الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (430) - سورة النور 54-58

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهداه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54], {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:55], {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور:56], {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[النور:57], خطاب الله -تبارك وتعالى- للمنافقين الذين قال -تبارك وتعالى- في شأنهم : {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ........}[النور:53], أي للقتال, {قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}, إنَّ طاعتكم {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}, أو أطيعوا الله -تبارك وتعالى-, {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}, بالاستجابة لأمره، والخروج للجهاد عندما تدعون للخروج للجهاد, {........إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53], {قُلْ}, أي لهم يا محمد, {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}, أطيعوا الله طاعة مُطْلَقَة, {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}, طاعة مُطْلَقَة لأنَّ طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي, طاعة لله -تبارك وتعالى-, {فَإِنْ تَوَلَّوا}, أي فإنْ تتولوا, {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ}, {عَلَيْهِ}, على النبي, {مَا حُمِّلَ}, وقد حَمَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- بلاغ الرسالة, {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}, الرسول عليه ما حَمَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- من الأمر، والواجب، وأنتم عليكم ما حملتم؛ ثم بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- ما حمله النبي، قال -جلَّ وعَلا- : {........وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54], أي إنه عليه أنْ يبلغكم، وأنكم إنْ لم توفوا وتستجيبوا لأمر الله -تبارك وتعالى- تحملتم إثم النكول والعصيان, ثم بشرهم الله -تبارك وتعالى- بهذه الطائفة المؤمنة التي كُلِّفَت بقتال العَالَم، وأنْ تنشر هذا الدين في كل الآفاق أنَّ الله -تبارك وتعالى- منجز وعده -سبحانه وتعالى- لهم، قال : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:55], الوعد إخبار الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر مِن الخير لهم، وأنه سيتحقق، وهو ضد الوعيد، الوعيد تهديدٌ بالشر، والوعد إنما هو إخبار بالخير في المستقبل, {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ........}[النور:55], هذا وعد مِن الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المخاطبين الذين آمنوا مِن المخاطبين في هذا الوقت مع أصحاب النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}, جمع الله -تبارك وتعالى- لتحقق هذا الوعد شرطه الجمع بين الإيمان والعمل الصالح، واذا اجتمع الإيمان، والعمل الصالح انصرف الإيمان إلى أعمال القلوب، والأعمال الصالحة إلى أعمال الجوارح؛ فعمل القلب مِن اليقين بالله -تبارك وتعالى- والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء فيما عنده, أعمال القلب هذه هي ثمرات تصديق خبر الله -تبارك وتعالى- هذا الإيمان، والعمل الصالح ما يظهر على الجوارح مِن الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد في سبيل الله, {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ........}[النور:55], يجعلهم خلفاء في الأرض, استخلاف في الأرض بأنْ يجعلهم خلفاء في الأرض بعد الكفار، يهلك الله -تبارك وتعالى- الكفار, يهزمهم, يجعلهم تحت قهر الإسلام، ويجعل المسلمين لهم الخلافة في الأرض، يهلك الله -تبارك وتعالى- الظالمين، ويجعلهم هم بعدهم، كما الشأن في كل رسالات الله -تبارك وتعالى-؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- أهلك الكافرين، وأبقى عباده الصالحين, المؤمنين، كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء:105], {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}[الأنبياء:106], فالله وعدهم هم، وأنَّ هذا النصر سيأتي عاجلًا، ولن يتأخر إلى أجيال مستقبلة, بل مِن هؤلاء, {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}, كما استخلف الذين مِن قبلهم بالجهاد، كقوم موسى؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- استخلفهم في الأرض بعد أنْ أهلك الله -تبارك وتعالى- الأمم الكافرة، ومكنهم الله -تبارك وتعالى- في الأرض، ومِن قبلهم الأقوام الذين آمنوا مع رسلهم هم الذين استخلفوا في الأرض، وأهلك الله -تبارك وتعالى- أعداءهم, {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}, يجعل تمكين، وهي تقوية وثبات لدينهم الذي ارتضى لهم وهو دين الإسلام، وقول الله : {الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}, أي الذي أحبه الله -سبحانه وتعالى- ورضيه لهم، وفي هذا إشادة بهذا الدين، وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- مَلِكُ السموات والأرض, رب العالمين ارتضاه، وكونه أنَّ الله ارتضاه أحبه, انظر إلى شيء ارتضاه الله -تبارك وتعالى-, ورضيه الله -تبارك وتعالى-, كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}, {وَرَضِيتُ}, أنْ يكون دينكم هو هذا الإسلام الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- والله هو الذي كتب أحكامه، وفرض أحكامه، وحد حدوده؛ فلله الحمد، والمِنَّة؛ فلله الحمد والمنة, {الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}, تبديل تغيير بعد الخوف، المسلمون عاشوا في الخوف منذ بدء الدعوة، منذ بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته، وآمن مَن آمن، وهم يخافون مِن الكفار مِن بطشهم جبروتهم، وقد أوذي أهل الإيمان أذىً شديدًا، وأوذي النبي -صلى الله عليه وسلم- أذىً شديدًا جدًا، وهو في مكة؛ فقد سُبَّ وشُتِمَ واتهم بك أنواع الاتهامات الباطلة أنه كذاب، وأنه ساحر، وأنه له هدف آخر غير هذا المعلن له, {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6], له هدف آخر، {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}, على النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا}[الفرقان:41], {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا........}[الفرقان:42], {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}, فاتهامه بالجنون وبالسحر وبالكهانة، وأنه كاهن، وأنه افترى هذا القرآن، واكتتبه مِن أقوام آخرين صنوف عظيمة جدًا مِن الأذى, ثم طرده ورده كما فعل الكفار معه في يوم الطائف؛ فإنهم ردوا عليه ردًا شنيعًا عندما قال له قائلهم : (ألم يجد الله غيرك ليبعثه إلينا)؟! وقال آخر : (والله إنك إنْ كنت كاذبًا؛ فأنت أحقر مِن أنْ أرد عليك، وإنْ كنت صادقًا؛ فأنت أعظم مِن أنْ أرد عليك)، وطردوه مِن عندهم حتى دون تقديم أي نوع حتى مِن الضيافة التي عُرِفَ بها العرب لك ساقط ولاقط, كل مَن يسقط عليهم، وينزل بساحاتهم مهما كان يكرموه ويضيفوه, لكن هذا النبي الشريف، الكريم، العظيم، سيد ولد آدم -صلوات الله والسلام عليه- ينزل بساحتهم؛ فلا يجد حتى منهم شيء مِن إكرام الضيف، وقد آتاهم النبي مِن مكة إلى الطائف ماشيًا على قدميه -صلوات الله والسلام عليه- أمولًا عظيمة جدًا، وأما مَن كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنهم شتتوا في الأرض وضُرِبُوا وأُهِيْنُوا وعُذِّبُوا وقُتِلَ منهم مَن قُتِلَ كسمية -رضي الله تعالى عنها-، وحُرِّقَ مَن حُرِقَ منهم بالنار، وصبروا على هذا هذا خباب