الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (415) - سورة المؤمنون 85-92

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى-: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:84], {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}[المؤمنون:85], {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[المؤمنون:86], {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:87], {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:88], {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون:89], {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90], {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون:91], {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:92], هذه الآيات من سورة المؤمنون؛ بدأ الله -تبارك وتعالى- فيها دحض اعتقا الكفار فى اتخاذهم آلهة مع الله -تبارك وتعالى-, وبيان أن العبادة، لا تليق ولا تجب إلا للإله الذى لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-, وألزمهم الله -تبارك وتعالى- الحجة بما يعتقدونه، قال -جل وعلا- {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:84], وقد كانت العرب تعتقد بأن الأرض، ومن فيها خلقها الله -تبارك وتعالى- فإنهم نسبوا الخلق كله إلى الرب الإله الذى لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- آمنوا به ربًا، ولم يؤمنوا به إلهًا واحدًا لا إله إلا هو، وإنما اتخذوا آلهة عبدوها مع الله -تبارك وتعالى- فيناقشهم الرب -تبارك وتعالى- ويقول لهم أى يا محمد -صلى الله عليه وسلم- لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ: إن كان لكم علم حقيقة ف لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا]{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} وهم يقرون بذلك قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ: أي هلا تذكرتم هذا، تذكرتم من لمن الأرض كلها، ومن فيها لله -تبارك وتعالى- إذًا هو المستحق وحده للعبادة -جل وعلا- فهو مالك هذا الملك -جل وعلا- فاتخذكم آلهة مع الله -تبارك وتعالى- مع إيمانكم، وإقراركم أنه هو خالق هذه الأرض كلها إنما هو تناقض، وسفاهة، وخروج عن مقتضى الحق عن مقتضى الذى تعتقدونه أَفَلا تَذَكَّرُونَ: ألا ينشئ لكم هذا تذكر فى عقولكم بأن الله الذى له هذه الأرض، ومن فيها، وأنتم تعتقدون بهذا هو الجدير وحده بالعبادة دونً عن ما سواه، أمر آخر {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[المؤمنون:86]: هذا ترقٍ من هذا الذى يشاهدونه من الأرض، ومن فيها إلى ما فوق هذه الأرض قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ: وهى هذه المخلوقات العظيمة التى جعلها الله -تبارك وتعالى- سقفًا لهذه الأرض، وطبقات بعضها فوق بعض، بناها الله -تبارك وتعالى- ببناء عظيم محكم، وهم كذلك كانوا يعتقدون بأن هذه السماوات إنما بناها الله -تبارك وتعالى- وحده، ولم يشاركه فيها أحد ليس لأحد غيره شركة فيها قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ: ربها، خالقها، بارئها، مالكها، المتصرف فيها وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ: فوق هذه السماوات، عرش الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا- سَيَقُولُونَ لِلَّهِ: يقرون لله بهذا؛ فالخلق الذى يرونه من هذه الأرض، والخلق الذى لا يرونه فوق هذه الأرض كلهم يقرون بأن الله -تبارك وتعالى- الموجود فى السماء رب هذه المخلوقات كلها سيكون لله {أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:87]: أفلا تتقونه -سبحانه وتعالى-, أي تخافون هذا الرب -سبحانه وتعالى- الذى له هذا الملك، وخلق هذا الملك العظيم لا شك أنه رب قوى، قاهر، عظيم، عليم بكل شيء، محيط بكم أفلا تخافونه أن تعصونه، وتتخذون إلهًاً معه غيره -سبحانه وتعالى-.

