الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (387) - سورة الأنبياء 58-75

الحمد لله رب العالمين، وأصلي، وأسلم على عبدالله، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء:56-67]

 الآيات في سياق ذكر الله -تبارك وتعالى- لعبده، ورسوله إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، وأنه كان من شأنه مع قومه سألهم أولا عن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن هداه الله -تبارك وتعالى- هدى الله إبراهيم إلى دينه، وإلى العلم به -سبحانه وتعالى- وأن الله هو خالق السماوات، والأرض فاطرها -سبحانه وتعالى- قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ........}[الأنبياء:51] رُشْدَهُ الرشد هو التوفيق إلى طريق الرشاد، طريق الرب -تبارك وتعالى- العلم بالله -تبارك وتعالى- والعلم برسالته، والعلم بطريقه -سبحانه وتعالى- {.......وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51].

{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء:52] هذا بداية مناقشة يعني القوم، مناقشة أبيه في عبادتهم الباطلة لهذه الأصنام التي لا تنفعهم، ولا تضرهم، قالوا محتجين: ما في، رأينا آبائنا على هذا النحو {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}[الأنبياء:53] لا دليل عندهم إلا أنهم شاهدوا آبائهم يفعلون هذا؛ فساروا خلفهم دون أن يكون لهم أي مستند، ولا أي برهان على هذا الأمر {قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الأنبياء:54]{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ}[الأنبياء:55] قَالَ بَل رَبُّكُمْ ربكم إلهكم، ربكم سيدكم، الذي يجب أن يعبد هو رب السماوات، والأرض؛ فهذا هو ربكم {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[الأنبياء:56] نبي أرسلت، وبلغني الله -تبارك وتعالى- هذه الرسالة؛ ثم قال لهم: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}[الأنبياء:57] عزم على أن يصنع شيء يهزهم هزاً، ويريهم ضلال فعلهم الذي يفعلون؛ قال -جل وعلا- فَجَعَلَهُمْ أي هذه الآلهة المصنوعة جُذَاذًا حطمها {........إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}[الأنبياء:58]{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:59] حال يعني الخائبين، الخاسرين، الذين يقوقون قول يدل على خيبتهم، وقذارتهم [مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا] هذا كلام! إذا كان إله تعبده تسأل عن الذي فعل له هذا الفعل، كيف هذا؟! وكيف يكون هذا إله عبدته، والحال أن هذا إله لا يستطيع أن يدلك حتى على من أساء إليه هذه الإساءة؛ فكيف يستحق هذا إنك أنت تعبده، وتقدسه، وتطلب منه، وترجو منه الخير، وترجو منه أن يدفع عنك الضر، كيف يكون هذا؟! فهذه المقالة تدل على مدى سخافة، ونقص عقول هؤلاء، بل عدم أنه ما فى عقل [مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا] فقولهم مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا كيف يكون إلهك هذا، وأنت تسأل عن الذي حطمه على هذا النحو؛ ثم إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ هو معتدي بالعكس الذي حطم من يستحق التحطيم لا يكون ظالماً، لكن عندهم أنه ظالم متعدي، أنه تعدى على آلهتنا، وصنع فيها هذا الصنيع.

 قَالُوا بعضهم لبعض  {........سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}[الأنبياء:60] ما في واحد خارج عن يعني هذا المجموع الضال إلا يقوله شخص، فتى يعني معنى ذلك أنه في عمر يعني الفتوة، والشباب، والرجولة يَذْكُرُهُمْ يذكرهم يعني بسوء، اتكلم عليهم يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ وكذلك انظر احتقارهم للأمر يُقَالُ يدعى إبراهيم بالبناء للمجهول، ما قالوا ابن فلان، وقد كان ابراهيم مشهوراً، وأبوه كذلك مشهور، وسيد من ساداتهم، ومقدم من المقدمين {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}[الأنبياء:60].

