الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (420) - سورة النور 10-11

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده، ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11], {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}[النور:12], {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النور:13], {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:14], {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور:15]{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}[النور:16], {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[النور:17], {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:18], {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النور:19], {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النور:20], هذه الآيات، والتى نزلت بشأن الإفك فى هذه السورة، سورة النور، وقد سبق أنها سورة مدنية بتمامها، وأنها نزلت بسبب ما رمى به المنافقون، واتبعهم فى ذلك بعض صالحى المؤمنين أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها-؛ فأنزل الله -تبارك وتعالى- برائتها فى السماء برائتها من السماء فى هذا القرآن الذى يتلى إلى يوم القيامة، وقد قرأنا جزءًا من حديث أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها- فى قصة هذا الإفك، ونعود لإستكمال هذا الحديث، كما رواه الإمام البخارى فى صحيحه عن الإمام إبن شهاب الزهرى رحمه الله عن جمع من التابعين, ثم الصحابة الذين اجتمع حديثهم كله، وصاغه الإمام الزهرى، قال: وكلُ حدثنى  طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدق بعضه بعضًا، وإن كان بعضهم أوعى لهم من بعض، الذى حدثنى عروة عن عائشة -رضى الله تعالى عنها- زوج النبى -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان رسول الله اذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه؛ فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معها، هذه سنة النبى فى أن يخرج معه بعض نسائه، يخرج إمرأة واحدة من نسائه معه فى السفر؛ فكان يضرب القرعة، ومن خرج سهمها خرج بها النبى -صلوات الله والسلام عليه- تقول أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها-: فأقرع بيننا فى غزوة غزاها؛ فخرج سهمى؛ فخرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ما نزل الحجاب، وهى الآيات التى أمر الله تبارك وتعالى فيها نبيه أن يحجب نساؤه، يحجب سوادهن، وليس الحجاب مجرد تغطية الجسم، بل حجب سواد المرأة كلها نساء النبى -صلوات الله والسلام عليه- كما قال -جل وعلا-: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ: أي ستر أو جدار، ونحو ذلك، تقول: وأنا أحمل فى هودجى، وأنزل فيه أنه لا يأتى الرجال الأجانب لها ينادوها أخرجى إلى الهودج، وإنما  الهودج يوضع لها؛ فتدخل هى فيه، والهودج ستر كامل تخرج فى الهودج, ثم يأتى الرجال؛ فيحملوه، يحملوا الهودج من أطرافه، ويضعونه على البعير؛ فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- من غزوته تلك، وقفل أى رجع من الغزوة، ودنونا من المدينة قافلين، آذن ليلة بالرحيل أعلن النبى -صلى الله عليه وسلم- فى الجيش أنه مرتحل فى هذه