الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد, فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج:27], {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج:28], {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29], {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج:30], {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:31], يخبر -سبحانه وتعالى- عن حرمة هذا البيت العتيق وعن المنافع العظيمة والأهداف الجليلة التي من أجلها أقامه الله -تبارك وتعالى- في هذا المكان, وأن الله -تبارك وتعالى- بعد أن أمر إبراهيم ببنائه بوَّأه له -سبحانه وتعالى- وبناه أمره أن يؤذن في الناس بالحج وأخبره بأنه سيأتيه الناس من كل مكان وعلى أقدامهم {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}[الحج:27], لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ في الدين والدنيا {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج:28], ثم بعد هذا ليقضوا تفثهم بعد الذبح الذي يكون في هذه الأيام المعلومات وهي أيام التشريق يبدأ الذبح في فجر العيد و وهو اليوم العاشر ويستمر أربعة أيام التشريق وهو يوم النحر وثلاثة أيام بعده, هذه الأيام التي يذكر اسم الله -تبارك وتعالى- فيها على بهيمة الأنعام التي تهدى للبيت شكرانا لله -تبارك وتعالى- وامتثالًا لأمره بالذبح على هذا النحو, وكذلك نسكًا؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قد فادى في هذا المكان عبده ورسوله إسماعيل -عليه السلام- بعد أن اختبره الله -تبارك وتعالى- واختبر الأب بأن يقتل ابنه {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:102], {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات:103], {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}[الصافات:104], {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[الصافات:105], وقال -تبارك وتعالى-: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات:107], {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}[الصافات:108], {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الصافات:109], فشرع الله -تبارك وتعالى- لنا كذلك هذا الذبح تذكير بنعمة الله -تبارك وتعالى- على هذين العبدين الصالحين الرسولين الكريمين إبراهيم وإسماعيل, وكذلك تذكير ببهيمة الأنعام التي يسرها الله -تبارك وتعالى- لعباده هذه منها طعامهم أكلهم أشرف طعام هو اللحم سيد الطعام واللبن الذي هو كذلك أشرف طعام وأكملها منافع وأشملها وكذلك ما في الأنعام أخرى من حمولة وفرش فرش كذلك لهم صوف من صوفها ووبرها وشعرها فأمر عظيم جدًا المنافع هذه, فهذا تذكير كذلك بهذه النعمة ليذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها أيها الخلق الله -تبارك وتعالى- وأطعموا البائس الفقير, وذكرنا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هديه -صلى الله عليه وسلم- أكل وشرب من كل مرق من كل ما ذبح مائة ناقة فشرب من مرقها كلها, وهذا أمر لصاحب النسك أن يأكل من نسكه ممن يحضرون في هذا المشهد أو من سكان هذا المكان أو ممن ورائهم, فإنه قد شرع كذلك وأبيح حفظ هذه الهدي والسفر به وإهداؤه لمن هم خارج المسجد الحرام, ثم ليقضوا تفثهم: ليقضوا وينهوا, التفث: هو شعثه التي تنتاب الحاج من فترة الإحرام فإن فترة الإحرام فترة منع الحاج فيها من الزينة, ومن قص الأظافر وإزالة