الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11], {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}[النور:12], {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النور:13], {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:14], {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور:15], هذه الآيات مِن سورة النور، وقد نزلت بشأن ما رُمِيَت به أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وقد ذكرنا في الدرس السابق عند بداية هذه الآيات, {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ........}[النور:11], رواية الإمام البخاري -رحمه الله- عن ابن شهاب الزهري فيما حدثه به جمع مِن التابعين، قال الإمام الزهري رحمه الله : حدثني عروة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله وآله وسلم- قالت : كان رسول الله صلى الله وسلم إذا أراد أنْ يخرج أي في غزوة أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معها, قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها- : فأقرع بيننا في غزوة غزاها؛ فخرج سهمي؛ فخرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وعلى وآله وسلم- بعد ما نزل الحجاب هذه الغزوة غزوة المريسيع, وكان الحجاب نزل قبلها في السنة الرابعة، والحجاب المقصود به حجب النبي -صلى الله وسلم- نسائه أنْ يحجب سوادهن، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}, أي ستر أو جدار, تقول : فأنا أُحْمَلُ في هودجي، وأنزل فيه, أنه يأتي الرجال، تدخل الهودج والذي يرحل ويوضع على البعير، وهو عبارة عن ما يشبه الكوخ الصغير مِن الخشب، ويكون عليه ستار, إذا دخلت فيه المرأة يسترها, ثم له أيدى يُحْمَلُ بها، ويوضع على البعير، تقول : فأنا أحمل في هودجي أنه لا يوضع البعير؛ ثم تخرج هي وتركب حتى تستتر، تخرج مِن الهودج يوضع بجوار الخيمة تخرج مِن خيمتها؛ فتدخل في الهودج؛ ليكون سترًا لها, ثم يأتي الرجال؛ فيحملون الهودج، تقول : فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه؛ فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله -صلى الله وسلم- مِن غزوته تلك، وقفل أي رجع في الرجوع للمدينة، ودنونا مِن المدينة قافلين أي راجعين آذن ليلة بالرحيل, أي أعلن النبي أنه مرتحل في بداية ليلة أنه مرتحل، آذن أعلم الجيش، تقول: فقمت حين آذن بالرحيل؛ فمشيت حتى جاوزت الجيش, أي قامت لتقضى حاجتها خارج منازل الجيش إلى خارجه، تقول : فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي؛ فإذا عقد لي مِن جذع ظفارً قد انقطع، تقول عقد وقلادة في رقبتها، ومِن جذع وهو أحجار كريمة مِن ظفار في جنوب عمان فيها أنواع مِن العقيق، تقول : انقطع عقدي، فالتمست عقدي، وحبسني ابتغاؤه، حبسني ابتغاؤه، حبسني منعني عن أنْ أرجع البحث عن هذا العقد الذي انقطع منها، تقول : وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي؛ فاحتملوا هودجي, الجماعة الذين كانوا مكلفين بحمل هودج أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-, أتوا إلى هودجها، وظنوا أنها ركبت فيه؛ فاحتملوا الهودج، ووضعوه على البعير، وهي لم تكن فيه، تقول : فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم إنما تأكل النساء العلقة مِن الطعام القليل مِن الطعام فهي خفيفة؛ فلذلك لم يشعر الذين حملوا هودج أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها لم تكن فيه، تقول : فلم يستنكروا خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن, كانت صغيرة السن، وسنها في هذا الوقت بين الثالثة عشر، والرابعة عشر, فبعثوا الجمل، وساروا بعد ما استمر الجيش, سار الجيش وارتحلوا، وهي لم تجد عقدها بعد ذلك إلا بعد أنْ ارتحل الجيش، تقول : فجئت منازلهم، وليس بها داعٍ، ولا مجيب, أي لا داعى ينادى مَن المتأخر، ومَن هنا، ولا مجيب إذا نادى الإنسان؛ فإنه لا يجد هناك مَن يسمعه, أي أنه لم يبقَ في المكان أحد، تقول : فأَمَّمْتُ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني, أي توجهت، وأين تتوجه؟ إلى المنزل, المكان الذي كانت نازلة فيه، الخيمة التي كانت فيها، أَمَّت المكان هذا تبقى فيه، وتقول : علمت أنهم يفقدوني عندما ينزلوا منزلهم بعد ذلك, بعد المسافة التي سيقطعونها وعند النزول سيفتقدوا أُمنا عائشة -رضي الله تعالى عنها-؛ فإذن لن يفكروا إلا أنْ يعودوا إليها؛ سيقولوا : نسيناها، وتركت في المكان؛ فيرجعون، قالت : ظننت أنهم سيفقدوني؛ فيرجعون إلىّ، تقول : فبين أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني؛ فنمت ,هي جالسة في المنزل تنتظر مَن يعود إليها غلبتها عينها؛ فنامت في مكانها، تقول : وكان صفوان بن المعطل السلمى -رضي الله تعالى عنه-؛ ثم الزكواني مِن وراء الجيش, هذا رجل يوضع خلف الجيش حتى المكان الذي ارتحل منه الجيش يتفقده ربما تركوا متاع مِن الأمتعة, تركوا شيء هناك مَن انقطع لمرضه، مَن ضل بعيره ونحو ذلك, جيش هذا يسافر؛ فربما انقطع أحد؛ فلا بد أنْ يكون خلف الجيش مَن يتفقد هذه الأمور؛ فتقول : صفوان بن المعطل السلمى -رضي الله تعالى عنه- كان مِن وراء الجيش؛ فأدلج؛ فأصبح عند منزلي, أي قام في الدلجة آخر الليل، وتقول : جاء ليتفقد المكان؛ فأصبح عند منزل أُم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- عند الصبح، تقول : فرأى سواد إنسان نائم؛ فآتاني؛ فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، كان يرى أُم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- قبل أنْ يُفْرَضَ الحجاب، تقول : فاستيقظت باسترجاعه, استيقظت مِن نومها عندما سمعت مَن يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون، تقول : فَخَمَّرتُ وجهى بجلبابي عند ذلك لما رأت أنَّ رجل أمامها، وأنه يقول : إنا لله، وإنا إليه راجعون خَمَّرَت وجهها، أي غطت وجهها بجلبابها، تقول : والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة, تُقْسِمُ بالله أنه لم يكلمها كلمة، ما قال لها يا أم المؤمنين ما خلفكِ؟ لماذا تأخرتِ؟ تقول : سمعت منه كلمة غير استرجاعه, ما سمعت منه إلا هذه الكلمة إنا لله وإنا إليه راجعون, حتى أناخ راحلته، والراحلة هي الناقة التي تُرَحَّل، وتكون مذللة للركوب؛ فوطئ على يديها فركبتها، وطئ على يديها, أي جعل رجله عقال لها حتى لا تقوم، وتفز إلا بعد أنْ يركب مَن يركب، وطئ على يديها وهو الرجل الأمامية للناقة؛ ثم هي ركبت الناقة تقول : فانطلق يقود بي في الراحلة انطلق أمامها يقود الراحلة، وأُم المؤمنين على الراحلة؛ حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، تقول : لم نصل إلى الجيش إلا كانوا دخلوا في وسط الظهيرة حتى أدركناهم، تقول : فهلك مَن هلك, أي فيها، وذلك أنَّ المنافقين لما رأوا أنَّ صفوان بن المعطل السلمى آتٍ يقود راحلته، وعليها امرأة هذه المرأة عرفوا أنها أُم المؤمنين عائشة؛ فكانت فرصة للمنافقين أنْ يقولوا هذه زوجة نبيكم، وجاءت مع رجل غريب، وقال عبد الله بن أُبَىّ الخبيث، قال : والله ما نجت منه، ولا نجا منها، وبدأت القالة تنتشر علمًا أنَّ هذا المجرم لو رأى أنه مَن يفعل الفاحشة لا يأتي هكذا وسط الجيش, في وسط الظهيرة، ويدخل الجيش على هذا النحو، وإنما يخفى أمره, كان المفروض أنه لا يدخل بها إلا إذا أظلم الجو، ونزل الظلام، ويدخل بها، ولا يدرى أحد