بن الأرت يقول : أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة؛ فقلت : يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا  اطلب لنا النصر مِن الله -تبارك وتعالى- يقول : فقعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرهم بمن كان قبلهم، قال : إنْ مَن كان قبلكم كان يؤتى أحدهم بالمنشار؛ فيوضع على مفرق رأسه حتى يقع فلقتين ما يرده ذلك عن دينه، ويُمْشَطُ بأمشاط الحديد ما بين عظمه ولحمه لا يرده ذلك عن دينه, ثم قال : والله ليستتبن هذا الأمر حتى تخرج الظعينة مِن صنعاء اليمن إلى بصرى الشام لا تخاف إلا الله، ولكنكم قوم تستعجلون, يقين النبي بأنَّ هذا دين الله، ولا بد أنْ يبلغ مبلغه، ويُنْفِذُ الله -تبارك وتعالى- وعده, لكن المسلمين كانوا في رعب، وفي خوف شديد، وأذى شديد في مكة؛ ثم لما انتقلوا إلى المدينة كانوا يقومون في السلاح، وينامون في السلاح, سلاح الإنسان بجواره يقوم به، وينتظر كل يوم صيحة تأتي، إما خروج للجهاد، وإما أنه عدو قد جاء، وكانوا يقولون ألا نأمن، ألا يبيت أحدنا ليلة دون هذا الخوف متى نأمن؟ فالله -تبارك وتعالى- يبشرهم -سبحانه وتعالى- وهم في هذه الحالة منِ الخوف مِن أعدائهم الكثر الذين يحيطون بهم مِن كل جانب، قال -جلَّ وعَلا- : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا........}[النور:55], أمن، راحة وطمأنينة، يأمنون يسير الإنسان في أرض الإسلام لا يخاف إلا الله، يخاف الذئب على غنمه، أما أنه يخاف مِن عدو، لا؛ ثم عَلَّلَ الله -تبارك وتعالى- وبَيَّنَ الحكمة في ذلك، قال : {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}, مكافأة، هذه مكافأة لهم مِن الله -تبارك وتعالى-؛ وذلك أنهم يعبدون الله -تبارك وتعالى- لا يشركون به شيء, {يَعْبُدُونَنِي}, وقول الله أنهم هنا بصيغة المتكلم أنهم {يَعْبُدُونَنِي}, مَن؟ يعبدون مَن؟ الرب, الإله، الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- مَلِكُ كل شيء؛ فكيف لا يحقق لهم موعدهم -سبحانه وتعالى-! {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}, وهذه أكبر الأوامر التي أمر بها الخلق، ومِن أجلها أقيمت السموات والأرض أنْ يقوم الخَلْق بعبادة الرب -تبارك وتعالى- لا يشركون به شيئًا قَطّ, بكل أنواع الشِّرك سواءً شرك في ذات الله -تبارك وتعالى- لا شريك في ذاته، ولا شريك في صفاته، ولا شريك في حقوقه -سبحانه وتعالى-؛ فإنَّ حق الله على العباد أنْ يعبدوه لا يشركوا به شيئًا؛ فالصلاة له، والصوم له، والذبح له، والنذر له، والخوف والإجلال له -سبحانه وتعالى- هذا حقه -سبحانه وتعالى- على عباده, {يَعْبُدُونَنِي}, بكل أنواع العبادة, {لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ}, أي مَن كفر مِن هؤلاء المخاطبين مِن المؤمنين, {بَعْدَ ذَلِكَ}, بعد هذا التمكين، وتحقق موعود الله -تبارك وتعالى- في أهل الإيمان بأنْ يمكن لهم دينهم، وأنْ يبدلهم بعد خوفهم أمنًا، وأنْ يقيم الله -تبارك وتعالى- هذه الأمة، ويُمَكِّن لها في الأرض إذا مَن يتحول, {بَعْدَ ذَلِكَ}, عن هذا الإيمان إلى الكفر, {........وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:55], {فَأُوْلَئِكَ}, بالإشارة إليهم, {هُمُ الْفَاسِقُونَ}, بحصر الفسق فيهم، والفسق هو الخروج مِن طاعة الله، هم الذين خرجوا عن طاعة الرب -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جلَّ وعَلا- موجهًا الخطاب إليهم, قال : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور:56], لأشرف الأعمال، وجههم الله -تبارك وتعالى- لأشرف الأعمال يؤدوها؛ لأنَّ هذه هي مناط التمكين في الأرض، وهذا يكون مِن ثمرة هذا، مِن ثمرة القيام بعبادة الله -تبارك وتعالى- وأشرف أنواع وأعمال هذه العبادة إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-, قال : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}, أقيموها أدوها على وجهها الأكمل, {وَآتُوا الزَّكَاةَ}, أعطوها, الزكاة حق الله -تبارك وتعالى- في مال المؤمن, توجد صدقة واجبة، وتوجد الصدقة المستحبة، وهذه مفتوحة، وسميت زكاة؛ لأنها طهرة للنفس، والزكاة هي الطهارة، والنماء، وكذلك طهرة للمال, {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}, أمر بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-, {الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}, طاعة الرسول طاعة الله -تبارك وتعالى- أطيعوه في ما يأمركم به، ولا هناك قيد يقيد طاعة النبي -صلوات الله والسلام عليه-, لا في ما يأمر به مِن عبادة الله -تبارك وتعالى-, ولا هو فيما يأمر به مِن شئون نفس الإنسان إنه افعل هذا مِن شأن نَفْسِهِ لا خيار للإنسان في نَفْسِهِ إذا أمر الله، وإذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأمر الله -تبارك وتعالى-, كما قال الله -جلَّ وعَلا- : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ........}[الأحزاب:36], فإذا قضى الله -تبارك وتعالى- أمر، وقضى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأمر في شأن هذا المؤمن طَلِّق زوجتك، أمسك عليك زوجك، اخرج بشيء مِن مالك، تصدق بهذا، افعل هذا، اخرج إلى الجهاد، أعطي زوجتك حقها، أطلق عبدك هذا أعتقه ما له أنْ يَنْكُل عن ذلك، أو يكون له الخيرة في أنْ يأخذ أمر النبي، أو لا يأخذ أمر النبي؛ فأمر النبي واجب الأخذ به سواء في الحكم بين المتخاصمين، أو في الحكم في شأن، مثلما قال النبي للذين تخلفوا عن الغزوة : لا يتكلم أحد معهم، وقل لزوجتك, أي لا تقربك زوجتك طيلة هذه المدة، أمر ليس له الخيرة إنه يقول، لا والله ابقى عندي أيتها الزوجة، أو أنْ يأتي قريبه يكلمه كان الشخص يرى قريبه، كعب بن مالك أتى ابن عمه، وهو أحب الناس إليه، هو أتاه، يقول : والله سلمت عليه فما رد علي السلام، وهو أول ما فتح له بيته، وتسور بيته، ودخل عليه، وقال له : يا فلان أتشهد أني أحب الله ورسوله, أتعلم أنى أحب الله، ورسوله يقول : فو الله ما رد علي، ويكرر عليه، يقول : أناشدك الله؛ ثم في النهاية يقول له : الله -تعالى- أعلم، ما، ويترك الأمر؛ فأي أحد يأمره الرسول -صلى الله عليه وسلم- يجب أنْ يطيع أمره؛ فقال -تبارك وتعالى- : {........وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور:56], {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}, لعل للترجي، الترجي بحسب العبد هنا، لعلك إذا اتخذت هذا السبيل، وسرت هذا المسار رحمك الله -تبارك وتعالى-, {تُرْحَمُونَ}, رحمة مِن الرب -تبارك وتعالى-, ورحمة الله تشمل الإنقاذ مِن النار، ودخول رحمته ومستقره الجنة.

ثم قال -جلَّ وعَلا- : {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[النور:57], آية عظيمة تجعل الكفار بالنسبة لأهل الإيمان مهما كانوا لا يساووا شيء, لأنْ تبقى المعادلة الله والكفار، قال : {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ........}[النور:57], {لا تَحْسَبَنَّ}, لا تظنن الحسبان الظن, {الَّذِينَ كَفَرُوا}, أيًا كانوا، والله قال : {الَّذِينَ كَفَرُوا}, أيًا كانوا هؤلاء مشركي العرب، أو الفرس، أو الروم، أو غيرهم من تلك الأمم التي كانت تناول الإسلام، أو اليهود، أو غيرهم، لا، قال : {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ........}[النور:57], {مُعْجِزِينَ}, الرب أنهم يعجزوا الله -تبارك وتعالى-, ويكون الرب تبارك وتعالى عاجزًا على أنْ ينتصر عليهم، وأنْ ينصر عباده المؤمنين عليهم، لا يمكن، لا يمكن أنْ يعجزوا الله -تبارك وتعالى- ويجعلوا الله -تبارك وتعالى- في مقام العجز في أنْ يدينهم أنْ ينصر أهل الإسلام عليهم، وأنهم يغلبوه، يغلبوا الرب يغلبوا دينه، لا، يستحيل هذا, {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ........}[النور:57], فائتين الله -تبارك وتعالى- أنهم يفوتونه، أو أنهم يغلبونه، ويغلبون رسله -سبحانه وتعالى-, وأنَّ الغلبة تكون لهم, {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ........}[النور:57], ثم : {........وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[النور:57], هذا حالهم في الدنيا أنهم لا يعجزون الله -تبارك وتعالى-, وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- غالبهم ومُنْفِذٌ أمره -سبحانه وتعالى- فيهم، وكذلك في الآخرة, {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}, المأوى هو ما يلجأ له الإنسان للراحة، والهدوء، وهو هنا بمعنى المستقر, هو المكان الذي سيكون نهايتهم إليه، ومستقرهم فيه، وقعودهم فيه؛ فهذا مأواهم لكنه النار، قال : {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}, أي مستقرهم، ودار إقامتهم، والدار التي تأويهم وتجمعهم هي النار، وبئس النار مأوى، النار لا تكون مأوى إنما -عياذًا بالله- هذه مُسْتَعِرٌ، والذي يكون فيها لا يمكن أنْ يكون يشعر بشيء اسمه إيواء، وراحة, لكن هذا مكانه ومستقره, {........وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[النور:57], {وَلَبِئْسَ}, بئس للذم, هذا فعل ينشئ الذم، قالوا لإنشاء الذم؛ فلا شك إنَّ هذا، واللام للتأكيد, أي بئس مصيرًا هذا المصير مصير الإنسان هو ما يصير إليه، وما ينتهى إليه، وهو آخر محطة مِن محطات عمره، ومحطة باقية لا تنتهي, بئس مصيرًا أنْ يكون مصير الإنسان على هذا النحو أن تكون مأواه النار التي يخلد فيها خلودًا لا ينقطع -عياذًا بالله-؛ فإذن الكافر مغلوب في الدنيا والآخرة؛ فلا يعجز الله -تبارك وتعالى- في الدنيا، ويغلبه الله -تبارك وتعالى- في الآخرة بأنْ يجعل مأواه النار، قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}, مصيرًا لهم, بهذا ينتهى الفاصل العظيم مِن هذه السورة؛ سورة النور، والذي فيه حث عظيم مِن الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المترددين في نصر النبي -صلى الله عليه وسلم-, والذين يحلفون الأقسام المعينة بأنهم سيخرجوا للقتال, ثم بعد ذلك يتولون عندما يجد الجد، ويقوم الجد يتولون، يخافون؛ فالله -تبارك وتعالى- عالج هذا الأمر معهم هذه المعالجة الطويلة بهذا الفاصل العظيم مِن أول, {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[النور:53], {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:54], ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:55]{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور:56], {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[النور:57].

بعد هذا الفاصل انتقلنا سياق السورة بعد ذلك إلى مجموعة مِن الآداب التي تتعلق بهذا الأمر الذي مِن أجله أنزلت هذه السورة, {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النور:1], {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.......}[النور:2], السورة التي نزلت بخصوص حادث الإفك، وما رتب الله -تبارك وتعالى- على ذلك مِن الأحكام العظيمة بدءً بحكم الزاني، حكم القذف، الموقف الذى كان ينبغي أنْ يوقف في قضية الإفك، فضح الذين قاموا بهذا الإفك، وبيان العقوبة الإلهية لهم في الدنيا والآخرة, ثم مجموعة مِن الاستئذان مِن خارج البيوت, ثم الأمر بالعفة والعفاف، وغض البصر للرجال والنساء, ثم الزينة الذي يجب أنْ يتخذها النساء في تغطية زينتهن, ثم بعد ذلك بيان أنَّ الله نور السموات والأرض, كيف نور الله تبارك وتعالى في قلب عباده المؤمنين، وكيف مصير هؤلاء الكفار, ثم جاء هذا الفاصل مِن بيان آيات الله -تبارك وتعالى-, ثم فاصل في هؤلاء المنافقين الذين يتشدقون بالطاعة في وقت الهدوء والسلم, ثم إذا جد الجد لا يستجيبون لأمر الله -تبارك وتعالى-.