 {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:88]: هذه كذلك من صفات الرب تبارك وتعالى وأنه المهيمن على كل شيء, بعد الخلق ألزمهم الله -تبارك وتعالى- كذلك بالتصريف بيده ملكوت كل شيء، أنه يملك ملكوت الملك، صفة مبالغة من الملك؛ فملكوت كل شيء بيده خلقًا، وتصريفًا؛ فهو يتصرف فيه كما يشاء تصرف المالك فى ملكه، كل شيء وَهُوَ يُجِيرُ: عندما يستجار به؛ فإنه يجير يستجار به على عدو، يستغاث به؛ فإنه يجير -سبحانه وتعالى- كما قال -جل وعلا-: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ........}[النمل:62], فهو يجير، وينقذ، ويخرج المستجير به من الظلمات، يخبر -سبحانمه وتعالى- أن العرب كانت فى المهالك الشديدة تلجأ إلى الله -تبارك وتعالى- كما قال -تبارك وتعالى-: {........حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[يونس:22], {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ........ }[يونس:23]: فالذى يلجأون إليه وقت شدته هو الرب -سبحانه وتعالى- فالله لهم يقول: هذا الرب هو الذى يجير وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ: لا يستغاث بغيره لحربه، فالله تبارك وتعالى إذا أراد بقوم سوءً فلا مرد له؛ فلا يستطيع أحد أن يرد بأسه -سبحانه وتعالى- إذا أراد أن ينزله بغيره؛ فهذا لا يجار عليه، ليس لأحد يدان فى أن يحارب الرب -تبارك وتعالى- قال لهم: من بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ: عباده فى الظلمات، وينقذهم، والكل يتسغيث به -سبحانه وتعالى- ويكن لا يستغاث بأحد على الله -تبارك وتعالى- ولا يجمع أى جمع ليحارب الرب -تبارك وتعالى- إن الله فوق عباده -سبحانه وتعالى- وفوق ضرهم، قال -جل وعلا-: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ: أي حتى هذا التصريف كله لله، وأنه الرب القوي الذى فى قدرته -سبحانه وتعالى- أن يغيث، ويجير المستجير به، ولا يستطيع أحد أن يدفع بأسه -سبحانه وتعالى- إذا أراده ماذا لكم بعد ذلك؟ إذا كنتم تعتقدون هذا، فكيف تتحولون من عبادته -سبحانه وتعالى- إلى عبادة غيره، وتشركون غيره ممن لا يتصف بأى صفة من هذه الصفات، ولا شريكة له، ولا خلق له، ولا فعل له، ولا تصريف له معه -سبحانه وتعالى- {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون:89]: كيف تُسْحَرُونَ؟ والمسحور يرى الأمور على غير وجهها؛ فإنه يغلب على عقله من سحر، وكتب له سحر، وغلب السحر عليه؛ فإنه لا يعرف الأمور على وجهها الصحيح تُسْحَرُونَ: أي كيف يكون حالكم على هذا النحو تروا الأمور على غير حقائقها، وكأنه قد سحرتم، وقلبت عقولكم، وقلبت أفهامكم؛ فلا تروا الأمر على صورته الصحيحة؛ فهذا الرب الإله، رب العالمين -سبحانه وتعالى- الذى تؤمنون بأنه رب هذه الأرض خالقها، ورب السماوات، ورب العرش العظيم، وهو المتصرف، والذى له الملك فى كل شيء، وهو المتصرف فى كل شيء كيف تتحولون عنه؟ وتعبدون غيره؟.

ثم قال -جل وعلا-: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90]: كل ما جاء به الله -تبارك وتعالى- من دعوة عباده إلى عبادته وحده لا شريك له، ومن إرسال هذا النبى محمد -صلوات الله والسلام عليه- ليكون داعيًا إليه بإذنه -سبحانه وتعالى- موضحًا لهذا الصراط المستقيم؛ فكل الذى أتى من الله -تبارك وتعالى- عن هذا الرسول فى إعلامهم بربهم، وخالقهم، وأنه الإله الذى لا إله إلا هو، وأنه لا إله لهم غيره يعبدوه هذا الذى جاءهم بالحق من ربهم -سبحانه وتعالى- بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ الثابت الذى لا يتغير ضد الباطل وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ: فى كل ما ادعوه من هذا الشرك، والكفر، والعدول عن أمر الله -تبارك وتعالى- لَكَاذِبُونَ فعلوا هذا عن طريق الكذب، والإفتراء؛ فقولهم بأنهم هناك آلهة تعبد مع الله -تبارك وتعالى- إنما دافعهم فى هذا الكذب، من أين لهم أن الملائكة لهم شركة مع الله -تبارك وتعالى- وأنه يستشفع بهم إلى ربهم -جل وعلا- وأنهم بنات خلقهم الله -عز وجل- على هذا النحو، وأنهم ولدوا له، وأن هذه الآلهة التى يعبدونها، ويصنعونها بأيديهم من الأصنام، والأوثان تنفعهم، وتضرهم، وأن لها حق، وشركة مع الله -تبارك وتعالى- فكل هذا إنما كان بطريق الإفتراء، والكذب.

