الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (402) - سورة الحج 46-54

الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على عبدالله ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ}[الحج:42], {وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ}[الحج:43], {وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[الحج:44], {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ}[الحج:45], {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46], في هذه الآيات من سورة الحج يبين الله -تبارك وتعالى- لرسوله -صلوات الله والسلام عليه- العاقبة والنهاية التى انتهى إليها الكفار المعاندون، المكذبون لرسلهم قبل نبينا محمد -صلوات الله والسلام عليه-, وفى هذا تذكير بأن مصائر هؤلاء المعاندين هو مصائر السابقين وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ: أي محمد يكذبوه، وقد كذب النبى -صلى الله عليه وسلم- أولاً كفار قريش، العرب بأكملها كذبت النبى -صلى الله عليه وسلم- فى أول أمره، النصارى الذين كانوا بالجزيرة، اليهود الذين كانوا بالجزيرة، وألبوا عليه، من خارج هذه الجزيرة؛ فقد كان التكذيب للنبى تكذيباً عامًا فى كل من أرسل إليهم إلا البداية القلة القليلة التى بدأت مصدقة، ومؤمنة بالنبى -صلوات الله والسلام عليه- والآيات كما ذكرنا نزلت فى السنة الثانية من هجرة النبى -صلوات الله والسلام عليه- قال -جل وعلا-: {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ}[الحج:42],{وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ}[الحج:43],{وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ}, كل هذه الأمم، والقرى كذبت رسلها، وكذبت قالت للرسول: أنت كذاب، وما جئت به كذب، وليس هذا بصدق، وحق؛ فكذبوا أن يكون الله هو الإله الحق الذى لا إله إلا هو، وأن يكون يوم القيامة حق، وأنه سيحاسبون على أعمالهم من الكفر، والشرك ردوها؛ فكذبوا بنفس هذا التكذيب، قال -جل وعلا-: فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ أمهلتهم، أعطاهم الله -تبارك وتعالى- فسحة طويلة من الوقت لعلهم يرعون، وكذلك إستدراج لهم, ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ: بالعذاب أخذهم الله -تبارك وتعالى- بالعذاب أخذ عزيز مقتدر كل أمة من هذه الأمم فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ: سؤال لبيان تعظيم عقوبة الرب -تبارك وتعالى- التى نزلت بهم، كيف كان نكيرى عليهم، طبعاً نكير الله -عز وجل- طبعاً إنكاره -سبحانه وتعالى- لهذا الأمر، المنكر الذى فعلوه من تكذيبهم للرسل، وعنادهم كان إنكار الله -تبارك وتعالى- لذلك أمر عظيم جداً، إغراق قوم نوح، إغراق الأرض كلها عن بكرة أبيها، استئصال عاد، استئصال ثمود، إهلاك قوم إبراهيم بما أهلهكم الله -تبارك وتعالى- به، قوم لوط الذين أفك الله -تبارك وتعالى- عليهم قراهم، أصحاب مدين الذين أخذهم عذاب يوم الظلة، قوم موسى الذين أهلكهم الله -تبارك وتعالى- بما أهلكهم به بالغرق، بالخسف {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ........}[القصص:82]: قارون، قال -جل وعلا-: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}, ثم قال: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ: كأين من قرية كثير من هذه القرى، وأنظر ما كان، وما استقر من أمرها بعد ذلك أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ولا يهلك الله -تبارك وتعالى- هذه القرى إلا وهى ظالمة فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا: انتهت بعد أن أزاح الله -تبارك وتعالى- خاوية على عروشها تركت أرضهم يباب خراب ليس فيها أحد فمع التقادم سقطت السقوف, ثم سقطت الجدران فوق هذه السقوف, فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ: بئرلا يسقى منها متروكة بعد ذلك التزاحم عليها وَقَصْرٍ مَشِيدٍ: قصركان مشيدًا كقصوره المشيدة امتلك الفراعنة من قصور مشيدة لم يسكنها بعدهم، وعاد امتلكت ثمود من قصور نحتوها