بهذا الأمر, أما أنَّ إنسان يكون عنده أمر سوء يأتي ويدخل إلى الجيش كله ينظر يمينًا وشمالًا، وهذا صفوان بن المُعَطَّل يقود بعيره وعليه أُم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-, لكن المنافقين كانوا للكيد للإسلام بالمرصاد، وعبد الله بن أُبَىّ بن سلول منذ أنْ دخل في الإسلام دخل ليكيد له؛ فإنه لم يدخل الإسلام إلا بعد خيبر، وإلا بعد بدر، وقال : أرى أن هذا أمرًا قد توجه، وقد آذى النبي قبل أنْ يسلم أذىً عظيمًا جدًا, ليس المجال مجال تفصيله، ولكن هو القائل، قال له : يا هذا, ابعد عنا نتن حمارك، لا تغشنا في مجالسنا؛ فهو القائل للنبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء النبي، مر النبي على ملأ فيهم مسلمين كان فيهم عبدالله بن رواحة, فيهم بعض المسلمين، فيهم يهود، فيهم مشركين مِن الأوس والخزرج لم يدخلوا الإسلام؛ فدخل لما مر عليهم النبي سَلَّمَ النبي عليهم ونزل، ودعاهم الى الإسلام؛ فكان الذي انبرى له عبد الله بن أُبَى يقول له : يا هذا أبعد عنا نتن حمارك, لا تغشنا في مجالسنا بما نكره, اجلس في مجلسك؛ فمن آتاك؛ فحدثه قال له : خليك مكانك مَن يأتيك أنت تكلمه, لا تأتِ عندنا هذا قبل الإسلام؛ ثم لم يدخل الإسلام بعد ذلك إلا بعد بدر عندما انتصر المسلمون، وأصبحت لهم قوة، وقال : جماعتي أرى أنَّ هذا أمرًا قد توجه، ولما بدأ يفعل هذا بعض المسلمين هذا مِن الذين دخلوا الإسلام مِن جماعته مِن الخزرج، قالوا له : يا رسول الله, لا تعجل على عبد الله بن أُبَىّ، قالوا : والله إنَّ أهل هذه البحيرة أي المدينة قد اجتمعوا ليتوجوه، وقد نظموا له الخرز؛ ليجعلوا له تاج ليتوجوه ملكًا عليهم قبل أنْ تأتي أي قبل أنْ تهاجر إلى المدينة، يقول : فلما أكرمنا الله بالإسلام، وأكرمنا بك نسي ذلك، الناس نسوا هذا، ونسوا أنهم يجعلوه ملك عليهم، قال : فَشَرِقَ بذلك, شَرِقَ أي غص بمجيء النبي -صلى الله وسلم-, وانصراف الأوس والخزرج بعد ذلك إلى الإيمان بالله، وأصبح النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإمام والقائد، وهو مرجع الناس, هو رسول الله في المدينة؛ فغص هذا الخبيث بذلك، وظل ورأى أنه أنْ يكيد الإسلام مستترًا به، وأنه لا يبقى على الكفر, إذا بقي على الكفر سيحارب؛ فدخل في الإسلام ليكيد له، وظل يكيد للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السنة التاسعة مِن هجرة النبي -صلوات الله والسلام عليه-, فهذا الذي تولى هو رأس هذا الإفك، وهو الذي قال أكثر مِن الإفك، هو الذي قال لأصحابه ما أرانا وهؤلاء المهاجرين إلا كما قال القائل (سمن كلبك يأكلك)، قال : نحن سمناهم وأعطيناهم، كما قال الله -تبارك وتعالى- عنهم في سورة المنافقين : {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ}[المنافقون:7], {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:8], فهو الذي قال : أنا إذا رجعت إلى المدينة فالأعز هو الذي سيخرج الأَذَلّ، ويعني بالأعز نَفْسَهُ الخبيث، ويعني بالأذل رسول الله -صلى الله وسلم- أكرمه الله -تبارك وتعالى- وأعزه ونصره، وقيد الله -تبارك وتعالى- له ابنه عبد الله بن أُبَىّ لما سمع هذه المقالة، وجاءت هذه المقالة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والنبي ناداه، وقال له : بلغني عنك أنك قلت كذا وكذا؛ فأقسم بالله الأقسام المغلظة أنه ما قال ذلك، قال : والله يا رسول, الله ما قلت هذا، وإنَّ هذا كذب عليّ؛ فأنزل الله القرآن، أنزل الله سورة المنافقون، وكان الذي بَلَّغَ النبي هو زيد بن أرقم هذا أخواله مِن الأنصار؛ فقال: يا رسول الله سمعت عبدالله بن أُبى يقول كذا وكذا وكذا؛ فلما جاء عبد الله بن أُبَىّ، وأقسم