ثم بين الله -تبارك وتعالى- بأن الله لو كان له ولد لفسدت السماوات، والأرض، قال -جل وعلا-: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ قط؛ فقولهم بأن الملائكة بنات الله كذابون، وقول هؤلاء النصارى بأن عيسى ابن الله كذابون، وقول اليهود بأن عزير ابن الله كذابون, فكل من ادعى لله -تبارك وتعالى- ولدًا فهو كاذب فى هذا، ولا أثارة من علم عنده على هذا الذى يقول، وإنما الإفتراء، والكذب, وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ: وما كان مع الله من إله معبود يُعبَد بحق، ليس مع الله إله، هم جعلوا مع الله إله بكذب، وباطل، وأما يكون مع الله إله، إله حقيقى هذا لا يمكن أن يكون هناك إله حقيقى مع الله، ومعنى إله حقيقى، أنه يستحق العبادة كما يستحقها الرب الإله -سبحانه وتعالى- يكون إلهًا بمعنى أنه لا بد أن يكون خالقًا، رازقًا، بارئًا، مصورًا له نفع لعابده، متفضل عليه، خلق شيء من هذا الكون؛ فهذا كذب ليس مع الله -تبارك وتعالى- من إله، والله -تبارك وتعالى- لم يتخذ إله، ما قال، ولا أمر أحدًا من خلقه أن يعبد غيره -سبحانه وتعالى- ما قال الله -تبارك وتعالى- ولا أمر أحد أن يتخذ إله من دونه، قال اتخذوا الملائكة اعبدوهم، أو أعبدوا رسلى، أو أعبدوا هذا المخلوق، الله ما قضى أن يعبد إلا هو وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ هذا على لسان النبى، وعلى لسان كل الأنبياء، والرسل {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[آل عمران:79], فالرسول لا يفترى الكذب على الله، والله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يدعوا الناس إلى عبادة غيره {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79], {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:80], ما فى نبى يدعو إلى عبادة نفسه، أو إلى عبادة أحد غير الله، وكذلك الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يدعو إلى عبادة غيره -سبحانه وتعالى- وَلا يَأْمُرَكُمْ ولا يأمركم الله -عز وجل- أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ: يستحيل أن يكون هذا؛ فالله لم يتخذ ولدًا -سبحانه وتعالى- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ, ثم قال -جل وعلا-: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون:91]: أي لو كان الأمر كما يقولون إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ لو كان فيه إله حقيقى إذًا هو بين أمرين إما أن يصارع هذا الإله الآخر الموجود، ومن يغلب تكون له الغلبة، وإما أن ينفصل عنه، ويذهب بما خلق ناحية أخرى فى الوجود؛ فينشئ وجودًا آخر، وينفصل عن هذا الإله، وإما أن يذل لهذا الإله الآخر، وبالتالى لا يكون هو إله، لأن من ذل لغيره، وأصبح تحت أمره، وقهره لم يصبح إلهًا، وإنما الإله الذي يستحق الألوهة هو القهار الذى يقهر كل شيء، والذى خضع له كل شيء، وليس هناك من إله غيره, أما لو كان هناك إله مع الله -تبارك وتعالى- كأن يكون لله ولد، فيكون هذا الولد هو خالق، رازق، يحيي، ويميت تفسد الأرض فإذًا لايمكن أن يبقوا إذًا الله يقول -سبحانه وتعالى- إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ لو كان مع الله إله آخر لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ: انفصل هذا، وفسد هذا الكون, وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: بعضهم لا بد وأن يعلوا عن بعض ليكون هذا الذى يغلب الآخرين هو الإله الواحد، الذى لا إله غيره، قال -جل وعلا- سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ: سبحان الله تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- عما يصفه به هؤلاء المجرمون، الجاحدون، الكذابون من أن يكون له ولد -سبحانه وتعالى- بل هو الإله الواحد الذى لا إله إلا هو، الذى لا منافس له، ولا مضاد له، ولا كفء له، ولا ظهير له، ولا ند له، ولا نظير، ولا ظهير، ولا ولد يأخذ صفته؛ فيكون مثله تعالى الله -تبارك وتعالى- بل هو الإله الواحد الذى لا إله إلا هو، والذى خضع له كل شيء، وذل له كل شيء، وقهر كل