الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (388) - سورة الأنبياء 76-82

الحمد لله رب العالمين، وأصلى، واسلم على عبداللاه، ورسوله الأمين سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ ففي سياق ذكر الله -تبارك وتعالى- لهذه الطائفة العظيمة، المباركة من أنبياءه، ورسله، قال -جل وعلا- {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(76)وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنبياء:76-77].

 ذكر الله -تبارك وتعالى- نوحاً أنه أرسل -سبحانه وتعالى- نوحاً كذلك، وأن هذا صنيع الرب الجميل به -سبحانه وتعالى- إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ من قبل هؤلاء المذكورين؛ فقد ذكر الله -تبارك وتعالى- لوطاً، وذكر إبراهيم، ونوحا كان من قبل هؤلاء المذكورين أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى قومه، وكان من شأنه ما قص الله -تبارك وتعالى- أنهم عاندوه كل المعاندة، ولم يؤمن به إلا القليل، وأنه فى نهاية المطاف دعا الله -تبارك وتعالى- بأن يستأصلهم من الأرض {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26]{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27] وهذا بعد أن يعني انتهت كل حيلته، وحطموا كل أسباب دعوتهم إلى الخير {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23]{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا}[نوح:24] وقال بعضهم لبعض يعنى لم إنه يوصي الأب الابن، ابنه يوصي، وهكذا يحذرونه يعني من نوح {.......وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح:27] فالابن يسير على ما سار عليه الآباء، وكان قد أوحى الله -تبارك وتعالى- إليه، وقال أنه {........أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[هود:36] فذكر الله -تبارك وتعالى- هنا عبده نوحاً، وأنه [نَادَى مِنْ قَبْلُ] نادى ربه كقول {........أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10] غلبت، وأصبحت الحيلة، والهزء، والاستهزاء به الدائم، وتهديده قائم على قدم، وساق كقوله: {........لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}[الشعراء:116] وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ نادى ربه -سبحانه وتعالى- مستغيثاً به، وطالباً أن ينجيه الله -تبارك وتعالى- وأن ينجي من معه يعني من المؤمنين، قال: ونجى من معى من المؤمنين، قال -جل وعلا- فَاسْتَجَبْنَا لَهُ إستجاب الله -تبارك وتعالى- له دعاؤه [فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ] نجاه الله -تبارك وتعالى- وأهله الذين آمنوا يعنى معه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ذكر الله -تبارك وتعالى- ما كان فيه نوح أنه كرب، والكرب هو شدة الغم، وما يعلو القلب من الحزن، والهموم العظيمة وهذا يعنى أسباب هذا كثيرة سبه، وشتمه، ومنعه من أن يدعو إلى الله -تبارك وتعالى- وتهديده بالقتل، ووعيده، والاستهزاء بمن معه؛ فكروب متواصلة مع طول عمر في دعوة قومه إلى الله -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا........}[العنكبوت:14] [فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ] الذي كان فيه من هؤلاء القوم الكفار.

 قال -جل وعلا- {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنبياء:77] نصره، وتأييده، وجعله يغلب هؤلاء المجرمين، كما قال، لما قال نوح {........أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر:10] انتصر لي؛ فنصره الله -تبارك وتعالى- وذلك بأن، قال، أنجاه الله -سبحانه وتعالى- هو، والمؤمنين معه في الفلك، واستأصل الباقين كلهم بالغرق [وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا] هؤلاء الكفار المكذبين [إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ] كانوا، هذا حكم الرب تبارك وتعالى أنهم [كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ] يعني هم، والسوء هو صفتهم، وما هم أهله [فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ] أغرقهم الله -تبارك وتعالى- أَجْمَعِينَ كلهم، كل القوم رجالاً، ونساءً، وأطفال كلهم أغرقهم الله -تبارك وتعالى- وأزالهم عن وجه الأرض؛ فهذا صنيع الرب -تبارك وتعالى- الجميل بعباده المؤمنين، وكذلك عقوبته الشديدة لهؤلاء المكذبين لهؤلاء الرسل.

 ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- نبيين بعد ذلك من أنبياء بني إسرائيل في سياق كذلك إكرامه، وإنعامه على عبده إبراهيم عليه السلام؛ فهؤلاء من ذريته، قال: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ(79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}[الأنبياء:80] ذكر الله -تبارك وتعالى- هذين النبيين داوود، وابنه سليمان، وهما من نسل إبراهيم عليه السلام عن طريق ابنه إسحق [إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ] يعنى أذكر [إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ] الحرث الزراعة و نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ يقال الغنم إذا ترعى في النهار هذا رعي، وإذا ذهبت، وأكلت الزرع في الليل يقال نفشت؛ فنفشت في الليل، ورعت في النهار نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ رجل راعي، ولم يحط لغنمه، وتركها؛ فخرجت من حظائرها، ومن أماكنها ليلاً، وذهبت إلى زرع زارع فأكلته؛ فتخاصما إلى داوود، وداوود كان نبيا، وكان ملكاً، وهو حاكم على قومه. الله -تبارك وتعالى- آتاه الحكم،  والنبوة مع النبوة كان كذلك ملكاً، وحاكماً في قومه؛ فلما تخاصما إليه حكم داوود بأن الغنم تصادر، وتعطى لصاحب الزرع عقوبة لصاحب الغنم عن إهماله في حفظ غنمه، وتعويضاً لأصحاب الزرع الذين أتلف زرعهم؛ فيأخذوا يعوضوا بالغنم تعويضاً لهم، ولكنهم عندما خرجوا بعد هذا الحكم من عند داوود، جاء سليمان عليه السلام، وقال لهم: بما حكم لكم أبي، قالوا كذا؛ فقال هل من حكم يعنى أراد أن يعني يحكم بحكم أعدل للطرفين لأن هذا، هذا حكم عدل؛ فإن المتلف للشيء لا بد أن يغرم اتلافه؛ فهذا الحكم الذي حكم به داوود حكم عدل، لا بد أن تدفع ثمن المتلفات؛ فدفع ثمن المتلفات من هذه الغنم؛ فعدل لكن صاحب الغنم طبعاً تضرر بأنه دفع ثمن المتلفات هذا، و خسر غنمه، وخسره في مقابل إهماله، وتركه غنمه على هذا النحو؛ فيعاقب.

 سليمان فكر في الأمر، وأراد أن يحكم حكم أكثر عدلاً للطرفين هذا ليس ظلما، ولكن أكثر عدلاً للطرفين؛ فقال: حكم بأن نأخذ، يأخذ صاحب الزرع الذي أتلف زرعه يأخذ الغنم؛ فيستفيد بألبانها، وبأصوافها، وكذلك بنتاجها مدة بقاء الأرض في يد الراعي، وسلم الأرض هذه التي قد رعيت، أو نفشت فيها غنم  القوم، وأكلوا، وأتلفوا زرعها ترد إلى هؤلاء؛ فيعيدوا الأرض كما كانت يزرعونها، ويفلحونها، ويعيدونها الشجر الذي أكل، الزرع الذي أتلف يزرعوه من جديد و حتى تتم زرع الأرض كما كانت قبل الإتلاف عند ذلك يعني يترادا يرجع صاحب الأرض يأخذ أرضه، وزرعه أصبح مثل زرعه، وصاحب الغنم يأخذ الغنم، ويكون صاحب الأرض الذي خسر هذا في فترة الخسارة هذه، وفترة إعادة الزراعة من جديد يكون قد استفاد بنتاج هذه الغنم وكذلك الخسارة التي وقعت على صاحب الغنم أصبحت خسارة جزئية، وأنه خسر غنمه هذه الفترة؛ ثم أيضاً العقوبة التي عليه، وأنه يقوم بالزرع حتى يعود زرع الأرض كما كانت، ويترادان بعد ذلك؛ فيكون هذا أكثر عدلاً، قال -جل وعلا- [وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ هذا كان حكم داوود؛ ثم كان هذا حكم سليمان وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ كان الله -تبارك وتعالى- شاهداً لحكمهم لأن الله -تبارك وتعالى- هو المطلع، القائم على كل نفس -سبحانه وتعالى- وهنا هداية الرب -سبحانه وتعالى- قال -جل وعلا- [فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ] فهمه الله -تبارك وتعالى- المسألة أن تحل بهذه الصورة التي تحقق العدل الكامل، والإحسان لكلا الطرفين، وكل الخصمين.

