الحمد لله رب العالمين، وأصلى، وأسلم على عبد الله، ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى-: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}[المؤمنون:27], {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون:28], {وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}[المؤمنون:29], {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ}[المؤمنون:30], {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}[المؤمنون:31], {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:32], {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}[المؤمنون:33], {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}[المؤمنون:34], {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}[المؤمنون:35], {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}[المؤمنون:36], {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}[المؤمنون:37], {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ}[المؤمنون:38], {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}[المؤمنون:39], بعد أن ذكر الله -تبارك وتعالى- فى هذه السورة، سورة المؤمنون، بداية خلق الإنسان؛ ثم السلالة التى صار فيها إلى أن أصبح رجلًا، وذكره بأنه سيموت بعد ذلك، وأنه سيبعث، وذكره الله -تبارك وتعالى- بهذا الخلق حوله من السماوات، من إنزال المطر، من إخراج الزروع، من الأنعام التى فيها هذه الفوائد العظيمة ذكر الله -تبارك وتعالى- حال هذا الإنسان فى هذه الرسالات بدأً بنوح؛ فذكر نوح، وأن الله -تبارك وتعالى- أرسله إلى قومه، ودعاهم دعوة صادقة عليها الدليل، والبرهان، واضحة، قال: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ: لا إله لكم إلا هو، ما فى إله يستحق العبادة فى كل هذا الكون إلا الله -تبارك وتعالى- فهو خالقكم، ورازقكم، وبارئكم، كما قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[نوح:5], {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}[نوح:6], {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح:7], {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا}[نوح:8], {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[نوح:9], {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح:10], {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}[نوح:11], {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:12], {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:13], {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح:14], {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}[نوح:15], {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}[نوح:16], {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا}[نوح:17], {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}[نوح:18], {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا}[نوح:19], {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}[نوح:20]: فهذه دعوة نوحإلى قومه قائمة بالدليل، والبرهان، وإيقافهم على خلق الله -تبارك وتعالى- وعلى آيات الله -تبارك وتعالى- فى هذا الخلق فى خلقهم، وخلق ما حولهم، ولكنهم اتهموه بما اتهموه به، قالوا له: أنت رجل كذاب، الله يقول مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ: مختلق هذا الشيء يريد يبرز نفسه على الجميع، يقول أنا رسول الله وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً: لو كان الله يريد أن يدعو الناس إليه كان أنزل ملك من عنده فيقترح على الله هو الطريقة التى يدعوا الناس بها إليه -سبحانه وتعالى- {........مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ}[المؤمنون:24], {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ........ }[المؤمنون:25]: رجل مجنون {........فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ}[المؤمنون:25]: فلما يئس منهم، وأخبره الله -تبارك وتعالى- أنه لا أمل فيهم، أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}[المؤمنون:26], قال -جل وعلا-: فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ هذه علامة رجعلها الله فَاسْلُكْ فِيهَا أدخل فى هذا الفلك مِنْ كُلٍّ من هذه دواب الأرض زواحفها، وطيورها، وحيوانتها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر، وأنثى {........وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}[المؤمنون:27] قال أهل العلم لا تخاطبنى فيهم بطلب رحمة لهم بعد أن يرى العذاب؛ فيشفق عليهم، أو لا تخاطبنى فيهم الآن بأن تنزل العقوبة قبل أن يأتى أمر الله -تبارك وتعالى-.
