الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على عبده، ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى-: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}[المؤمنون:112], {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}[المؤمنون:113], {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:114], {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115], {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:116], {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117], {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:118]: الآيات الأخيرة فى سورة المؤمنون، وفيها ينقل الله -تبارك وتعالى- لنا هذا الخطاب الذي سيكون بينه -سبحانه وتعالى- وبين أهل النار الذين كذَّبوا رسله، وعاندوهم، واتخذوا لهم آلهة غير الله -تبارك وتعالى-, وأن الله -تبارك وتعالى- يقول لهم فى بداية هذا الحديث {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[المؤمنون:105], {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ}[المؤمنون:106], {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:107], فيعتذروا بأنه الشقوة التى سبقت لهم فى علم الله -تبارك وتعالى- غلبت عليهم، وأنهم كانوا قوم قد ضلوا فى هذه الدنيا؛ فيعترفوا بضلالهم، وبعدهم عن الحق، ويستعطفون الرب -تبارك وتعالى- ويدعونه فى أن يعيدهم إلى الحياة الدنيا مرة ثانية يقولون رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ: أخرجنا من هذه النار، واختبرنا مرة ثانية فى الدنيا، وإن عدنا إلى الشرك، والكفر فَإِنَّا ظَالِمُونَ, فيقول لهم الله -تبارك وتعالى- {........اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:108]: يرد عليهم بأن يقول لهم ذلوا، واخسئوا فى هذه النار ولا تكلمونى, {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:109], فالمهم أن قول الله وَلا تُكَلِّمُونِ يقطع لهم بعد ذلك الرجاء ييئسهم من رحمته -سبحانه وتعالى-, وأنهم لن يستجيب لهم دعاءً؛ ثم يذكر الله -تبارك وتعالى- لهم إجرامهم، وما كانوا عليه فى الدنيا من قساوة القلب، ومن ظلمة النفس؛ فيقول لهم: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:109], انظر مقالة هؤلاء فريق من عباد الله -تبارك وتعالى- آمنوا بالله -تبارك وتعالى- وهذا صدقوا الحق الإيمان هو التصديق بهذا الحق؛ الله هو حق، والملائكة حق، والجنة حق، والنار حق، ومحمد حق، والنبيون حق، فهؤلاء الذين آمنوا، آمنوا بحق، واستكانوا لربهم -سبحانه وتعالى- ودعوه، قالوا: رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ: فهذا حال هذا الذى آمن بالله، صدق بالحق، واستكان لربه، ودعاه -سبحانه وتعالى- كان عندكم مسار السخرية، والإستهزاء، قال -جل وعلا-: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا: هؤلاء المؤمنون الذين كانت هذه حالهم إستهزئتم بها، وهل هذا مكان، هل هذا يستهزأ به يستهزأ بالمؤمن الذى آمن بالله -تبارك وتعالى- صدق بهذا الحق، واتبع هذا السبيل فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا جعلتموهم فقط هذا الإتخاذ هنا كأن هذا عملهم الأساسى سِخْرِيًّا: من السخرية، والإستهزاء، والإحتقار لشأنهم {........حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ}[المؤمنون:110]: نسيتم بسخريتكم لهم، واستهزائكم بهم أن تذكروا الله -تبارك وتعالى- وإن ربهم لا يننتقم لهم -سبحانه وتعالى- ولا ينتصر لهم؛ فظلتم فى هذه السخرية، وأنتم غير عابئين بأن هؤلاء الذين فعلتم به هذا الفعل هم منسوبون إلى الله -تبارك وتعالى- وهم أولياءه، وأنهم آمنوا بحق، وأن حالهم حالًا لا يستهزأ بها، بل حال يستعظم، وأن هؤلاء قد اهتدوا إلى طريق الرب -تبارك وتعالى- وقد آمنوا بالله رب هذا الوجود -سبحانه وتعالى-, وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ: كنتم من هؤلاء المؤمنين الذين