الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه, وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد: فيقول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:62], {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63], {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النور:64], هذه الآيات الثلاث جاءت في ختام هذه السورة العظيمة؛ سورة النور، وهي تتعلق بكل المضمون الذي جاء في هذه السورة، قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ........}[النور:62], {إِنَّمَا}, بالحصر، حَصَرَ الله -تبارك وتعالى- في مُسَّمَى أهل الإيمان، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}, ثم وصف الله -تبارك وتعالى- هؤلاء المؤمنون بالألف واللام ، ومُسَمَّى الإيمان هذا اسم شريف، الإيمان أطلقه الله -تبارك وتعالى- على هؤلاء الذين صَدَّقُوا بكلمات الله -تبارك وتعالى- وكتبه والتزموا ذلك، صَدَّقُوا بما أخبر الله -تبارك وتعالى- به عن نَفْسِهِ، وعن غيره، وعن رسالاته -سبحانه وتعالى-, وعملوا بمقتضي هذا التصديق، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}, وإذا أطلق الإيمان فإنه يتضمن العمل، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}, قال -جلَّ وعَلا- : {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}, هذه أول صفة يدخل فيها، أي الصفة الحقيقة لمسمى الإيمان، قال -جلَّ وعَلا- : {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}, {آمَنُوا بِاللَّهِ}, يشمل هذا تصديقهم بكل ما أخبر الله -تبارك وتعالى- عن نَفْسِهِ وعن غيره -سبحانه وتعالى-، ولا شك أنه لا يكون إيمانًا إلا إذا كان هناك إقرار بهذا، عمل للقلب، ثم عمل للجوارح, عمل بمقتضى هذا التصديق، {وَرَسُولِهِ}, محمد -صلوات الله والسلام عليه- هو رسول الله الذي أرسله الله -تبارك وتعالى- مِن عنده وأعطاه الله -تبارك وتعالى- هذه الرسالة, وهنا نسب الله -تبارك وتعالى- هذا الرسول لِنَفْسِهِ قال : {وَرَسُولِهِ}, فهو رسوله الذي أرسله، وهذا يشمل هذه المعاني القلبية مِن عمل القلب وما يتضمنها مِن عمل الجوارح، ثم خص الله -تبارك وتعالى- أمر هنا بعد هذا العام أمر مخصوص قال : {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}, هذا مِن مقتضيات إيمانهم بالله ورسوله ،{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ}, أي إذا كانوا هؤلاء المؤمنون, {مَعَهُ}, مع النبي -صلى الله عليه وسلم-, {عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ}, أمر يقتضى أنْ يجتمعوا عليه كالجهاد فهذا أمر جامع, أو المشورة، أو أمر مِن الأمور مما يحل للمسلمين ويطلب النبي أن ْيجتمعوا لذلك، كما كان النبي جاء أمر مِن الأمور, يقول : (الصلاة جامعة), ويجمع أهل الإيمان، فإذا كان أمر مِن الأمور التي يجب أنْ يجتمعوا لها, وجمعه النبي لهذا كأن أمرهم بالخروج، أو أمرهم أنْ يجتمعوا في المسجد, أمر جامع، قال -جلَّ وعَلا- : {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}، أي لا يخرج أحد مِن هذا الجمع إلا إذا استئذن النبي -صلوات الله والسلام عليه؛ فإنَّ النبي هو قائد هذه الأُمَّة، وهو رأسها -صلوات الله والسلام عليه- فقد جمعهم لأمر ما، فلا خروج مِن هذا الجمع إلا باستئذان النبي -صلوات الله والسلام عليه-؛ لأنه ليس رسول الله فقط في تبليغ الدعوة بل كذلك هو إمامهم، وهو قائدهم في الحروب، وهو رئيسهم الذي يرأسهم، هو سيدهم -صلوات الله والسلام عليه- يأمر بأنْ يتخلف، يأمر هذا بأن يخرج، يأمر هذا، فالأمر له, الأمر الزمني الآن له -صلوات الله والسلام عليه-, {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}, أي يطلبون إذنه وسماحه في أنْ يخرجوا عن هذا الأمر الجامع، انشغل له مشغله له في بيته أراد أنْ يتخلف، أراد أنْ يخرج، هذا لابد مِن استئذان النبي -صلوات الله والسلام عليه-.