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ قال له الله -عزوجل-: اسْتَوَيْتَ واستوائه على الفلك هو أن يركبها، ويعلوا فيها، ويستقر فيها أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ: أى المؤمنين عَلَى الْفُلْكِ: هو السفينة {........فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون:28]: الحمد لله بالألف، واللام الحمد كله لله -تبارك وتعالى- والثناء الجميل على الله -تبارك وتعالى- لصفاته، وأفعاله، احمد الله -تبارك وتعالى- على هذا الإنعام العظيم عليك، وعلى من معك أنه اختارك بالهداية، واصطفاك بالرسالة، وهداك إلى هذا، وأنجاك هو، والمؤمنين معك وحدكم، وأهلك كل هذه الأحزاب الضالة، الكافرة أهلكها الله -تبارك وتعالى- الذى نجانا منهم بعد الكرب الذى أصابهم، والتهديد الذى هددوه رسولهم، وقالوا: {........لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}[الشعراء:116]: وآذوه، والله أخبر بأنه نجاه هو، وأهله من الكرب العظيم الاستهزاء، والسخرية، وما فيه، والتهديد، والوعيد الذى كان فيه؛ فاحمد الله -تبارك وتعالى- وقل الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: هم قوم ظالمين، وظلمهم قد تجلى فى كفرهم، وعنادهم، وتمسكهم بآلهتهم الباطلة، {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ........}[نوح:23]: أى آلهة هذه الأصنام آلهة؟ {........وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23] فهؤلاء ظلموا أنهم وضعوا العبادة فى غير موضعها كيف تعبد هذه؟ أصنام لا تنفع، ولا تضر كيف تعبد من دون الله، وتكون إله من دون الله؟! يعطى لها ما لا يجوز أن يعطى إلا للرب الإله الخالق -سبحانه وتعالى- تعطى لغير رب! ولغير إله حقيقى، تعطى لهذه المصنوعات المختلقات كيف تكون هذا؟ً! فهذا ظلمهم، فهذا ظلمهم هذا الظلم وضع العبادة فى غير موضعها مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: وكذلك ظلمهم عدوانهم على أهل الإيمان، وازدرائهم بهم، قالوا لنوح: {........وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[هود:27]: هذا كلام تعالى، ورفض لهؤلاء، وظن أن هؤلاء إذا كانوا من الفقراء، والمساكين، اتهموهم برذالة الخلق، والحال أنهم هم أفضل الناس إذ أن المسارع للإيمان، والمصدق بآيات الله -تبارك وتعالى- أفضل الناس، وأكرم الناس لكن هذا ظلمهم. {وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}[المؤمنون:29]: وَقُلْ أدع الله تبارك وتعالى أن ينزلك عندما يهلك الله -تبارك وتعالى- هذه مُنْزَلًا مُبَارَكًا فى منزل مبارك، مبارك أي أرضه طيبة، وهواءه جميل، وطقسه طيب، ونباته موافى؛ ادع الله -تبارك وتعالى- وذلك أنه قد ارتفع بالسفينة فوق قمم الجبال؛ فإنه لم يبقى قمة جبل إلا وغطاها الطوفان، كما قال الرب -تبارك وتعالى- نوح يقول لإبنه {........لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:43] لما قال ابن نوح قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قال له يا بنى: {........لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:43] ما فى جبل يعصم اليوم لأن ما فى أى مهرب يستطيع أن يهرب إليه أحد، لا نجاة إلا لمن على هذه السفينة فقط؛ فالسفينة قد علت رءوس الجبال كلها، وغطت، ومكثت كما قيل، جاء فى التوراة مكثت شهور على، وهى فوق قمم الجبال تعلو، والله يقول {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ........}[هود:42] نفس الموج الذى كانوا فيه؛ فقد غطت كل شيء؛ فهذه السفينة جرت هذا الجريان، وسارت هذا المسير فى هذه المدة الطويلة، مدة بقاء الطوفان حتى هلاك كل من كان على الأرض لا يدرى بعد ذلك عندما سيستقر وينتهى هذا الطوفان أين ستسقر السفينة؟، ما يعرف لأن مفيش أى علامة موجودة فى الأرض، ومكان يقصده؛ فادع الله -تبارك وتعالى- أن يجعل هبوطك، وهبوط من معك فى مستقر مبارك.
