الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (429) - سورة النور 46-54

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[النور:46], {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47], {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}[النور:48],{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}[النور:49], {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور:50], {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[النور:51], {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:52].

 فاصل جديد مِن هذه السورة العظيمة؛ سورة النور بعد أنْ ذكر الله -تبارك وتعالى- طائفة مِن آياته الدالة على قدرته وعَظَمَتِهِ -سبحانه وتعالى-, ثم بَيَّنَ في ختام هذه الطائفة أنه هو الذي أنزل هذه الآيات المتلوة على عبده ورسوله، مبينة لكل الحقائق, كل ما تحتاجه هذه الأمة لتستقيم على أمر الله -تبارك وتعالى-, {لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ........}[النور:46], ثم بَيَّنَ أنه يهدي مَن يشاء، يوفق من يشاء -سبحانه وتعالى-, {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}, فهذا الرب, الإله, الذي هذه آياته الكونية، وهذه آياته القرآنية، المسموعة، المنزلة أمر بَيِّن، واضح، ومع هذا يخبر الله -تبارك وتعالى- بعد هذا عن طوائف مِن المنافقين يشهدون بألسنتهم أنهم قد آمنوا بآيات الله -تبارك وتعالى-, ولكنهم لا يستقيمون على أمر الله -تبارك وتعالى-, ويُصِرُّونَ على الإعراض عن أمر الله -عز وجل-, وإتيان هذه الآيات عن المنافقين بعد هذه الآيات البَيِّنَات، وقدرة الرب مِن آياته الكونية، وآياته المنزلة تبين مقدار بشاعة هذا الأمر، بشاعة الأمر، أمر المنافق الذي بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- آياته له على هذا النحو، وبَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- طريقه وصراطه، وأقام الحجة على هذا, ثم يأتي هذا المنافق يعلن بلسانه شيء، ولكن يخفي بقلبه، ويسير بعمله لكن في طريق آخر, {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا........}[النور:47], قال -جلَّ وعَلا- : {........ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47], {وَيَقُولُونَ}, هذه الطوائف مِن مرضى القلوب، مِن المنافقين, {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ}, {آمَنَّا}, يعلنون هذا قولاً بلسانهم أنهم مؤمنون بالله وبالرسول, {بِاللَّهِ}, الذي هذه صفاته، {وَبِالرَّسُولِ}, -صلوات الله والسلام عليه-, المبعوث مِن الله -تبارك وتعالى-, {وَأَطَعْنَا}, آمنا, وأطعنا أنهم يعلنون كذلك الطاعة والإذعان لأمر الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}, التولي الإعراض يعرض فريق مِن هؤلاء، ويبتعد بِنَفْسِهِ عن طريق الرب -تبارك وتعالى-, {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}, أي مِن بعد هذه الشهادة، وهذا الإقرار على أنفسهم بأنهم مؤمنون بالله وبالرسول ومطيعون، قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47], ليس أولئك, {بِالْمُؤْمِنِينَ}, نفى الله -تبارك وتعالى- الإيمان مِن هؤلاء الذين قد وضعوا في أنفسهم، وفي قلوبهم  الإعراض عن أمر الله -تبارك وتعالى-, وعن طاعة الله -عزَّ وجلَّ-, {........وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}[النور:47], {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}[النور:48], {وَإِذَا دُعُوا}, إذا دعوا هؤلاء، إذا دعاهم الداعي, دعاهم الرسول دعاهم نواب الرسول الآمِرُونَ بالمعروف، النَّاهُونَ عن المنكر، الدَّاعُونَ إلى الله إذا دعوهم, {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ........}[النور:48], دُعِيَ هؤلاء المنافقين, {إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ}, للإيمان والطاعة, {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}, ليحكم بينهم بحكمه -سبحانه وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {........إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ}[النور:48], {إِذَا}, مباشرة فريقٌ مِن هؤلاء معرضون عن أمر الله -تبارك وتعالى-, وعن حكمه, {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}[النور:49], إذا كان لهم الحق, أي إذا وقع في قضية فيها شجار، فيها أمر، ووافق هذا الأمر هواهم، والحق لهم في هذا الأمر، وعلموا أنَّ حكم الله موافق لما يريدون، ولما يهوون؛ فإنهم يأتوا إلى حُكْمِ الله, {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}[النور:49], يأتوا إلى حكم الله، وحكم رسوله, {مُذْعِنِينَ}, الإذعان هو الاستسلام والطاعة لأمره؛ فهو مُذْعِنٌ له، مستسلمٌ له، مطيعٌ له، ملتزمٌ به، لماذا؟ لأنه وافق هواه، ووافق ما يشتهي، ووافق ما عنده؛ فإذا كان خصومة يعلم أنَّ الشرع، وأنَّ الدين، أنَّ دين الله -تبارك وتعالى- سيحكم لهم في هذه القضية؛ فعند ذلك يأتي للشرع، ويأتي للدين، وأما إذا كان يعلم أنه مبطل في هذا الأمر، وأنَّ الحكم لغيره؛ فإنه يعرض عن حُكْم الله -تبارك وتعالى- وحُكْم رسوله, {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ}, أي في القضية التي يتخاصمون فيها, {يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}, يأتوا إلى الشرع, {مُذْعِنِينَ}, ولا شك أنَّ هذا إتيانهم للشرع في هذه الحالة, {مُذْعِنِينَ}, إتيان ليس لله، وإنما لأنَّ الشرع فقط وافق هواهم، وافق ما يريدون؛ فإنهم تحاكموا إلى الشرع فى ذلك، تحاكموا إلى شريعة الله في هذا، قال -جلَّ وعَلا- : {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا........}[النور:50], سؤال يُبَيِّن ويقرر هذه الحالة نعم في قلوبهم مرض، وفي قلوبهم شك، إما مرض مرض الشهوة التي تجعلهم يقبلون الحق حيث ينفعهم في هذه الدنيا، ويرفضونه إذا رأوا أنه سيسلبهم ما يأخذونه ظلمًا وعدوانًا؛ فإنهم لا يحبونه، مرض شهوة, {أَمِ ارْتَابُوا}, الأمر الثاني مرض شك، ارتابوا في أمر الله -تبارك وتعالى-, وفي دين الله، فريبتهم في الدين، إما أنَّ قلوبهم فيها مرض الشهوة، وإما مرض الشبهة والشك وهذا وهذا صارف عن الاستجابة التامة لأمر الله -تبارك وتعالى-, {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ........}[النور:50], هل يخافون أنَّ الله -تبارك وتعالى- إذا حَكَمَ حاف عليهم، والحيف هو الميل والظلم، هل حكم الله -تبارك وتعالى- فيه ظلم لهم؟! فإذا كان الحق عليهم، واخذ منهم الحق في خصومة مِن الخصومات، وفي أمر مِن الأمور حكم الله عدل، حكم الله هو العدل, لا بد الله -تبارك وتعالى- حكمه عدل فيه نَصَفَة، وفيه عدل لكل المتخاصمين, {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}, قال -جلَّ وعَلا- : {........بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور:50], فإذا كان المانع الذي يمنعهم عن قبول حكم الله -تبارك وتعالى- أنْ يكون فيهم، في قلوبهم الشهوة، شهوة ومحبة أنفسهم، وبالتالي يحبون الانحراف، أو شك، أو ظن أنَّ الله -تبارك وتعالى- ممكن أنْ يظلمهم، أو يحيف عليهم كل هذا, وهذا لا شك أنه الأمر الأخير أنْ يحيف الله عيلهم منتفيًا؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- حكمه عدل, {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى........}[النحل:90], {يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}, أنَّ الرسول يحيف في الحكم؛ فيحابي بعضًا، ويخالف بعضًا، والحال أنَّ النبى-صلوات الله والسلام عليه- إنما يحكم بحكم الله -تبارك وتعالى-, {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[النساء:105], ورؤيا النبي وبصيرته حق -صلوات الله والسلام عليه-, وقد أنزل الله -تبارك وتعالى- له دعائم الحق، وشريعة الحق؛ ليحكم بها النبي -صلوات الله والسلام عليه-, فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أنْ يحيف في قضية، وأنْ يميل مع الهوى -صلوات الله والسلام عليه-, يستحيل أنْ يكون هذا؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- قد عصمه أنْ يحكم بهواه، وأنْ يميل مع أي طرف على طرف آخر حاشاه -صلوات الله والسلام عليه-, {أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}, قال -جلَّ وعَلا- : {........بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور:50], {بَلْ أُوْلَئِكَ}, هذه صفتهم, {هُمُ الظَّالِمُونَ}, بإعراضهم عن شريعة الرب -تبارك وتعالى-, وبإعراضهم عن دين الله -عز وجل-, {........بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[النور:50].