قال -جل وعلا- وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وكلا من داوود، وسليمان أعطاه الله -تبارك وتعالى- حكما، وعلما حكما صحيحا على الأمور، وعلما بالأحوال؛ فهذا فضل الله -تبارك وتعالى- وهذا  نقول فيه عدل، وفيه إحسان، وفيه حكم حسن، وفيه حكم ألطف منه؛ فهذا حكم سليمان في هذه القضية كان أكثر يعني إحساناً من حكم داوود، وحكم داوود كان حقاً، وخيراً؛ فهو لم يجر، ولم يظلم، وإنما حكم يعني بالحكم الصحيح، وإنما هذا أرفق، وأعدل، وأحسن وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا

ثم قال -جل وعلا- {.......وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:79] هذا مما أنعم الله -تبارك وتعالى- به على عبده داوود النبي أن الله -تبارك وتعالى- سخر له الجبال يسبحن معه وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وكان الله -تبارك وتعالى- يعني هو يعني الفاعل لهذا، والآمر بهذا -سبحانه وتعالى- أعطى الله -تبارك وتعالى- عبده داوود صوتاً حسنا، وكان هذا الصوت الحسن يستخدمه في أشرف، وأعلى أنواع الكلام، وهو ذكر الله -تبارك وتعالى- وحمده، والثناء عليه، وقد أنزل الله -تبارك وتعالى- له الزبور كله مواعظ، وأحكام، وأذكار للرب -تبارك وتعالى- يتغنى داوود عليه السلام بهذا الزبور المنزل إليه، ومن جمال صوته فإن الطير تقف عند هذا الصوت، وتردد معه، والجبال الصم تردد معه بأمر الله -تبارك وتعالى- ولا شك أن الإحساس أن للجمادات إحساس، وللحيوانات إحساس، وفيه هذا، هذا أمر عالي معجزة، وخارقة بالنسبة لداوود، ولكن بالنسبة للعموم لا شك أن حتى عند عموم الناس الحيوان يتأثر بالصوت الجميل؛ فهذه الإبل تتأثر بالصوت الجميل، والعرب قد عرفوا هذا؛ فالحداة، الحداة حداة الإبل إنما هو يعني صوت جميل بمعاني أي معاني، وكان إذا حدى الحادي، وغنى بغناه للإبل؛ فإن الإبل تنشط تسمع هذا، وتطرب له، وتنشط له، وتستمر في المشي بل تنتقل من نوع من السير لنوع آخر على طريقة احداة نفسهم، نفس الحداة هو يعطيها الحركة، أو صورة، نوع المشي الذي تسير به الإبل.