{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ}[الأنبياء:61] انتصاراً لباطلهم قالوا لابد نجيبه، ونجيب الناس كلها يحضوروا محاكمته، ومسألته عن عن هذه الفعل الشنيع الذي فعله [قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ] الكل يشهد لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ يشهدون يعنى محاكمته، والعقوبة التي سننزلها به {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}[الأنبياء:62]  سؤال وأيضا، أيضا ما زال الأمر أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا كان المفروض عندما رأوا آلهتهم بهذه الذلة، وبهذه الحقارة، إنه يقول كيف إله ؟؟؟؟؟؟ نعبده ولا يتسطيع أن يمنع عن نفسه ضرب الفؤوس، قبل ذلك أحد العرب يعني مر أخذ إبله، وأخذ ما يهديه لصنم من الأصنام، والعرب كانت تملأ هذه الجزيرة بالأصنام يعنى، ولم تترك حتى الكعبة؛ فقد وضعت أصنامها فوق الكعبة؛ فذهب بإبله إلى بعض هذه النصب ليذبح لها؛ فوجد أن الثعالب تدخل، وتبول على النصب؛ فوقف مندهشا؛ فقال: أرب يبول الثعلبان برأسه، ألا هان من بالت عليه الثعالب، قال: رب هذا رب لي، وسيد، آتيه، وأقدم له، والثعلبان الثعلب يروح يبول على رأسه هذا ألا هانة من بال، يصير هين هذا من الهوان أن يكون على هذا النحو؛ فكان ينبغي أن يكون لهؤلاء أن يكون لهم عقول، ويقول هذه الأصنام التي حطمت هذا التحطيم، ولم تستطع أن تمنع عن نفسها التحطيم هذا في مجال الذلة، والهوان، ما، كان ينبغي أن يعني المنظر نفسه، والمشهد يجعلهم يعنى يرعوا، ويرجعوا إلى الحق، والصواب، وأن يفكروا تفكير آخر في شأن هذه الأصنام التي يعبدونها لكن هم يعني على ظلمتهم؛ فتمسكوا، أول شيء يقولوا [مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا] والثاني يقول له [أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ]  وبآلهتنا كذلك.

 {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}[الأنبياء:63] بَلْ الذي فعل هذا كبيرهم هَذَا وأشار إليه كبير الأصنام [فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ] اسألوا الأصنام المحطمة، واسألوا الكبير لما صنع هذا، وتجرأ على أن يحطم هؤلاء الصغار لعله يريد أن ينفرد وحده بالعبادة دونهم [قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ] كلهم الكبير، والمحطم [إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ] إن كان لهم نطق يستطيعوا أن يجيبوكم، وهذا كذلك من إبراهيم يعني تنزل معهم في الخطاب لعلهم أن يرعوا، ويقولوا هذه لا تستحق العبادة صنم يعني لا يستطيع أن يرد لهم الخبر، ويخبرهم بمن فعل هذا بهز

 قال -جل وعلا- {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}[الأنبياء:64] صح، الهزة أفادت في بعضهم، أو في كلهم أنهم رجعوا مجرد رجعة للنفس، أووه، صح كيف يعني نعبد من لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر؟! {فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ}[الأنبياء:64] بعبادتكم هذه الصور التي لا تستطيع أن تدفع عن نفسها، لكن هي صحوة جداً سريعة، ومؤقتة، وما ترسخ في قلوبهم، وعقولهم من ظلم الشرك، والكفر عاد ليطفو على السطح مرة ثانية، ويتغلب على كل شيء، ويزيل هذه اللمحة من الهداية، والنور التي جاءتهم تزال؟؟؟؟؟؟ وتأتي الظلمة مرة ثانية، ودافعها العصبية، والتعصب لآلهتهم الباطلة.

 قال -جل وعلا- {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ}[الأنبياء:65] نُكِسُوا مرة ثانية بعد أبصروا لهذه اللمحة يعني السريعة رجعوا نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ نكسوا التنكيس هو يعني أن يكون الأعلى لأسفل؛ فكأنهم هذا الفهم الذي كان مستقيم رجع مرة ثانية أصبح كأن رأسه يعني في مكان رجليه؛ ثم قالوا ما علمت هؤلاء ينطقون كيف أنت تفعل، أنت تستهزئ بنا أنت تعلم لا ينطقون نحن نسألك أنت هل فعلت هذا؟ أم لا؟ .

{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ}[الأنبياء:66] هنا بعد سؤالهم للتوبيخ، والتقريع [أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ] يعني إله غير الله -تبارك وتعالى- شيء لا ينفعكم شيئاً؛ فلا يفيدكم بشيء، ولا يضركم لو حطمتوه، وكسرتموه، تركتم عبادته ما ضر، ما ضركم بشيء عبدتموه ما نفعكم بشيء {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[الأنبياء:67] أُفٍّ أتضجر تضجر، وقرف من هذا الأمر الذي تصنعونه [أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ] أتأفف كذلك من هذا الذي تعبدونه من دون الله [أَفَلا تَعْقِلُونَ] ألا عقل لكم تجعلون أشرف أعمالكم، وهي العبادة لهذه التماثيل التي لا تنفع، ولا تضر، وهنا كذلك كان مفروض هذا الكلام يعني يهزهم كذلك هزاً، ويعيدهم إلى الحق لكنهم أخذوا كلامه على أنه استهزاء لهم، واحتقار لهم، احتقرهم، واحتقر آبائهم، وصنع هذا في مقدساتهم.

