الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد, فيقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج:1], {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:2], {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ}[الحج:3], {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج:4], هذه الآيات بداية سورة الحج, وهذه السورة سورة مدنية أي أنها من القرآن الذي نزل بعد هجرة النبي -صلوات الله والسلام عليه- بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بهذه البداية العظيمة من الوعظ والتحذير الشديد مما الناس مقدمون عليه من المشهد العظيم وحصول الحساب قال -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ: خطاب من الله -تبارك وتعالى- إلى الناس جميعًا, وهذا القرآن قد أنزله الله -تبارك وتعالى- خطاب إلى الجميع إلى الناس كلهم {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]: ليكون هذا القرآن نذيراً للعالمين, {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1], {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}[الكهف:2], {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}[الكهف:3], فالقرآن نزل من عند الله -تبارك وتعالى- نذارة عظيمة للعالمين نذارة هو الإخبار بما يخوف, فهذا خطاب من الله -تبارك وتعالى- إلى الناس جميعًا والنبي قد أرسل إلى كل الأمم وإلى كل الناس -صلوات الله والسلام عليه- قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا, {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا }[الفرقان:51], يا أيها الناس: خطاب كريم من الرب الإله -سبحانه وتعالى- إلى كل الناس كل البشر يخاطبهم الله ويقول لهم اتقوا ربكم: خافوا الله -تبارك وتعالى-, التقوى: إنما هي أخذ حماية اتقيت هذا الأمر أي احتميت منه, فاتقوا ربكم احتموا من ربكم والاحتماء من الله -تبارك وتعالى- والاحتماء من عذابه -سبحانه وتعالى- وذلك باللجوء إليه لأنه لا فرار من الله إلَّا إليه, {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ........}[الذاريات:51]: فالفرار إنما يكون من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- باللجوء إلى الله -جل وعلا- لأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملك هذا العقاب وهو الذي ينجي منه -سبحانه وتعالى- فلا ينجي من عقوبته إلا هو -جل وعلا- ولا يكون العبد متقيًا الله -تبارك وتعالى- إلا بالإيمان به وطاعته فيما يأمره به والانتهاء عما ينهاه عنه لا يُتَّقَى عذاب الله -تبارك وتعالى- إلا بهذا الإيمان والاستقامة لابد من إيمان بالله -تبارك وتعالى- واستقامة على أمره -جل وعلا-, وبغير هذا لا يكون العبد متقيًا فلابد من إيمان واستقامة الدين هكذا الدين إيمان واستقامة {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا .........}[البقرة:285], فالدين سمع وطاعة لابد من السمع والطاعة هذا الذي جعل له وقاية من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- وإلا من لم يسمع ولم يطع كذب وتولى فهذا الكافر المعاند الذي لم يتخذ له وقاية بينه وبين عقوبة الله –عز وجل- فتعرَّض لعقوبة الله, وقول الله هنا ربكم ما قال اتقوا الله وإنما قال ربكم؛ ليبين أنه هو خالقكم وبارئكم ومتولي شئونكم ليس لكم سيد غيره فاتقوه -سبحانه وتعالى- وبالتالي هو القادر عليكم ما دام أنه خالقكم ووليكم هو الذي له القدرة عليكم -سبحانه وتعالى- وهو مالككم, ثم قال -جل وعلا-: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[الحج:1]: أصل الزلزلة هي الرج الشديد, والزلزال إما يكون زلزال حسي للأرض أو زلزال معنوي كذلك زلزال النفوس زلزال, فزلزال الأرض هو حركتها والزلازل هي الجزئية التي تقع في الأرض أي ما يمسى زلزال هو حركة الأرض واشتقاقها وشقوق ما هو شاخص عليها, ولكن زلزالها الأكبر هو يوم القيامة كما قال -جل وعلا-: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة:1]: زلزلاها الأكبر, {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}[الزلزلة:2], {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}[الزلزلة:3], {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4], {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5], وذلك أن هذه الأرض تحمل ثم تُرَّج رجة واحدة, {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}[الحاقة:13], {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة:14], {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة:15], {وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}[الحاقة:16], {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17], فهذا زلزال وهذا الزلزال أخبر -سبحانه وتعالى- بأنه يكون بالنفخ الأول في الصور وبعد ذلك دك الأرض والجبال, فهذا زلزال الأرض وهذا يكون وهذا هول الأعظم وهذه الساعة عند النفخ في الصور الأول لا تقوم إلا على شرار الخلق كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق لا تأتيكم إلا بغتة» تبغت الناس الموجودين على ظهر هذه الأرض ولا يكون فيهم أحد ممن يعرف الله لا كما قال النبي: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله», فهذا زلزال الأرض الأول, ولكن هنا الله يقول إن زلزلة الساعة نسب الزلزلة إلى الساعة والساعة: يوم القيامة, وهذه زلزلة إنما هي زلزلة الأهوال والأمور العظيمة التي تزلزل قلوب الناس وتهد كيانهم, الحدث إذا كان أمر عظيم فإنه يزلزل قلوب النفوس كما صور الله -تبارك وتعالى- حال المؤمنين في الخندق وأنهم أزعجوا إزعاجا مما لما تمالى عليهم قوى الشر أحاطت بهم من كل جانب وأصبح ينظرون كأنه هناك استئصال قال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}[الأحزاب:9], {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}[الأحزاب:10], {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب:11]: المؤمنون زلزلوا زلزالًا شديدا كادت تتصدع قلوبهم من الهم العظيم الذي أتاهم بإتيان هذه الجموع التي أتتهم من كل مكان, وأصبحوا متخوفين على أن يذهب دينهم وأن يُقتل رسولهم وأن ينتهي هذا الأمر, حتى إن المنافقين أعلنوا كفرهم وعنادهم قالوا: {........ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[الأحزاب:12], فهذا الزلزال الساعة إنما هو أهوالها العظيمة التي يأتي هول إثر هول إثر هول فيزلزل القلوب إن زلزلة الساعة صنيعها بقلوب الناس وأحوالهم, فإن أول هذا الهول كما وصف النبي -صلوات الله والسلام عليه- أن الناس يحشرون حفاة عراة غُرلا غير مختونين وكلهم في صعيد واحد يجمعهم مكان واحد تدنو الشمس من الرءوس حتى تكون قدر ميل يقول النبي يقوم الناس في رشحهم إلى أنصاف آذانهم الإنسان في عرقه لنصف أذنيه ولا يدري المصير سيكون إلى الجنة أم لا, فالموقف تطاير الصحف آخذ بشماله وآخذ بيمينه ما يدري كيف سيأتيه كتابه زلزال الساعة عندما يفتح المجرم كتابه ويرى ما سُطِّر له وأن كتابه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها فيسود وجهه سوادًا على سواد -عياذًا بالله- {........ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:49], زلزالها الأعظم عندما يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في حديث أبي هريرة عند الإمام البخاري: «أن الله -تبارك وتعالى- ينادي آدم في المشهد كله ويقول له يا آدم أخرج بعث النار فيقول أي ربي وما بعث النار فيقول له أخرج من ذريتك من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعين» تسعة وتسعين وتسعمائة من الألف إذًا يبقى واحد يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فعند ذلك {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:2]: عند ذلك يكون الهول لأنه كل أحد في الموقف يقول أين الواحد؟ حتى إن أبي هريرة يقول: شق ذلك على أصحاب النبي -صلوات الله والسلام عليه- وانزعجوا انزعاج شديد جدًا وقالوا يا رسول: أينا ذلك الواحد من منا هذا الواحد الذي سينجو من الألف؟ فقال النبي –صلى الله عليه وسلم -: «إن يأجوج ومأجوج ذكر لهم يأجوج ومأجوج ثم ذكر لهم النبي -سبحانه وتعالى- ما أنتم بالأمم إلا كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جل الثور البيض أو كالرقمة في ذراع الحمار» رقمة لون معين من جلد حمار بشعره فأنتم قلة في الأمم أهل الإيمان بالنسبة من وقت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى آخر الدنيا هم قلة بالنسبة إلى أمم الكفر والضلال فهذا من الزلزال الأعظم إخبار الله -تبارك وتعالى- عندما يقول الله -تبارك وتعالى- ويسمع الجميع يا آدم أخرج بعث النار كذلك من الزلزلة التي تكون للناس عندما يؤتى بالنار وتبرز له {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}[النازعات:36], وجئ يومئذ بجهنم إذا جئ بجهنم إلى الموقف قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنه يؤتى بها لها سبعون ألف زمام وفي كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» فإذا رأى الناس رأى الناس جهنم تأتي هذا القارة أو الكوكب العظيم البئر العميقة المسورة النار ورأوها وما فيها, تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ, فعند ذلك يصيبهم الهول والزلزال الأعظم والله قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم:71], {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مريم:72], فزلزلة الساعة أهوالها شدتها العظيمة شيء عظيم مخيف, عظيم في الإخافة وفي الهول وفي الكرب وفي زعزعة النفوس وتحطيم القلوب.
ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعض من القول قال: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}: هذا اليوم ترون هذه الساعة تذهل كل مرضعة عما أرضعت, الذهول: هو غياب الذهن والفهم والعقل وصاحبها الذي هو في ذهول ما يدري ما أمامه فمن أعظم ما يعتني إنسان به الأم حال إرضاعها لولدها, فإنها يكون إحساسها وشعورها وفكرها مع هذا الذي ترضعه, لكن مع حرصها على هذا في هذا الوقت تذهل عن هذا الذي ترضعه, ومرضعة جاء فيها تاء التأنيث علمًا أن هذا الوصف هو وصف خاص بالنساء والوصف الخاص بالنساء لا تلحقه تاء التأنيث, فيقول مرضع لأن الرجل لا يرضع فيكون هنا وصف خاص بالنساء, ولكن تلحقه تاء التأنيث في حال إذا كان المقصود هو الفعل وليس الوصف, لأنها عند الفعل هذا عند الإرضاع تذهل عما أرضعت, وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا: كل صاحبة حمل كانت ماتت بحملها فإنها من الهول تضع حملها, وترى الناس سكارى: إذا نظرت الناس وجدتهم سكارى ولكن ليس من خمر شربوها, وَمَا هُمْ بِسُكَارَى: أي من خمر, وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ: العذاب يسكرهم فيغطي على العقل ولا يعرف أين هو, فهذه أهوال وتباريح يوم القيامة يحذر الله -تبارك وتعالى- خلقه جميعًا بهذا التحذير الواضح البيِّن وأن زلزلة الساعة شيء عظيم وأن هذه وصفها {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}[الحج:2]: أي هذا ينتظر العباد وهذا خطاب من الله -تبارك وتعالى- يحذر الله -تبارك وتعالى- به العباد أنتم مقدمون على هذا الأمر العظيم كلكم كل الخلق مقدم على هذا وهذا خطاب الله.
لكن انظر ماذا يفعله الناس الذين وصلهم هذا الخطاب وآتاهم وهو في الدنيا قال -جل وعلا-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج:3-4]: لكن من هؤلاء الناس بعض الناس من يجادل في الله بغير علم, الجدال: هو رد الكلام وأخذه يجادل وفي الله في آياته والحال أن الله -تبارك وتعالى- قد أنزل آياته واضحة بينة, وأرسل رسله بالدين القويم والصراط المستقيم موضحين الرسالة والبيان أتم الإيضاح لكنه يجادل في الله بغير علم ما عنده علم يرد به كلام الله -تبارك وتعالى- وإنما بجهله وعناده بغير علم ويتبع كل شيطان مريد: اتباعه ترك الحق الواضح