 الله -تبارك وتعالى- سخر مع داوود الجبال تسبحن ليس مجرد الصدى أنه إذا قال القول ترجع، الجبل يرجع الصدى؛ فإن هذا لكل أحد؛ فإن أي صوت يصوت به، ويكون الجبل على مسافة مرد الصوت بسرعة الصوت؛ فإنه يرد له الصدى مرة ثانية، لا، الجبال كانت تسمع، وتردد معه، الترديد ذكر المقطع الأخير منه، أو ترديد نفس الفاصلة التي يتغنى بها، تردد نفس الفاصلة، وكذلك الطير كانت تأتيه الطير عندما يبدأ بإنشاده، وبغنائه بالزبور تأتي الطير؛ فتكون يعني كالغمامة عليه، وتنشد معه أمر عظيم جداً يعني هذا تصور هذا منظر عظيم جداً لنبي من أنبياء الله -تبارك وتعالى- يتغنى بكلام الله -تبارك وتعالى- موعظة، وذكراً، وتمجيداً للرب -سبحانه وتعالى- والله -تبارك وتعالى- يجعل له هذه الموجودات من حوله الجبال، والطيور تستمع، وتردد معه، منظر عظيم جداً {.......وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:79] [وَكُنَّا فَاعِلِينَ] يؤكد الله -تبارك وتعالى- أن هذا فعله -سبحانه وتعالى- وأن هذه كرامته لهذا العبد الصالح داوود عليه السلام؛ ثم قال -جل وعلا- {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}[الأنبياء:80] وَعَلَّمْنَاهُ الله -سبحانه وتعالى- هو الذي علمه، نسب الله تبارك وتعالى تعليم هذا الأمر إليه، تعليم داوود هذا الأمر إليه [صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ] صنعة، وهذه الصنعة لبوس، وهو دروع تلبس، أول من صنع الدرع الواقي من الحديد الذي يلبسه المحارب ليقيه ضرب السيوف، أو رمي السهام هو داوود عليه السلام أول من يعني جعل الحديد لباساً ليقي المحارب يعني بأس الحرب، وقد من الله -تبارك وتعالى- عليه بأنه كان ينسج هذه الدروع من الحديد بيديه دون أن يضع الحديد في النار؛ فالحديد لا يلين إلا بوضعه في النار يوضع الأول في النار، وعندما يحتر، ويصل إلى حرارة معينة عندما يحمر عند ذلك يلين يصبح لين؛ فيشكل لكن هذا داوود عليه السلام كان يشكله بيديه دون وضعه في النار أيضاً كرامة من الله -تبارك وتعالى- وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لكم أيها الناس لأن هذا الدرع أصبح خلاص عرف في الناس، وصنع أصبح يأخذه يعني المؤمن، والكافر، والبر، والفاجر.

 [صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ لتجعل هذا مثل الحصن تكون الدرع كالحصن، تحصنكم تمنعكم من هذا الشر من بأسكم، بأس بعضكم ببعض، والبأس الشدة، والقوة؛ فالضرب بالسيف هذا بأس الناس بعضهم ببعض؛ فالله -تبارك وتعالى- أخبر بأنه علم البشر عن طريق أول من صنعها داوود ليكون هذا تحصين للإنسان من بأس يعني الإنسان عندما يتحارب [فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ] فهل تشكرون الله -تبارك وتعالى-  على يعني هذا الأمر، وهو أن الله -تبارك وتعالى- يعلم نبي من الأنبياء صنعة فيها نفع للناس كلهم صنع للبشر [فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ] سؤال يراد به يعني الدعوة، والتقرير هل تشركون الله الدعوة شكر الرب -سبحانه وتعالى-.

 ثم قال -جل وعلا- {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}[الأنبياء:81] عبدالله -تبارك وتعالى- وهو سليمان، وهو ابن داوود الرِّيحَ سخرنا له الريح عَاصِفَةً العصف هو شدة الجريان سخرها الله -تبارك وتعالى- تجري بجريان شديد تَجْرِي بِأَمْرِهِ تجري بأمره حيث يريد، يعني يقول لها انطلقي، واخرجي إلى هذا المكان؛ فتسير لهذا المكان تحمله، وتحمل جيشه كذلك بكل معداته، وكل آلاته تحمله، وبإشارة منه تسير هذه الريح إلى حيث يريد.