للنبي الأقسام المُغَلَّظَة أنه لم يقل هذا النبي تلوم على زيد، وقال له : كيف تقول هذا, فبقي حزين أشد الحزن زيد إلى أنزل الله -تبارك وتعالى- تصديقًا لزيد في قول الله -تبارك وتعالى- : {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1], {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المنافقون:2], إلى آخر السورة؛ فهذا الخبيث هو الذي تولى كبر هذا الإفك، وقال هذه المقالة التي ليس هناك أي شبهة صحيحة قائمة ممكن أنها تتعلق بها؛ فمجيء أُم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- على هذا النحو في نحر الظهيرة, أمام العالم كله هذا لا يدل على أنَّ هناك بتاتًا أي نوع مِن الريبة, لكن هذا الخبيث اتخذها مدخلاً للطعن في أُم المؤمنين، والمقصد هو الطعن في النبي -صلوات الله والسلام عليه-,- تقول أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها- : فهلك مَن هلك، وكان الذي تولى الإفك عبدالله بن أُبَىّ ابن سلول هو الذي تولى هذا الأمر؛ فهو الذي قال هذه المقالة، وبدأ ينقلها ويشيعها في مَن حوله، تقول : فقدمنا المدينة؛ فاشتكيت حين قدمت شهرًا جئنا المدينة، تقول : مرضت شهر ربما مِن أثر السفر ونحو ذلك، ولا تعلم شيئاً بهذا الذي قيل، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء مِن ذلك، تقول : الناس تنقل هذه المقالة وتقولها، وأنا لا أشعر بشيء مِن ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف مِن رسول الله -صلى الله وسلم- اللَّطَف، أو اللُّطْف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، تقول : أمر واحد الذي شككني في هذا الأمر هو أنها في مرضها تقول كانت تشعر أنَّ النبي -صلى الله وسلم- يرحمها ويلاطفها، ويسأل عنها، تقول في هذه المرضة لم أشعر مِن رسول الله بهذا اللَّطَف، اللَّطَف هو اللطافة وسؤاله عنها، ورحمته بها -رضي الله تعالى عنها- الذي كنت أرى منه حين أشتكي, أي حين أمرض, إنما يدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيسلم ثم يقول : كيف تيكم؟ تقول : النبي يدخل يسلم، ويقول : كيف تيكم؟ تيكم أي هذه يشير إليها كأنها بالإشارة كيف تيكم؟ كيف هذه؟ لا يقول كيف أنتِ يا عائشة اليوم، لا؛ فتجد إنَّ هذا ليس هو أسلوب النبي الذي كان يعامله بها عندما كانت تكون في مثل هذا المرض، تقول : ثم ينصرف بعد ذلك ينصرف، تقول : فذلك الذي يريبني ولا أشعر, أي لا أشعر بهذا الأمر أنه لا يمكن أنْ يخطر على بالها أنْ يُصَدِّقَ الناس أمرًا كهذا الأمر، وأنَّ الناس تقول هذا الشيء, هذا أمر فوق التصور هذه الحصان، الرزان، العفيفة، الأمينة ممكن أنْ ينطلق عليها قالة تقول : فذلك الذي يريبني؛ ولا أشعر، يقول : حتى خرجت بعدما نقهت؛ فخرجت مع أُم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، يقول : خرجت مرة لأقضي حاجته مع أم مسطح بن أثاثة -رضي الله تعالى عنه-، ومسطح بن أثاثة ابن خالة لأبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- جدته لأمه خالة أبو بكر الصديق؛ فخرجت معها لقضاء حاجتهم، وتقول : قِبَلَ المناصع، خارج المناصع هي الأرض الناصعة الفسيحة خارج المساكن، تقول: هو متبرزنا, أي هو المكان الذي نخرج للتبرز فيه، والبَرَاز هو المكان البارز البعيد أخذ الفعل هذا مِن المكان، كما يقول الغائط، الغائط هو المكان المرتفع, {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}, والمقصود هذا كناية عن هذا الفعل في أماكنه التي يقصد لها، وهو الغائط؛ فيقصد البراز، ويقصد المكان المنخفض لقضاء الحاجة، تقول: هو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليل إلى ليل, كن النساء لا يخرجن إلى قضاء الحاجة إلا مِن