وَقُلْ رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا: أي عندما ننزل بعد غراق، غرق هذه الطائفة فى منزل، ومنزل مبارك {وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}[المؤمنون:29], مَن يكرمك كما يكرم الله -تبارك وتعالى-؟ فالله هو خير المنزلين -سبحانه وتعالى- هؤلاء ضيوفه، وهؤلاء المؤمنون هم عبيده، وهم ضيوف عنده -سبحانه وتعالى- فإذا أنزلهم الله -تبارك وتعالى- دعوا الله -تبارك وتعالى- وأنزلهم منزلا؛ فالله خير المنزلين -سبحانه وتعالى-. ثم قال -جل وعلا-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ}[المؤمنون:30]: هذا الذى ذكر لكم لَآيَاتٍ: من هذه الآيات وضوح دعوة الرسل، وصدقها، وبيانها، والخير الذى تحمله للعالم؛ فهذا نوح يحمل الطيبة، والخير، والصفاء إلى الناس الذين يدعونه رجل صادق، أمين يدعوهم دعوة بارة، وهذه الدعوة كلها صدق، وكلها يمن، وكلها بركة، وهى الحق؛ فماذا بعد الحق إلا الضلال يدعوهم إلى أن يعبدوا إلههم، خالقهم، رازقهم، بارئهم، مصورهم، موجدهم على هذه الأرض الذى خلق لهم كل ما فيها، ماذا فى هذه الدعوة من الباطل؟ وكيف يتحول الإنسان عن هذا؟ هذه هى أول آية إن كيف يتحول الإنسان الكافر عن هذه الدعوة عن دعوة الرسل؟ الرسل يقولون لكم اعبدوا الله الذى خلقكم ، وخلق هذه الأرض التى أنتم عليها، وخلق لكم كل هذه الموجودات التى تتمتعون بها، هو الله، والله يريد أن تعبدوه تذلو له، وتخضعوا له لا تعبدوا غيره لأن الغير هذا ما عنده شيء ما يعملكم شئ، وليس بيده لنفسه نفع، ولا ضر كيف تعبدونه، كيف تعطونه ما يجب ألا يعطى إلا لله -تبارك وتعالى- دعوة واضحة كل الوضوح، ومع ذلك العناد فيهم, الآية الثانية أن الكافر معاند، مجرم يكذب الرسول بغير أى دليل للتكذيب ما عنده أى برهان على تكذيبه هذا، ورد هذا الحق هذا واحد يصر على هذا الأمر يجرى وراء هذا الباطل الذى هو فيه كذلك من الآيات أن الله -تبارك وتعالى- يأخذ بالذنب، ويعاقب به المجرم يؤأخذه الله -تبارك وتعالى- فهؤلاء لما ظهر إجرامهم على هذا النحو الذين هم قوم نوح، وفعلوا هذا الأمر القبيح، وعاندوا رسوله على هذا النحو لا بد أن ينالهم عقوبة الله، والله -سبحانه وتعالى- عاقبهم بهذه العقوبة الشديدة، بهذا العذاب المستئصل، استئصلهم جميعًا بالغرق، ومن معهم أمر آية أخرى نذرت لآيات إنجاء الله المؤمنين هؤلاء المؤمنون عند الله -تبارك وتعالى- لهم شأن عظيم ما أغرقهم الله -تبارك وتعالى- مع من أغرق وبعد ذلك يثيبهم فى الآخرة، لا؛ فإن الله -تبارك وتعالى- احتفى بهم، واعتنى بهم، وعلم هذا الرسول هو نوح -عليه السلام- أن يصنع هذه السفينة، وكانت هذه السفينة مأوى لهم، ومستقر لهم هى التى أنجاهم الله -تبارك وتعالى- فيها دون سائر هؤلاء، وأخذ معهم كذلك من دواب هذه الأرض معهم؛ فانظر هذه العناية الإلهية عناية الرب الإله -سبحانه وتعالى- بهؤلاء المؤمنين؛ فلما شاء الله -تبارك وتعالى- أن يهلك ما أهلك الجميع, ثم يجعل هؤلاء تعويضهم عنده فى الآخرة المؤمنين، لا، وإنما كذلك فى الدنيا نصرهم الله -تبارك وتعالى- فى الدنيا قبل الآخرة {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}[غافر:51]: فهذا نصر فى الدنيا لما دعى نوح ربه -تبارك وتعالى-.