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا........}[النور:51], هذا هو شأن أهل الإيمان, {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ}, بالحصر, {إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}, إذا قيل لهم تعالوا ليحكم النبي في هذه القضية، في أي قضية مِن القضايا، فيما شجر بينهم وبين غيرهم, في أي أمر مِن الأمور, {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا........}[النور:51], قولهم : {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا},, أمر ربنا -سبحانه وتعالى-, {وَأَطَعْنَا}, أمر الله -تبارك وتعالى- وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-, أمر الرسول مِن أمر الله -تبارك وتعالى-, {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}, وقولهم هذا دليل على ما في قلوبهم، قال -جلَّ وعَلا- : {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ},{وَأُوْلَئِكَ}, الموصوفون هؤلاء بأنهم مستجيبون لأمر الله -تبارك وتعالى-, وإذا دعوا لأمر الله، وأمر رسوله, {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}, ويقروا بهذا ظاهرًا وباطنًا, {هُمُ الْمُفْلِحُونَ}, المفُلْحِ الفائز الذي ينال مطلوبه الأكبر، والمطلوب الأكبر لا شك أنَّ أعظم مطلوب يمكن أنْ يحصل عليه الإنسان هو الفوز بجنة الله ورضوانه, دار الخلود، وكذلك وقبل هذا النجاة مِن عذاب الله -تبارك وتعالى-, {........فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185], فالمفلح هو الذي يفوز بهذه الجائزة النهائية، وقبل هذا المفلح هو المَهدِي، الموفق، الذي مَسَّكَهُ الله -تبارك وتعالى- طريقه، وشرح صدره للإيمان مسكه بهذا الدين حتى القاعدة كلها أدلة الفلاح، ولكن الفلاح النهائي هو أنْ يفوز بالجنة، وأنْ ينجو مِن النار, {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:52], {وَمَنْ}, مِن صيغ العموم، كل، كل مَن يفعل هذا, {يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}, أي شخص، أي أحد يطيع {اللَّهَ وَرَسُولَهُ}, يطعه الطاعة معروفة ضد العصيان, {اللَّهَ وَرَسُولَهُ}, {اللَّهَ}, لأنه هو الآمِر -سبحانه وتعالى-, {وَرَسُولَهُ}, الآمِر بأمر الله -جلَّ وعَلا-, {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ........}[النور:52], الخشية لله، الطاعة لله ورسوله، والخشية والتقوى لله, {وَيَخْشَ اللَّهَ}, يخشاه الخوف مع تعظيم، الخشية خوف بتعظيم؛ فيعظم أمر الرب -تبارك وتعالى- ويعظم صفاته -سبحانه وتعالى- ويخافه -جلَّ وعَلا- لأنَّ عذابه شديد, {وَيَتَّقْهِ}, أي يجعل وقاية بينه وبين عقوبة الرب -تبارك وتعالى-؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- أمرنا بتقواه، الله أخبر بأنه يؤاخذ بالذنب ويعاقب به الذنب الصغير، أو الكبير، وكل مَن اكتسب ذنبًا ارتهن به مهما كان حتى يخرج منه، مهما كان هذا مَلَك، نبى، رسول, كل مَن ارتكب ذنب، وأخذ ذنب يرهنه الذنب, {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}[النساء:123], والكل تحت الأمر الإلهى، كل خَلْقِ الله -تبارك وتعالى- تحت أمره، وبالتالي هناك الوعيد بالتهديد؛ فإذن الله يُتَّقَى، الله -سبحانه وتعالى- أهل لأنْ يُتَّقَى لأنه يأمر ويؤاخذ ويعاقب على الذنب؛ فهو لا بد أنْ يُتَّقَى, يُخَافُ منه -سبحانه وتعالى- هو أهل لأنْ يُتَّقَى؛ لأنَّ عقوبته عقوبة، وعذابه شديد -سبحانه وتعالى-, {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ........}[النور:52], يُعَظِّم الله -تبارك وتعالى-, يخاف الله -تبارك وتعالى- بتعظيم وإجلال وإكبار، وكذلك يتقي الله -تبارك وتعالى- ويرى الأمور التي يُحَذِّرُ الله -تبارك وتعالى- منها, يتقيها, يبتعد عنها، ويجعل بينه وبين عقوبة الله -تبارك وتعالى- حماية ووقاية، ولا يمكن أنْ يحمي نَفْسَهُ مِن عقوبة الله إلا بالإيمان به، وطاعة أمره، والبعد عن مناهيه -جلَّ وعَلا-, {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:52], {فَأُوْلَئِكَ}, بالإشارة للبعيد تكريمًا لهم، وإعلاءً لشأنهم, {هُمُ الْفَائِزُونَ}, حَصَرَ الفوز في هؤلاء, {هُمُ الْفَائِزُونَ}, {الْفَائِزُونَ}, الفوز حصول الجائزة الكبرى, حصلوا على الجائزة الكبرى مِن الله -تبارك وتعالى- بأنْ رَضِيَ الله -عز وجل- عنهم، وأدخلهم جنته، نجاهم مِن عقوبته -سبحانه وتعالى- فهؤلاء هم الذين يفوزون في النهاية، هذا فاصل مِن هذه السورة يُبَيِّنُ الله -تبارك وتعالى- فيه بشاعة مَن يعلن الإيمان، ولكن يصد عن أمر الله -تبارك وتعالى-, وبيان مَن الفائز في النهاية، الفائز هو العبد المؤمن بالله -تبارك وتعالى- المطيع لأمر الله -عزَّ وجلَّ-, {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:52].

 ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك طوائف كذلك مِن أهل النفاق هذا عملهم، قال -جلَّ وعَلا- : {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ........}[النور:53], قال -جلَّ وعَلا- : {........قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53], {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54],هذه صورة مِن صور فعل هؤلاء المنافقين أنهم، قال -جلَّ وعَلا- : {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ........}[النور:53], الإقسام الحَلِف, أي حلفوا بالله، الحَلِف أمر عظيم لأنه إشهاد للرب عندما يقول واحد أنا أقسم بالله، أحلف بالله معناها أنه استشهد الله -تبارك وتعالى- على هذا الأمر، ومعناه أنَّ الأمر الذي يُقْسِمُ عليه هو يخبر بأنه موافق للحق، وأنه فاعل له، وأنني أستشهد الله، وأُعَظِّمُ الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر، وبالتالي عندما يُقْسِمُ بالله لِمَن يُحْلَف له؛ فإنه يظن الخير بهذا الذي حلف، ويظن أنه مُنَفِّذٌ لهذا الأمر بأنه جعل الله شهيدًا عليه، وعَظَّمَ الرب -تبارك وتعالى- على هذا النحو, {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ........}[النور:53], أي بذلوا في هذا الإقسام آخر حد لهم في اليمين بأنْ كرروه؛ كرروا هذا مرة ومرة ومرة، وعَظَّمُوا الأمر، وأنهم أخرجوا هذا بقلوبهم, أي بذلوا في هذا القَسَم كل جهد لهم ليُظْهِرُوا أنهم صادقون فيما يحلفون عليه, {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ........}[النور:53], أي لئن أمرتهم بالخروج, {لَيَخْرُجُنَّ}, بالخروج للقتال, أي أنهم حلفوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالأيمان المُغَلَّظَة، واستشهدوا الله -تبارك وتعالى- أنه بمجرد أنْ يأمرهم النبي ليخرجوا للقتال سيخرجوا، ويكونوا مع الخارجين، قال -جلَّ وعَلا- : {........قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53], {قُلْ لا تُقْسِمُوا}, لا يوجد داعي، لا داعي إلى الْقَسَم, {لا تُقْسِمُوا}, أمركم معلوم، كذبهم ظاهر, {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أي طاعتكم, {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}, أي إن طاعتكم معروفة؛ فقد جاء منكم إعلان الطاعة, ثم العصيان، إعلان الطاعة, ثم العصيان, أي هذا أمر أصبح معروف، طاعتكم, {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}, أو لا تُقسموا, لا يحتاج الأمر إلى قَسَم بل المطلوب منكم طاعة معروفة المطلوب منكم طاعة معروفة تعرف؛ فبمجرد أنْ تطيعوا، وأنْ تفعلوا هذا لا يحتاج الأمر إلى قَسَم لماذا تُقْسِم وتُقْسِم وتُقْسِم وتُقْسِم على أنك ستخرج، لا، أطع إذا جاءك الأمر الإلهي، وهذا أمر النبي-صلى الله عليه وسلم- يأمرك بأنْ تخرج اخرج؛ فإذا خرجت هذا يصبح التطبيق الفعلي هو هذا المعروف يصبح هذا ولا تحتاج إلى كثرة الأقسام, {........طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53], {إِنَّ اللَّهَ}, -سبحانه وتعالى-, {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}, على القول الأول على الوجه الأول مِن التفسير أي أنّ الله -تبارك وتعالى- الخبير هو العلم الخفي، العلم بالأمور الخفية؛ فأمركم هذا المخفي أنتم تعلنون الطاعة، وتخفون في قلوبكم أي أنكم لن تطيعوا، ولن تخرجوا فقط إنما هو قَسَم لترضوا به النبي، وتظهروا أنكم ستخرجوا، والحال أنكم لا تخرجوا, {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}, مِن هنا، ومِن هنا، ويختفي؛ فالله خبير بهذا, {........إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53],, مِن حلفكم الكاذب، ومِن هروبكم عن الخروج، أو على القول الثاني : {........إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53],, ما دام أطعتم أمر الله -تبارك وتعالى- وأمر النبي وخرجتم؛ فالله -تبارك وتعالى- خبير بأعمالكم, لن يضيع أعمالكم -سبحانه وتعالى- ما يكون لكم ضياع لأعمالكم, بل إنَّ عملكم معلوم عند الله -تبارك وتعالى-, وأنتم مأجورون على ما تصنعون, {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53].