الليل إلى الليل, ما تخرج في النهار لتقضي حاجتها؛ لأنها تكون مكشوفة، وذلك قبل أنْ نتخذ الكُنُف قريبًا مِن بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قِبَلَ الغائط، يقول : هذا الفعل قبل أنْ تخذ الكُنُف، الكُنُف أي المراحيض أماكن قضاء الحاجة، تقول : ما كنا نتخذها قريبًا مِن بيوتنا، وفي بيوتنا كما العادة للأُمَم التي تحضرت، وتبني الكنف، تقول: أمرنا كان أمر العرب الأُوَل، العرب الأُوَل يقضون حاجاتهم في البراز؛ فكنا نتأذى بالكُنُف أنْ نتخذها عند بيوتنا، نتأذى أنَّ الكنيف, المرحاض يكون عند البيوت؛ فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي ابنة أبي رُهْم ابن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة؛ فأقبلت أنا وأُم مسطح قِبَلَ بيتي قد فرغنا مِن شأننا تقول بعد ما فرغنا مِن شأننا مع أم مسطح إلى بيت أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، تقول : فعثرت أُم مسطح في مرطها، عثرت بمعنى أنها ارتطمت قدمها والتفت بالمرط وهو الكساء الذي تغطى به المرأة جسمها؛ فوقعت فيه؛ فلما عثرت فيه؛ فقالت : تعس مسطح, على عادة العرب في أنهم عند العثرة يقوم يدعون على مَن يكرهون؛ فدعت على ابنها، وقالت : تَعِسَ مسطح، تقول أُم المؤمنين، قلت لها : بئس ما قلتِ, أتسبين رجلًا شهد بدرًا! ما قالت لها أتسبين ابنك، ولكن هذا رجل شهد بدرًا أي هذا بدري، والبدريون لهم منزلة خاصة في المؤمنين؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- كما قال النبي : (وما يدريك أنَّ الله اطلع على أهل بدر؛ فقال : اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم), فإنَّ هؤلاء الذين شاركوا في بدر لهم منزلة خاصة في أنهم شهدوا أول موقعة للإسلام، وكانت مِن المواقع الفاصلة في تاريخ الإسلام، وأهلها قد أثنى الله -تبارك وتعالى- عليهم ثناءً عظيمًا؛ فقالت لها : أتسبين رجلاً شهد بدراً! قالت : أيهنت أولم تسمعي ما قال؟ فعند ذلك قالت لها أم مسطح : أيهنت يا هذه أنت ما سمعتِ الذي قاله، أو لم تسمعي ما قال؟ فقالت أم المؤمنين قلت: وما قال؟ ماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك, أخبرت أم مسطح عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وهذا أول مرة يطرق سمع عائشة هذه القضية أنَّ والله أهل الإفك قالوا : كذا وكذا، وكذا، وكذا عندما كنت مع النبي في هذه الغزوة، وحصل كذا، وقالوا كذا، تقول أم المؤمنين : فازددت مرضًا على مرضي, بعد ما كانت هي في دور النقاهة والخروج مِن المرض الذي كانت فيه، تقول : بقايا المرض هذا ازددت مرضًا على مرضي؛ فلما رجعت إلى بيتي، ودخل على رسول الله -صلى الله وسلم- تعني سلم, ثم قال : كيف تيكم؟ أي سلم النبي دخل عليها، وسلم، وقال: كيف تيكم؟ على عادته في هذه المرضة أنه يسأل عنها بهذه الطريقة؛ فقلت : أتأذن لي أنْ آتى أبوي؟ استأذنت النبي -صلى الله وسلم- بأنْ تأتي أبويها، قالت : وأنا حينئذٍ أريد أنْ أستيقن الخبر مِن قبلهما، تقول : مقصدي أني أرى الخبر هذا الذي قالته أم مسطح هذا صحيح ما قال الناس هذا، والذي سَيَصْدُقهَا في هذا هو أبوها وأمها، قالت : فأذن لي رسول الله -صلى الله وسلم- فجئت أبوي؛ فقلت لأمي: يا أُمَّتَاه, نداء وفيه معنى الاستغاثة، يا أُمَّتَاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليكِ؛ فو الله لقل ما كانت امرأة قَطّ وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها، هوني عليكِ الأمر, هذا أمر هين تقول، وأنَّ شأنك في هذا الأمر أنه لا يوجد امرأة، تقول لها : لا يوجد امرأة وضيئة, جميلة، الوضاءة إشراقة الوجه عند رجل يحبها، ولها ضرائر لهذا الرجل زوجات أخريات, شريكات