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}, فبعد أنْ ذَكَرَ الله -تبارك وتعالى- أنَّ المؤمنين هم الذين آمنوا بالله ورسوله بهذا الأمر العام, ثم أتى بالأمر الخاص، وهو الاستئذان عند الأمر الجامع، يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- مِن عكس هذه القضية مطابق لها، أنَّ الذين يستأذنون النبي عندما يريدون أنْ يخرجوا مِن هذا الأمر الجامع، فهم أهل الإيمان، {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}, فالقضية تصبح عُرِضَت بهذا الوجه، ثم سميت بهذا الوجه لتتطابق مع بعضها، فأهل الإيمان الحق هم الذين يؤمنون بالله ورسوله ,ويستأذنوا عند الخروج مِن الأمر الجامع، والذين يستأذنون النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان الأمر جامعًا فهم الذين يؤمنون بالله ورسوله، قال -جلَّ وعَلا- : {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}, {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ}, لأنَّ هناك شأن منِ الشئون يجب أنْ يرجعوا إليه كأن يكون مثلًا عنده مريض في البيت، أو عنده شغل قاهر يمنعه مِن أنْ يسير مع النبي في هذه الغزوة، أو يكون معه في هذا الوجه، {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}, والله يقول : {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ}, لأنه ليس كل شأن يُسْتَأْذَن له فهذا دلَّ على أنه الإنسان لا يستأذن إلا لشأن ذي بال، يستحق أنْ يستأذن منه، ما يستأذن بأي شأن مِن الشئون، { لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}، هنا سمح الله لنبيه أنْ يأذن لمن شاء منهم، وذلك بأنْ يتدخل فالأمر هنا بيد النبي -صلوات الله وسلامه عليه- إنْ شاء أَذِنَ, وإنْ شاء لم يَأْذَن -صلوات الله والسلام عليه-, {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ}, وهذا بيان, {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ}, اطلب لهم مغفرة الرب -تبارك وتعالى-, وهو بيان أنه حتى وإنْ فعل هذا الفعل المؤمن فإنَّ هذا كأنه نوع مِن التقصير، ونوع مِن الذنب يستحق أنْ يُطْلَب مغفرته مِن الله -تبارك وتعالى-, {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ}, أنهم يستأذنوا ويريدوا الخروج في هذا الوقت الذي يجب أنْ يكون مجتمعين فيه مع النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}, سمح الله –تبارك وتعالى-, الله ذو مغفرة، المغفرة هي الستر والتغطية للعيوب والذنوب، وهو رحيم بعبادة -سبحانه وتعالى- أنْ شَرَّعَ لهم هذا التشريع في أنْ جعل هناك في الأمر الجامع فيه فسحة أنْ يتخلف الإنسان, وإلا لو حتمه الله -تبارك وتعالى- وجعل أنه لا استئذان بتاتًا، لا طلب للإذن في الأمر الجامع لكان الأمر أصبح واجب وفرض، كما يقال هذه ساعة حرب، ولا يُقْبَلُ فيها أي اعتذار أو أي إذن, لله -تبارك وتعالى- يَشْرَعَ هذا, وأنْ يفرضه على عباده -سبحانه وتعالى-, ولكن مِن رحمة الرب أنه جعلها, قال : {........فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:62].
ثم وضع الله -تبارك وتعالى- رسوله في الموضع العظيم الذي يجب أنْ يوضع فيه، وأنَّ هذا خصوصية له مِن دون سائر المؤمنين؛ فقال -جلَّ وعَلا- : {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا........}[النور:63], أي يا أيها المؤمنون, {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}, لا تظنوا وتعتقدوا أنَّ دعاء الرسول أي ندائه لأحدٍ مِن المؤمنين، كما ينادي أي مؤمن أخاه، ويطلب منه شيء, لا، دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد مِن المؤمنين ليس كدعاء أي مؤمن لمؤمن آخر؛ فإنَّ الرسول هو رسول الله فدعاؤه لأحد مؤمن أقبل يا فلان، أو تعالى يصبح هذا كالأمر الالهي يجب طاعته، ولا يحل معصيته بحال, ولو كان في طاعة مِن الطاعات، وعبادة أخرى مِن العبادات المستحبة، فإنه يجب قطع هذه الطاعة والعبادة، وتلبية أمر النبي؛ لأنَّ أمر النبي واجب ، كما مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل كان يصلي متنفلًا ثم قال له : يا فلان تعالى, فأتم الرجل صلاته, ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي : لما لم تأتي عندما دعوتك، قال يا رسول : قال ألم تسمع قول الله -تبارك وتعالى- : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ........}[الأنفال:24], فدعوت النبي صلى الله عليه وسلم- لأحد مِن المؤمنين وإنْ كان في الصلاة التي هي الصلاة النافلة، فيجب أنْ يقطع صلاته وأنْ يأتي، وكذلك الأمر بالنسبة للوالدين؛ فإنَّ الوالدين إذا دعوا ابنهما وهو في صلاة نافلة، يجب أنْ يلبي دعوتهما في الأمر الواجب؛ فالله -تبارك وتعالى- يقول : {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا........}[النور:63], إذا دعاك النبي ليس كما يدعوك أي أحد مِن المؤمنين, وكذلك دعاء الرسول، أي أنْ تدعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم-, نداؤك للنبي إياك أنْ تجعله كما تنادي أي أحد، فأنت قد تنادي صديقك يا فلان، يا أبا فلان، فأنت قد تناديه بالكنية، أو تناديه باسمه، أما النبي لا يُنَادَى باسمه ولا بكنيته، فلا يقال يا محمد، ولا يا محمد بن عبدالله، ولا يا أبا القاسم لا، وإنما يُدْعَى بوصفه -صلى الله عليه وسلم، بوصفه بأنه رسول الله، فيقال له يا نبي الله، يا رسول الله، فلا يُدْعَى إلا بوصفه إنه هو عبد الله ورسوله، هو رسول الله, هو نبي الله، أما أنْ يقال له يا محمد، أو يا أبا القاسم، أو يا محمد بن عبد الله لا، لا يُنَادَى النبي باسمه -صلى الله عليه وسلم-, وإنما يُنَادَى بوصفة -صلوات الله والسلام عليه-, {لاتَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُول}, أي هنا دعاء الرسول لكم، أو دُعَاءَ الرَّسُول}, دعائكم للرسول, {كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}, فالوجه الأول : {لاتَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُول}, دعاء الرسول لكم، {كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}, أي تخويف وتحذير مِن الله -تبارك وتعالى-, {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ}, {قَدْ}, للتحقيق، {يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}, التسلل هو الذهاب بخفية دونْ أنْ يعرفه أحد مِن الموقع الجامع، نقول تسلل إلى هذا الأمر مِن باب أنه اتبع الطرق الخفية حتى يدخل فيها، {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}، {لِوَاذًا}، حال كونهم يلوذون بشيء, أي قد يختفي خلف شجرة، يختفي خلف ناقة، خلف جدار، خلف كذا خلف شخص، مِن مكان هذا يستتر، يلوذ بالليل ينتظر الليل يَحُلّ فلا يراه أحد فيستره الليل فيذهب, {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}، اللواذ هو العياذ والالتجاء, أي يلتجأ إلى أمر يخفيه عن الأعين, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63], وهذا زجرٌ وتهديدٌ شديد, ووعيد مِن الله -تبارك وتعالى- لمخالفة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، {فَلْيَحْذَرِ}, بلام الأمر، وفعل الأمر ليحذر, يصبح هنا هذا الفعل المضارع الذي سبقته لام الأمر يصبح للأمر, {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}, يحذروا هذا, {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}, أمر النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}, الفتنة تأتي بمعنى الشرك، وتأتي بمعني الرسوب في اختبار معنى اختبار وابتلاء ثم يُفْتَن الإنسان فيه بمعنى أنه يُرْسَب فيه، فتصيبهم فتنة ليس معنى أنه أصل الاختبار وإنما الرسوب الاختبار، فإنَّ أصل الاختبار هذا للكل، يفتن الله -تبارك وتعالى- عباده ويختبرهم بصنوف, ألوان الاختبار، يختبرهم بأعدائهم، يختبرهم بالخير, {........وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35], فالشر والخير إنما هي مناطق الاختبار، لكن يوجد مَن يصيبه الله بالشر فَيُفْتَن, أي يقع في الفتن، ويوجد مَن يعطيه الله خير فَيُفْتَن، فهذا فُتِنَ، فُتِنَ ليس اخْتِبِرَ فقط، بل اخْتُبِرَ فرسب في اختباره، {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}, ليس أنْ يختبرهم الله -تبارك تعالى- باختبار بل أنْ يرسبوا في هذا الاختبار, وأنْ يقعوا فيه، إما بالشرك، وهذا أعظم أنواع الفتنة أنه يقع في الشرك، والوقوع في الشرك هذا أعظم أنواع البلاء، فإنَّ الشِّرك مَن مات عليه لا كفارة له، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ........}[النساء:116], فهذا أعظم نوع مِن أنواع السقوط في الفتنة، كما قال -تبارك وتعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ........}[الحج:11], قال -جلَّ وعَلا- : {........خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الحج:11], {يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}[الحج:12], {يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}[الحج:13], فهذا الفتنة الكبرى، الفتنة الكبرى أنْ يُفْتَنَ الإنسان بعد أنْ يُخْتَبَرَ فيدعوا مِن دون الله مالا يضره ولا ينفعه, يُفْتَن بالشرك -عياذًا بالله-، وتوجد فتنه بالخروج عن أمر الله -تبارك وتعالى- والسقوط عن هذا فيما يَحُلّ بعد ذلك مِن هذه العقوبة الإلهية كالذين قعدوا عن القتال مثلًا في غزوة تبوك قعد ناس عن القتال، منهم واحد مثل الجد بن قيس قال له النبي يقول له : (يا جَدّ, هل لك في جلاد بني الأصفر), قم لجلاد الروم, فقال : يا رسول الله, نساء الروم جميلات, وأنا إذا ذهبت إلى هناك أخاف أنْ اُفْتَتَن بهؤلاء الجميلات فأقع في الزنا؛ فقال-جلَّ وعَلا- : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي........}[التوبة:49]، أي في القعود, {وَلا تَفْتِنِّي}, قال -جلَّ وعلا- : {........أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[التوبة:49], هذا سقط الفتنة، وهي مخالفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما يترتب على هذه المخالفة مِن العقوبات الإلهية التي جاءت بعدها, التي جاءت في المتخلفين عن غزوة تبوك فإنَّ الله -تبارك وتعالى- قد وصفهم بكل نقيصة, وقال : {........وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}[التوبة:46]، وأحل بهم ما حلَّ مِن العذاب في الدنيا والآخرة, {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}, عقوبة كذلك, إما أنْ يقعوا في شرك هذا أعلاه، وإما أنْ يقعوا في معصية النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقعوا بعد ذلك في ما يترتب في هذه المعصية مِن الوصف بالقعود والفسق والخروج عن طاعة الله -تبارك وتعالى-, ويترتب على ذلك بالعقوبة في الدنيا والآخرة ، {........أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63], إما يصيبهم هذه الفتنة التي قد تجرهم إلى الشرك بالله -تبارك وتعالى- والنكول, {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، عذاب أليم في الدنيا والآخرة، قد يسلط الله رسوله عليهم فيعاقبهم, وقد يَدَّخِر الله لهم العذاب الأليم في الآخرة -عياذًا بالله-, وكل هذا مِن جراء مخالفتهم لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الآية شديدة جدًا، وبيان أنَّ كل مخالف لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يُعَرِّض نَفْسَهُ لفتنة مِن الله -تبارك وتعالى-, وعذاب أليم في الآخرة، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63], وهذا للجميع، للمخاطبين مع النبي -صلى الله عليه وسلم- له وقت التنزيل مِن الصحابة وكذلك مِن بعدهم، كل من خالف أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أمر رسول الله أفعل هذا ، هذا أمر النبي وأنا أطيع مثلا أمر الله, فرق بين أمر الله وأمر رسوله ، فهذا معرض لعقوبة الرب –تبارك وتعالى- {.........فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:63].
