الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (391) - سورة الأنبياء 97-103

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }[الأنبياء:95-103] هذه الآيات بدأت في تعقيب الله -تبارك وتعالى - في ختام هذه السورة العظيمة من سورة الأنبياء التي ذكر الله -تبارك وتعالى -بها هذه الطائفة العظيمة ممن اصطفاهم الله -تبارك وتعالى -للنبوة والرسالة ومن عناية الرب -تبارك وتعالى- ومن صنيعه الجميل ودعوة إلى الخلق للدخول في طريق هذه الطائفة العظيمة هذه الأمة العظيمة أمة الدين والهداية, يخبر -سبحانه وتعالى- أن كل قرية أهلكها الله -تبارك وتعالى- فإنها لا تعود إذا أهلكت, فإن تذهب إلى مصيرها وحرام وممنوع على قرية أهلكها الله -عز وجل- أنهم لا يرجعون إلى الدنيا, حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج هذا حدث من الأحداث الكبرى قبل قيام الساعة انفتاح يأجوج ومأجوج الذين حفظهم الله -تبارك وتعالى-, وحفظ البشر من إفسادهم بذلك السد الذي بناه في الزمن الأول هذا الملك العظيم وهو ذو القرنين الذي قص الله -تبارك وتعالى- من ذكره ما قص في سورة الكهف, وأنه بنى سدًا حمى الناس من هذه الأمة والطائفة المفسدة وهم يأجوج ومأجوج من نسل آدم, وأن الله -تبارك وتعالى- إذا أذن بعد ذلك بقرب قيام الساعة يكسر هذا السد ويخرج يأجوج ومأجوج ويعيثون في الأرض فسادا يقتلون, ينهبون, لا يبقون أحد, فالله يقول حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج قبل قيام الساعة وهذا الأمر العظيم يكون مصاحب لنزول عيسى بن مريم وقيادته للمؤمنين في ذلك الوقت, وهم من كل حدب ينسلون يدخلون على الناس من كل زاوية وثنية من الثنايا, حدب هو حمية الجبل, ينسلون: يجرون نسلان, {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:97]: شخوص وهو وقوفها على شيء واحد من الهول قال -جل وعلا- مخاطبًا هؤلاء {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98]: خطاب إلهي لهؤلاء في الدنيا وهذا الذي سيكون في الآخرة إنكم أيها الكفار المعاندون وما تعبدون من دون الله والذي عبدتموه من دون الله حصب جهنم, أي كلكم تقذفون, الحصب مأخوذ من الحصباء وهي هذه الحجارة الصغيرة لما يتفتت من صخور الجبل فتكون حجارة صغيرة, وتسمى حصباء؛ لأنه يحصب بها والحصب هو الإلقاء بها, حصب جهنم مقذوفات النار تقذفون أنتم وآلهتكم في النار, حصب جهنم أنتم لها واردون داخلون الورود هو الحضور والمجئ وقد جاء في الحديث بين النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال بأن الله -تبارك وتعالى- «ينادي الخلق بعد أن يجمعهم جميعًا يوم القيامة مؤمنهم وكافرهم في صعيد واحد يسمعه الداعي وينفذه البصر الداعي يسمع الجميع والبصر ينفذ إلى الجميع, فكلهم في أرض واحدة لكن متفاوتون بعد ذلك فمن هو في رحمة الله -تبارك وتعالى- ومن هو في النكال وفي الهم والغم العظيم والفزع الأكبر», فالله ينادي -سبحانه وتعالى -في هؤلاء المجتمعين كلهم الذين حشروا جميعًا ويقول كل من كان يعبد شيء يتمسك به فكل هؤلاء عباد الطواغيت والأصنام وعباد الشمس والقمر تتمثل لهم كل معبوداتهم يتمسكون بها, ثم كلهم يقذفون في النار هم ومعبوداتهم حتى الشمس والقمر فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنهم ثوران عقيران في جهنم ثور حجر معقور كأنه مذبوح ومعقور أنها خامدة أن الشمس تكون كالحجر الخامد أو كالثور المعقور ملقى في جهنم, كذلك هذا يكون خزي كذلك لمن عبدوها قال -جل وعلا-: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}: أي ستقذفون فيها وجهنم هو هذا السجن العظيم الذي أعده الله -تبارك وتعالى -وهيأه لأعدائه {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[فصلت:19] فهي سجن مُعَد لأعداء الله -تبارك وتعالى- من الشياطين ومن تبعهم كما قال الله -جل وعلا- لإبليس: {لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}[ص:85]: فهذه هيئت لإبليس ولكل من اتبعه سواء من ذريته ونسله, أو من ذرية آدم ممن تبع الشيطان, {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98]: تأكيد من الله -تبارك وتعالى- أنهم واردون لها وحاضرون لها وملقون فيها.