استقام أمرهم، وصلح حالهم، وآمنوا بالحق، والصدق تَضْحَكُونَ قال -جل وعلا-: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}[المؤمنون:111]: إِنِّي الرب الإله الذى لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- جَزَيْتُهُمُ الجزاء إعطاء الأجر الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا على تكذيبكم، واستهزائكم، وضحكم بهذا الصبر الذى وقع منهم لإجرامكم، وسفاهتكم، وإستهزائكم بهم أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ وهم الفائزون ظرف لهم فقط الْفَائِزُونَ الذين نالوا الفوز العظيم، المطلوب الأكبر، الفلاح المبين {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}[المؤمنون:111], وقد مضى فى السورة أن الله -تبارك وتعالى- أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}[المؤمنون:96], {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}[المؤمنون:97], فهذا النبى -صلى الله وسلم- الذى صبر هذا الصبر مع عباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين على أذى الكفار، وتحملوا هذا لله -تبارك وتعالى- الله يقول: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}[المؤمنون:111]: طبعًا انقطع كلام هؤلاء الكفار، وأصبحوا ذلوا، وخسئوا فى النار على ما هم عليه، ولا يستطيعون أن يطلبوا من الله شيء ثانى لأن الله قال لهم: {........اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ}[المؤمنون:108], ثم يأتيهم تبكيت آخر من الرب -تبارك وتعالى- يبكتهم زيادة فى عذابهم؛ فيقول لهم الله -تبارك وتعالى- {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}[المؤمنون:112]: سؤال يراد به بيان قلة المدة التى يتمتعوا بها فى هذه الأرض, ثم بعد ذلك هذا العذاب الطويل الذى انتظرهم بعد ذلك، وأن هذا المتاع القليل الحقير، الذى آثروه، ومن أجله تركوا دين الله -تبارك وتعالى- أنهم لم ينفعهم شيء، وأنهم تمتعوا متعة قليلة جدًا لا تساوى شيء {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ}[المؤمنون:112], {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}[المؤمنون:113] فكذبوا كذبة أخرى، وتصوروا أن بقاؤهم فى الأرض إنما كان يوم، أو بعض يوم قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ إما أن يكون هذا كذب صراح منهم على هذا النحو، وهم يكذبون، وإما أن هذا الأمر إنما هو أمر كان سريعًا مضى كأنه يوم أو بعض يوم, ثم تنزلوا عن اليوم إلى جزء من اليوم، قالوا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ: أي فاسأل الذين عدَّوا السنين التى مكثناها، وهذا يشبه قول الله -تبارك وتعالى- عنهم فى قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:102], {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا}[طه:103]: أي يقولون سرًا بينهم، وبين بعضهم إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا, قال -جل وعلا-: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا}[طه:104]: أمثلهم طريقة من هؤلاء أكثرهم فهم، وكذا يقول: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ما هو عشر أيام بل هو يوم واحد، وبعضهم يتنزل؛ فيجد أنه ما عاشوا فى هذه الدنيا إلا ساعة، كما قال -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ........}[الروم:56]: أي يحلفون أنهم لم يلبثوا فى هذه الدنيا إلا ساعة، مستقلين الوقت الذى عاشوه فى هذه الدنيا، والحال أنهم عاشوا بعضهم أعمار طويلة، ولكنهم لم يتذكروا هذه الأعمار، كما يقول لهم الله -تبارك وتعالى-: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير أولم نعمركم فى هذه الدنيا؛ فنعطيكم العمر فى هذه الدنيا مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ: أي ما يكفى لأن يتذكر فيه من يريد التذكر أربعين سنة، خمسين سنة، ستين سنة وَجَاءَكُمُ النَّذِير: الشيب، أو النذير الرسول الذى ينذركم؛ فلا شك أنهم قد عاشوا فى هذه الدنيا الفترة الطويلة التى تكفى للتذكر لكنهم أضاعوا هذا فيما لا يفيد، والآن يندمون، ويعضون أصابع الندم على هذا، وأنهم لم يمكثوا فى هذه الدنيا إلا وقت قليل ], {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ}[المؤمنون:113].