ثم وعظ الله -تبارك وتعالى- عبادة المؤمنين موعظة عامة, شاملة في ختام الآيات؛ فقال : {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ........}[النور:64]، {أَلا}, أفعل أيها المخاطبون، {أَلا}, الإعلامية, {إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, {إِنَّ}, للتأكيد, {لِلَّهِ}, لا غيره -سبحانه وتعالى- الواحد الأحد، {مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}, كل ما في السموات والأرض، السموات وما فيها، والأرض وما فيها كلها لله، في السموات ملائكة, الجنة وما فيها مما ذخرها الله -تبارك وتعالى- مخلوقات لم يخلقها الله -تبارك وتعالى- عليها، كل هذه ما فيها وما فيها مِن الكنوز والعطايا، {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22], فهذه كلها لله، والأرض كذلك كلها لله, {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ........}[النور:64], {قَدْ}, للتحقيق, {يَعْلَمُ}, الله -تبارك وتعالى-, {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}, بأي حال, كل ما أنتم عليه يعلمه الله -تبارك وتعالى- حال إيمان وطاعة, حال خروج عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، أي إضمار للخير والشر، وإنْ كان في القلوب يعلمه الله، {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}, الذي أنتم عليه، {قَدْ}, للتحقيق، {يَعْلَمُ}, الله -تبارك وتعالى-, {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}, ما الذي تكون عليه؛ فالله -تبارك وتعالى- عالم به، هذا كما قال -تبارك وتعالى-, {........أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[فصلت:53], وقوله -جلَّ وعَلا- : {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[يونس:61], قد يعلم ما أنتم عليه أيها العباد, {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا}, {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ}, هو يوم القيامة، وقال -جل وعلا- : {يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ}, لأنه الخَلْق مِن الله بدأه, هو الذي خَلَقَهُ -سبحانه وتعالى- ومصير الخَلْق مِن الله -تبارك وتعالى- فمصير العباد إلى الله -تبارك وتعالى-؛ ليواجه أمره -سبحانه وتعالى- ويواجهوا حسابهم عنده فمرجع العباد كله مِن الله -تبارك وتعالى- ليحاسبهم، بلا واسطة ما منكم إلا وسيقدمه ربه، ليس بينه وبينه حاجب، أو ترجمان يحجبه دونه، فيقول له : (ألم يأتك رسولي فبلغك، وآتيتك مالًا، وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك)، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ}[الغاشية:25], {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[الغاشية:26]، الإياب هو الرجوع، رجوع العباد كلهم إلى الله -تبارك وتعالى- وحساب العباد كلهم على الله، لا يحاسب العباد إلا الله -تبارك وتعالى-؛ فالله يقول : {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ}, وهذا اليوم هو يوم القيامة، هذا يوم يرجع فيه العباد إلى ربهم وخالقهم -سبحانه وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا}، النبأ هو الخبر العظيم، {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا}، أي