ثم قال -جل وعلا-: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا}: لو كانت هذه المعبودات التي عبدتموها من دون الله آلهة على الحقيقة ما وردوها لأن الإله على الحقيقة هذا يكون له صفات الألوهية الخلق الرزق الإماتة الإحياء التصريف, فهذا هو الإله الذي يستحق العبادة فلا يستحق العبادة إلا من كان هكذا, وأما هؤلاء مخلوقات ليس بيدها نفع لا تنفع نفسها ولا تنفع غيرها وهم سموها آلهة لكنها ليست آلهة في الحقيقة ولا إله على الحقيقة إلا الله وحده -سبحانه وتعالى-, فالله وحده هو الإله؛ لأنه هو الخالق الرازق هو الذي خلق هذا الكون والرازق لعباده هو المدبر لشئونهم ولا يشركه أحد وليس معه أحد ليس معه ابن وليس له شبيه ولا نظير ولا كفء بل الله المتفرد بهذه الصفات وحده -سبحانه وتعالى- {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62], {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:1], {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}[الأعلى:2], {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:3], {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى}[الأعلى:4], {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى}[الأعلى:5], وكل هذا فعله ولا فعل لأحد معه لهذا الفعل فهذا هو الرب الإله -سبحانه وتعالى - وحده أما هذه المعبودات التي عُبِدَت من دونه, وقد عبد الناس طوائف من هذه المعبودات منها معبودات تافهة هي في ذاتها لا تنفع ولا تضر إنسان صنعها بيده صنم يصنعه الإنسان بيده ثم يعبده يقدسه يطلب منه نفع يطلب منه دفع الضر, والحال أن هذا أتفه أنواع الآلهة المدعاة {........ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم:42], ثم ادعوا شركاء مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ}[هود:55]: أي هذه الذي جعلوها شركاء لله -تبارك وتعالى- لا تخيف ولا تنفع عابدها ولا تضره, يدعو من دون الله ما لا يضره ولا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد فهذه أتفه ما عبد, ثم عبد الناس كذلك أشياء من المخلوقات النافعة في ذاتها لكن الذي يستحق العبادة من خلقها ومن أقامها كالشمس والقمر أو النجوم أو الأشجار وهي مثمرة أو الأنهار فهذه مخلوقات في ذاتها نافعة وتنفع البشر, لكن نفعها ليس بذاتها وإنما بما بالذي أقامها الله هو الذي أقام في هذا {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37], فالذي يُعْبَد هو خالقها -سبحانه تعالى- ومقيمها وليست هي لا يعبد هذه فالذي يعبد البقرة لأنها تنفعه يشرب حليبها ويقول أمي هذه أرضعتني أربعين سنة يقول أنا تربيت على حليبها, المفروض أن يعبد الرب الذي خلقها الذي يستحق العبادة ليس هو البقرة وإنما الرب الإله الذي خلقها -سبحانه وتعالى -فهي نافعة في ذاتها ولكن الذي يجب أن يعبد وأن يشكر هو الذي خلقها وهيأها للإنسان أو يكون المعبود من عباد الله -تبارك وتعالى -المكرمين ممن لم يرضون بهذه العبادة ولم يدعوا الناس لها وهم بريئون من أن يدعو الناس إلى الشرك بالله -تبارك وتعالى- كالملائكة فإن الملائكة عباد الله -تبارك وتعالى - ومن عبدهم كمشركي العرب عبدوهم وظنوا أنهم هؤلاء بنات الله وأنها ستشفع لهم عند الله -تبارك وتعالى- وقربوا لهم قرابين مما يجب أن يفعل لا يفعل إلا لله -سبحانه وتعالى- الملائكة بريئة من هذه {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}[سبأ:40], {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41]: فهذا هؤلاء الذين عبدوا الملائكة, الملائكة لا ترضى بأن تُعبَد من دون الله -تبارك وتعالى- وإنما عبدهم هؤلاء بعدم رضا منهم لذلك ومثل هؤلاء الأنبياء والرسل ومن الذين عبدوا أعظم رسول كان وجد له من يعبده عيسى بن مريم -عليه السلام- دعيت الألوهية وعبد من دون الله -تبارك وتعالى- وجاءت الآلاف بل الملايين تلو الملايين أجيال طويلة كلها من النصارى الحمقى الذين لا عقول لهم فجعلوه إله من إله رب يخلق ويرزق وأن ذاته ذات الرب -تبارك وتعالى -وأن فعله فعله كل ما يفعله الرب -تبارك وتعالى- يفعله عيسى من الإحياء والخلق والإماتة ومقاضاة الناس والحكم عليهم إدخال الجنة إدخال النار كل هذا جعلوه لعيسى بن مريم -عليه السلام-, والحال أنه بشر نبي صالح قال -جل وعلا-: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ, فهو رسول شأنه كشأن الرسل السابقين كشأن موسى وشأن إبراهيم, وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ: ليست آلهة كذلك فالتقرب إلى مريم -عليها السلام- بالصلاة وبالصوم وكذا مما يفعله النصارى أمه صديقة أي مؤمنة صدقت بكلمات ربها وكتبه, كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ: بشر يعيشون كالبشر فيأكلون محتاجين إلى الطعام وبالتالي يحتاجون إلى ضرورة هذا الطعام من إخراج فضلاته, فكيف يكون هذا إله؟ ليس إلهًا فهؤلاء الذين عبدوا من هذا الخلق شريف المطهر سواء كان من الملائكة أو من الأنبياء والرسل هم بريئون من هذا يبرئون إلى الله -تبارك وتعالى- ممن عبدهم والله -تبارك وتعالى- يخبر عن عيسى أنه يوم القيامة يبكت الله -تبارك وتعالى- أتباعه فيقول له أمام الجميع وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ: هل قلت لهم هذا أن يعبدوك ويعبدوا أمك ويعبدوا طبعا عبادة النصارى لمريم -عليها السلام- ليس لأنها يعتقدون أنها إلهه خالقة رازقة وإنما إلهة تبعد بمعنى أنه ينذر لها يذبح لها يسجد لها يصلى لها, فأعطوها ما يعطى الرب -تبارك وتعالى- الإله من العبودية أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ: معبودين من دون الله {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِمَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ........}[المائدة:116-119]: هذا الصدق فالذي قاله عيسى -عليه السلام- لم يأمر أحدا بأن يعبده ولا أن يعبد أمه وإنما دعاهم إلى عبادة الله الواحد الأحد -سبحانه وتعالى- فيخبر -سبحانه وتعالى- بأن هؤلاء طوائف طائفة معه طبعًا بقي طائفة واحدة من الذين عبدوا من دون الله وهم الطواغيت الذين دعوا إلى عبادة أنفسهم هذا طاغوت هذا مجرم مفتئت على حق الرب -تبارك وتعالى- إما مفتئت على أمر الله ونهيه فيحل أو يحرم للناس ما يشاء كفرعون الذي يقول لشعبه {........ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]: أي لا ترى إلا من أراه أنا وأمره هو الأمر وهو لا يأمر إلا برشاد وما يهديكم إلا سبيل الرشاد, وبالتالي ألزمهم رأيه وقوله وحكمه وأنه هو الحكم ولا حكم لهم غيره وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي, فالسجود والطاعة والذل والخضوع كلها له, فهذا طاغوت من رأس الطواغيت شيطان فرعون دعا الناس إلى عبادته, طواغيت من الزعماء والرؤساء والكبراء الذين دعوا الناس إلى تشريعهم هم ودينهم وأن يعظموهم بصنوف التعظيم الذي لا يجوز إلا للرب -تبارك وتعالى- ومن هذا التعظيم القيام فإنه لا قيام إلا لله قيام عبادة لا يكون إلا لله وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أحب أن يتمثل له الناس صفوناً فليتبوأ مقعده من النار» الذي يحب أن يقف له الناس وصفونا من طول القيام يكون يصفن يقف على قدم ويضع طرف القدم الثانية في الأرض كما هو فعل الخيل, الخيل تسمى الصافنات؛ لأنها عند الوقوف الطويل تقف على ثلاث حوافر وتضع طرف الحافر الرابع في الأرض هذا الصفون وتصفن على هذا فالنبي يقول من أحب أن يتمثل له الناس صفونًا فليتبوأ مقعده من النار, يتبوأ: يستحق, ويتمكن فيه هذا حق له أن يتبوأ مقعده من النار فالشاهد, أن هذا صورة رادعة من صور عبادة البشر لغير الرب -سبحانه وتعالى -يخبر -تبارك وتعالى- بأنه كل هؤلاء الذين عُبِدوا من دون الله مع من عبدوهم في جهنم {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98].

 ثم قال -جل وعلا-: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا}: لو كان هؤلاء الذين يقذفون ويرمون هذا الرمي المزري مع الذل والخضوع بهذه الصورة وفي جهنم التي هي باب الخزي والندامة لآلها لو كانوا آلهة على الحقيقة ما وردوها لأن الإله ممتنع الإله قوي خالق رازق قوي يمتنع أن يصنع به هذا الصنيع, لو كان إله على الحقيقة ولكن لأنه إله زائف مزور سموه إله لكنه ليس إلهًا فعند ذلك يكون هذا صنيع الرب -تبارك وتعالى- به يلقى في جهنم قال -جل وعلا-: لو كان هؤلاء آلهة على الحقيقة {مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ}: كل من العابد والمعبود العابد هذا الأعمى وهذا المعبود الذي عبد من دون الله مهما كان كل عابده والمعبود في النار خالدون ماكثون مكثاً طويلًا, ثم صور الله -تبارك وتعالى- حالهم في أنهم ليسوا ملقون وهم موتى خلاص يلقى في النار فيموت ويخمد وينتهي لا, قال: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ}[الأنبياء:100], الزفير هو إخراج الهواء من الصدر لهم فيها زفير قد أخبر -سبحانه وتعالى -في آيات القرآن أنهم لهم فيها شهيق وزفير وإخراج لهذا الهواء الحار من النار إلى الجوف ثم زفره إخراجه زفرات كذلك إلى الخارج, إذًا هذا يدل على أنهم أحياء لكن حياة لا تنفعهم وإنما يعذبون على هذا العذاب المستمر عياذًا بالله, وهم فيها لا يسمعون وهذا من شدة العذاب لأن الإنسان إذا أتاه العذاب وهو أصم يكون هذا أشد من عذاب الذي يسمع ممكن يسمع الخطأ يركض منه يمين يركض منه شمال وكذلك إذا عذب وهو أعمى كذلك, فإن عذاب الأعمى أشد من عذاب المبصر لأنه لا يدري من أين تأتيه صنوف العذاب فأخبر -سبحانه وتعالى- أن هؤلاء سيكونون في النار بهذا الحال عياذًا بالله, لما تسامع الكفار وقراءوا وسمعوا هذا الكلام قالوا إذًا نحن الرسول يقول إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون طيب نحن نعبد الملائكة والنصارى يعبدون عيسى بن مريم كيف هيلقون في النار هل ستلقى الملائكة في النار ويلقى عيسى بن مريم في النار لا شك أن هذا غير داخل طبعًا في هذا الأمر وإنما وإنكم وما تعبدون من دون الله من هذه المعبودات الزائفة التي تصنعوها بأيديكم أو هذه المخلوقات التي تظنوها آلهة وهي ليست آلهة يخزيكم الله -تبارك وتعالى- بأن يدخلكم وإياها في النار.