الشعور الزائدة وقص شعره لا يقص شيئا من شعره ولا يأخذ من أظفاره ولا يتطيب, فتنتابه مع السفر وأداء المناسك يصير أشعث أغبر كما وصف الله -تبارك وتعالى- العباد عندما يأتون إلى الحج ويكون في يوم عرفة الذي هو قمة الحج انظروا عبادي أتوني شعثا غبرًا ضاحين يباهي الله -تبارك وتعالى- بهم الملائكة, فالتفث هو ما يصيبهم من هذا من ما ينتابهم من طول مدة ترك الزينة في هذا الوقت, ليوفوا نذورهم: كل ما نذروه للبيت يكون في هذا الوقت الشريف والمكان الشريف فعند ذلك يوفي هذا النذر, النذر: هو ما يوجبه العبد على نفسه أمر الله ما أوجبه ما عليه الواجب الفرض هذا الصلاة الخمس وصيام شهر رمضان, وأما النذر فهو ما أوجبه العبد على نفسه قربة وطاعة لله -تبارك وتعالى- في غير ما أوجبه الله -جل وعلا-, فهذا يوفي بهذا النذر الله -تبارك وتعالى-, وليطوفوا بالبيت العتيق: يطوفوا بعد ذلك بالبيت العتيق, والبيت العتيق هو كعبة الله -تبارك وتعالى- وقيل إن تسمية الله -تبارك وتعالى- له العتيق يأتي العتيق بمعنى القديم فهو البيت القديم الذي هو أول بيت وضع للناس في هذا المكان, وكذلك معنى أنه العتيق من العتق أن الله -تبارك وتعالى- أعتقه من الجبابرة ما أحد يقدر يتسلط عليه لا يتسلط عليه جبار بهدمه وإزالته إلى أن يشاء الله -تبارك وتعالى- هذا في آخر الزمان, ولكن بناه إبراهيم والله -تبارك وتعالى- هيأ له الحفظ على كل هذه السنين المتطاولة بقي محفوظا بحفظ الله -تبارك وتعالى- لا يستطيع جبار أن يزيله من مكانه, ولما قصده بعض الجبابرة ليكيده كاده الله -تبارك وتعالى- وأهلكه, وهو أبرهة الحبشي عندما خرج لهم من اليمن يريد أن يزيل بعد أن بنى كان الحبشة النصارى ونصروا كثير من أهل اليمن وأرادوا أن يكون الحج ومجئ الناس إلى كنيستهم بنى كنيسة عظيمة في اليمن ليدعوا الناس إليها, فقام أعرابي تخلى بكنيسته هذه, ثم عزم بعد ذلك على أن يخرج ليهدم الكعبة فعندما وصل إلى وادي محسِّر في قبل منى أهلكه الله -تبارك وتعالى- كما قال -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل:1], {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}[الفيل:2], كيدهم في أن يزيلوا بيت الله -تبارك وتعالى-, {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}[الفيل:3], {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}[الفيل:4], {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل:5], تهرت أجسادهم وقع فيهم الوباء وتساقط الجيش, ولما عاد ورجع أبرهة سقط جسمه قطعة قطعة في الطريق, فالله -تبارك وتعالى- أفناهم قتلهم في هذا المكان في وادي محسر, ثم فلول هذا الجيش تساقطت في عودته, فهذا بيت عتيق معتق أعتقه الله -تبارك وتعالى- من أن يناله جبار فيتسلط عليه وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا لا يكون خراب البيت إلا في آخر شيء قال كأني بذي سويقيتين من الحبشة على ظهر الكعبة يهدمها حجر حجر وقال يهدم الكعبة ذو السويقيتين ساقيه دقيقتين يقول كأني بمعوله يقوم على البيت وهذا في آخر الزمان عندما لا يصبح هناك من يقول في الأرض الله الله, ترفع المصاحف يأتي المصاحف تمر الملائكة فلا تترك شيئا من القرآن إلا وأخذته ومحته, ثم البيت كذلك يخرب ثم يبقى الناس همج لكع لكع لا ينكرون منكرا ولا يعرفون معروفاً وينسى اسم ذكر الرب -تبارك وتعالى- هذا لا يكون إلا في آخر الزمان وليطوفوا بالبيت العتيق الذي اعتقه الله -تبارك وتعالى- هذا العتق من الجبابرة.