قال -جل وعلا-: {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[المؤمنون:114]: لا شك أن الذى لبثتموه إنما هو وقت قليل, لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ: أن كنتم تعلمون حقيقة الدنيا، والآخرة، وأن الدنيا متاعها فى الآخرة قليل، وأن وقتها بالنسبة للوقت الذى أمامكم، وينتظركم فى النار وقت طويل جدًا لا انتهاء له ثم يبكتهم الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك، ويبين حقارتهم، وأنهم نسبوا إلى الله -تبارك وتعالى- ما ينبغى أن ينسبه أى إنسان عنده عقل، قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115], {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:116], أَفَحَسِبْتُمْ: أفظننتم، وهذا كان حسبانهم، بل اعتقادهم فى هذه الدنيا أنهم لا حياة بعد الموت، وأن الموت هو نهاية الأمر، ونهاية المطاف، وبالتالى يكون قد خُلِقوا عبثا، خلقهم الله -تبارك وتعالى- يكون سدىً، وعبثًا يأكلون، يتمتعون، يشربون يقتل بعضهم بعض، يسبى بعضهم بعض، يفعل ما يشاء، ويتخيلون من العقائد ما يتخيلون، ويعبدون ما يعبدون، ويتركون ما يتركون؛ ثم يكون الموت، ولا حياة بعد الموت بعد ذلك إذًا الرب الذى خلق هذه السماوات، وخلق الأرض، وخلق هذا الكون كله عندما يترك عباده على هذا النحو، ولا يرسل لهم رسل، لا ينهاهم، لا يبين لهم صراطه المستقيم، ويعيش الناس كل يفعل ما يشاء، ويكون هو إلهه هواه، ويختار من الأقوال، والأفعال، والأعمال ما يشاء، ويصطرع الناس ويكون بعد ذلك الموت هو نهاية المطاف، ولا حكومة، ولا حساب هذا عبث، يبقا الذى خلق هذا الخلق العظيم، إنما يعبث، ويلعب أَفَحَسِبْتُمْ: أظننتم، الله -تبارك وتعالى- الرب الإله يخلق هذا الخلق عابثًا، لاعبًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ لتحاسبون عند ربكم، وإلهكم، وخالقكم -سبحانه وتعالى- ويحاسبكم على أعمالكم لا يأمركم، ولا ينهاكم، ولا نهاية لهذا الأمر, فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ: تعالى، تنزه -سبحانه وتعالى- وعلا عن هذا الذى تصفونه به من أنه خلق هذا العالم لا عقل له، ولا هدف له، ولا حكمة له، وأن هذا الخلق لا أى عقل من وراءه، وأى حكمة من وراءه تعالى الله -تبارك وتعالى- أن يكون صنيعه للعبث، واللعب, فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ: الله هو الملك -سبحانه وتعالى-, وهو الْمَلِكُ الْحَقُّ, وأى ملك من ملوك الرض يتصف بأنه ملك من أول صفاته إن يكون له نظام، ويكون له أمر، ونهى، وأن يثيب الطائع، وأن يعاقب العاصى، وأن الخارج عن النظام، والقانون يعاقب، وأن فيه نظام، وقانون أما ملك بلا نظام، وبلا قانون، وبلا دستور، وبلا جملة غير مسموعة ويترك جزء غير مسوع فى الفيديو, وأن له وعد، ووعيد، وله نظام، وله قانون، وله صراط يأمر العباد أن ينخرطوا فيه, حل، وحرم؛ فهو الذى خلق، وحل، وحرم -سبحانه وتعالى- وأمر عباده بأن يطيعوه -سبحانه وتعالى- وأن يسلكوا سبيله، وتهدد، وتوعد من لا يسلك سبيله، ووعد -سبحانه وتعالى- من يسلك سبيله بالفوز، وبالجنات؛ فهو الملك -سبحانه وتعالى- فهو ملك الناس، وهو ملك السماوات، والأرض -سبحانه وتعالى- فيتعالى الله -تبارك وتعالى- الملك، والمالك -سبحانه وتعالى- أن يكون على الوصف الذى وصفتموه بأنه خلق الخلق، خلاهم، وتخلى عنهم لا يأمرهم، ولا ينهاهم، ويتركهم، ويضيعهم -سبحانه وتعالى- تعالى الله عن ذلك, {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:116]: لا معبود بحق إلا هو، الإله هو المعبود؛ فهو الإله وحده إذًا كل من نسب له صفة الألوهية غيره فباطل, ليس لا إله موجودًا؛ فإن الآلهة غيره موجودة قد اتخذ الناس آلهة شتى، بل إن