الليلة، تقول: فقمت حين آذنوا بالرحيل لما أعلن الرحيل؛ فمشيت حتى جاوزت الجيش، جيش نازل فى العادة ينزل فى وادٍ واسع، وكان قضاء الحاجة لا بد أن يخرج إلى خارج الجيش، تقول: جاوزت الجيش أى لتقضى حاجتها، قالت: فلما قضيت شأنى أقبلت إلى رحلى؛ فإذا عقد لى من جذع ظفار قد انقطع، والجذع نوع من الأحجار التى تكون فى ظفار، وظفار التى هى فى جنوب الجزيرة فى منطقة عمان الآن، ويستخرج منها أنواع من العقيق؛ فإلتمست عقدى حاولت أن تجده، وحبسنى استغاؤه بدأت تبحث عنه فى المكان، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لى؛ فاحتملوا هودجى؛ فرحلوه على بعير الذى كنت ركبت، وهم يحسبون أنى فيه، جاء الرحل الذين كانوا يظنون خلاص أن أم المؤمنين ركبت هودجها؛ فحملوا الرهط، ووضعوه على البعير، ولم يحسوا أنها ليست فيه، تقول: كان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم، إما تاكل، أو نأكل العلقة من الطعام يأكلوا القليل من الطعام، ولذلك كانت المرأة خفيفة لم يثقلها اللحم؛ تقول: فلم يستنكر القوم خفة الهودج، ما استنكروا أن الهودج فارغ ليس فيه أحد حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، جارية فتاة حديثة السن كان ينها فى هذا الوقت نحو الثالثة عشرة إلى الرابعة عشرة من عمرها -رضى الله تعالى عنها-، وأرضاها؛ فبعثوا الجمل أقاموه، وساروا بالهودج، وهم يظنوا أن أم المؤمنين فيه -رضى الله تعالى عنها-، وأرضاها، وساروا، تقول: فوجدت عقدى بعد ما استمر الجيش، الجيش انطلق فى الليل، وكانت أم المؤمنين متأخرة خارج الجيش لتقضى حاجتها، وتلتمس عقدها؛ فوجدت العقد، ورجعت إلى مكانها، تقول: فجئت منازلهم، وليس فيها داعٍ، ولا مجيب، جاءت المنزل الذى كان فيه الجيش؛ فإذا ليس فيها داعٍ يدعو، وينادى من تأخر، ونحو ذلك، ولا مجيب اذا صرخ الصارخ؛ فإنه لا يجد من يجيبه أنه ليس هناك أحد لا من يَسمَعَك، ولا من يُسمِعُك، تقول فأممت منزلى الذى كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونى؛ فيرجعون إلىَّ، تقول: أممت، الأم قصدت منزلها التى كانت نازلة فيه، فى مكان الخيمة التى كانت فيه، ظننت طبعًا وظننت بمعنى اعتقدت أنهم سيفقدونى  طبعًا الرحيل كان بالليل ما في أحد، والمكان مظلم، تقول: علمت أنهم بعد أن ينزلوا سيفقدونى، فيقولوا نرجع لعلنا تركناها فى نفس المكان، وظننت أنهم سيفقدونى؛ فيرجعون إليَّ، تقول: فبين أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت، مكان ليل ما فى أحد خرج الناس هى وحدها ليس هناك من وسيلة، وهى فى منزلها التى هى فيه غلبتها عينها؛ فنامت فى المكان، تقول: وكان صفوان بن معطل السلمى؛ ثم الذكوانى من وراء الجيش، صفوان بن المعطل السلمى صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البر الكريم كان هذا من الذين يتأخرون خلف الجيش من باب أن يكون قد تأخر أحد، قد نسى شيء من الأشياء، قد يكون هناك من يتبعهم من خلف الجيش؛ فهذا من أعمال الجيش أن يكون هناك من يتأخر خلفهم ليكون فى إثر الجيش لهذه المصالح الكثيرة؛ فأدلج؛ فأصبح عند منزلى، أدلج: أي جاء فى الدلجة إلى مكان الجيش، وبعد ذلك فى الصباح يفتش عن المكان الذى فيه الجيش، يقول فأصبح عند منزلى فى الصباح يقول فرأى سواد إنسان نائم؛ فآتانى؛ فعرفنى حين أتانى، جاء من الذى خلف فى هذا المكان، يقول