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ........}[النور:54], قل لهم : {أَطِيعُوا اللَّهَ}, جملة كاملة, {أَطِيعُوا اللَّهَ}, إذن كل ما يأمركم به بدون قيود، بدون قيد أطيعوا الله في كل ما يأمركم -سبحانه وتعالى- به, {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}, كذلك كرر الأمر ما عطف الله -تبارك وتعالى- ورسوله، قال : أطيعوا الله ورسوله، قال هنا : {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}, كذلك أعاد الفعل؛ لِيُبَيِّن أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يطاع كذلك طاعة مُطْلَقَة بدون قيد في كل ما يأمر به -صلى الله عليه وسلم-, {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}, أي كذلك أمر مستقل بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-, {........فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54], {فَإِنْ تَوَلَّوا}, أي أيها المخاطبون مِن المنافقين إنْ تتولوا، والتولي هو الإعراض عن الأمر، والبعد عن طاعة الله، وطاعة رسوله, {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ}, أي عند الله -تبارك وتعالى- على هذا النبي الذي حُمِّلَهُ فقط، ما هو مُحَمَّل، وما الذي حمله؟ قال النبي : {........وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54],  فعليه ما حُمِّلَ، ما حَمَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- مِن هذا الأمر، ولم يحمل الله -تبارك وتعالى- رسوله إلا الرسالة، إلا البلاغ, {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}, وهي الإيمان والطاعة, {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}, فأنتم ملزمون بالذي حُمِّلْتُمُوهُ، والذي حملتموه هو الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وطاعته؛ فيا ويلكم عند العصيان، أما النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه البلاغ، قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54], لم يجعل الله -تبارك وتعالى- على رسوله إلا أنْ يُبَلِّغَكُم البلاغ المبين؛ فإذا البلاغ إيصال هذه الرسالة إليكم؛ فإذا أوصل النبي الرسالة إليكم بلاغ, واضحة, بَيِّنَة يبقى أدى ما عليه عند الله -تبارك وتعالى- ولا مسؤلية عليه، أما أنْ تطيعوا أنتم، أو تعصوا هذا ما يحاسب الله -تبارك وتعالى- رسوله, لما لم يطعك فلان، ولما لم يخرج فلان، ولما كذا، ولما لم تأخذ إجراءً ضده، طاعة الناس واستجابتهم، وعدم استجابتهم ليست داخلة في مسئولية النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأما الداخل في مسؤليته عند الله -عز وجل- أنْ يُبَلِّغَ البلاغ المبين؛ فإذا بلغ البلاغ المبين؛ أصبح أدى ما عليه عند الله -عز وجل-, وأما مسئوليتكم أنتم الأمر الذي عليكم أنْ تطيعوه أنْ تقولوا بالفعل سمعنا، وأطعنا بالفعل, تسمعوا أمر الله -تبارك وتعالى- وتطيعوه ما يأمركم به النبي -صلى الله عليه وسلم-, {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا........ }[النور:54], أي تتولوا, {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ}, أي النبي -صلى الله عليه وسلم-, {مَا حُمِّلَ}, مِن الله-تبارك وتعالى-, {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}, وعليكم أمام الله -تبارك وتعالى- الذي حُمِّلْتُمُوهُ, {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}, إنْ تطيعوا النبي {تَهْتَدُوا}, وهذا الذي اهتدى هذا طريق الفلاح، اهتدى إلى طريق الحق، وبالتالي تحصل آثار هذه الهداية في الدنيا والآخرة, {........وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54], هذا الذي حَمَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- إياه أنْ يبلغ قومه, {الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.