قال -جل وعلا-: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}[الحج:30]: إشارة إلى ما ذكره الله -تبارك وتعالى- من كل هذه الأخبار والأحكام والمعجزات الباهرة له -سبحانه وتعالى- قال ومن يعظم من الخلق حرمات الله فهو خير له عند ربه, حرمات الله, نسب الله -تبارك وتعالى- هذه الحرمة إليه ومعنى إنها حرمة أنه أمر حرمه الله -تبارك وتعالى- حرم المساس به إزالته الاعتداء عليه فهنا حرمات الله كل ما هو منسوب وأنه حرم الله -تبارك وتعالى- العدوان عليه بأي عدوان, فالكعبة من أعظم حرمات الله -تبارك وتعالى-؛ لأن هذه البنية نسبت إليه -سبحانه وتعالى- ولذلك كل من أراداها بسوء أذابه الله وأهلكه الله -تبارك وتعالى-, المسجد الحرام أهله المشاعر الأماكن هذه صفا, المروة, زمزم, هذه كلها من حرمات الله الحاج الذي يأتي ويلبس هذا الشعار وهو يقول لبيك اللهم لبيك فهو يأتي وهو أعظم من الكعبة هذا أعظم حرمات الله -تبارك وتعالى- الحاج الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا: هذه مجموعة حرمات الله -تبارك وتعالى- يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام هي أربع أشهر حرم وهذه حرمت لأجل البيت لأجل الحج تلات شهور متوالية فيها الحج وشهر منفرد وهو رجب, ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهذه متوالية ورجب هو الشهر السابع في ترتيب الشهور العربية كما رتبها عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بهذا الترتيب, ولا الشهر الحرام ولا الهدي: ما يهدى للبيت من غنم أومن إبل أو من بقر يهدى للبيت, ولا آمين البيت الحرام: أمينه قاصدينه كل من يقصد البيت الحرام فهو من حرمات الله ومن شعائر الله -تبارك وتعالى- يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا فهذا يريد فضل ربه -تبارك وتعالى- إياك أن تتعرض له فإياك أن تظلم وأن تعدي على من يؤم بيت الله -تبارك وتعالى- وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما طاف بالبيت قال: ما أشرفك وما أكرمك على الله ,والله إن المسلم لأشرف منك وأكرم على الله منك فلا شك أن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة حرمة المؤمن والاعتداء عليه أعظم, فالمؤمن هذا جوهر مكرَّم جوهر الإنسان مكرم وهذا مكرم كرمه الله -تبارك وتعالى- بالإيمان والعمل الصالح لذلك العدوان على المؤمن شيء كبير {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93], هذا المؤمن إذا كانت قاصد بيت الله -تبارك وتعالى- فهو هنا من أعظم شعائر الله, ذلك ومن يعظم حرمات الله, ما حرم الله -تبارك وتعالى- العدوان عليه المؤمن وخاصة إذا كان في وقت الحج وكل هذه المناسك مكانًا وزمانًا ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه, خير له أن يعظم حرمات الله, ويأتي كذلك في معاني تعظيم حرمات الله إكرام هذا الأمر, يوم كيوم عرفة يحترم لذلك شرع الله -تبارك وتعالى- لنا الصيام فيه لمن ليس في عرفة, مكان ينظف كالبيت ينظف كعبة تطهر مسجد الله يمنع أي دنس وعن أي إثم وعن أي قذر ناقة مهداة لبيت الله -تبارك وتعالى- تهدى وتوجه ولا تهان لأنها هذه أصبحت شعيرة من شعائر الله ومهداة لبيت الله وهكذا, ساكن في جوارِ هذا البيت يكرم لسكنه وبقائه في هذا المكان حاج يكرم ويخدم لأنه آت إلى هذا المكان كل هذا من معاني تعظيم حرمات الله ذلك, ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه.
ثم قال -جل وعلا-: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ: أحلت بالبناء لما لم يسمى فاعله هنا والمحل هو الله -تبارك وتعالى-, وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم: الأنعام هذه النعمة الأربعة أصناف من هذه الحيوانات التي أبيح لنا أكلها, الغنم والماعز والضان والإبل والبقر, إلا ما يتلى عليكم: بوصف معين فإن الله -تبارك تعالى- قد حرم بعض هذه كالدم المسفوح وكذلك ما يذبح منها لغير الله -تبارك وتعالى- كما قال -جل وعلا-: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه,ِ ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- أنواع من الميتات إذا ماتت بهذه الصفة فهي ميتات كذلك في قول الله -تبارك وتعالى- وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ فهذه تابع الميتات, وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم: ما يتلى عليكم أنوله الله -تبارك وتعالى- في القرآن مما حرم هذه تخرج منها, فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ, الاجتناب هو أن تكون في جنب ابتعد عنها الجرس من