عرفنى حين رآنى، وكان يرانى قبل الحجاب، كان يرى أم المؤمنين قبل أن يأمر الله -تبارك وتعالى- وينزل الآيات فى حجاب زوجات النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول: فاستيقظت باسترجاعه، وهذا جاء نظر فى وجه هذا النائم إذا أم المؤمنين عائشة؛ فاسترجع، قال: إنا لله، وإنا إليه راجعون؛ فتقول: انتبهت من النوم باسترجاعه، تقول: حين عرفنى، تقول: فخمرت وجهى بجلبابى, أي أنها لما سمعت صوت صفوان، وهو يسترجع على هذا النحو أخذت جلبابها، والجلباب: هو ما تتجلبب به المرأة على رأسها، وعلى جسدها؛ فخمرت وجهها أى غطته؛ ثم تقول: والله ما كلمنى كلمة، ولا سمعت منه كلمة، تقسم بالله أنه ما كلمها بعد ذلك أى كلمة، قال لها: لم تأخرتى، أو لم بقيتى فى هنا المكان، أو الجيش ارتحل،  وما سمعت منه كلمة غير هذه، غير استرجاعه غير قوله إنا لله، وإنا إليه راجعون حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها لم يعقلها بعقال، وينتظر، وإنما وطئ على يدى الناقة التي هي رجلها الأمامية حتى ينيخها، وحتى لا تقوم، وتقول: فركبتها انطلقت؛ فركبت ناقته؛ فانطلق يقود بها الراحلة، هو مشى، وأم المؤمنين قد ركبت على الراحلة، تقول حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين فى نحر الظهيرة، تقول: وصلنا الجيش بعدما نزلوا، طبعًا ارتحل النبى الليل كله، وساروا جزء من النهار، وارتاحوا فى نحر الظهيرة فى وسط الظهر وصل صفوان بن المعطل السليمى -رضى الله تعالى عنه-، ويقود بعيره عليه أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها-، تقول: حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين فى نحر الظهيرة؛ فهلك من هلك، وكان الذى تولى الإفك عبدالله بن أُبى بن سلول هلك من هلك عندما رأوا صفوان بن المعطل يقود بعير، وعلى البعير هذه إمرأة طبعًا محجبة عرفوا أنها زوجة النبى -صلى الله عليه وسلم-  مباشرة انطلقت القالة، وانطلق عبد الله بن أُبى، قيل أنه قال: هذه زوجة نبيكم؟! والله ما نجت منه، وما نجا منها، وطبعًا هذا القول إفك؛ فإن لو أن هذا ريبة كيف يأتى فى نحر الظهيرة، والناس كلهم يشاهدون، وهو يقود هذا لو كان الأمر فيه أى أدنى أمر من الشك لما جاء صفوان -رضى الله تعالى عنه- بأم المؤمنين هكذا فى الجيش فى نحر الظهيرة على هذا النحو، كان انتظر حتى يأتى وقت الليل؛ فيدخل بها بعد ذلك، ويصبح الأمر لم يره أحد، لكن هذا لأن الأمر فعله هؤلاء المؤمنون الصالحون، ونفوسهم كلها مليئة بالطيبة، وبالخلق الكريم، وبعدم ظن السوء حتى بالآخرين، وأنه لا يمكن أن يتطرق أى نوع من الشك فى زوجة النبى -صلوات الله والسلام عليه- وفى هذا المؤمن الصالح صفوان بن أمية -رضى الله تعالى عنه-، ولذلك جاءوا فى وقت الظهيرة على هذا الأمر، ودخلوا فى الجيش حتى يصلوا إلى مكانهم، تقول: فهلك من هلك أى فى من وقع فى عرضها -رضى الله تعالى عنها-.