 [وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا] والأرض التي باركنا فيها هي أرض الشام قاعدة ملك سليمان عليه السلام، ولكن كانت يذهب بجيشه يسمنة، ويسرة، شمالاً، وجنوباً داعين إلى الله -تبارك وتعالى- وصل ملكه إلى سبأ في اليمن، وعندما علم أحد جنوده من الحيوان، وهو الهدهد، وقال له: {........أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:22] هذا الهدهد الصغير يأتي لنبي الله -تبارك وتعالى- العظيم، والملك العيظم يقول له أنا قد علمت شيئاً لم تعلمه {.......أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ  }[النمل:22-26].

 هذه كلمات هدهد سخره الله -تبارك وتعالى- لعبده سليمان، وجاءت القصة في أن سليمان أرسل لهذه الملكة أن تأتي هي، وقومها {........وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[النمل:31] ثم لما سارت في المصانعة، وترسل هدية أرسل لها خطاب تهديد، قال: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ}[النمل:37] فطبعاً استجابوا للأمر، واستكانوا، وعلموا أن هذا أمر لا يدافع، وأن عند سليمان الجند لا يدفعون؛ فكون سليمان عليه السلام يرسل من قاعدة ملكه في بيت المقدس إلى سبأ، وهي تبعد آلآف الكيلو مترات، ويأمرهم بهذا الأمر، بل سخر له بعد ذلك ما هو أعظم من هذا، وهو الانتقال المتاع في لمح العين؛ فإنه قال لقومه {.......أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[النمل:38] بعد أن علم أنهم آتون في الطريق إليه؛ فقال عفريت من الجن ممن سخر له أَنَا آتِيكَ بِهِ آتيك بعرشها إلى بيت المقدس [قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ] جلستك هذه وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قال -جل وعلا- {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ........}[النمل:40] في لمح البصر آتيك به، قال -جل وعلا- [فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ].

فهذا مما سخر الله -تبارك وتعالى- لسليمان سخر له الريح التي، يقول الله -تبارك وتعالى- {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}[الأنبياء:81] الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا أرض فلسطين بارك الله -تبارك وتعالى- فيها البركات الدنيوية، والأخروية بركات الدنيا من وفرة هذه البساتين، والزروع، والخيرات، والأرض الطيبة، والمناخ الجميل، وكذلك بركات الآخرة من الهداية، والأنبياء المتتابعين وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ كنا الرب -سبحانه وتعالى- الذي لا إله إلا هو  [بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ] فهذا صنيعه الجميل -سبحانه وتعالى- مع عباده المؤمنين؛ فالله -تبارك وتعالى- يذكر هؤلاء العباد المؤمنين، وأنبياءه، واذكر صنيع الرب -تبارك وتعالى- معهم.

 ثم من جملة ذلك كذلك مما سخره الله -تبارك وتعالى- لسليمان {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}[الأنبياء:82] وَمِنَ الشَّيَاطِينِ بعضهم يعني لم يسخر الله -تبارك وتعالى- له كل شياطين الأرض، وإنما سخر له بعض هؤلاء الشياطين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ قول الله من الشياطين معنى أنهم كانوا من الجن الغير المؤمنين لكن الله تبارك وتعالى سلطه عليهم في أن يذل لهم، وأن يقهرهم، وأن يقيمهم في الأعمال الشاقة يقيمهم فيها مما يعجز عنه يعني بعض البشر، ويقيمهم فيها ؟؟؟؟ فإن الله -تبارك وتعالى- يعنى قد أطلق يد سليمان فيهم، كما قال { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }[ص:35-39] هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ على من تشاء من هؤلاء الشياطين بالإعفاء من الخدمة، والإعفاء من القهر أَوْ أَمْسِكْ أمسك من تشاء منهم يعني في العمل  بِغَيْرِ حِسَابٍ لا يحاسبه الله -تبارك وتعالى- فيهم وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ والغوص من أشق الأعمال فكانوا يغوصون في أعماق البحار لاستخراج الدر [وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ] يعملون عمل دون الغوص كذلك، وهذه الأعمال دون الغوص، قال الله -تبارك وتعالى- {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[سبأ:13] فيعملون له محاريب بالبناء، محاريب محراب يعني مكان للعبادة للاعتكاف فيه للعبادة وَتَمَاثِيلَ وكان هذا مما يعني تماثيل للطير، والحيوان، وغير ذلك مما كان مباحاً لهم في هذا الوقت، وجاءت طبعاً تحريم التماثيل في شرعة نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه-

[وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ] جفان جمع جفنة، الجفنة هي هذه القدر العظيم الذى يكون أعلاه أوسع من أسفله كالقصعة؛ فجفان [كَالْجَوَابِ] الجواب جمع جابية، الجابية البركة العظيمة يعني قدر لكنه مثل جفنة للطعام لكنها كالبركة العظيمة للماء [وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ] قدور للطبخ رَاسِيَاتٍ ترسو عظيمة توضع فيها يعني أعداد من الإبل، والغنم لطبخها، وذلك يعنى خدمة لذاك الجيش الكبير الذي سخر له، قال، وكل هذا كانت تصنعه له الشياطين.

 قال -جل وعلا- [وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ ] دون الغوص يعني وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ كنا الرب الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- لَهُمْ لهؤلاء الشياطين حَافِظِينَ الإنسان لا يرى شيطان إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ وقبضه، وسجنه، أمر صعب لكن الله -تبارك وتعالى- حفظهم لسليمان عليه السلام؛  فكان يتحكم فيهم يسجن من يشاء، يمن على من يشاء، يقيم من يشاء في الخدمة؛ فهو محفوظ مأمور بأمر سليمان عليه السلام، وهذا طبعاً تسليط من الرب -تبارك وتعالى- لسليمان عليهم، وهذا ليس في طوق أحد؛ فهذا من الملك الذي اختصه الله -تبارك وتعالى- به حتى إن نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه- لما جاء الشيطان جاء إبليس، وأخذ شعلة من نار، وضربها في وجه النبي، وهو في صلاته؛ فالنبي صلي الله عليه وسلم تقدم إليه، وأخذه، وخنقه، وأراد أن يأخذه خلاص حبسه، حبسه على صورته، وأراد أن يأخذه، ويربطه في سارية من سواري المسجد لكنه تذكر دعوة سليمان، وأنه قال: [وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ] وحدث النبي فقال: إن عدو الله أتى بشعلة من نار يعني يضعها في وجهي، وإني قد خنقته حتى إني وجدت برد لعابه يعني بأصبعي، وأردت أن أخذه، وأوثقه بسارية من سواري المسجد ليتلاعب به صبيان المدينة، ولكني ذكرت دعوة أخي سليمان.

[وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي] فتركته فالشاهد أن الرب -تبارك وتعالى- قد سلط سليمان على هؤلاء الشياطين، وسخرهم له، قال: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ}[الأنبياء:82] كنا لهؤلاء الشياطين حَافِظِينَ له يتصرف فيهم، ويذلهم بالخدمة كما يشاء، بل إنه قد دعا الله -تبارك وتعالى- عندما علم أنه سيموت أن يبقيه الله دون دفن حتى يبقى يعني هؤلاء في الخدمة، وبقوا خمسين سنة، وهم لا يدرون بموت سليمان إلى أن يعني أكلت الأرضة العصا التي كان يتكئ عليها؛ فوقع فلما وقع, الله يقول علمت الجن لو {......يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}[سبأ:14] الشاهد أن كان هذا من الصنيع الجميل لعبده -سبحانه وتعالى-  سليمان من المنة، وكرمه عليه، وهذا في سياق ذكر الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء الأنبياء.

 ثم ذكر الله تبارك وتعالى بعد ذلك عبده أيوب؛ فقال: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأنبياء:83] وهذا موعدنا إن شاء الله في الحلقة الآتية، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.