البين من الله -تبارك وتعالى- ورد كلام الله -تبارك وتعالى- بغير علم, الشيطان المريد هو المتمرد ويطلق متمرد من الجن أو الإنس فمن الإنسان شياطين كذلك كل متمرد من الإنس عن أمر الله -تبارك وتعالى- فهو شيطان يتبع من شياطين الجن والإنس مريد متمرد وهو العاتي الذي عتى ويبس وصلب عوده في العناد والمكابرة ورد أمر الله -تبارك وتعالى- ويتبع كل شيطان مريد بأي شبهة كأن أي شبهة من شبه الشر وقول مزخرف يتبعه ويترك الحق الواضح البين من الرب -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}: فرض كتابة فرض كتابة كونية قدرية حكم الله -تبارك وتعالى- أن من تولى الشيطان فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير فإن الشيطان قد أخذ هذه المهمة من البداية بالنسبة للإنسان وهو أن يضل هذا الإنسان ويأخذه إلى النار, وقد عرف إبليس مصيره {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}[ص:77], {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص:78], لذلك أراد أن يأخذ معه من يستطيع أن يأخذهم من هذا الإنسان قال للرب -جل وتعالى-: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62] إلى النار واحتنكهم ألبسهم الحنك الحنكة هي الخدمة والحبل واللجام الذي يوضع في الرأس لأحتنكن ذريته إلا قليلا: إلى النار فهذا فعل الشيطان أنه أخذ على نفسه إضلال بني آدم من يستطيع منهم إلى النار وقد قال الله -تبارك وتعالى-: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63]: هذا حكم الرب -جل وعلا- فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم أنت وهم جزاءًا موفورًا, {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ........ }[الإسراء:64-65]: فكتب عليه أنه من تولاه يترك الرب -جل وعلا- وبيانه الواضح وصراطه المستقيم ويتبع الشيطان فإنه يضله, خلاص كتب الله -تبارك وتعالى- أن هذا الشيطان يتسلط على هذا الإنسان وكله سلطان عليه ويجره معه على النار ما دام توليته {........ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50], فالله يخاطب رسله أفتتخذونه الشيطان وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو: والحال أنهم أعداء لكم, بئس للظالمين بدلا: ما دام استبدلوا طاعة الله -تبارك وتعالى- والإيمان بطاعة الشيطان والإيمان بالشيطان والجري وارءه فليأخذوه {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83], {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ }[الزخرف:36-39]: فهذا حكم الرب -سبحانه وتعالى- أن من ترك كلام الرسل الواضح البين رسل الله -تبارك وتعالى- الذي بينوه غاية البيان واتبع طريق الشيطان ما دام هو والى الشيطان وترك طريق الرب فإن الله -تبارك وتعالى- كتب عليه أن يضله تسلط عليه {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة:19]: والاستحواذ هو أنه يملكهم من كل جوانبهم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله فهذا لأن الله -تبارك وتعالى- تركهم لهم لأنهم لما تركوا طريق الرب -جل وعلا- كتب عليه أنه من تولاه فأن يضله ويهديه إلى عذاب السعير يهديه يرشده ويأخذه لكن إلى النار إلى عذاب السعير أنظر العقوبة الإلهية لهؤلاء الذين صدوا بأنفسهم عن طريق الرب -جل وعلا- يعاقبهم الله عقوبة عظيمة جدًا وهي أن يوليهم أعدى أعداءهم يجعله ولي له يأخذه وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون يجعله ولي له ويحبه ويسير معاه وهو من هذا يأخذه إلى أين يأخذه إلى النار ومع ذلك يحبه ويسير خلفه وهو مسرور يكون مسرورًا بهذا, مسرور بمعاصي وبفجوره وبكفره وزين له الكفر يرى أنه في كفره هذا أمر مزين {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ........}[فاطر:8] فيصبح الكفر بالنسبة إليه اعتقاد عقيدة في القلب ويقين ومحبة ويشرب هذا إشراب في نفسه ويرى أن عمله هذا هو الصواب وعمل الرسل والأنبياء والمؤمنين الذين سلكوا طريق الرب عملهم خراب وأنهم إلى ضلال فيزين له الباطل ويسير فيه عقوبة من الله -تبارك وتعالى- هذه كتابة الرب -جل وعلا- كتب على هذا الذي ترك طريق الرب أنه من تولاه لآيات الله وتركها فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير, العذاب المسعر المشتعل وإشتعال هذا العذاب دائم, أخبر الله -تبارك وتعالى- بأن السعير النار أي اشتعالها إشتعال دائم كلما خبت زنادهم سعيرا فلا تكاد النار تخبو إلا و تنفجر نيرانها مباشرة فهي متفجرة دائمة التسعير عياذًا بالله, هذا أمر عظيم جدا افتتاحية هائلة لهذه السورة العظيمة سورة الحج يذكر الله -تبارك وتعالى- عباده بهذا المآل والمصير الذي هم قادمون عليه والأهوال الكبرى التي هم قادمون عليها, وهذا البيان من رحمة الله -تبارك وتعالى-ليذكر الناس كلهم يذكر عباده لكن من يتذكر {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}[الأعلى:10], {وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى}[الأعلى:11], {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}[الأعلى:12], ثم شرع الله -تبارك وتعالى- في ضحد العقيدة الكبرى لأهل الكفر في إنكارهم للعبث والنشور وهذه العقيدة التي هي يترتب عليها بعد ذلك كل الكفر, فالذي لا يؤمن بالبعث والنشور فإنه بعد ذلك يترتب كل ما عقائد تأتي تبعا لهذا من مقتضيات هذه العقيدة يعلم أن الله -تبارك وتعالى- يبقى هو حكمه في هذه الدنيا وبالتالي الدنيا هذه لعبة عبث, خلق الله -تبارك وتعالى- الخلق لا يأمرهم لا ينهاهم يفعلوا ما يشاءوا ما في حكومة في الآخرة ليفعل ما يشاء يبقى كل من يستطيع أن يفعل الذي يفعله ويغنم ما يغنمه ويهلك ما يهلكه ليجر النفع إلى نفسه والضرر لغيره لا بأس بها لأنه لا بعث ولا نشور, فأسوًا اعتقاد هو رفض وإنكار البعث وذلك أنه يترتب عليه كل الشرور التي تأتي من الكفر والخبائث في الدنيا تترتب على هذه العقدية البائسة المفسدة وهي إنكار البعث ضرب الله -تبارك وتعالى- لهذا الأمر أمثال وأقام الدليل والبرهان الحسي لكل أحد ليعلم أن البعث لابد أن يكون حق من الله -تبارك وتعال- فقال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}[الحج:5]: بين الله -تبارك وتعالى- تدليلًا على البعث وأنه حقيقة أمرين من الحياة بعد الموت يشاهدهما الإنسان في هذه الدنيا حياته هو أنه لم يكن شيئاً ثم أحياه الله -تبارك وتعالى- وأوجده, وهذا دليل على أن من أحياك من لا شيء كنت ميت ما كنت شيء فقادر على أنه إذا مت أن يحييك من جديد لأن إعادة الأمر أهون من إنشاءه, الأمر الآخر هذه الأرض التي يراها الإنسان ميتة جلدة لا حياة فيها ثم عندما ينزل الله -تبارك وتعالى- هذا الماء تحيا الأرض في داخلها بالحركة تربو ثم تنبت من كل زوج بهيج, يَا أَيُّهَا النَّاسُ: خطاب بعد خطاب للناس جميعًا, إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ: إذا كنتم في أي شك من البعث, الريب: الشك, من البعث: هو بعض يوم القيامة, النشور: رجوعكم مرة ثانية إلى الحياة بعد الموت فاذكروا فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ: خلقناكم جميعكم من تراب وذلك أن الناس يعودون إلى نفس واحدة وهي نفس آدم -عليه السلام-, وقد خلقها الله -تبارك وتعالى- من طين هذه الأرض, وهذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- وإخبار الله حق لم يشهد الناس هذا الخلق, ولكن إخبار الله -تبارك وتعالى- حق {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:1], والناس يستطيعوا أن يتوصلوا هذا بأن الإنسان ليس هو المخلوق الأساس على هذا الكون وإنما هو طارئ, ولعل عودته إلى التراب مرة ثانية تنبئ بنشأته من تراب هذا في المُشاهد, وفي الإخبار أخبر الله -تبارك وتعالى- أن بداية هذا الإنسان إنما قد كانت من تراب.
على كل حال, إن شاء الله نعود إلى هذه الآية, ونعيش في ظلالها إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, اسغفروه, اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.