الأوثان, الأوثان جمع وثن وهو ما عبد من على شكل صورة أو شكل غير صورة كصورة حيوان أو إنسان أو كذلك حجر أو يوضع لعبادة, فالوثن يشمل ما له صورة وما ليس له صورة كذلك فاجتنبوه, الرجس أنها نجسة قذرة نجاسة حكمية فقط يكون هذا من الحجر أو من الخشب أو من الذهب أو من الفضة لكن نجاسته في حكمه أنه أقيم ليكون شعارًا للشرك والندية لله -تبارك وتعالى- في أخذ حقه من حقوقه -جل وعلا- فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ, اجتنبوا: ابتعدوا قول الزور, أصل الزور: هو الميل والقول المائل عن كل قول مائل عن حقيقته فهو زور أي اجتنبوا الكذب كله, واجتنبوا قول الزور, فجمع الله -تبارك وتعالى- بين الشرك بالله -تبارك وتعالى- وقول الزور وهو الكذب وكثيرًا ما يكون النهي عن هذا لتعظيم الزور كما قال النبي -صلوات الله وسلامه عليه-: «قال ألا أخبركم بأكبر الكبائر قال قلنا بلى يا رسول الله قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور ألا وشهادة الزور» حتى يقول راوي الحديث وهو أبو ذر -رضي الله تعالى عنه- حتى قلنا يا ليته سكت من تكرير النبي ومن تشديده في قوله الزور, فالزور يأتي دائما مقترن بالشرك والكذب هو الذريعة للشرك, لأن الشرك كله يقوم على الكذب كل الشرك أنما يقوم على الكذب افتراء فمن الذي نصب هذه الآلهة لتكون آلهة مع الله -تبارك وتعالى- قول الكذب, كذب في أن الملائكة يشفعون, في أن عيسى إله مع الله -تبارك وتعالى-, في أن هذه الأصنام تنفع وتضر كل أقوال قائمة على الكذب, قال فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور, حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ, حنفاء جمع حنيف, والحنيف أصل الحنف في لغة العرب هو الميل ومنه يقال لمن قدمه مائلة أحنف الأحنف هو الذي تكون قدمه غير مستوية أنما مائلة الميل هنا في معنى الحنيف لله هو المائل عن كل طرق الشرك يميل عن كل طرق الشرك إلى طريق الله -تبارك وتعالى-, وقد وصف الله -تبارك وتعالى- إبراهيم بهذا وذلك أنه ترك كل طرق الشرك التي يعبدها الناس واتجه إلى طريق الرب -سبحانه وتعالى-, {........ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[البقرة:135], فإبراهيم كان حنيفا أي مائلا عن كل طرق الشرك إلى طريق الرب -تبارك وتعالى-, فكونوا أيها العباد حنفاء لله تاركين ومائلين ومتعالين عن كل طرق الشرك إلى طريق الرب -سبحانه وتعالى-, غير مشركين به كذلك غير مشركين به هي تأكيد ووصف لمعنى الحنيف, لا تشركون به: الشرك بكل معانيه فالشرك قد يكون في نسبة إله له صفة الرب -تبارك وتعالى- جعل المخلوق إعطاء صفة أو أكثر من صفات الرب -تبارك وتعالى- أنه يخلق أو يرزق أو يحيي أو يميت أو يسمع كما يسمع الله ويبصر كما يبصر الله -تبارك وتعالى- أو له صفة من صفات الرب -تبارك وتعالى- الله صفاته لائقة بذاته -سبحانه وتعالى- وصفات العبد مناسبة لحاله, فكل من أعطى وصفا للمخلوق كوصف الله -تبارك وتعالى- بأنه يحيي يرزق فهذا أشرك بالله -تبارك وتعالى- شرك في صفة الله, وكذلك شرك قد يكون في الذات أن يقال ذاته ذاته كما تقول النصارى في عيسى -عليه السلام- بأن ذاته ذات المسيح هي ذات الرب -تبارك وتعالى- شأن واحد يقول لكم هم واحد بذات الله الأب والابن والروح القدس إله واحد واحد بالذات ثلاثة بالاقنوم هذا شرك بالله -تبارك وتعالى- جعل المخلوق ذاته ذات الإله الخالق -جل وعلا-, أو الشرك في الحقوق فالله -تبارك وتعالى- له حق على عباده وهو أن يعبدوه وحده -سبحانه وتعالى- بصنوف العبادات التي شرع الله بها ليعبد كالقيام بين يديه الركوع السجود الذبح النذر الخوف منه الطلب منه الدعاء له هذه حقوق له -سبحانه وتعالى- لا تجوز لغيره, فكل من صرف شيئا من هذه للمخلوق يبقى مشرك بالله أعطى حق الله -تبارك وتعالى- لغيره فكل من أعطى حق الله عز وجل لغيره فقد أشرك بالله -تبارك وتعالى-, كذلك من معاني الشرك, الشرك في التشريع الله -تبارك وتعالى- له الحق وحده في أن يحل ويحرم ويشرع للعبادة فهو الذي يشرع لعباده -سبحانه وتعالى- الطريقة والمنهج والشرعة والحكم الشرعي له كما له الحكم الكوني القدري, فالأمر أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ: فكما أن الخلق كله له فالأمر له -سبحانه وتعالى-, فكل من أعطى مخلوق جزء من الأمر مع الله يبقى أشرك بالله -تبارك وتعالى-, أحل حرم دون أمر من الله -تبارك وتعالى- من عند نفسه حد حدود حسن هذا قبح هذا دون أمر من الله -تبارك وتعالى- فهذا قد أشرك بالله -تبارك وتعالى-, غير مشركين به: أي نوع من أنواع الشرك حنفاء لله غير مشركين به.