قال: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}[المؤمنون:39] نصره الله، وأقر الله -تبارك وتعالى- عينه بإهلاك أعداءه الذين ظلموه، وكفروا هذا الكفر أقر الله عينه رآهم، وهم يغرقون، وأنجاه الله -تبارك وتعالى- والذين معه، الله يقول فى هذا آيات أنظروا هذه الآيات, ثم قال -جل وعلا-: {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ}[المؤمنون:30]: هذا أمر الله -تبارك وتعالى- وهذه سنته لا بد أن يبتلي عباده -سبحانه وتعالى- يبتلى عباده المؤمنين، يبتلى الرسل بأن يكلفهم بهذه الرسالة، ويوجد بعد ذلك من يكفر بهم، ومن يسبهم، ومن يشتمهم، ثم إن الله -تبارك وتعالى- يكون هذا فعله فى أهل الإيمان، وهذا فعله فى أهل الكفر، إنما بعثتك يقول الله لنبيه محمد لأبتليك، وأبتلى بك؛ فبعثه الله -تبارك وتعالى- ليبتليه بحمل هذه الرسالة، قال له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1], {قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:2], {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}[المدثر:3], {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}[المدثر:4], {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:5], {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}[المدثر:6], {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر:7] حمل هذه الرسالة، وقال له: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:5]: سنلقى عليك قول ثقيل فيه تكاليف ثقيلة قم بها، وانهض بها، وقال النبى محمد يا رب ترسلنى، قريش هؤلاء معاندين، قوم لد قال: اذاً يثلغ رأىسى؛ فيجعلوه خبزًا، فقال له الله -تبارك وتعالى-: أغزهم نغزهم معك، وأرسل جيشًا نرسل خمسة مثله، أغزهم تغزو قريش نحن معك أرسل جيش ممن يطيعك فى القيام معك نرسل خمسة مثله من الملائكة هذا شأن الرب -تبارك وتعالى- فالله أرسل الرسل يبتليهم، ويبتلى بهم -سبحانه وتعالى- فمن كان له البلاء الحسن هذا آمن بالرسول ظهرت عنده آيات الرسول؛ فصدقها، صدقه، وتمسك به، واعتصم بحبل الله -تبارك وتعالى- ودخل مع هؤلاء المؤمنين، وأولئك المعاندون، المكذبون الخائفون على أوضاعهم، وثرواتهم، وأموالهم، وجاههم، وسلطانهم قالوا لك ما هذا نذهب وراء هذا الرسول هذا سنفقد أماكنا، وجاهنا، وثرواتنا، وأموالنا، تخطفن الناس يأمرنا بهذا؛ فالذين كانت لهم هذه الصوارف وعاندوا الحق، ودفعوه طمس الله -تبارك وتعالى- بصائرهم؛ ثم تكون العاقبة، والنهاية محسومة، معروفة, هذا صنيع الله بالمؤمنين، هذا صنيعه -سبحانه وتعالى- بالكافرين, ولابد أن نبتلى هؤلاء، وهؤلاء؛ ثم هذا صنيعه -سبحانه وتعالى-. ثم بعد ذلك يبين الله -تبارك وتعالى- هذه صفحة نوح نموذج آخر من نماذج هؤلاء البشر الذين يرسل الله -تبارك وتعالى- لهم رسول من عنده، قال -جل وعلا-: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}[المؤمنون:31]: من بعد هذا القوم الذين أهلكهم الله -تبارك وتعالى- وهم قوم نوح الكفرة أنشأ الله -تبارك وتعالى- مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ قرن أمة، وسميت قرن لأنهم مقترنين يعيشون مقترنين بعضهم مع بعض آخَرِينَ: غيرهم {فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:32]: نفس الأمر ما حصل مع نوح يحصل مع هذا الرسول، مع هذا القرن، قرن من الأمم، وهذا القرن كأن الله -تبارك وتعالى- اختاره هؤلاء أكثر ما ينطبق عليهم هؤلاء، الله لم يذكر اسم الرسول هذا، وإنما أكثر ما ينطبق عليهم ثمود، والرسول الذى أرسل إليهم صالح عليه السلام، قال -جل وعلا-: {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}[المؤمنون:31], فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ رسول منهم يعرفونه من نفس القبيلة أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ دعوة واضحة، صريحة اعْبُدُوا اللَّهَ ملك هذه السماوات، والأرض خالقها -سبحانه وتعالى- مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ليس لكم إله، فيه إله غيره ليس لكم إله تألهونه، تعبدونه، تقدسونه، تشكرونه على إنعامه، وإفضاله إلا هو لأنه لا خالق، لا منعم، لا متفضل إلا هو، ماله شبيه، ماله نظير، ما له منافس، ما ليس له أحد، هل فى هذا الكون، أنظروا فى هذا الكون كله لكم إله غير الله -تبارك وتعالى- خلق، رزق، أحيا، أمات، له شيء من الأمر ما لكم إله غيره! لا إله لكم غيره أَفَلا تَتَّقُونَ: ما عندكم عقل ألا تخافوا الله -تبارك وتعالى- خالق هذه السماوات، والأرض أن سعاقبكم إذا ذهبتم عبدتم غيره، وتركتم هذه، وكذبتم رسوله، واهنتموه، ما تخافوا من هذا!.