فى الصخور إلى يومنا هذا ما سكنها أحد بعدهم, ثم وجه الله -تبارك وتعالى- هؤلاء أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا: ما يسيروا فى الأرض مشوا فيها؛ فتكون لهم قلوب، ونسب الله -تبارك وتعالى- العقل إلى القلب؛ فإن العقل، وهو الفهم، والمعرفة إنما يكون عن طريق القلب هذه العضلة التى فى الصدر فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا, فيروا مصارع هؤلاء الغابرين فيتعظوا، ويعتبروا، وأنهم إن عاندوا الرب -تبارك وتعالى- كما عاند هؤلاء نالهم من العقوبة ما نال أولئك؛ فإن الله لا يحابى أحداً -سبحانه وتعالى-, فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا: أذن يسمعون بها النذير من الله -تبارك وتعالى- وقد أنذرهم الله -تبارك وتعالى- بهذا الكتاب المعجز، الواضح، البيِّن, فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ: لا تعمى الأبصار هذه العيون، نفى الله -عز وجل- عنها العمى؛ لأن عماها عمى جزئى، وقد يكون الإنسان يعمى ببصره لكن إذا كان قلبه يعقل، وله فهم وعلم فإنه ينتفع بكثير من حياته الدنيوية، ينتفع بالأخرة ينتفع بآخرته يؤمن فيهتدى {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}: هذا العمى حقيقى إذا كان هناك عمى حقيقي ممكن الإنسان يعمى فيفقد أى باب للنفع هو عمى القلب؛ فالعمى الحقيقى عمى القلب، وإنما عمى البصر لا يقاس بتاتًا بعمى القلب وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ هذا العمى، وهؤلاء نسب الله -تبارك وتعالى- لهم عمى القلوب ما يفهم، قلوبهم عميا لا يدخلها فقه، ولا فهم، ولا علم؛ فلذلك لم يستفيدوا بعد ذلك بما حولها إذا عمى القلب خلاص البصر تبع له، ما يستفيد بكل جارحة له, ثم استهزأ الله -تبارك وتعالى- وبيان أنهم عماهم فى عمى شديد جدًا.

 قال -جل وعلا-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47]: الكفار يطلبون أن يعجل لهم العذاب؛ فإن النبى -صلى الله عليه وسلم- قد جاء مبين لهم أن هذه إذا استمريتم على هذا الأمر عقوبة الله تأتيكم، عقوبته فى الدنيا، عقوبته فى الأخرة راعوه، ارجعوا إلى ربكم، آمنوا به؛ فإنكم إن استمريتم على ما أنتم فيه عاقبكم الرب، فيستعجل هذا العذاب يقول: هاتوا، هاته الآن {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:32], فقد كانوا استهزاء بالنبى -صلى الله عليه وسلم- يقولوا: هات هذا العذاب, وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ: عذاب الرب -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ: توعدهم الله -تبارك وتعالى- بالعذاب فالله لا يخلف وعده، سيأتيهم لا يمكن إن الله -تبارك وتعالى- يقول أنه سيعذب الكافر الذى يأتيه كافر، ويخلف الله -تبارك وتعالى- هذا لا بد؛ فوعيد الله -تبارك وتعالى- بالكفار، وعذابه بهم ملحق، لا بد يكون، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ: ما الذي تنتظرونه؟، مفكرين إن ربنا -سبحانه وتعالى- سيغير كلامه، ثم قال: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:47] وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ: بحساب الرب -تبارك وتعالى- أيام الرب -جل وعلا- فى الآخرة كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ: أي لو كانوا بيوم واحد، لو عذبوا يومًا واحدًا لكان هذا اليوم بحساب الرب ألف سنة مما يعده الإنسان على هذه، ماذا يستعجل فيه! فكيف يستعجل هذا الأعمى، يستعجل عذاب الرب -تبارك وتعالى- ولو يوم عذب يوم واحد عند الله؛ فإنه سيكون ألف سنة؛ فماذا يستعجل منه المجرمون؟! وطبعاً لن يعذب يوماً واحداً، وإنما حقب متتالية, {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[النبأ:23], {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ:24] {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}وهذا فى غاية التهديد، والوعيد، وبيان إن العقوبة عند الله -تبارك وتعالى- عقوبة شديدة، وأنه إن جاءهم هذا العذاب؛ فلن يصرف عنهم، ولو كان لو بيوم من يوم واحد لكان هذا طوله؛ ثم قال -جل وعلا-: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}[الحج:48] وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ: قرى كثيرة من هذه القرى الظالمة الكافرة, أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ: أمهلها الله -تبارك وتعالى- أعطاها مهلة طويلة مع الكفر لكنه لم ينزل عليهم العقوبة فى الوقت، وإنما أعطاها مهلة طويلة تبقى فيها فى الكفر, وَهِيَ ظَالِمَةٌ: حال كونها كانت ظالمة بالكفر، والعناد لكن الله -تبارك وتعالى- أمد لها فى أجلها, ثُمَّ أَخَذْتُهَا: فى نهاية المطاف لا بد فى نهاية المطاف تكون العقوبة أخذها الله -تبارك وتعالى- بالعذاب فى هذه, وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ: وإلى الله لا إلى غيره -سبحانه وتعالى- مصير العباد ليكون عذاب الآخرة، وعذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25] {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الحج:49]: هذه مقالة بعد هذا التهديد والوعيد بعقوبة الله -تبارك وتعالى- فى الدنيا، والآخرة، وأن هذه مصارع الغابرين فلينظروها، ولا بد أن يتفكروا عند ذلك جاءت بائنة أن أخبر الله -تبارك وتعالى- نذارة النبى، وأخبرهم هذا {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الحج:49].

 {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}, [الحج:50], {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[الحج:51]: ثلاث آيات هذه جمعت كل رسالة النبى -صلى الله وسلم- قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أمر من الله -تبارك وتعالى- لأن يعلم النبى -صلى الله عليه وسلم- رسالته، ودعوته للناس يَا أَيُّهَا النَّاسُ: نداء إلى كل من فى الأرض إلى كل الناس على اختلاف ألوانهم، وأشكالهم، وقبائلهم، وأجناسهم {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الحج:49] إِنَّمَا: بالحصر أَنَا: الرسول لَكُمْ: كلكم, نَذِيرٌ مُبِينٌ: نذير مبين واضح النذارة، والنذارة: الإخبار بما يسوء التهديد بأمر عظيم من الشر؛ فالنبى نذير، ونذير بين يدى الساعة، نذير قبل العقوبة التى ستحل بمن لا يؤمن بالله -تبارك وتعالى- إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ, ثم المصائر ستكون على هذا النحو {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الحج:50] فَالَّذِينَ آمَنُوا بما أرسلت به، بما أرسل به هذا النبى -صلوات الله والسلام عليه- بمعانى الإيمان وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: الصالحات جمع صالحة، وهى الأعمال الصالحة، كل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به فهو عمل صالح فى ذاته، فى خير فى ذاته الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وبر الوالدين، وصدق الحديث، وإحسان الجار، وتوزيع الثروة هذا التوزيع العادل بالميراث، وأحكام النكاح، وأحكام الطلاق كل هذه عمل صالح؛ فكل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به بأن يثار إنما هو عمل صالح يصلح حال هذا الإنسان فى الدنيا، وكذلك يصلح صالح بما يثيب الله -تبارك وتعالى- عليه فى الآخرة {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الحج:50] لَهُمْ مَغْفِرَةٌ: لذنوبهم، سيئاتهم التى أسائوا فيها، وأخطأوا فيها لا يحاسبهم عليها يزيلها الله -تبارك وتعالى- وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: فى الجنة كَرِيمٌ نفيس ما فى أنفس، وأعظم من رزق الجنة التى ادخرها الله -تبارك وتعالى- وأعده لعباده المؤمنين، لهم رزق كريم فى الجنة، فراش وثير، ماء نمير، زوجة حسناء، طير مما يشتهى طعام مما يشتهون، شراب مما يشتهون، لباس من سندس، وإستبرق، ولدان مخلدون، ملك كبير واسع ي فوق الحدود، والسدود، نهر مطرد، جنة رزق كريم بكل معانى الرزق {........وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[الزخرف:71]: فكل ما تشتهيه النفوس موجود، بل وما تدعيه النفوس، ما تشتهيه موجود، وكل ما تدعيه أى شيء على بالهم يريدون أن يكون فيكون, وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ: كل ما هو إذا سقطت عليه العين التذت به بمرآه كله جميل أشجارها، ثمارها، أطيارها، نساؤها، أنغامها، تربتها، ملاعبها، أسواقها، اجتماع أهلها، سرورها، أكوابها، كل ما هو لذة للنظر وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ: وكذلك لا رحيل، ولا حول عن هذه الجنة؛ فرزق كريم، كل معانى النفاسة، رزق كريم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ من ربهم -سبحانه وتعالى- خلاص يقول لهم: هذا كل ما أذنبتموه أحل عليم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده أبدا، رزق كريم؛ فهؤلاء الذين آمنوا، وعملوا الصالحات هذه نذارة النبى -صلى الله عليه وسلم- وإخباره -سبحانه وتعالى- بالعذاب الشديد، النذارة الشديدة لكن الذين آمنوا لهم هذه الأمان، والبشرى من الله -تبارك وتعالى-.

 {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[الحج:51] وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ: هؤلاء أهل الكفار، والسعى هو النشاط والجرى فى آيات الله -تبارك وتعالى- مُعَاجِزِينَ: معاجزين أى للرب بدون أن يعجزوا الله -تبارك وتعالى- إما بأنهم يعاندوه، ويقيموا ما شاءوا من كفرهم، وعنادهم، وأنهم سيفلتون لن يقدر عليهم الرب -تبارك وتعالى- أو كذلك يريدون أن يبطلوا دين الله -تبارك وتعالى- فهم معاجزين لرسل الله -تبارك وتعالى- يريدون إبطال حجتهم، وإذهاب أمرهم، وانتصارهم عليهم، وإذهاب هذا الدين يذهبونه من الأرض، ويبقى كفرهم، وعنادهم؛ فهم يسعون فى آيات الله مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم سيعجزوا الرب -تبارك وتعالى- هروباً منه، أو انتصارًا عليه، وانتصارًا على دينه، وتضيعًا لهذا الأمر، ساروا بهذا الأمر، أو سيرًا فى هواهم، وما يشاءون، يفعلوا ما يشاءوا، وأنه لن يقدر عليهم أحد، قال -جل وعلا-: أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ: أولئك الذين سعوا فى هذه الحياة على هذا النحو معاندين للرب -تبارك وتعالى- معاجزين له أَصْحَابُ الْجَحِيمِ: أصحابه كأنهم ملكوه، قعدوا فيه هذا دارهم الذى سكنوه، أو أصحابه المصاحبون له؛ فهم المصاحبون للجحيم، لا خروج لهم منه هذه دارهم، والجحيم: النار العظيمة، السجن هذا العظيم الذى أعده الله -تبارك وتعالى- فراش من نار، وهوة عميقة، سبعين عام يسقط الحجر من شفير جهنم لا يصل قاعها، جدران من نار أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا: غطاء من نار, {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ........}[الأعراف:41] فهم فى نار من تحت أسفلهم، ونار من فوق يوم يأتيهم العذاب، ومن تحت أرجلهم، عذاب النار يأتيهم من كل مكان من فوق، ومن تحت؛ فهذا الجحيم هذه الجحيم هذا الفرن العظيم، المتقد الذى لا تخبوا ناره، ولا ينتهى أواره، ولا تفقد حرارته، ولا يتفتر كما قال الله -عز وجل- لا يتفتر وهى تفور، قول الله -عز وجل-: {........وَهِيَ تَفُورُ}[الملك:7], {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ........}[الملك:8] تكاد تميز من الغيظ شدة على هؤلاء، على أهلها الذين هم فيها؛ فهؤلاء  أصحاب الجحيم هؤلاء الذين عاجزوا الرب، وعاندوه، وسعوا فى آياته معاجزين يريدون إبطال دينه، وإزالة رسالته، وتثبيت كفرهم هذا مصيرهم {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[الحج:51] هذه خلاصة دعوة النبى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الحج:49]: هذا عملى وشغلتى, أنا فقط أرسلنى الله -تبارك وتعالى- بهذه الرسالة، أنا نذير مبين للجميع, {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الحج:50]: الذين آمنوا بالله -تبارك وتعالى- آمن بما أرسلت به هؤلاء لهم مغفرة من ربهم -سبحانه وتعالى- ورزق كريم, {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[الحج:51]: وهذا فيه بيان أن هؤلاء المعاندين لا بد أن يهزموا هذه الهزيمة، ويذلوا هذا الذل أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ.