 فأخذتهم الحمية للباطل، وانطلقوا {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ}[الأنبياء:68] حَرِّقُوهُ قالوا بعضهم لبعض، واختاروا هنا يعني أقصى، وأشد عقوبة يعني معروفة، وأكثرها إيلام، وهو التحريق بالنار قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ كونوا في نصر آلهتكم لأن هذه معبوداتكم، ومقدساتكم التي تعبدونها [إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ] إن كنتم فاعلين ناس تريدون أن يعني تقابلوا الأمر بما يستحق، بالفعل الذي يستحقه؛ فهذا هو الحكم الذي ينبغي أن يصدر، وينفذ استقروا على هذا؛ فقال -تبارك وتعالى- {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء:69] يعني نفذوا، وأجمعوا بكليتهم على هذا الأمر، وجمعوا النار، وأعدوها، وقيل أنهم نصبوا لإبراهيم المنجنيق حتى يلقوه فيها ما تكون، تكون نار كبيرة؛ فحتى يوصل إلى وسط النار؛ فيقذف بالمنجنيق رافعة يوضع فيها ثقل، ويضغط على طرفها؛ ثم يقذف مقذوفها إلى داخل النار، وكان من شأن الله -تبارك وتعالى- الذي بيده الأمر كله، بيده الملكوت كله، أن أمن النار أن تكون برداً، وليس برداً فقط، بل بردا، وسلاما  بردا لا يضر بَرْدًا وَسَلامًا سلامة لإبراهيم من كل آفة، ومن كل شر أن يؤذيه بردها [كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ] نبي الله -تبارك وتعالى- ومصطفاه الذي وقف هذا الموقف، ولا أشجع من هذا، ما في أشجع من إبراهيم عليه السلام رجل يقابل أمة، وهو وحده المؤمن ما عنده أحد نصير، ولا معين؛ فهو الأمة وحده، هو الذي على الحق وحده، ويقابل كل هؤلاء على الباطل، وهذا عنادهم، وهذا إصرارهم على ما هم فيه، ويقابل أقصى عقوبة ممكن أن يقابلها إنسان أن يلقى في النار هكذا عياناً بياناً أمام الجميع، وهو ثابت القلب، مطمئن إلى أمر الله -تبارك وتعالى- كل الذى يعنى قاله أن احتسب هذا عند الله -عز وجل- فقال: حسبى الله ونعم الوكيل كلمة، يقول ابن عباس: كلمة قالها إبراهيم عندما ألقي في النار، قال: حسبي الله ونعم الوكيل، كفاني الله، الله يكفيني كل خلقه يعنى لو كان كل الشرور تجتمع، والله معي؛ فلن يضرني شيء من الشرور؛ فالله حسبه -سبحانه وتعالى- وهي الكلمة التي قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما جمع عندما أخبر أن الناس قد يعني جمعوا له أبو سفيان يعود مرة ثانية بعد أحد، وبعد الهزيمة {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}[آل عمران:174].

 {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء:69] أمر الرب -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا- وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا أرادوا أن يكيدوه، بأن يهينوه هذه الإهانة، ويقتلوه، ويحرقوه، وبالتالي يقيموا الأفراح، وأنهم انظر من اعتدى على آلتهنا كيف صنعنا به حرقناه، وقتلناه أرادوا هذا الكيد بإبراهيم حتى ينتصروا لآلهتهم، وظلمهم؛ فجعلهم الله -تبارك وتعالى- هم الأسفلين، قال: {........فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ}[الأنبياء:70] جعلهم الله -تبارك وتعالى- الأخسرين في الدنيا، والآخرة ففي الدنيا لم يستطيعوا أن ينفذوا طلبتهم، وبغيتهم في إذلال إبراهيم، وحرقه بالنار، وإذهابه، وإنما لم تحرق نارهم إلا قيوده فقط بس، القيد الذي كان يقيده فقط هي الذي حرقت، وعاد إبراهيم، خرج من النار بلا أي شيء، وكان ينبغي كذلك، وقد ظهر يعني على إبراهيم هذا الأمر الواضح البين أنه مؤيد من الله -تبارك وتعالى- وأنه رسول الله حقاً، وصدقاً أن كل القوم يؤمنوا يعني كان المفروض كل الناس هؤلاء الذين حضروا هذا المشهد، أو علموا به أن يؤمنوا بالله -تبارك وتعالى- ويقولوا آمنا برب العالمين رب إبراهيم، وأن يدخلوا في التوحيد لكن ظلمة القلوب خلاص قفل على هذه القلوب، وأصبحت خلاص لا تقبل، ولا يدخل إليها الحق {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء:69].