ثم جاء السياق مرة ثانية إلى بيان صفة الاستئذان داخل البيوت، كيف يكون حال الاستئذان خلصنا مِن الاستئذان خارج البيوت، الاستئذان هنا مِن داخل البيوت، قال -جلَّ وعَلا- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:58], {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:59], {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}, خطاب مِن الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين بهذا الوصف, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}, الذي فيه حض على العمل يا مؤمن, يا مَن أمنت, إذن افعل، وكذلك إلزام بالعمل, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}, مِن مقتضى إيمانكم طاعة الله -تبارك وتعالى- فهذا أمر يأمركم به، ونهيًا ينهاكم عنه؛ فاستجيبوا لأمره؛ لأنكم أهل الإيمان, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ........}[النور:58], بلام الأمر، والاستئذان هو طلب الإذن في الدخول, {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}, وهم عبيدكم وأرقائكم، وسمى مُلْك يمين؛ لأنَّ اليمين هي القابضة، والإنسان يقول يملك هذا الأمر بيمينه؛ فكأنه بالتصرف فيه بيعًا وشراءً وهبة, {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ}, {الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ}, ما بلغوا مبلغ الرجال، وهو سن الاحتلام بالنسبة للرجال، وسن البلوغ بالنسبة للنساء وهو الحيض, {ثَلاثَ مَرَّاتٍ}, في ثلاث مرات في ثلاث أوقات, {ثَلاثَ مَرَّاتٍ}, قال -جلَّ وعَلا- : {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}, يستأذن الصغير المميز، وكذلك العبيد رجالًا كانوا ونساءً, العبيد إذا دخلوا على سادتهم، والصغار مِن سن التمييز إلى ما قبل البلوغ يجب أنْ يستأذنوا إذا دخلوا غرف ودور الكبار؛ كبار السن مِن آبائهم، وأمهاتهم في هذه الأوقات الثلاثة فقط دون سائر اليوم والليلة, {ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ}, الوقت هو قبل صلاة الفجر, إذا أحب هذا الطفل المميز، أو العبد، أو الأَمَة أنْ تدخل على أبيها، وعلى سيدها يجب أنْ يستأذن، والاستئذان صفة الاستئذان، هو السلام عليكم أدخل؟ إلقاء التحية أولًا؛ ثم طلب الإذن بالدخول، أدخل؟ السلام عليكم, إذا قيل وعليكم السلام, يقول : أدخل؟ فإذا قيل له أدخل يدخل، قيل له قف، أو ارجع يرجع؛ فيستأذنوا {ثَلاثَ مَرَّاتٍ}, الله قال : {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ}, ومعنى وضع الثياب هو التخفف مِن الثياب لنوم الظهيرة في الوقت الذي يكون وقت القيلولة وقت ما بين الظهر والعصر, غالبًا ما يرتاح الناس فيه, وخاصة في البلاد الحارة, {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ}, كذلك مِن بعد صلاة العشاء في هذا الوقت الذي يكون الناس يتهيأون للنوم؛ فلا يدخل في هذه الأوقات الثلاثة إلا بالاستئذان, ثم قال الله -تبارك وتعالى- : {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}, أي هذه ثلاث عورات لأنَّ الوقت ما يكون وقت نوم، ولا إغلاق دور، ولا نحو ذلك؛ فيكون الإنسان ربما يكون هذا الكبير قد ظهرت بعض عورته الأب، الأم، الإخوة الكبار، قال -جلَّ وعَلا- : {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ}, بعد هذه الثلاث أوقات؛ فلا جناح في أنْ يدخل الصغير المميز، وكذلك العبيد، والإماء على ذويهم دون استئذان, {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ}, أي أنَّ الله -تبارك وتعالى- خفف الاستئذان ما جعله في كل وقت لأنه بالطواف أنَّ الأبناء والبنات يدخلون على آبائهم وأمهاتهم في هذه الأوقات الكثيرة.

-إنْ شاء الله- نقف عند هذا، ونكمل هذه الآية -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية, أصلى وأسلم على عبد الله ورسوله محمد.