ثم أخبر -سبحانه وتعالى- هنا أنَّ المنافقين كانوا يتركون أمر الله -تبارك وتعالى-, ويتنكبون هذا؛ لأنَّ الأمر إنما هو بالجهاد لكل الأُمَم، قد أُمِرَ المسلمون بأنْ يجاهدوا كل الأُمَم، كل الناس، كل الكفار ليدعوهم إلى الدين، ويدخلوهم في دين الله -تبارك وتعالى- فالأمر عظيم المسئولية، والحمل الذي تحملوه أمر عظيم هنا بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- أنَّ الله -عز وجل- وعدهم النصر والتمكين، وقال -جلَّ وعلا- : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:55], جاءت هذه البشرى مِن الله لعباده المؤمنين بعد هذا الأمر الصريح للمؤمنين وللمنافقين أنْ يلتزموا بما أعلنوه مِن الإيمان لله -تبارك وتعالى- والطاعة؛ فقال -جلَّ وعَلا- : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}, الوعد هو الإخبار بخير يأتي مستقبلًا، والوعيد هو الإنذار بالشر الآتي, القادم؛ فالله وعد عباده, أي أخبرهم -سبحانه وتعالى- بخير عظيم سيأتيهم, {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}, فالوعد للذين آمنوا, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {مِنْكُمْ}, يدل على أنَّ هذا أمر سيتحقق سريعًا؛ لأنه مِن هؤلاء الذين آمنوا مِن هؤلاء ما هو مِن الذين آمنوا ممن سيأتي بعد جيل وجيلين وأجيال في مستقبل الزمان، لا, منكم أنتم أيها المخاطبين, {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ........}[النور:55],  جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح, {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}, أي يجعلهم -سبحانه وتعالى- خلفاء في الأرض يقومون بأمر الله -تبارك وتعالى- فيها؛ فَيُحَكِّمُونَ شريعته، ويقيمون دينه, {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}, أي يجعلهم خلفاء بعد إزاحة أهل الكفر، ويجعل الأرض لهم؛ فيمكنهم الله -تبارك وتعالى-, استخلافهم في الأرض أنهم يجعلهم خلفاء للكفار يزيح الله -تبارك وتعالى- أهل الكفر مِن الأرض، ويجعل المؤمنين مكانهم, {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}, مثل ما استخلف الذين مِن قبلهم؛ مِن قوم موسى الذين وعدهم الله -تبارك وتعالى- التمكين؛ فأزال الله -تبارك وتعالى- أهل الكفر مِن طريقهم، ومَكَّنَهُم -سبحانه وتعالى-, {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}, وكذلك كل جماعات أهل الإيمان مِمَن سبقوه؛ فإنَّ الله أزاح الكفار، وجعل المؤمنين مكانهم؛ فإنَّ الله أهلك قوم نوح، وأقام نوح المؤمنين مِن بعدهم بعد ذلك، وكذلك أهل الإيمان مِن عاد، وأهل الإيمان مِن ثمود، وهكذا وهكذا وهكذا؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- جعل الأرض بعد ذلك لأهل الإيمان، كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء:105].

لنا -إنْ شاء الله- عودة إلى هذه الآية في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا، أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.