{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ}[الأنبياء:70] أخسرين في الدنيا هذه خسارتهم، وفي الآخرة، في الآخرة هم بقيوا على هذا الكفر ليدخلوا نار الآخرة عياذاً بالله؛ ثم قال -جل وعلا- {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:71] وَنَجَّيْنَاهُ أي حاولوا أن يقتلوه بهذه القتلة؛ فنجاه الله -تبارك وتعالى- منهم [وَلُوطًا] لم يؤمن له من كل هذه الجموع، ومن كل الناس إلا ابن أخيه لوط عليه السلام، وهو ابن أخ إبراهيم، كما قال -جل وعلا-  {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي........}[العنكبوت:26] فالذي خرج به إبراهيم من هذه الجموع المجتمعة بعد هذه الأدلة يعني العقلية، والأدلة البيانية، والأدلة الحسية المنظورة على أنه على الحق، ما أفادت كل هذه الجموع، وخرج إبراهيم عليه السلام بلوط، وكذلك لم يحتملوه في بلادهم، بل أمروه أن يخرج؛ فعند ذلك خرج، خرج من أرض بابل، ووجهه الله -تبارك وتعالى- صوب الأرض التي جعل الله -تبارك وتعالى- جعلها كلها بركات، بركات في الدنيا، والآخرة بركات في الدنيا بالزروع، والثمار، والمياه، والهواء البديع، والمناخ الجميل، وكذلك بركات الآخرة من أن يجعلها الله -تبارك وتعالى- فيما بعد مكان عامة الأنبياء من نسل إبراهيم عليه السلام فيبارك الله -تبارك وتعالى- بالأنبياء الكثر الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى- من نسل إبراهيم {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:71] للناس كلهم.

 {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ}[الأنبياء:72] وَوَهَبْنَا لَهُ إبراهيم إِسْحَاقَ ابنه الثاني، ابنه البكر إسماعيل، وهذا ابنه الثاني إسماعيل من هاجر المصرية، وإسحق من سارة، وهي قريبته كذلك من بابل آمنت معه، وخرجت يعني لم يخرج إبراهيم ما خرجوا من أرض بابل إلى أرض فلسطين أرض الشام إلا ثلاثة إبراهيم، وزوجه سارة، وابن أخيه لوط عليهم جميعا السلام [وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ] يعقوب، وهو إسرائيل ابن إسحق [نَافِلَةً] نافلة أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنها نافلة يعني أنها زيادة من الله -تبارك وتعالى- في اعطاءه، والمن عليه، واكرامه فقد أكرمه الله -تبارك وتعالى- بهذه الكرامات العظيمة نجاه، وأسكنه أرض غير الأرض التي الظالم أهلها، أرض البركات؛ ثم أعطاه الله -تبارك وتعالى- هؤلاء الأولاد رسل، أنبياء من بعده بركة من الله -تبارك وتعالى- [نَافِلَةً] عطاء من الله -تبارك وتعالى- [وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ] كلا إسحق، ويعقوب جعلهم الله -تبارك وتعالى- من عباده الصالحين {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء:73] وَجَعَلْنَاهُمْ يعني هؤلاء المذكورين، إبراهيم، وإسحق، ويعقوب جعلهم الله -تبارك وتعالى- أَئِمَّةً جمع إمام، والإمام الفرد المقتدي به أفراد يقتدي بهم، ويتأسى بأفعالهم يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا يهدون الناس بأمرنا بِأَمْرِنَا أمر الله -تبارك وتعالى- أمره أن أقامهم الرب -جل وعلا- في هذا الأمر، وكذلك أن الأوامر التي يخبرون بها الناس هي أوامر الرب -سبحانه وتعالى- [يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ] أوحينا إلهم، الوحي هو اخبار عن طريق خفي، وهو ما ينزل الله -تبارك وتعالى- لهم من رسالاته عن طريق ملك [فِعْلَ الْخَيْرَاتِ] أن يفعلوا الخيرات، وكذلك قد يكون الوحي كذلك إلهام، ألهمهم الله -تبارك وتعالى- بما يعني ينفث الملك في روعهم إنه يتوجه إلى الخير؛ فيكون كأنه هداية قلبية، وتوجه رباني أن يتوجه إلى فعل الخير [وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ]  والخيرات بالألف، واللام كل خير من البر، والإحسان، والعطف على المساكين، وبذل الخير كله الذي هو شعب الإيمان، والدين.