 وكان الذى تولى الإفك عبد الله بن سلول، تولاه أنه هو الذى بدأ يشيعه، ويذكره فى مجالسه، ويتكلم به، كما قال -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11], فعبد الله بن أٌبى هو الذى تولى كبر هذا الأمر أي كبير هذا الأمر فى نقله، ونشره، وبثه فى الناس، تقول؛ فقدمنا المدينة؛ فاشتكيت حين قدمت شهرًا، طبعًا لم تسمع هى بأى شيء من هذا، وظنت أن الأمر ما فيه أى ريبة، ولا أى شيء؛ فما أحد قال هذا الأمر، وجاءت المدينة وتقول: قد اشتكيت حين قدمت شهرًا، بقيت شهر، وهى مريضة يبدو أنها من السفر الذى سافرته، والناس تقول: يفيضون فى قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك، ما أحد قال لها بشيء من هذا، ولا تشعر بشيء من هذا، وكانت فى مرضها هذا العارض ما تدرى ما يتحدث الناس به، تقول: وهو يئيبنى فى وجعى ألا أعرف من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى، أو اللطف الذى كنت أرى منه حين أشتكى، تقول لا يريبنى من تغير أى أمر حولى إلا معاملة النبى -صلى الله عليه وسلم- تقول: ما أعرف كنت اذا مرضت أرى فيه عنايته، ولطفه، تقول: ما أرعف من رسول الله اللطف، اللطف الذي هو اللطافة، أو العناية بى، أو اللطف، لطف النبى بمعنى رحمته، ورقته -صلى الله عليه وسلم- عندما أمرض، الذى كنت أرى منه حين أشتكى أمرض إنما يدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيسلم؛ ثم يقول: كيف تيكم؟ تقول: فقط النبى عندما يدخل، ويسلم يقول: كيف تيكم؟ تيكم: أي هذه فيكلمها على أنها كأنها إشارة بالإشارة يشير إليه إشارة، يقول لها كيف أنت يا عائشة؟ ما حالك؟ وإنما يقول كيف تيكم؟ ثم ينصرف؛ فذاك الذى يريبنى، ولا أشعر، ما يخطر ببالها بتاتًا أن هناك من يتطرق إليه أدنى شك فى نزاهتها، وعفتها، وصيانتها -رضى الله تعالى عنها-، وأرضاها، تقول: لا أشعر حتى خرجت تقول: بعد ما نقهت، والنقاهة هى بداية الخروج من المرض إلى الصحة؛ فخرجت معى أم مسطح، أم مسطح ابن أثاثة -رضى الله تعالى عنه-، وهو أحد الذين وقعوا فى الإفك من خيار المؤمنين، ولكنه نقل الكلام الذى إفترى الفرية هو عبد الله بن أُبى بن سلول، ولكن بعض المؤمنين سمع هذا الكلام؛ فبدأ ينقله أنه سمع الكلام؛ فبدأ ينقله لغيره دون أن يتثبت فيه، وأن يقف فيه، خيار المؤمنين وقفوا، وقالوا: سبحانك هذا بهتان عظيم، من ينقل هذا؟! ومن يقول هذا؟ّ! وأما بعض هؤلاء المؤمنين؛ فإنهم نقلوا من باب أنهم سمعوا كلام؛ فنقلوه كان منهم مسطح -رضى الله تعالى عنه-؛ فإنه سمع ذلك، ونقله، وكان منهم كذلك حسان بن ثابت الأنصارى -رضى الله تعالى عنه-، وحمنة بنت جحش -رضى الله تعالى عنها-، تقول: خرجت معى أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، المناصع أماكن ناصعة متسعة خارج المدينة كان يخرج إليها للتبرز، ومعنى التبرز متبرزنا أي المكان الذى نتبرز فيه، والبراز هو المكان الفضاء البعيد، تقول: هو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليل النساء كن لا يخرجن من بيوتهن إلى قضاء الحاجة إلا من الليل إلى الليل لأن الليل أستر لهن؛ فيخرجن إلى تلك الأماكن البعيدة لقضاء الحاجة، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، يقول: بعد هذا بدأوا يتخذوا الكنوف، الكنيف هو المرحاض قريبًا من البيوت، تقول: وأمرنا أمر العرب الأول فى التبرز قبل الغائط، يقول: أمرنا فى ذلك الوقت أمر العرب فى أول عهدهم قبل أن يأتيهم شيء مما تحضروا به، وأخذوه عن غيرهم من الأمم، وهو اتخاذ أماكن قضاء الحاجة فى البيوت، أو قريبة من البيوت لكن أمر العرب الأول كانوا يخرجون إلى الغائط الأماكن المنخفضة، والبراز البعيد لقضاء الحاجة، تقول: كان أمرنا فى ذلك الوقت أمر العرب الأول فى التبرز قبل الغائط، الغائط