 أما من هم في أهل طاعة الله -تبارك وتعالى- فإن هؤلاء الذين عبدوا بغير رضاهم فإنه لا يكون هذا المدخل وقد قال -تبارك وتعالى- في إثر ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:101]: حسنى الله -تبارك وتعالى- بأن يختصهم الله بالنبوة والرسالة والإيمان فهؤلاء وإن عُبِدوا فإنهم غير داخلين في هذا لأنهم عُبِدوا بغير رضاهم كما عُبِد عيسى بغير رضاه و يقول الله -تبارك وتعالى- له هذه المقالة يوم القيامة, وكذلك يقول للملائكة هؤلاء إياكم كانوا يعبدون {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41] فالذين سبقت لهم من الله الحسنى قال -جل وعلا- أولئك عنها مبعدون وهذا يدخل فيه كل أهل الإيمان الذين كتب الله -تبارك وتعالى -نجاتهم ممن سبق في علم الله -تبارك وتعالى -وسبق لهم كذلك في صنيع الرب -تبارك وتعالى -بهم بهذه الحياة أن وفقهم إلى الدين والإيمان والطاعة, إن الذين سبقت لهم منا الحسنى وقال الله لهم منا الحسنى؛ لأن ما يرحم إلا من رحم الله -تبارك وتعالى-, ولا يهتدي إلا من هداه الله -تبارك وتعالى- ولا نبوة ورسالة إلا باختيار الله -تبارك وتعالى- فالإيمان والنبوة والرسالة ليست استحقاق أن هذا الشخص يستحق هذا وهو أمر مفروض على الله -تبارك وتعالى- بل هذا برحمته -سبحانه وتعالى- بل كل هؤلاء إنما نالوا ما نالوا بهداية الرب وبتوفيقه -سبحانه وتعالى-, فالله هو الذي يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس -سبحانه وتعالى- الله الذي هؤلاء الرسل وهو الذي هداهم وهو الذي وفقهم إليه كما قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله -صلوات الله والسلام عليه- {........ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء:113], {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}[الضحى:1-9]: فهذه نعمة الرب -تبارك وتعالى-, {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }[الشرح:1-4]: هذا فضل الله تعالى -تبارك وتعالى- على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- فمحمد أعظم البشر تكريمًا من الله -تبارك وتعالى- ومنزلة عند الرب -تبارك وتعالى- إنما نال ما نال بفضل الله وحده -سبحانه وتعالى- ورحمته -جل وعلا- فهؤلاء يخبر الله أنه سبقت لهم من الحسنى, أي أنه سبق لهم ف علم الله -تبارك وتعالى- وبعناية الرب -تبارك وتعالى- لهم الحسنى الإيمان والعمل الصالح, أو النبوة والرسالة أولئك عنها مبعدون عنها عن النار مبعدون فإن الله -تبارك وتعالى- منجيهم ومدخلهم رضوانه وجنته ورحمته -سبحانه وتعالى-, {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:102]: حسيس النار هو أحطماه بعضها لبعض وصوتها هذا المتصارع مما يحطم بعضه بعض, فإن النار تحطم بعضها بعض وتأكل ما فيها, وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ, فهذا والله يخبر بأن لها صوت تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ, فهذا حسها حس النار وهو فحيحها وما تخرجه من الحمم وما تأكله مما عندها من الأحجار وما تأكلها من أجساد الناس فإنها تتقد فيهم وتأكلهم, وتغيظها