 ثم بدأ فاصل جديد من هذه السورة، وهذا الفاصل فيه بيان نوع من الاختبار، والفتنة التى يختبر الله -تبارك وتعالى- بها عباده المؤمنين, {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحج:52], {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[الحج:53], {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الحج:54], {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ}[الحج:55] يخبر -سبحانه وتعالى- يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ أن الله لم يرسل قبل النبى محمد مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى قيل معنى تمنى هنا أى قرأ، والقراءة تسمى الأمنية إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ, أي ألقى الشيطان شيئاً من عنده فى قراءة النبى -صلى الله عليه وسلم- فتصل أسماع بعض الناس؛ فيسمع منها غير الحق الذى سمعه عن طريق هذا الشيطان، ويظن أن هذا من الله -تبارك وتعالى- أو من النبى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ قال -جل وعلا-: فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ: ينسخ الله ما يلقى الشيطان، إما بإنزال الآيات التى تبين هذا الباطل الذى ألقاه الشيطان، إما ألقاه فى أسماعهم، وإما يلقيه الشيطان فى قلوبهم؛ فقد يلقى الشيطان فى قلوب من يسمعون النبى أنه قال هذا القول، والنبى لم يقله، أو فى أسماعهم أنهم سمعوا هذا أن النبى قاله، ولم يقله النبى -صلى الله وسلم- وليس من آيات الله -تبارك وتعالى- فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ: بما ينزله الله -تبارك وتعالى- من عنده, ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ: الإحكام الإتقان أنها تتقن لا يتطرق الخلل إليها فيكون أمرها واضح، بين آيات الله تبين الحق فى كل باب من الأبواب فى معرفة الله، فى الإيمان به، فى أحكامه، فى أوامره، فى نواهيه -سبحانه وتعالى- {ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحج:52] الله -سبحانه وتعالى- عَلِيمٌ بكل الأمور -سبحانه وتعالى- حَكِيمٌ يضع الأمور كلها فى نصابها -سبحانه وتعالى- فلا يوضع أمر فى غير نصابه، أخبر -سبحانه وتعالى- أن هذا من قضاءه، وقدره.