فيخبرهم الله -تبارك وتعالى- بكل الذي عملوه ما الذي عملوه, يخبرهم الله -تبارك وتعالى-؛ وذلك أنَّ الله -تبارك وتعالى- قد أحصى على كل نفس عملها، ولا يغيب عنه مِن عمل عباده شيء -سبحانه وتعالى-، أحصاه علمه-سبحانه وتعالى- يعلمه، وكذلك أُحْصِي هذا كتابك، كتب الله -تبارك وتعالى- قبل أنْ يخلق الخَلْق في الوح المحفوظ، ثم نزلت هذه الكتابة كذلك بدونه الله -تبارك وتعالى-بداية عند كل نفس، كل نفس عند نفخ الروح يكتب مجمل عملها وأجلها وخاتمتها شقي وسعيد، ونوعها، قل للرب أي يا رب، ذكر وأنثى، شقى وسعيد، ما عمله، ما رزقه، ما أجله، ثم الكتابة التفصيل يأتي كتابة الملكين، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، فما لِنَفْسٍ خلقها الله -تبارك وتعالى- إلا عليه حافظ محصي يحصي عليها أعماله، ويوم القيامة يعطى الإنسان كتاب هذا الأعمال الذي أحصى عليه وكتب له كل خطوة ، هذا كتابك, {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:14], فكل إنسان سيوقف أمام عمله، يعطيه الله -تبارك وتعالى- إياه يوم تتطاير الصحف كما قال النبي : «ثم تتطاير الصحف فآخذ بيمينة, وآخذ بشماله»، فأهل الإيمان يأخذون كتابه بأيمانهم، وأهل الكفر والعصيان يأخذون كتابهم بشمائلهم، بشمائلهم مِن خلف ظهورهم إهانة لهم، أي يعطى كتابه مِن خلف ظهره إهانة له، فيتناول الكتاب مِن خلف ظهرة، أما المؤمن لا يقدم له كتابه مِن أمامه تكريم له، {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا}[النور:64], بالذي عملوه، كل الذي عملوه؛ كما قال -جلَّ وعَلا-: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}، أحصاه الله عده، والإنسان ينسى, ممكن يعمل أعمال ينساها لكنه يفاجئ بأنها مسطورة، كما قال -تبارك وتعالى-في شأن الكفار : {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا........}[الكهف:49], قال -جلَّ وعَلا- : {........وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:49], {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا}, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النور:64], الله -سبحانه وتعالى- عليم بكل شيء, لا يخفى عنهم مِن أعمال عباده شيئًا -سبحانه وتعالى- هذا أعظم زاجر في القرآن هو إخبار الله -تبارك وتعالى- عباده بأنه محصٍ عليهم وعليم بكل أعمالهم، لكن لمن يعي ويؤمن، وهذا هو سبيل الإحسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مِن سبيل الإحسان أنْ تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، فالمؤمن يعلم أنَّ الله -تبارك وتعالى- يراه وهو مُطَّلِعٌ عليه, ويعبد الله كأن الله أمامه -سبحانه وتعالى-, معتقدًا أنَّ الله يراه ويعلم بكل صغيرة وكبيرة, وأما الكافر والمنافق فإنه قد رفع هذا الأمر, وابتعد عن هذا الأمر، وعمى عن هذا الأمر, {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت:22], {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[فصلت:23], بهذا الختام العظيم تنتهي هذه السورة التي بدأها الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر الإلهي القوي, {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النور:1], {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور:2], وسارت السورة في بيان هذه الأحكام على هذا النحو، ثم في بيان أحوال هؤلاء المنافقين وموقفهم في الجهاد، ثم خُتِمَتْ هذه السورة بهذه المواعظ العظيمة, وبيان منزلة الرسول في الأمة، وأنه لا ينبغي أنْ يُنْظَر إلى دعائه كدعاء أي أحد، ثم ليعلموا أنَّ الله -تبارك وتعالى- هو مَلِكُ السموات والأرض، وأنهم سينبئون بين يدية -سبحانه وتعالى- بكل ما عملوا, {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[النور:64], والحمد لله رب العالمين.