ثم بين الله -تبارك وتعالى- بؤس وخزي وفضيحة وهوان الكافر فقال: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:31]: أي هذا إلى خسار ودمار وعذاب, وضرب الله مثل إلى من يشرك ويتعلق بشيء من هذه التي جعلها إله لله وحوَّل حق الله -تبارك وتعالى- إلى إله قال: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير, لو أن إنسان خر من علو ثم جاءت الطيور تناوشته وتخطفته كل يأخذ مزقة من لحمه ناحية, واحد خر من السماء لا شك أنه إذا ارتطم بالأرض مات وعند ذلك تأتي الطير وكل طير ينهش قطعة من لحمه ويطير بها كل مطار, هذا ضاع, فخر لا أحد عنده هباء, فهذا حال هذا المشرك أنه ليس إلى ركن يحفظه ولا إلى مكنة ما له أي نوع من التمكن وإنما يضيع هذا الضياع, أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ: الريح تحمله ثم تلقيه في مكان سحيق بعيد عن عمران بعيد عن أهل بعيد عن وطن بعيد عن الناس ويبقى ضائع هائم في وادي سحيق, السحيق هو البعيد, أي بعيد كل البعد عن إنسان عنده ضائع فهذا يضيع, فالكافر ضائع؛ لأنه لا مولى لا سند له فشبه الله -تبارك وتعالى- ضيعة الكافر على هذا النحو أنه يكون حاله كهذا الحال ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق أي احذر الشرك لأن هذا حال المشرك في النهاية, شبه النبي -صلوات الله والسلام عليه- كذلك أن نفس هذا الكافر المشرك عند الموت فقد وصف النبي -صلوات الله والسلام وعليه- صعود روح المؤمن والكافر, فروح المؤمن يتلقاها ملائكة الرحمة يحنطونها بحنوط من الجنة يكفنوها بكفن من الجنة يصعدون بها إلى السماء كلما مروا على ملأ من الملائكة شموا كأطيب نفحة مسك وجدت في الأرض حتى يأتون إلى السماء التي فيها الله ثم يقول الله -تبارك وتعالى- ارجعوا روح عبدي إليه فاني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فترجع إلى قبره وترد إليه روحه يأتيه ملكان يسألانه من ربك ما دينك ماذا تقول في هذا الرجل لآخر الحديث, أما الكافر والمنافق فانه تنتزع روحه يقول النبي يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه ثم يقول لروحه اخرجي أيتها الروح الخبيثة كانت تسكن في الجسد الخبيث فتتفرق تخاف منه فتدخل في أعضاء هذا الميت يقول النبي فينتزعها ملك ينتزع روح هذا الكافر كما ينتزع السفود من الصوف المبتل مثل ما ينزع سيخ اللحم من الصوف المبتل لأن الصوف إذا ابتل تشتد نسيجه هذا وصف النبي له فتأخذه ملائكة العذاب معهم حنوط من النار وكفن من النار ويصعدون بها يخرج نتنها تُقفَل السماء في وجهه هذه الروح يلقون إلقاءًا إلى الأرض وتلى النبي قول الله -تبارك وتعالى-: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:31].
سنعود إن شاء الله إلى هذه الآية لبعض التفصيل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.-