنهم بعيدون عن الهداية بعداً عظيماً جداً، وأن هذا، هذه مقالتهم في النبي -صلوات الله والسلام عليه- [وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا] يعني هذا صنيعه بمجرد ما يروا النبي لا يتبادر إلى فعلهم إلا الاستهزاء وَإِذَا إذا الشرطية [رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا] بمجرد الرؤية رأوا النبي -صلوات الله والسلام عليه - الحكيم، العليم، الأمين، الصادق الذي أتى من الله -تبارك وتعالى- بكل حكمة، وبكل نور، وبكل برهان، ولكن مع ذلك يقول الله -عز وجل- [إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا] لا عمل لهم إلا اتخاذ النبى مادة للاستهزاء به، يقولون في استهزائهم [أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ] يقولون هذا على وجه الاحتقار، للنبي أَهَذَا يعني أنه ليس أهل [يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ] يعني يذكرها بالشر، وبأنها لا تنفع، ولا تضر، ويهينها [أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ] يعني أن هذا ليس أهلاً لأن يتطاول على آلهتنا، ومقدساتنا، وما نعظمه؛ فيعظمون أمر آلهتهم، ويحقرون أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -جل وعلا- {........وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}[الأنبياء:36] يعني انظر ما فيه هؤلاء الأقوام من الضلال المبين كبرت هذه الأصنام التي لا تنفع، ولا تضر في أعينهم، وعظموها، ومن تعظيمهم لها أنهم يروا أن النبي ليس كفؤا أن يتطاول عليها، أو يتكلم عليها، والحال أنهم هم كافرون بالرب الإله خالق السماوات، والأرض الذي هذه آياته -سبحانه وتعالى- قال -جل وعلا- وَهُمْ بِذِكْرِ من؟ الرَّحْمَنِ الذي وسعت رحمته كل هذه الموجودات، والتي هم في وجودهم، وحياتهم، وأكلهم، شربهم، ورزقهم هم أثر من آثار رحمته -سبحانه وتعالى- فهم عن ذكر الرحمن الإله، الخالق، المدبر لهذا الكون كله [مُعْرِضُونَ] معرضون عن الله -تبارك وتعالى- فأي ضلال، وأي عماً يعيش فيه هؤلاء، الذين عظموا ما لا يخلق شيء، ولا ينفعهم بشيء عظموا هذه الآلهة، التي اتخذوها من أحجار، ومن أوثان مهما كانت، وجعلوا، بل جعلوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ليس له حق أن يتكلم عليها، وأنه ليس كفؤا أن يعني يعيبها، أو أن يتكلم عليها، إلى هذا الحد وصل الأمر، وهم هؤلاء المجرمون هم عن ذكر ربهم خالقهم الرحمن خالق هذا  كله معرضون.

 قال جل وعلا بعد ذلك {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ}[الأنبياء:37] هذا تهديد عظيم من الله -تبارك وتعالى- يعني مثل هؤلاء المجرمون بقاؤهم في الأرض يعني إما هو يعني لا ينبغي أن يبقى مثل هؤلاء، وهذه حالهم على أرض الله -تبارك وتعالى- وتحت سماء الرب -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا- [خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ] الإنسان دائماً يستعجل الأمور، وكأنه يعني مادته الأساسية العجلة، والتسرع في الأمور [خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ] قال -جل وعلا- [سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ] تستعجلون العذاب كان الكفار يستعجلون أن ينزل الله -تبارك وتعالى- بهم عذابه إن كان هذا حق فقد كرهوا الحق الذي يعني أتى به النبي كراهية أنه لو كان هو الحق، وهو من عند الله فعلاً؛ فإنهم لن يقبلوه، بل يفضلون الموت عليه، وعندهم الموت أهون من أن يتبعوا طريق الإسلام، وطريق الهدى، والنور {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:32] وقد تحدوا الرسول مراراً، وتكراراً، قالوا: إن كان يعني بالفعل أنت تستطيع؟ فهات هذا العذاب التي تتوعدون به، استبعاداً منهم على أن يكون هذا النبي على شيء من الحق، وأن يصيبهم الله -تبارك وتعالى-  يعني بسبب ذنوبهم؛ فالله --تبارك وتعالى- يتهددهم، ويقول: تمهلوا [خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي] أي في عذابكم، واستئصالكم [فَلا تَسْتَعْجِلُونِ] لا تستعجلون أيها الكفار هلاككم؛ فإنكم سترون آيات الله -تبارك وتعالى- فيكم.

 نقف هنا، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.