 وخص الله -تبارك وتعالى- بعد فعل الخيرات، قال: [وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ] أشرف عملين يعني بعد الإيمان إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ فكانوا كذلك من أهل إقام الصلاة، ومن أهل إيتاء الزكاة [وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ] وكلا يعني هذين الأمرين جعلهم الله -تبارك وتعالى- ركنين من أركان الإسلام، بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة أشرف عملين وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا [وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ] كانوا إبراهيم، وإسحق، ويعقوب لَنَا لله -تبارك وتعالى- لا لغيره عَابِدِينَ من أهل العبادة، والعبادة هي الخضوع، وفي ذل مع محبة، وطاعة الرب -سبحانه وتعالى- طاعة الرب -تبارك وتعالى- والخضوع لأمره مع كمال المحبة له -سبحانه وتعالى- وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ذكر الله هؤلاء.

 ثم قال -جل وعلا- ذاكراً لوط لأنه جاء هنا في ذكره هجرته، وخروجه مع إبراهيم، قال -جل وعلا- {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ}[الأنبياء:74] وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا أعطاه الله -تبارك وتعالى- حكم، وعلم الحكم هو أن يعني يحكم على الأمور بحكم الله -تبارك وتعالى- فيعرف الحق من غيره، العدل من الظلم، الهدى من الضلال؛ فحكمه على الأمور إصداره أي حكم على الأمور هذا أعطاه الله -تبارك وتعالى- ليكون عنده البصيرة يحكم على كل أمر بما هو بما يستحقه تماماً، وعلم، علم بما يعني يحيط، علم بهذا الدين الذي هو العلم أشرف العلوم، وأحسنها [وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ] نجيناه، وهذا بأن أخرجه الله -تبارك وتعالى- [مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ] قرى غور الأردن كانت تسمى سدومة، سدوم، عمورة مجموعة قرى كبيرة في غور الأردن، وكان أهلها يعني مع كفرهم، وشركهم قد استمرأوا فاحشة نشأت فيهم هم أول ما نشأت، ولم تكن في أي شعب، وأمة قبلهم، وهي إتيان الذكران من العالمين؛ فهذه يعني الخبائث مع خبائث أخرى هذه طبعاً الخبيث الأكبر مع خبائث أخرى كما قال لهم نبيهم {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ(165)وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء:166] وقال: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ........}[العنكبوت:29] فكانوا يأتوا الرجال هذا من خباثتهم، ويقطعون السبيل، يقطعوا سبيل المارة، والذاهبين من مكان إلى مكان؛ فيأخذوهم لفعل الفاحشة، ولسلبهم [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ] إما يأتون في ناديهم هذا يعني أنه يفعلونه لا يستحيون منه، ولا يستترون منه. أو منكرات أخرى يعني من التفاحش يعني من انحطاط يفعلونه أمام بعضهم بعض لا يستترون منه، قال بعضهم حتى أنهم كانوا  لا يستحيون من هذا الأمر كل ما هو من شأن الحقارة، والخسة كانوا يفعلونه دون أن يستحي حتى بعضهم من بعض؛ فالله -تبارك وتعالى- أنجاه من هؤلاء من هؤلاء القوم السوء الذين يفعلون هذه الخبائث [وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ] قال -جل وعلا- إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ إنهم يعنى هؤلاء كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ يعني هذه صفتهم فَاسِقِينَ خارجين عن طريق الرب -سبحانه وتعالى- فهذه منة الله -تبارك وتعالى- على عبده لوط.

 وذكره الله -تبارك وتعالى- هنا بالجميل، وأنه عبده، ورسوله، وأنه قد آتاه حكما، وعلماً؛ ثم قال -جل وعلا- {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[الأنبياء:75] وَأَدْخَلْنَاهُ في الآخرة يدخل في رحمة الله -تبارك وتعالى- يعني في العباد الصالحين الذين يدخلون جنة الرب -تبارك وتعالى- فهذا صنيع الله الجميل بعبده لوط في الدنيا، وصنيعه في الآخرة، في الدنيا أنجاه الله -تبارك وتعالى- من هؤلاء، وأهلك الباقين، وفي الآخرة أنه أدخله مع عباده الصالحين إلى الجنة، كما قال -تبارك وتعالى- {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:69]{ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا}[النساء:70] فإن أهل الخير هؤلاء جميعا يجمعهم الله -تبارك وتعالى- ليجعل الجنة مستقرهم ويجعلهم جماعة الجنة {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}[الأنبياء:75].

 ثم قال -جل وعلا- [وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ] يعني من قبل هؤلاء المذكورون، ومن قبل إبراهيم {........فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الأنبياء:76] وهذا إن شاء الله نعود إليه في الحلقة الآتية.

 أستغفر الله لي، ولكم من كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.