 {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[الحج:53] لِيَجْعَلَ الله يفعل الله -تبارك وتعالى- جعل الشيطان يفعل هذا الفعل، ما يلقيه فى آذان الكفار، أو فى قلوبهم مما يظنون أنه من كلام الله -تبارك وتعالى- من كلام الرسول، الله يقول: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ هذا الإلقاء فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ تكون فتنة لهم، يفتنوا به يظنون أن الله أمر بهذا، ونهى عن هذا، ولم يأمر الله -تبارك وتعالى- بهذا، ولم ينهى عن هذا؛ فيتبعوا هذا الباطل الذى ألقاه الشيطان لهذا الصنفين فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: مرض الشك والريبة، وعدم الاستقامة على الأمر, وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ أهل قسوة القلوب الذين لا تخشع قلوبهم لله -تبارك وتعالى- ولا تخاف من الله -تبارك وتعالى- فتستمرئ هذا الباطل تحبه، وتأخذه, ثم قال -جل وعلا-: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ: إن أهل الظلم الظالمين الذين ظلموا هذا الظلم، واتبعوا ما قاله الشيطان قولاً، سمعوه، أو وسوسة فى قلوبهم لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ: مختلفون ومتشاقون عن الحق؛ فهم ليسوا على قول واحد، وعلى رأى واحد، وإنما بآراء شتى، ومن هذه الآراء هذه الأقوال المختلفة التى يلقيها الشيطان فى قلوبهم، وفى أذهانهم، قد جاء هنا حديث ضعيف فى سبب نزول هذه الآيات، وهو أن النبى، وهو يقرأ سورة النجم -صلوات الله والسلام عليه- فى محضر من الكفار سمع الكفار من ضمن الآيات، من آيات الله -تبارك وتعالى- {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:1], {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}, [النجم:2], {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}, [النجم:3], وهذه السورة كلها داعية إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-, وبيان جهل الكفار فى أن الذين عبادتهم التى عبدوا الله -تبارك وتعالى- بها، وخاصة فى الملائكة إنما هى ظنون {........إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم:23], وقال -جل وعلا-: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم:26] وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ كثير لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا: لمن يشفعون له, إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ: أى من الملائكة وَيَرْضَى: -سبحانه وتعالى- عن المشفوع فيه؛ فالملائكة لا تشفع إلا بأمر الله -تبارك وتعالى- أدخل الشيطان فى قراءة النبى تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعته لترتجى، تلك الغرانيق, الغرانيق جمع غرنوق، والغرنوق طائر أبيض حريري الريش له خصلة من الريش الناعم عند رأسه، وكذلك عند بطنه تسميه بعض الناس أبو قردان هذه الطيور البيضاء أنهم يشبهون الملائكة بهذه الطيور، تلك الغرانيق العلا، الغرانيق العلا: أيالملائكة الذين هم فى هذه الصورة كأنهم طيور بيضاء، وإن شفاعتهن لترتجى، وأن الكفار سمعوا هذا فلما سمعوا هذا رضوا عن النبى، وقالوا لقد ذكر آلهتنا بخير، قد ذكر آلهتنا الملائكة بخير، وأنهم لما كانوا حول النبى -صلى الله عليه وسلم- وجاءت السجدة التى فى آخر السورة سورة النجم؛ فسجد النبى، وسجد معه الكفار جميعًا من باب أنهم قد ذكر النبى آلهتم بخير، هذه القصة الحقيقة قصة مختلقة، وضعيفة، ولا تصح لها بإسناد، وهى لا شك أنها تخالف سياق الآيات هنا، وكذلك نفس الذى قالوه أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال له، أو أن الذى ألقاه الشيطان الغرانيق العلا، وأن شفاعتهن لترتجى فى السورة أصلًا بيان لإبطال هذا الأمر، فى نفس السورة، قال -تبارك وتعالى-: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}[النجم:26] فإبطال اعتقاد الكفار فى الملائكة أنهم بنات الله، وأن لهم شفاعة عند الرب -تبارك وتعالى- فلا يمكن أن تكون هذه الكلمة التى ألقاها الشيطان فى هذا الوقت، وفى هذه السياق مع هذه السورة، شأن هذا الحديث حديث الغرانيق حديث ضعيف، ولا يصح أن تفسر به كذلك هذه السورة، والخلاصة أن الشيطان يلقى فى قراءة النبى -صلى الله وسلم- إما فى آذان الكفار، وإما فى قلوبهم غير الحق، وإن الله -تبارك وتعالى- يحكم آياته وينزل -سبحانه وتعالى- ما يبطل الباطل الذى يلقيه الشيطان، وطبعًا ما يعرف ما يلقيه الشيطان بما يخرجه هؤلاء الكفار من هذه الشبهة؛ فإنهم لا يأتوا بشبهة إلا، وأنزل الله -تبارك وتعالى- ما يدحضها، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33].

 على كل حال إن شاء الله نعود إلى هذه الآيات لاستكمال ما فيها فى الحلقة الآتية إن شاء الله.

أصلى، وأسلم على عبد الله، ورسوله سيدنا ونبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.