قال -جل وعلا-: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}[المؤمنون:33], {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}[المؤمنون:34], {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}[المؤمنون:35], {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}[المؤمنون:36], {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}[المؤمنون:37], {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ}[المؤمنون:38]: قابلوا هذا الرسول بدعوته الواضحة، الصريحة، المختصرة {........اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:32] بهذا السيل الجارف من الأكاذيب، والتضليل كلام ينقض بعضه بعضًا سيل جارف، أكاذيب كلها ألقوها فى وجه رسولهم؛ فأول ما تصدى لهذا الرسول أنظر من تصدى له، الملأ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ العليا، الأشراف الذني يملأون العين، ويملأون المكان الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ: الذين كفروا عرفوا إن هذا حق إن هذا رسول لكن جحدوا، وكفروا، ستروا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ: قالوا ما فى بعث، ولا فيه نشور بِلِقَاءِ الآخِرَةِ: لقاءهم مع الله -تبارك وتعالى- وتذكير كل رسول أنكم ستلتقون ربكم يوم القيامة يحاسبكم على أعمالكم، قال -جل وعلا- وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: بيان سبب هذا الكبر أنه الغنى، وبطر، الغنى الذى هم فيه, الترف هو الإغراق فى النعيم؛ فالإنسان المترف هو الذى استغرق فى النعيم، وبلغ فيه أقصاه وَأَتْرَفْنَاهُمْ والله هو الذى هذا عطاؤه، وقول الله وَأَتْرَفْنَاهُمْ أن هذا عطاؤه -سبحانه وتعالى- فهذا أول شيء أن هذا الترف هو من أسباب هذا التكذيب، والتعالى أنهم ملاؤا، وأشراف، وأنهم كذبوا بلقاء الآخرة، وأنهم فى حالة من الغنى، والسعة، وكذا بحيث إنها تغطى على عقولهم، كما قال النبى: «يوشك رجل شبعان على أريكته يقول حسبنا كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه» فالرجل هذا الشبعان هذا شبعه، وامتلاء بطنه مغطى على فكره، وعلى عقله، ويرى نفسه أنه مستغنى عن إلهه، وخالقه، ومولاه قالوا: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ بالحصر كده مَا هَذَا إِلَّا إلا كذا مَا هَذَا وبعد هذا مشار إليه بالإحتقار هذا الرسول يقول بَشَرٌ مِثْلُكُمْ بشر إنسان {........يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ}[المؤمنون:33] يأكل من الذى تأكلون منه وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وهم اقتراحهم أن الرسول هذا ينبغى أن يأتيه مائدة من السماء يأكل من السماء، مرسل من الرب؛ فينبغى أن يحاط بالملائكة، وأن يكون له بيت مخصوص بيت من زخرف، حديقة مخصوصة، وتجيله ثمار من السماء لأن هذا رسول الله كأنه هذا لا بد أن يكون له مكانة، ومنزلة فى الدنيا غير منزلته، أما يكون مثلنا مثله بيأكل مثل مثل البشر يمشى بالأسواق ، ويقول أنا رسول الله، يقولون له، لا، ما يصير هذا، ثم قال: {وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ}[المؤمنون:34]: قالوا: تطيعوا بشر مثلك مثله يتفضل عليكم يقول أنا رسول، وتطيعوه، وتمشوا وراءه، تصيروا خاسرين؛ فجعلوا الخسار فى اتباع الرسول هذا من انطمست بصائرهم، وانظر حكمهم على الأمور؛ ثم بعد ذلك ظهر تكذيبهم للدين الذى يدعوهم إليه، قالوا: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}[المؤمنون:35]: هل يعدكم هذا وعد بأنكم إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا: أي صارت أجسادكم إلى هذا مثل التراب اختلطت بالأرض، وصارت ترابًا فى الأرض وَعِظَامًا: بليت لحومكم؛ فصارت تراب، وبقى شيء من العظام أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ: مخرجون مرة ثانية إلى ظهر الأرض و مُخْرَجُونَ: أي بشر جديد، مخلوقون خلق جديد قالوا: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}[المؤمنون:36] هَيْهَاتَ كلمة للاستبعاد, أي أين هذا؟ هذا هيهات بعيدًا هذا الأمر، هذا لا يحصل؛ فهذا أمر مستبعد كل البعد، وتأكيدهم لهذا تأكيد أن هذا أمر فيه كل، لا يمكن تصديقه، قالوا: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}[المؤمنون:36]: للذى توعدونه عن لسان هذا الرسول بأن لكم عودة إلى الحياة مرة ثانية، وبعث، وحساب، ونشور, ثم حصروا بعد ذلك إن هذا رجل كذاب، قالوا: {إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ}[المؤمنون:38], فخلاصة الأمر عندهم أن هذا رجل مفتر على الله الكذب إِنْ هُوَ: أي هذا الرسول وقلنا إن أكثر أهل العلم على أن هذا صالح -عليه السلام-، ولكن هذا مثال كل أمة مكذبة لرسولها إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا: والافتراء اختلاق, أي اختلق هذا الكذب، ونسبه إلى الله أن الله -تبارك وتعالى- اختاره، وأرسله رسول وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ: هذا إظهار عزيمتهم، وأنهم لن يؤمنوا لهذا الرسول، ولن يصدقوه قط؛ فانظر كيف كانت دعوة هذا الرسول واضحة، بينة، مدلله، صادقة، وانظر كيف أن هؤلاء ردوا هذه الدعوة بهذا التكذيب الواضح البين عند ذلك لما قفل هؤلاء الباب على هذا النحو، وقالوا أبدًا لن نؤمن بهذا الرسول، ولا يمكن أن نؤمن به، وقفلوا الباب على أنفسهم، وأصبح ما فى مجال حتى لمحاورة، ومجادلة معه، ولا قالوا هات لنا دليل، ولا، لا، لا خلاص انتهى الأمر وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ: عند ذلك توجه الرسول إلى ربه -سبحانه وتعالى- إنه يفصل، ويحكم بينه، وبين هؤلاء.
{قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ}[المؤمنون:39]: انصرنى على هؤلاء بِمَا كَذَّبُونِ: بسبب تكذيبهم لى؛ فانصرنى عليهم أنا أديت الرسالة، وأنتظر نصرك لى؛ فيأتيه أمر الله -تبارك وتعالى- وكلامه، ووعده {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}[المؤمنون:40]: أمهلهم وقت قليل لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ: ليصبحن نادمين على تكذيبهم هذا، وكفرهم هذا سيندموا على هذا أشد الندم، ولكن هذا فى وقت يعضون على أصابعهم، ويلومون أنفسهم كل اللوم على ما فعلوه لكن فى الوقت الذى ينفعهم هذا، قال الرب -جل وعلا-: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}[المؤمنون:40], قال -جل وعلا-: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون:41] صيحة الملك، صاح فيهم صيحة واحدة، الله يقول: فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً: كالغثاء الذى يجمعه السيل ما هذا السيل لما يسيل يقوم يسمع بقايا النباتات، والحشائش، والبعر، ثم يجمع هذا الغثاء؛ فأصبحت أجسادهم، وأماكنهم، وكذا، قال -جل وعلا-: فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: أذهبهم الله -تبارك وتعالى- وأبعدهم، لنا عودة إن شاء الله.
نقف عند هذا، وأصلى، وأسلم على عبد الله، ورسوله محمد، -وصلى الله -تبارك وتعالى- على عبده، ورسوله محمد- سيد الأولين، والآخرين.