لهذى المرأة إلا كثرن عليها، إلا لا بد أنْ يكون بدافع الغيرة والحسد بين الزوجات أنْ يتكلمن عليها؛ فتقول لها شأنك لهذا الأمر، وإنما هو فرية، وهذا بدافع الحسد مِن الضرائر، قالت أم المؤمنين فقلت : سبحان اللهَ! ولقد تحدث الناس بهذا؟! سَبَّحَت الله -تبارك وتعالى- تقول: الناس تحدثوا بهذا؟! أي بلغ مِن الناس والمسلمين أنْ يتحدثوا بهذا الأمر؟! ويدخلوا فيه؟! أمر شنيع كبير, كيف يقع منها، ويتصور الناس أنَّ أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- هذه الشريفة، العفيفة ينسب إليها أمر مثل هذا! ويصدق هذا! قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، تقول : بكيت تلك الليلة وأصبحت ولا يرقأ أي يقف دمعي عن الهملان، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي, الاكتحال بالنوم عبارة عن أنه لا يأتي النوم كمجيء وقت اكتحال العين، والإنسان يكتحل في عينه في جزء مِن الدقيقة, ثواني معدودة، تقول هذه الثواني المعدودة يأتي النوم كإتيان وضع الكحل في العين، هذا لا يأتي، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي مستمرة، تقول : فدعا رسول الله -صلى الله وسلم- علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- حين استلبث الوحى يستأمرهما في فراق أهله، تقول : لما تأخر الوحي عن النبي -صلوات الله والسلام عليه-, والنبي لا يدري ما يقول هؤلاء المنافقون يتكلمون في عِرْض النبي -صلى الله وسلم-, والنبي لا يدرى ماذا يصنع في مثل هذا الأمر؛ فبدأ النبي يستشير مَن حوله مِن أهل بيته الذين هم حوله ليستشيرهم في هذا الأمر, يقول النبي دعا علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد هو حب رسول الله أسامة، وهو ابن زيد ابن حارثة هو متبنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استلبث الوحى تأخر, يستأمرهما في فراق أهله يستأمرهما أي يسشتيرهما هل يفارق زوجته أم لا التي خاض الناس في عرضها على هذا النحو، قالت : فأما أسامة بن زيد؛ فأشار على رسول الله بالذي يعلم مِن براءة أهله، تقول : أسامة أشار عليه بما يتيقنه مِن براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نَفْسِهِ مِن الود؛ فقال : يا رسول الله, أهلك وما نعلم إلا خيرًا, أهلك أي تمسك بأهلك، قال : وما نعلم عليهم إلا خيرًا, وهو مِن أهل البيت، وهو ساكن في بيت النبي -صلى الله وسلم-, وأما علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-؛ فقال : يا رسول الله, لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- أراد أنْ يخفف عن النبي -صلى الله وسلم-؛ فقال له : إنَّ الله لم يضيق عليك إذا طلقتها؛ فإنك تستطيع أنْ تتزوج غيرها، والنساء سواها كثير، وإنْ تسأل الجارية تصدق, أي الذي يمكن أنْ يفيد في هذا الأمر، ويخبر بالخبر اليقين هي الجارية؛ لأنَّ الجارية هي تتطلع على أسرار مولاتها، قال؛ فدعا رسول الله بريرة وهي مولاة عائشة -رضي الله تعالى عنها-, هذه كانت أَمَة اشترتها عائشة مِن أهلها، وأعتقتها لله -تبارك وتعالى- وأصبحت لها عَقْد الولاء؛ فالنبي دعاها بريرة؛ فقال : أي بريرة هل رأيتِ مِن شيء يريبكِ، قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق إنْ رأيت عليها أمراً أغمسه عليها أكثر مِن أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها؛ فتأتي الداجن؛ فتأكله، تقول : والله لا أعرف عيبًا فيها شيء أغمسه عليها مِن النقص عليها إلا أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها.
سنعود -إنْ شاء الله- إلى تتمة هذا الحديث؛ حديث الإفك في الحلقة الآتية -إنْ شاء الله-, أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب.