الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (422) - سورة النور 11

الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعَمِلَ بسنته إلى يوم الدين.

وما زلنا في سياق حديث الإفك الذي هو السبب في نزول قول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11], تقول أُم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، تقول : فقام -رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستعذر يومئذٍ مِن عبد الله بن أُبَيّ سلول, أي أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أنْ يوقف مقالة هؤلاء الذين بدأوا يطعنون في عِرْضِهِ -صلى الله عليه وسلم-, عبد الله بن أُبَيّ بن سلول هو الذي تولى كبر هذا الأمر, قالت : فقال رسول الله وهو على المنبر, خطب المسلمين؛ فقال : (يا معشر المسلمين مَن يعذرني من رجل قد بلغني آذاه في أهل بيتي), يا معشر المسلمين, أي يا جماعة المسلمين، مَن يعذرني، يقوم معي، ويرى أنَّ لي العذر، ويدفع عني مقالة هذا الفاجر وهو عبدالله بن أُبَيّ, لم يذكره النبي بالاسم، قال : مَن يعذرني مِن رجل قد بلغني آذاه في أهل بيتي، بلغني آذاه في أهل بيتي؛ وطعنه في أهل بيته هو طعن في النبي -صلى الله عليه وسلم- ,ثم قال : فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، النبي -صلى الله عليه وسلم- رسول الله يُقْسِمُ بالله أنه لم يعلم على أهله إلا خيرًا، وهو المؤيد بوحي الله -تبارك وتعالى-, وهو رسول الله حقًا وصدقًا، ولو الأمر ليس بالإخبار حَدْثُ النبي وفهمه وعلمه وخبرته بالأمر يقول : ما علمت على أهلي إلا خيرًا, هذا الرجل الذي يطعن في أهل بيتي، وقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا وهو صفوان بن المعطل السلمي -رضي الله تعالى عنه- الذي عاش ومات، وهو يقول : والله ما كشفت كنف أنثى قَطّ، ما عمره أنه كشف ستر أنثى قَطّ، ما دخل على امرأة قَطّ؛ فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، ما عمره دخل معي بيتي على أهلي إلا ويكون مع النبي -صلى الله عليه وسلم-, فهذا شهادة النبي -صلوات الله والسلام عليه- على زوجته، وعلى هذا على هذا الصحابي الجليل الذي اتهموه فيه، تقول أم المؤمنين؛ فقام سعد بن معاذ الأنصاري، سعد بن معاذ الأنصاري الصحابي الجليل سيد الخزرج؛ فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه إنْ كان مِن الأوس ضربت عنقه, إنْ كان مِن الأوس وهم وجماعته هذا سيدهم يقول : ضربت عنقه، قتلته، وإنْ كان مِن إخواننا مِن الخزرج، إنْ كان مِن الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، ائمرنا نأتي به، نعلمه، نقاتل لك افعل أمرنا بالذي تريد نفعله، تقول أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-، قالت : فقام سعد بن عبادة، سعد بن عبادة كان هو سيد الخزرج ورأسهم، وهو رجل مؤمن صالح لكن تقول أم المؤمنين : وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا، ولكن احتملته الحمية، الحمية عندما سمع أنَّ سعد بن معاذ، يقول : مرنا بأمرك، وأنه إنْ كان مِن غيرنا, أي إخواننا مِن الخزرج فعلنا ما أمرت؛ فعند ذلك أخذت سعد بن عبادة الحمية للخزرج؛ فقام فقال : كذبت لعمر الله، قال له : كذبت لعمر الله، كذبت، والكذب هنا هو في لغة أهل الحجاز أحيانًا أنْ يقول مقالة غير حق, ليس أنْ يفترى أمرًا، لا، يقولون للشخص إذا أخطأ، أو قال مقالة يعتقدها الإنسان أنها حق؛ فقال له : كذبت لعمرو الله، قال : كذبت لعمرو الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله، قال له لا تقتله، ولا تقدر على قتله, ما عندك قدرة لقتله, ومعنى ذلك أنه خزرجي ونحميه، وعبد الله بن أُبَيّ هذا كان يومًا ما رأسًا للخزرج؛ فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ؛ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمرو الله، رد عليه لنقتلنه قال له:  نقتله إذا أمر النبي بقتله قتلناه؛ ثم قال له : فإنك منافق تجادل عن المنافقين، أنت منافق بهذا الأمر، تجادل عن المنافقين، المنافقين أنت منافق بجدالك عن المنافقين؛ فعبد الله بن أُبَيّ هو رأس المنافقين, وعندما يقوم سعد بن عبادة -رضي الله تعالى عنه-، وهو رجل صالح، ويجادل عن رجل منافق، قال له : أنت منافق لهذا، قال : فإنك منافق تجادل عن المنافقين، تقول أم المؤمنين: فتثاور الحيان، تثاور كل منهم ثار في وجه الآخر، الحيان؛ الأوس والخزرج حتى هموا أنْ يقتتلوا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ على المنبر، ما زال النبي قائم على المنبر، وهو يقول مقالته، يستعطف المسلمين في أنْ يوقفوا هذا الأفاك عند حده, الكذاب الذي يطعن في بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-, تقول أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-، فتثاور الحَيَّان الأوس والخزرج حتى هموا أنْ يقتتلوا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم على المنبر؛ فلم يزل رسول الله يُخَفِّضُهُم, أي يجعلهم يخفضوا، ينزلوا صراخهم وثورتهم حتى سكتوا وسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-, النبي رأى أنَّ العصبية ما زال لها دور كبير؛ فالنبي سكت -صلى الله عليه وسلم-, قالت : فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم, بقيت يومها هذا كذلك، وهي البكاء مستمر بها، والنوم يمتنع أنْ يأتيها، قالت: فأصبح أبواي عندي، جاء الصبح، جاءها أبوها أبوبكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، وأمها أم رومان، وقد بكيت ليلتين، ويومًا لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع يظنان أنَّ البكاء فالق كبدي, يريدون أنْ يخففوا عنها، وأنَّ البكاء إذا استمرت على البكاء هذا سينشق كبدها، وتموت مِن هذا البكاء المستمر، قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي؛ فاستأذنت علي امرأة مِن الأنصار، استأذنت امرأة مِن الأنصار هذه مِن الصالحات تريد أنْ تواسي أُم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، تقول : فأذنت لها؛ فجلست تبكي معي، قالت : فبين نحن على ذلك دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسلم ثم جلس، دخل النبي سلم على الجالسين، هذه زوجته -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-، وهذا أبو بكر الصديق، وأم عائشة أُم رومان، والأنصارية التي جاءت في هذه الزيارة، تقول : النبي استأذن ودخل؛ فسلم ثم جلس، قالت : لم يجلس عندي منذ ما قيل قبلها، ما جلس عندي منذ قيل ما قيل، مِن أول هذا الأمر ما جلس عند عائشة لم يدخل، وإنما كان يدخل، ويقول : كيف تيكم؟ كما مَرَّ بنا، تقول أم المؤمنين : وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني، بقي شهر كامل لم ينزل الله -تبارك وتعالى- عليه قرآنًا في هذا الأمر، قالت : فتشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جلس، لما جلس النبي تشهد, شهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله؛ ثم قال : أما بعد، بعد هذه المقدمة وهي حمد الله والثناء عليه، وأنْ يشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، قال : أما بعد, أي أما بعد هذه المقدمة يدخل بعد ذلك في الموضوع، وكان هذا عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- مقدمة لخطبته؛ ثم الدخول في الموضوع الذي يريد، أما بعد,  أما بعد حمد الله والثناء عليه، والشهادة بأنَّ الله هو الإله الذي لا إله إلا هو، والشهادة لمحمد بالرسالة، قال : يا عائشة, فإنه قد بلغني عنكِ كذا وكذا, بدأ النبي يفاتحها في هذا الأمر؛ فإنْ كنتِ بريئة فسيبرئك الله, إذا كنتِ بريئة؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- مبرئكِ، وإنْ كنت ألممتِ بذنب؛ فاستغفري الله، وتوبي إليه، وإنْ كنتِ قد قارفتِ ذنبًا؛ فعليك أنْ تستغفري الله -تبارك وتعالى- وتتوبي إليه؛ فإنَّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله؛ تاب الله عليه هذا وقع على أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- وقع الصاعقة؛ لأنها ما كانت تظن أنَّ النبي -صلى الله وسلم- يمكن أنْ يخطر بباله أدنى خاطر أنَّ زوجته يمكن أنْ تقترف إثمًا؛ فالنبي عندما يقول لها : إنْ كنتِ قد ألممتِ بذنب أنه يمكن أنْ يقع هذا ويحدث، تقول : فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي، تقول : هنا عند ذلك الدمع الذي كان ينهمر انتهى, راح الدمع، وأصبحت في موقف آخر حتى ما أحس منه قطرة ؛ لأنها حزنها أنَّ الناس تقول هذه المقالة، وأنها الناس بها الشكل هذا, لكن لمَّا وجدت أنَّ النبي ممكن أنَّ هذا الكلام بلغه، وأنه يمكن أنْ يتطرق إليه شك فيها قام هذا، كبر عليها هذا الأمر جدًا، تقول : فقلت لأبي أجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, الرسول يقول لي إنْ كنتِ قد ألممتِ بذنب؛ فاستغفري الله -تبارك وتعالى-, إنْ كنتِ بريئة؛ فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- سيبرئكِ، أجب رسول الله فيما قال, قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ما الذى أقوله للرسول، ما الذي يمكن أنْ يجاب به النبي؛ فقلت لأمي : أجيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبحوا مستسلمين ولا يعرفون الأمر هذا, المنافقين وضعوا مثل السكين في الحلقة, دَفْع هذه التهمة لا بد أنْ يكون ببراءة حقيقية، وليس عند هؤلاء المجرمين أي برهان يقوم على ذلك؛ فقالوا : لا ندري ما نقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقول قالت عند ذلك لما لم يتكلم الصديق -رضي الله تعالى عنه-، ولم تتكلم أمها، تقول : فأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا مِن القرآن، تقول : أنا جارية صغيرة، حديثة السن وذلك أنها بين الثالثة عشرًا، والرابعة عشرًا، تقول : لا أقرأ كثيرًا مِن القرآن، قالت لهم بعد ذلك : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، تقول : هذا الحديث قيل وبدأ ينتقل وسمعتموه، تقول : استقر في أنفسكم، وصدقتم به، وظننتم أنَّ هذا الكلام صدق وأنه يمكن أنْ يكون، فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، تقول : لو قلت لكم أني بريئة مِن هذا الأمر؛ ثم تشهد الله، تقول : والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني؛ لأنَّ الأمر استقر في نفوسكم، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة، لئن اعترفت بأمر أنا ما أفعله، الله -سبحانه وتعالى- يعلم أني بريئة منه لتصدقني، تصدقوني على هذا؛ لأنه يوافق ما استقر في أنفسكم الذين قالوا ما قالوا, ثم قالت : والله ما أجد لكم مثلًا إلا قول أبي يوسف : {........فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18], تقول : ما أجد لي ولكم مثل يمكن يناسب المقام إلا قول أبي يوسف، ولم تتذكر اسم يعقوب -عليه السلام-؛ فقالت : أبو يوسف الذي قال : {........فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18], لما جاء أولاده يشهدون هذه الشهادة الزور, الباطلة, {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}[يوسف:17]{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ........}[يوسف:18], ماذا يفعل, ما عنده أي وسيلة ليدفع بها هذا الذي أتوا به، وهم يأتوه بالشكل هذا، والأدلة التي أتوا بها كلها أدلة مضحكة، أخذ يعقوب قميص يوسف وجده قميص لا يوجد فيه خدش، وإنما قميص ملطخ بالدم، قال لهم : (سبحان الله! متى كان الذئب حليمًا عليمًا يأكل يوسف، ولا يشق قميصه)، قال لهم : الذئب هذا حليم جدًا يأكل يوسف، وما يشق القميص كأنه يفصخ القميص أولًا ثم يأكله؛ ثم قال مقالته : {........قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18], تمثلت أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- بقول يعقوب، قالت : ما لي مثل، وإياكم إلا هذا {........فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف:18], أستعين الله -تبارك وتعالى- على ما تصفون مِن هذا الذى رميت به، وأصبر لربي -سبحانه وتعالى- قالت : ثم تحولت فاضجعت على فراشي, أي عند ذلك تحولت عنهم، قالت مقالتها : الله المستعان على هذا، الله الذي يحكم في هذا الأمر، تقول : اضجعت على فراشي، قالت : وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة, هي في نفسها مقرة وتعلم أنها بريئة، وأنَّ الله مبرئي ببرائتي، الله لا يمكن -سبحانه وتعالى- أنْ يدع هذا الأمر لا بد أنْ يحكم فيه؛ فتقول : الله -سبحانه وتعالى إنْ شاء الله- مبرئي ببرائتي، تقول : ولكن والله ما كنت أظن أنَّ الله منزل في شأني وحي يتلى، ما كنت أظن أنَّ الله -تبارك وتعالى- سينزل في شأني وحي، كلامه -سبحانه وتعالى- ينزل على رسوله ويتلى, يقرأ ويظل يقرأ إلى آخر الدنيا، كلام الله -تبارك وتعالى-, والله بِنَفْسِهِ -سبحانه وتعالى- ينزل كلامه، ويبرئ أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، تقول : ما كنت أعلم, ما كنت أظن أنَّ الله -تبارك وتعالى- منزل في شأنى وحي يتلى، ولشأنى في نفسي كان أحقر مِن أنْ يتكلم الله في بأمر يتلى، تقول : أنا عند نفسي ماذا تساوى فتاة صغيرة في كذا، وتقول : شأني في نفسي أحقر مِن أنْ ينزل الله -تبارك وتعالى- فيا قرآن يتلى، وهذا مِن أدبها وتواضعها، ومعرفة لنفسها، وعظامها للأمر، ولنعمة الله -تبارك وتعالى- وفضله وإحسانه عليها -سبحانه وتعالى-, ولكن كنت أرجو أنْ يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني الله تعالى بها، كنت أتمنى أنَّ ربنا -سبحانه وتعالى- يوحي للنبى وحيًا، وهو في النوم برؤيا يراها؛ فيبرئني الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر، ورؤيا النبي حق، قالت أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها-؛ فوالله ما رام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا خرج أحد مِن أهل البيت حتى أُنْزِلَ عليه، تقول : ما رام رسول الله, أي انتظر قليلًا، أو خرج مِن البيت, كل الذين في البيت كانوا,  إلا وفي هذا الوقت مباشرة بعد أنْ تحولت، وقالت هذه المقالة إلا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه الوحي؛ فأخذه ما كان يأخذه مِن البُرَحَاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجومان، النبي كان ينزل عليه الوحي، الوحي ثقيل, {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:5], قول ثقيل في النزول، وفي التكليف، وكان النبي إذا نزل عليه الوحي في اليوم البارد, الشديد البرودة يتفصد جبينه عرقًا، ويثقل جسمه -صلى الله عليه وسلم- إنْ كان راكب ناقة كانت الناقة تسيخ أخفافها في الأرض مِن ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما يوحى إليه، ويقول أسامة : إنَّ النبى أوحي إليه يومًا ورجل النبي, فخذ النبي على فخذ أسامة، يقول : فكادت أنْ تُرَضَّ رجلي، ترض أي تحطم وتهشم، أمر ثقيل، تقول : أخذ النبي ما كان يأخذه مِن البُرَحَاء وهو الشدة الشديدة كالحمى حتى إنه ليتحدر منه مثل الجومان ، يتحدر منه يتحدر؛ ينزل مِن جبينه مثل الجومان عرق مع حبات العرق ينزل عليها الضوء تكون مثل الجومان, أي مثل كرات الذهب الصغيرة، أو حبات اللؤلؤ, مِن العرق، وهو في يوم شاتٍ مِن ثقل القول الذي ينزل عليه، قالت: فلما سُرِّيَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُرِّيَ عنه بمعنى أنه ارتفع الوحي، وعاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حالته الأولى, سُرِّيَ عنه وهو يضحك, بمجرد ما النبي أفاق مِن الوحى كان يضحك -صلى الله عليه وسلم- ليس فقط يبتسم, بل يضحك -صلوات الله والسلام عليه- فكانت أول كلمة تكلم بها يا عائشة, أمَّا الله -عزَّ وجلَّ- فقد برئكِ, هذه أول كلمة تكلم بها النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد أنْ أنزلت هذه الآيات فناداها باسمها، قال لها : يا عائشة, أمَّا الله فقد برئكِ الله -سبحانه وتعالى- قد برئك، نزلت براءتك مِن السماء، تقول : فقالت أمي: قومي إليه, أي قومي إلى النبي، هي مضجعة، قالت : قومي إليه, أي قومي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أي فاشكريه، قالت عائشة : فقلت والله لا أقوم إليه أقسمت بالله أنها لا تقوم، ولا أحمد إلا الله -عز وجل-, كان ما زال في نَفْسِهِا، وفي خاطرها ما قاله النبي يا عائشة إنْ كنتِ قد ألممتِ بذنب؛ فاستغفري الله, كانت ما تظن أنْ ممكن كل بعض الناس يشكوا فيها, لكن أنَّ الرسول يضع احتمال للشك فيها؛ فلذلك قالت أم المؤمنين -رضى الله تعالى عنها-، قالت : والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله -عز وجل- هو الذي أنزل برائتي مِن السماء، وأنزل الله -تبارك وتعالى- هذه الآيات : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11], العشر آيات إلى قول الله -تبارك وتعالى- : {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النور:20], تقول : فلما أنزل الله هذا في برائتي، قال أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره, كان ينفق عليه, إنَّ مسطح فقير مِن المهاجرين، وأيضًا هو قريب مِن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-؛ فقال أي أبي بكر، والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال، قال : أقطع عنه النفقة، وما أنفق عليه شيء أبدًا لأنه قال في أم المؤمنين ما قال؛ فأنزل الله -سبحانه وتعالى- : {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا........}[النور:22], أنزل الله -تبارك وتعالى- بهذا الدرس العظيم، يقول : {وَلا يَأْتَلِ}, {يَأْتَلِ}, يحلف, الآلية الحلف أي لا يحلف, {أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}, أبوبكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-، صاحب فضل؛ لأنه مِن فضله أنه قد أعتق جمعًا مِن العبيد والأرقاء كبلال ومجموعة مِن النساء كذلك كن يستعبدن ويعذبن في مكة, اشتراهن بماله, وأعتقهن في سبيل الله, هو أَمَنّ الناس كما قال النبي: (إنَّ أَمَنّ الناس على فى صحبته وماله هو أبوبكر), {وَالسَّعَةِ}, مما أعطاه الله -تبارك وتعالى-, {وَالسَّعَةِ}, المال, {أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}, أي على إسائتهم, {........أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:22], دعوة مِن الله -تبارك وتعالى- كريمة لعباده المؤمنين هؤلاء وهم أهل الفضل والسعة أنه حتى لو جاءتهم إساءة مِن الذين يحسنون إليهم أنْ يقابلوا هذه الإساءة بالإحسان، وأنْ يعفوا عن هذا, ثم رغبهم الله -تبارك وتعالى- في العفو؛ ليعفوا عنهم أنه كما تعفوا عن إخوانك المؤمنين إذا أساءوا؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يعفوا عنكم, {........أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:22], لما نزلت الآية انظر مقالة أبوبكر، قال أبوبكر : والله إني لأحب أنْ يغفر الله لي؛ فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه، وقال أبوبكر : والله لا أنزعها منه أبدًا هذا الراتب الذي يعطيه لا، ما أنزعه منه أبدًا، وإنما أظل أنفق عليه أبدًا، قالت عائشة : وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل زينب ابنة جحش عن أمري, زوجته يسألها عن أمري, كذلك كان النبي يسأل زوجاته؛ فسأل ممن سأل زينب ابنة جحش -رضي الله تعالى عنها- عن أمرى؛ فقال : يا زينب ماذا علمتِ، أو رأيتِ على عائشة؛ فقالت : يا رسول الله, أحمى سمعي وبصرى، أني أكون قد سمعت شئيًا، وبصرت شيئًا، ولا أسمع تقول حتى هذا الإفك لا أسمعه، وأحمى بصري عن الحرام, ما علمت إلا خيرًا، تقول : ما علمت على أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- إلا خيرًا، قالت عائشة: وهي التى كانت تسامينى مِن أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, تساميها أي تماثلها في المنزلة، والمكانة والحظو عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكنها لم يحملها هذا الغيرة، أو الحسد، أو كذا، أو إرادة إبعاد عائشة عن النبي أنْ تدخل في حديث أهل الإفك، قالت : فعصمها الله بالورع، عصم الله -تبارك وتعالى- زينب -رضي الله تعالى عنها- بالورع، تقول أختها: طفقت أختها حمنة تحارب لها، حَمِنَة بنت جحش أخت زينب بنت جحش, لكنها مِن أجل أختها بدأت تطعن في أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، وتنقل حديث أهل الإفك مِن باب الانتصار لأختها، هي أختها نفسها حماها الله بالورع, لكن هذه انظر ارتكبت ما ارتكبت مِن هذا، وهي مِن الذين طُبِّقَ عليهم الحد، حد الفرية بعد ذلك؛ لأنها فعلت هذا مِن أجل أختها، تقول : وطفقت أختها حمنة تحارب لها؛ فهلكت فيمن هلك مِن أصحاب الإفك, هذا حديث عظيم، وهو يصور هذه الحادثة مِن جميع وجوهها بتمامها، يقول الله : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ........}[النور:11], الذين أتوا بهذا الإفك, {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}, منهم المؤمنون, الصالحون الذين وقعوا فى هذا الأمر بأنْ سمعوه وقالوه دون أنْ يستعظموه، وأنَّ هذا أمر يستعظم، لا يمكن أنْ يقع مثل هذا الأمر! ولكنهم كأنهم صدقوا هذا الحديث ونقلوه لغيرهم، ومنهم منافقون هم الذين اخترعوا هذا الأمر وأشاعوه، قال -جلَّ وعَلا- : {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ}, ما هو شر, بل وإنْ كان فيه فتنة ومعاناة للمسلمين بدءً بالنبي -صلوات الله والسلام عليه- إلى أنَّ هذا طَعْنٌ في فراشه، وفي أهله، وبالتالي هو طعن فيه؛ فإنَّ الرجل الزوج يتضرر أعظم الضرر مِن وقوع أهله في فاحشة, هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, لكن هذا الشر والابتلاء كان خير للأمة, أول شيء أنَّ هذا كان مِن أعظم الأدلة على صدق النبى -صلوات الله والسلام عليه-, وأنه رسول الله حقًا وصدقًا؛ لأنَّ أي إنسان كاذب لو كان في مثل هذا الموقف لافترى ما يفتريه ليدفع عن نَفْسِهِ، ما يمكن أنْ يسكت, هذا الأمر الرسول بقي شهرًا -صلوات الله والسلام عليه-, والناس يتكلمون بهذه المقالة، وهو لا يجيب جوابًا في هذا الأمر, لو كان النبى يفتري هذا الدين مِن عنده لافترى ما يدفع به هذه القالة عن نَفْسِهِ؛ فانتظار النبي الوحي, وعدم دفعه بهذا الأمر مِن أعظم الأدلة هذا على أنَّ محمد بن عبد الله هو رسول الله حقًا وصدقًا -صلوات الله والسلام عليه-, أيضًا هذا فيه دليل على أنَّ النبي لا يعلم الغيب، وأنَّ الغيب لله -تبارك وتعالى- فهذه زوجه وفراشه، وهذا الذي حوله ما اطلع النبي على هذا بل هذا قال النبي فيما قال : إنْ كنتِ يا عائشة ألممتِ بذنب؛ فاستغفري الله، وإنْ كنتِ بريئة؛ فسيبرئكِ الله -تبارك وتعالى- فالنبي لا يعلم الغيب -صلوات الله والسلام عليه- ولو علم الغيب لكان علم أنَّ زوجته تأخرت عنه، وأنه كذا وكذا, وأنَّ أهل الإفك سيقولون كذا, أي أخذ للأمر عدته، كما قال -تبارك وتعالى- عنه : {........وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188], الأمر الآخر بيان فضل أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، هذا كان خير عظيم جداً؛ فإنَّ هذه المرأة التي كانت هي أحب الناس إلى النبي -صلوات الله والسلام عليه- كما في الحديث : «سُئِلَ النبي مَن أحب الناس إليك؛ فقال : عائشة، فقيل له مِن الرجال، قال : أبوها», فظهر معدنها وفضلها، فضل عظيم جدًا على صغر سنها -رضي الله تعالى عنها-؛ فإنها وقفت مواقف لا يقفها أكثر الرجال فضلًا عن النساء عقلًا وحكمة, منتهى العقل والرزانة هي كما وصف حسان حصان رزان لا تُظَنُّ بريبة، وتصبح غرثى مِن لحوم الغوافل, أيضًا هذا يكون اختبار للمؤمنين يتعلموا درس إنَّ ما  كل ما يسمع أولًا يقال لا بد مِن التثبت فيه، وسيأتى هذا مِن مجموعة الدروس العظيمة التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- في شأن هذه الحادثة, الله -تبارك وتعالى- جعل فيها دروس عظيمة جدًا، فكان هذا مِن الخير العظيم الذي كان بسبب هذه الحادثة، أمر آخر أظهرت هذه كثير مِن نوازع البشرية، وأنَّ العصبية والحمية متأصلة في رؤوس العرب، وأنها أخذت دور كبير حتى يتخلص الناس مِن حمية الجاهلية التي كانت أحيانًا تُثَار ويدخل فيها المؤمنين ليس المنافقين فيها, كذلك بعض أهل الإيمان لهذا فوائد عظيمة.

 سنعود -إنْ شاء الله- لتفصيل بعض هذا في الحلقة الآتية, أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.