شيء -سبحانه وتعالى- وكل شيء ملكه فى الأساس؛ لأنه هو الذى استخرجه من العدم، وهو الذى أخضعه لأمره، وسلطانه {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:40], أما مقالة هؤلاء الجاهلين لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا تملكه، وما ملك فهذه مقالة جهل، وعنون أن الملائكة يملكهم الله -تبارك وتعالى- وهم لا يملكون، وأنهم يشفعون عند ربهم كل هذا إنما افتروه بالكذب، وإنما ملائكة الرب -تبارك وتعالى- إنهم عباده، وليسوا بناته، وإنهم خاضعون لأمره -سبحانه وتعالى- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}[الأنبياء:26], {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27], {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}[الأنبياء:28], {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29], وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ: من هؤلاء الملائكة الذين قالوا إنهم بنات الله, وهذا عيسى ابن مريم -عليه السلام- الذى هو أكبر بشر عبده من دون الله -تبارك وتعالى- ونسبوا له كل صفات الرب -جل وعلا- من الخلق، والإحياء، والإماتة، وقالوا هو إله من إله، قال -تبارك وتعالى- مبينًا أنه، قال: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المائدة:75], وأخبر -سبحانه وتعالى- بأنه عبده، ورسوله، ويوم القيامة يبكت كل هؤلاء الذين عبدوه أمام المشهد العظيم {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116], {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117], {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118], {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ........ }[المائدة:119]: فهذا عيسى الذى عبد من دون الله -تبارك وتعالى- ويقال لليهود لما يقولوا كنا نعبد عزير ابن الله يقول: كذبتم مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ: هذه مقالة الرب -تبارك وتعالى- يخبره بها عباده هنا، وهى التى ستقال لهؤلاء الكفار، المشركين الذين اتخذوا ولد عبدوه مع الله -تبارك وتعالى- وليس لله ولد، اتخذوه بعقولهم، بافترائهم؛ ففى المحشر العظيم يقول الله -تبارك وتعالى- لليهود: ذهب الناس ماذا تنتظرون؟ يقولون كنا نعبد عزير ابن الله يقال: كذبتم مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ, طبعًا يقولون اليهود: ربنا قد عطشنا فاسقنا؛ فيشار لهم جهة النار اذهبوا؛ فإذا ذهبوا جهة النار رأوها كأنها سراب، والحال سربا، والحال أنها النار تحطم بعضها بعضًا؛ ثم يذهبون إليها؛ فيتساقطون فيها, ثم يقال للنصارى: ماذا تنتظرون؟ ذهب الناس؛ فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله؛ فيقال كذبتم  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ, فيقولون: يارب عطشنا فاسقنا؛ فيشار لهم جهة النار أى الماء هناك, ثم يذهبون إلى النار عياذًا بالله؛ فيتساقطون فيها؛ فهذا الرب -تبارك وتعالى- يخبر به عباده، وقد أخبر به عباده، كل هؤلاء المشركين جاءتهم النذارة من الله -تبارك وتعالى- فعيسى أنذر قومه من البداية، وهو فى المهد {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم:30] ما قال إنى ابن الله {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم:31] والذى يصلى، ويفعل الزكاة هذا يعبد إلهًا، يعبد الرب الإله الذى لا إله إلا هو، والإله لا يصلى كيف الإله يصلى لغيره، ويسجد لغيره؛ فتعالى الله -تبارك وتعالى- أن يكون له شريك أو ولد، وكذلك هذا النبى حذر هؤلاء المشركين الذين عبدوا مع الله إلهًا آخر، كل نبى إنما دعى إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ فهؤلاء جاءتهم النذارة الكاملة لكل من اعتقد هذه العقائد الباطلة واتخذ له إله مع الله -تبارك وتعالى- وزعم أن هذا ان الله؛ فهذا كاذب مفترى على الله -تبارك وتعالى- وبالتالى قامت عليه حجة الله -تبارك وتعالى- بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ جاءهم هذا {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[المؤمنون:90].