هو المكان المنخفض حيث يستتر فيه الإنسان؛ فكنا نتأذى بالكنف، أو أن نتخذها عند بيوتنا، تقول كانوا يتأذون بأن يتخذوا الكنيف الذي هو المرحاض قريبًا من بيوتهم؛ فانطلقت، تقول، أنا، وأم مسطح، وهى إبنة أبى رهم إبن عبد مناف، وأمها بنت صخر إبن عامر خالة أبى بكر الصديق، وإبنها مسطح إبن أثاثة؛ فأقبلت أنا، وأم مسطح قبل بيتى قد فرغنا من شأننا، تقول: ونحن راجعين بعد أن فرغنا من شأننا، ورجع قبل البيت؛ فعثرت أم مسطح فى مرطها عثرت بمعنى أن رجلها التفت بالمرط، والمرط هو الكساء الذى تتخذه المرأة كنوع من الحجاب، والغطاء؛ فعثرت به، ووقعت؛ فقالت: تعس مسطح تدعو على إبنها، وهذا كعادة العرب فى أن الأنسان إذا عثر يقوم يدعو على من يكره، فقالت: تعس مسطح، والتعاسة الشقاوة؛ فقلت لها، عائشة تقول لها: بئس ما قلتى، تقول لأم مسطح: بئس ما قلتى، بئس للذم, أي هذا قول ذميم الذى قلتيه، أتسبين رجلًا شهد بدرًا، وانظر فقه أم المؤمنين أن هذا مسطح إبن أثاثة شهد غزوة بدر، ولا يحل أن يسب، قالت لها: أتسبين رجلاً شهد بدرا، قالت: أى هانت أو لم تسمعى ما قال؟ أى هانت يا هذه، ما سمعتى ما قال مسطح؟ قالت أم المؤمنين، قلت، وما قال؟ ما الذى قاله؟ فأخبرتنى بقول أهل الإفك؛ فحكت لها القصة، وكان هذا أول وقت يصل هذا الكلام إلى سمع أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها-، تقول: فازدت مرضًا على مرضى، رجعت هى كانت فى دور النقاهة من ذلك المرض تقول: جاء المرض مرة ثانية إزدت مرضاً على مرضى؛ فلما رجعت إلى بيتى ودخل عليا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: كيف تيكم؟ على عادة النبى فى هذه المرضة، والنبى طبعًا متحمل ما قاله، ما يقوله أهل الإفك فى زوجته، ولا يدرى ماذا يصنع -صلوات الله والسلام عليه- فليس عنده علم من الغيب فى هذا الشأن، والأمر ملتبس، وهؤلاء يتكلمون المنافقون، وبعض المؤمنين ينقلون هذه القالة؛ فالنبى تقول: لما سلم؛ ثم قال كيف تيكم؟ فقلت أى للنبى أتأذن لى أن آتى أبوى؟ استأذنت النبى أنها تأتى أبويها, أي أباها، وأمها، قالت: وأنا حين إذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، تقول: كل همى الآن إنى أستيقن الخبر لأنها سمعت الآن من طرف، وهى من أم مسطح هل هذا الخبر صحيح؟ هل وصل بالناس الحد إلى هذا الأمر؟ تقول، وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، قالت: فأذن لى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجئت أبوى؛ فقلت لأمى: يا أُمتاه ما يتحدث الناس؟ يا أمتاه نوع من النداء، وإستغاثة يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ أخبرينى ما الذى يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هونى عليكى؛ فوالله لا قل ما كانت إمرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرنا عليها؛ فقالت لها: هونى عليكى، وإن هذا من كلام الضرائر، قل ما نادرًا ما يكون إمرأة قط وضيئة أى جميلة من الوضائة، وهى إشراقة الوجه، ووضائته، ضوئه عند رجل يحبها تعنى بها أن إبنتها فتاة جميلة، محبوبة عند رجل يحبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولها ضرائر زوجات أخريات لهذا الرجل إلا كثرن عليها، إلا لابد إن الغيرة تعمل عملها، ويقعن فى عرضها؛ فنسبت هذا الأمر إلى أنه إنما هو من فعل الضرائر.