ولها صوت ولها تغيظ فهؤلاء حس النار هذا ما يسمع لها أي حس حتى الفح فحيحها البعيد لا يسمعونها {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:102], وهم هؤلاء عباد الله -تبارك وتعالى -الذين أكرمهم وسبق لهم من الله -تبارك وتعالى- الحسنى بالإيمان والعمل الصالح والرسالة والنبوة هؤلاء فيما اشتهت أنفسهم في الجنة كل ما تشتهيه أنفسهم حاضر موجود وهم فيم اشتهت أنفسهم خالدون باقون بقاء لا ينقطع, الخلود: هو المكث الطويل في هذه الجنة لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ: لا يحزنهم الفزع الأكبر نفى الله -تبارك وتعالى- أنهم يسمعوا حس النار وكذلك الفزع الأكبر والذي يكون أمام الجميع لا يحزنهم الفزع الأكبر للناس عندما يكونون في الموقف, ثم تأتي النار إذا قربت النار وجاءت وأظهرت للجمع فإنه يحصل عند ذلك فزع هائل في الجميع إلا هؤلاء أهل الإيمان فإنه لا يحزنهم هذا فإنهم مبشرون من الله -تبارك وتعالى-, وأما النار إذا أزلفت وإذا قربت لهم أول قبل أن يدخلوا فيها تقرب يؤتى النار تسحب إلى الموقف كما النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بسبعين ألف زمام في كل زمام سبعون ألف ملك», فإذا أزلفت وقربت ورآها الناس هذا هو السجن الذي سيكونون فيه عند ذلك يكون هذا فزع عظيم وهول هذا الهول العظيم الذي عنده ينهار الجميع.

 الله -تبارك وتعالى- يقول هذا الفزع الأكبر لا يحزنهم, والحزن شيء من الضيق والألم في النفس هذا كذلك ما يجيهم لأنهم مؤمنون من الله -تبارك وتعالى-, فهذا الفزع الأكبر بمجئ النار إلى الموقف {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[الأنبياء:103]: تتلقاهم عند الخروج من القبور بمجرد ما ينشق القبر عنهم ويخرجوا ويشاهدوا بداية الموقف يجد الملك موجود, ويقول أبشر هذا يومك الذي كنت توعد فيبشر البشارة قبل حضور مشاهد القيامة المفزعة وكل مشاهد القيامة المفزعة من البعث حفاة عراة غر من الحر الشديد هل تدنو الرءوس إلى قريب لتدنو الشمس إلى قريب من الرءوس من الهول من عدم معرفة المصير النار هذه الذي أعيدوها ما هي صورتها؟ ما هو أمرها؟ أمر عظيم أهوال كبرى في هذا اليوم فالملائكة تتلقى أهل الإيمان عند بداية الخروج وتتلقاهم الملائكة تتلقاهم عند خروجهم قبورهم وتقول لهم بهذه المقالة المطمئنة العظيمة {........ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[الأنبياء:103]: هذا يومكم, يومكم العظيم, ونسب اليوم إليهم هنا؛ لأنه هذا اليوم الذي ينتظروه من الرب -تبارك وتعالى- يوم كرامة الرب -جل وعلا- لهم لأهل الإيمان الذي كنتم توعدون من الله -عز وجل- الذي وعدكم الله -تبارك وتعالى- إياه بأن يكرمكم وينزلكم المنزل العظيم ويدخلكم جنته.

 أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجعلني, وإخواني المؤمنين من هؤلاء الذين يكرمهم الله -تبارك وتعالى- وتتلقاهم الملائكة هذا التلقي وتبشرهم هذه البشارة وتطمنهم هذا الطمئين وتقول لهم هذا يومكم الذي كنتم توعدون, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-, والحمد لله رب العالمين.