 {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[المؤمنون:91]: تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- عَمَّا يَصِفُونَ {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:92] إن الرب الإله الذى يستحق العبادة, عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ: عالم ما غاب عنا، وما نشهده كل ما يشهده الخلق يعلمه الله، كل ما يغيب عن الخلق يعلمه الله، والله -تبارك وتعالى- لا غيب عنده قط، كل خلقه عنده شهادة؛ فهو مشاهد، ومطلع فى كل لحظة، وفى كل وقت على كل خلقه -سبحانه وتعالى- لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ: يغرب ويغب فلا يغيب عن سمع الله، وبصره مثقال ذرة فى السماوات، ولا فى الأرض سواء أن كانت هذه الذرة ظاهرة على وجه الأرض، أو أنها مختفية فى باطن الأرض يعلمها الله -تبارك وتعالى- يعلم هذا الوجود الظاهرى، ويعلم كذلك غير ما له بالنسبة وجود ظاهرى مثل الأعراض سواء أن منكم من أسر القول، وجاهر به {........وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ}[الرعد:10]: كله سواء عند الله سواء من أسر القول، قول قاله سرًا، ومن هو جاهر به, بل يعلم ما هو أخفى من هذا، يعلم السر، وأخفى من السر، والذى أخفى من السر حديث النفس, وباطن، وذات الصدور يعلمها الله -تبارك وتعالى- فهذا الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذى يعلم الغيب، الغيب يسمى غيب إضافة إلى المخلوق؛ فالملائكة بالنسبة لنا غيب، والجنة، والنار غيب لأننا لم نطلع عليها، لكن الملائكة بالنسبة لعلمهم علمهم هم شهادة، وقد يغيب عنهم ما لا يعلمونه، كما قالت الملائكة للرب -سبحانه وتعالى- {........قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:109]: فإن الملائكة لما قال لهم الله -تبارك وتعالى- {........فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:31], {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:32] فالله وحده علًّام الغيوب الملائكة لا تعلم الغيب، الجن لا يعلمون الغيب، الإنس لا يعلمون العيب، وأما الرب -تبارك وتعالى- فإنه يعلم كل الغيوب، كل غيب عنده شهادة {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ........}[الرعد:33] فهو {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:92] تعالى الله -تبارك وتعالى- عن الذى يشركون به -سبحانه وتعالى- الملائكة خلقه فى أمره -سبحانه وتعالى- لا يتكلمون كلمة إلا بأمره، ولا يتجاوزون المقام الذى أقامهم الله -تبارك وتعالى- فيه {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات:164], ملك فى السماء الأولى لا ينتقل إلى السماء الثانية، وأهل السماء الثانية فى مقامهم، والثالثة فى مقامهم، وجبريل له مقام معلوم ينتهى عنده، {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[النجم:14]، ولا يجاوز هذا المقام لذلك لما عرج بالنبى -صلى الله عليه وسلم- وقف إلى مقامه الذى هو مقامه، وقال لمحمد تقدم هذا مقام لا ينبغى لأحد إلا لك أنت لك هذه القرب هذا الذي هو بعد سدرة المنتهى لك، ولذلك وقف عنده علما أنه هو رفيقه عرج بالنبى، وجبريل معه هو الذى كان صاحبًا له فى كل هذا العروج إلى السماوات، لكن لما انتهى إلى مقامه، كما قال -جل وعلا- عن الملائكة {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات:164], {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165], {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:166], فالملائكة تقف بين يدى ربها -تبارك وتعالى- وتسبح الله -جل وعلا- {........وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27], {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}[الأعراف:206], فالرب الإله الذى لا إله إلا هو تعالى عما يشركون, أى إن كان الذى يشركون به ملائكة الرب -تبارك وتعالى- الله خالقهم، وبارئهم، والمسيطر عليهم -سبحانه وتعالى- ولا يملك ملك لنفسه نفع، ولا ضر إلا بإذن مولاه -سبحانه وتعالى- وكذلك من دون الملائكة ممن عُبِدوا من دون الله -تبارك وتعالى- شمس، أو قمر، أو نجوم، أو بشر، أو غيرهم لا شك تعالى الله -تبارك وتعالى- عما يشركون علوًا كبيرًا، الله -سبحانه وتعالى- لا مجال أن يقارن به -سبحانه وتعالى- شيء من مخلوقاته، بل تعالى الله -تبارك وتعالى- عن كل ما يشرك به المشركون.

 ثم قال -جل وعلا-: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ}[المؤمنون:93], {رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون:94] هنا تحول بعد ذلك من خطاب هؤلاء المشركين إلى خطاب للنبى -صلوات الله والسلام عليه- ليتجه إلى أمر الله -تبارك وتعالى- ويدعو الله -تبارك وتعالى- أن يجعله فى أهل الإيمان، ويبعده عن طريق هؤلاء أهل الظلم، والكفران

وهذا إن شاء الله نعود إليه فى الحلقة الآتية، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.