 قالت أى أم المؤمنين؛ فقلت: سبحان الله تنزيهًا لله، ولقد تحدث الناس بهذا؟ أي الناس يتحدثون بهذا؟ برائتها -رضى الله تعالى عنها-، وعفتها هى كما قال الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ........}[النور:23]: غافلة عن الشر لا تعرفه، ولا تعرف هذا الأمر هذا تقول: يتحدث الناس بهذا؟ إنى أنا ممكن يقع منى شئ مثل هذا؟ والناس تتحدث بهذا؟ تصدق مثل هذا؟ مثل هذه الفرية؟ تقول: ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لى دمع، تقول هذه الليلة بكيت طول الليل هذه الليلة لا يرقأ لى، لا يرقأ: أي لا يرتفع الدمع ينهمر طيلة الليل، ولا أكتحل بنوم، ما يجى نوم يكتحل، والكحل معروف مجرد إنه يأتى النوم كما يأتى وقت الكحل فقط الذي هو إمرار فى العين ولا ثوانى قليلة يأتينى النوم حتى أصبحت أبكى؛ فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بن أبى طالب -رضى الله تعالى عنه-، وأسامة بن زيد -رضى الله تعالى عنه- حين استلبث الوحى يستأمرهما فى فراق أهله، تقول: النبى -صلى الله عليه وسلم- لما استلبث الوحى مكث الوحى طويلًا لم يأتى النبى -صلى الله عليه وسلم- والنبى لا يعلم الغيب، ولا يدرى ما يصنع -صلوات الله والسلام عليه- فى هذا الأمر؛ فتقول النبى بدأ يستشير من حوله من أهل بيته أسامة بن زيد -رضى الله تعالى عنه-حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إبن متبنى النبى زيد بن حارثة، وعلى بن أبى طالب إبن عمه -رضى الله تعالى عنه- يستأمرهما فى فراق أهله؛ أشيروا عليَّ هل أفارق عائشة أم لا؟، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله بالذى يعلمه من براءة أهله، وبالذى يعلم لهم فى نفسه من الود، تقول: أسامة -رضى الله تعالى عنه- أشار على النبى بالذى يعلمه من براءة أهله أن أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها- أشرف النساء، وأفضلهن، وأعلاهن منزلة، وأن هذا لا يمكن أن يكون أن يقع أمر كهذا منهن؛ فقال: يارسول الله أهلك، وما نعلم إلا خيرا هذه أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها-، أهلك زوجتك، ولا نعلم إلا خيرًا، ما علمنا على عائشة إلا خيرًا، وأما على بن أبى طالب -رضى الله تعالى عنه-؛ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء كثير، وإن تسأل الجارية تصدق، تقول: أما على بن أبى طالب كأنه كان حزنًا لحزن النبى، وإشفاقه؛ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك الأمر, الله وسع عليك بالنسبة للمال، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدق, يقول هذا الأمر اسأل الجارية التى فى بيتها؛ فإن الجارية هى التى تعرف من يدخل، ومن يخرج، وهذه سيدتها هى عفيفة أو غير عفيفة هى التى كأن عندها الخبر اليقين فى هذا الأمر، قالت: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بريرة، بريرة هى مولاة أمنا عائشة -رضى الله تعالى عنها-، إشترتها عائشة -رضى الله عنها- بمالها، وأعتقتها وأصبحت مولاة لها؛ فقال: أى بريرة هلى رأيتى من شيء يريبكى؟ هل رأيتى من أى شيء فى هذا البيت، وأنتى هنا فى يريبكى تشكين فيه من أمر أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها-، قالت: لا، والذى بعثك بالحق أقسمت بالله الذى يعث عبده، ورسوله محمدًا بالحق إن رأيت عليها أمرًا أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها تقول ما رأيت شيء أنقص من النقص عليها إنه يؤخذ عليها إلا أنها جارية صغيرة السن تنام عن عجين أهلها إذا عجنت العجين تنام، تقول: فتأتى الداجن فتأكله, الداجن  هو كنوع ما يربى فى البيوت من الغنم، ونحوها تأتى تأكل هذا العجين طبعًا من عدم خبرة أم المؤمنين عائشة بالحرص على هذا، تقول: فقط هذا الذى أراه من أنه نقص أنها تنام عن عجين أهلها؛ فتأتى الداجن فتأكله, أما أن يكون هناك أمر أغمصه عليها؛ فلا، سنتوقف عند هذا إن شاء الله، ونأتى فى الحلقة الثانية لنسير مع سياق أم المؤمنين عائشة -رضى الله تعالى عنها- فى شأن الإفك، -وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد.-