أصناف المشركين على مدار الزمان لم يتركوا موجودًا إلا عبدوه، وليس الموجودات فقط، بل المتخيلات، والمتصورات ممن لا وجود له؛ فالذهن يفترض المعدوم الذى لا وجود له؛ فأذهان الكفار، والمشركين قد تفتقت عن اختراع آلهة لا وجود لها فى الخارج، وعبدوها مع ما عبدوه من هذه الموجودات؛ فالشمس، القمر، النجوم، الكواكب جملة غير مسموعة فى الفيديو ما بقى شيء من هذه الموجودات إلا عُبِد، ووجد له من يعبده، ويؤلهه، وكل من اتخذ إله من هذه الآلهة كذلك أحبه، وقدسه، وعبده، وذل له، وخضع له، وطلب منه، ودعاه، وأعطاه ما يعطى الرب -تبارك وتعالى- بل ما لا يجوز إعطاؤه إلا للرب الإله، الخالق الذى لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لا إله على الحقيقة بحق إلا هو -سبحانه وتعالى- رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ: هذه صفته، والعرش الكريم هو سقف هذه المخلوقات؛ فإن هذه المخلوقات كلها تحت عرش الله -تبارك وتعالى- خلق الله -تبارك وتعالى- هذه المخلوقات من هذه الموجودات الأرض، وما حوت، وما فوقها من هذه النجوم, ثم السماوات, ثم كرسى الله -تبارك وتعالى- وعرشه، والعرش سقف هذه المخلوقات، والذى استوى على العرش الذى هو سقف المخلوقات إذًا قهر الجميع كل من تحته هو قاهر له {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:18], -سبحانه وتعالى- فرب العرش العظيم، العرش هذا هو أعظم موجود من الموجودات عرش الله -تبارك وتعالى- أعظم مخلوق خلقه الله -تبارك وتعالى- هو العرش الذى لا يقدر قدره إلا الله، ما أحد من مخلوقات الله -تبارك وتعالى- يقدر قدر العرش يعرف مقدراه، وحجمه وصفته، ونفاثته، وثمنته إلا الله -تبارك وتعالى- لا يقدر هذا لا يقدر قدر العرش إلا الله ، إلا الذى خلقه -سبحانه وتعالى- لا ملائكة الرب، ولا غيرهم يقدرون قدر العرش، ولا يمكن أن تصل عقولهم إلى سعته، لا يعرف هذا إلا الله، فالذى هو خلق العرش، وجعله سقفاَ لهذه المخلوقات، وهو المستوى فوق هذا العرش هو الإله الواحد -سبحانه وتعالى-, أما ما دونه آلهة صغيرة، ما الشمس، ما القمر، ما النجم، ما هذا، ما عيسى ابن مريم، ما هذا الملك، ما هذا؟ كل هذه عبارة عن مخلوقات إنما هى صغيرة، ذليلة، خاضعة لأمر مولاها -سبحانه وتعالى- لصاحب العرش -سبحانه وتعالى- فعيسى عبد لله -تبارك وتعالى- والملائكة خاضعون لأمره -سبحانه وتعالى- مع عظمهم، وكبرهم، وخلقهم العظيم، يقول النبى: « أذن لى أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين أذنه إلى عاتقه تخفق الطير خمسمائة عام» فهذا ملك من حملة العرش لكن حملة العرش قد ذلوا لله، وخضعوا لربهم، وعبدوه -سبحانه وتعالى- مع هذا الخلق العظيم؛ فكل هذا الخلق العظيم مع عظمته إلا أنه فى غاية الذل، والقهر لإلههم، ومولاهم الإله الحق -سبحانه وتعالى-, فهذا الرب الذي يستحق العبادة {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:116] جملة غير مسموعة فى الفيديو نفيس؛ فهذا النفيس أعظم من النفاسة من أى مادة خلق الله -تبارك وتعالى- هذا الخلق، هذا العرش، هذا عرش الرب -تبارك وتعالى-, لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ الذى وسع كل المخلوقات.
ثم قال -جل وعلا- محذرًا، ومنذرًا فى آخر هذه السورة: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ}, ثم قال -جل وعلا-: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117]: هذا وعيد من الله -تبارك وتعالى- بأن من يدعو مع الله إله آخر {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ, من صيغة العموم يَدْعُ: يطلب، ويلجأ، والدعاء هو العبادة أشرف شيء فى العبادة، وهو العبادة وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ: إله غير الله -تبارك وتعالى- قال -جل وعلا-: لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ: أي ليس عند هذا الذى يدعو هذا الإله الآخر حجة قاطعة، البرهان هو الحجة القاطعة، والدليل الذى لا يدحض برهان لا بُرْهَانَ لَهُ بهذا، والحال أنه جزء غير مسموع فى الفيديو وهذا أعظم تهديد إن الله لن يكل حسابه إلى غيره، لا يقول لجبريل حاسب هؤلاء، ولا هذا أنت حاسب هؤلاء، لا، ربه الذى سيحاسبه، ربه خالقه، ورازقه، ومولاه، ومالكه، والمتصرف فيه هو الذى سيحاسبه، وقول الله -تبارك وتعالى- عِنْدَ رَبِّهِ: هذا دحض لحجة الكافر، ولحاله أن من الذى سيحاسبك؟ ربك الذي خلقك، ويا ويلك عند ذلك إنك ربك الذى خلقك اتخذت إله دونه، وهذا الإله لا خلقك، ولا يملك نفع، ولا ضر؛ فربك الذى خلقك هو الذى سيحاسبك على هذا الإجرام الذى أجرمته حيث ذهبت إلى غيره وعبدت غيره فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ تهديد؛ ثم قال -جل وعلا- مبين حقيقة لا تقبل الدحض، والشك {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117]: الشأن، والحال هذا ضمير الشأن، والحال إن هذه هي سنة الله، وميزانه، وفعله أن الكافر لا يفلح حكم الله -تبارك وتعالى- الكافر لا يفلح كفر يبقى الله -تبارك وتعالى- كتبله الخسران لا يفلح الكافر، وهؤلاء كفار، هؤلاء الذين عبدوا غير الله -تبارك وتعالى- كفار لأن أدلة التوحيد كلها قائمة بالنظر، وبالسمع؛ فكل ما يقع تحت البصر شاهد أن الله إله واحد، وقد جاءنا السمع من الله -تبارك وتعالى- بآياته المنزلة أن الله -تبارك وتعالى- لم يدعوا إلا لأن يعبد هو وحده لا شريك له، وأنه لا برهان، ولا دليل على الشرك ؛فإذا الكافر قد كفر جزء غير مسموع فى الفيديو {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة:164]: فهذه آياته المنظورة لك وكذلك آياته المسموعة هذا كتابه المنزل على عبده، ورسوله محمد قائم بهذا الأمر، وهذه أعظم قضية من قضايا العلم، والدين قصية وحدانية الرب -تبارك وتعالى- وأنه الإله وحده الذى يستحق وحده العبادة من دون كل خلقه -سبحانه وتعالى-, وبالتالى {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117]: الكافر لا يفلح ما دام كفر هذا الكفر؛ فإنه عند الله -تبارك وتعالى- لا يفلح، وفى ختام السورة دعوة إلى النبى -صلوا الله والسلام عليه- بأن يتوجه إلى الله -تبارك وتعالى- بالدعاء، والمغفرة، والرحمة {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:118]: وَقُلْ يا محمد، وهذا خطاب للأمة كلها، والمؤمنين جميعاً رَبِّ: يا ربى اغْفِرْ وَارْحَمْ: وتقديم الدعاء بقول المؤمن ربى هذا لطريق الإستجابة؛ فإنه اعتراف، وثناء على الله -تبارك وتعالى- بأنه الرب -سبحانه وتعالى- وأنه رب هذا الداعى رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ: المغفرة الستر اغفر ذنوبى استرها وأمحها، وغطها اغْفِرْ وَارْحَمْ: ارحم عبدك المتوجه إليك وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ: خير من يرحم هو أنت يارب؛ فارحمنا برحمتك الواسعة {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:118].
بهذا تنتهى هذه السورة العظيمة الذى بدأت هذه البداية العظيمة، وانتهت هذه النهاية الفائقة فى قول الله -تبارك وتعالى- فى البداية {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:1], {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:2]: وصفهم الله -تبارك وتعالى- بمجموعة من هذه الصفات؛ ثم خاطب الكافر خطاب، خاطبه الله -تبارك وتعالى- خطاب بليغ، وأقام الأدلة على أن الله هو رب العباد -سبحانه وتعالى- هو المستحق وحده، وبيَّن الله -تبارك وتعالى- أحوال الكفار بدءًا بقوم نوح، وناقشهم؛ ثم بين ما سيكون المآل، مآلهم يوم القيامة؛ ثم ختمت بهذا الحديث العظيم بين الله -تبارك وتعالى- وبين الكفار عندما يكونوا فى النار؛ ثم بهذا الختام بعد ذلك {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117], ثم {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:118] ونقول فى ختام هذه السورة رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ, وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله الأمين، والحمد لله رب العالمين.