الحمد لله ربِّ العالمين، وأُصَلِّي وأُسَلِّمُ على عبد الله ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا}[الفرقان:25], {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}[الفرقان:26], {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}[الفرقان:27], {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا}[الفرقان:28], {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:29], {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:30], {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31], يُخْبِرُ -سبحانه وتعالى- عن حال الكفار البئيسة عندما يكون يوم القيامة, وتأتيهم الملائكة بالعذاب، وهذا جاء في معرض الرب, رد الرب -تبارك وتعالى- على قول الكفار: {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا}, هذا مِن جملة اعتراضاتهم وطلباتهم التي هي مبعثها الكبر والتعالي عن أمر الله -تبارك وتعالى-، ورد سنة الله -تبارك وتعالى- في إرسال رسول إليهم في أنفسهم، يعرفون أباهم أمه، ويعرفون صفته النبي, الكريم, محمد بني عبدالله -صلوات الله والسلام عليه-، الصادق الأمين، ردوا هذه الرسالة, واحتقروا شأن النبي، واحتقروا أصلًا شأن الرب -تبارك وتعالى- في أنْ يرسل إليهم رسول يأكل مما يأكلون, ويشرب مما يشربون، ويسيروا في الأسواق، ولا ينزل له ما يغنيه، وما يميزه عنهم, ولا ينزل له مَلَك مِن السماء، {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا........}[الفرقان:21], قال -جلَّ وعَلا- : {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}[الفرقان:21], {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ........}[الفرقان:22], مِن أول المشاهد مِن مَلَكِ الموت الذي ينزع روح الكافر يقول للروح اخرجي أيتها الروح الخبيثة، كانت تسكن في الجسد الخبيث، وعندما نتفرق في جسده ينتزعها كما ينتزع السَّفُّود مِن الصوف المبتل، ثم ملائكة العذاب الذي يعاجلونه بالضرب على وجهه وعلى قفاه، كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال:50], {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[الأنفال:51], ثم إذا رأوا الملائكة عند خروجهم مِن قبرهم، ثم بعد ذلك رؤية الملائكة وهم يحيطون بهم في المشهد العظيم، في المشهد العظيم عندما يأتي الرب -تبارك وتعالى- لفصل القضاء, ثم ملائكة العذاب الذين يَدُعُّونَهُم دَعًا إلى النار، ويسحبونهم مِن نواصيهم، ويسحبونهم مِن أرجلهم، ويقذفون بهم في النار، فكل المنازل التي سيراها الكفار مِن رؤية الملائكة سيكون شرًا عليهم، ووبالًا عليهم, {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان:22], أي يا ليت بيننا وبينهم حِجْر, مانع يحجرنا عنهم، {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23], {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24], {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا}[الفرقان:25], {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ........}[الفرقان:26], ما لأحد مُلْك، كل البشر في ذلك ما لأحد مُلْك، حتى هذا المُلْك التي خَوَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- إياه في الدنيا، هذا يُسْلَب منه, ويأتي ربه -تبارك وتعالى- عارٍ، حافٍ، أغرل بغرلةٍ قبل أنْ يخطو على النار، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}، فيأتي على هذا النحو ليس عليه ثياب مُلْكه، ولا سلطانه، ولا حوله أحد مِن أنصاره، ومِن خدمه، ومِن حشمه، ومِن جنوده، فيقول الكافر : {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:28], {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:29], {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}[الفرقان:26].
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}[الفرقان:27], والعض على اليدين إنما هو للتحسر والتألم مِن القادم، والتحسر على ما فات، يتحسر كل الحسرة على الذي فاته، فاته الإيمان، وأنه لو كان آمن لَمَا حَلَّ به ما حَلَّ، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ........}[الفرقان:27], كلاتيهما فيعض كل أصابعه، عض فيهم، وهذا في الدنيا فعل النادم على أمر, الندم هناك أشد وأكبر، {يَقُول}, أي هذا الظالم الذي عبد غير الله -تبارك وتعالى-, يقول الظالم مبين العلة التي جعلته في النهاية يتندم هذا الندم, {........يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}[الفرقان:27]، هذا الرسول الذي احتقروه وردوا رسالته واستهانوا به، وقالوا كيف الله -سبحانه وتعالى- هو مرسلك؟ لماذا لا يجعل لك جنة؟ لماذا ما يجعلك بستان؟ لما لا يُنْزِلً لك ملكًا يكون معك؟ فهذا الظالم يعض يديه, {........يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}[الفرقان:27], هذا الرسول الذي كفرت به يا ليتني اتخذت معه سبيل، دخلت معه في سبيله وفي طريقه، {يَا لَيْتَنِي}, ندم وتمني أمر قد حيل بينه وبينه إحالةً وحوالةً لا يمكن رفعها بحائل انتهي، لا يوجد مجال لأنْ يرجع إلى الماضي ليصححه، ولا أنْ يتجاوز هذا الحاضر إلا أنْ يُدْفَعَ دفع ويضطر إلى العذاب, {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}[الفرقان:27], {يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا}[الفرقان:28], {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:29], {يَا وَيْلَتَا}, يدعوا على نَفْسِهِ بالويل, يا ويلتاه تحسر، والويل يدعوا لنَفْسه بالويل والثبور والهلاك، {لَيْتَنِي}, يا ليتني وليت للتمني، والتمني أمر بعيد وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- بأنَّ هذا الأمر لا يمكن تصحيحه، ولا يمكن العودة إلى تداركه قَطّ، {........لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا}[الفرقان:28], فلان يطلق على شخص لا يراد ذكر اسمه، فلان قرينه من الجن، أو قرينه مِن الإنس الذي أضله عن طريق الحق؛ فإنَّ كثيرًا مِن هؤلاء ضلوا باتباع أصدقائهم وأخلائهم الذين سولوا لهم واتبعوهم على هذا النحو, {........لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا}[الفرقان:28], {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي........}[الفرقان:29], {لَقَدْ أَضَلَّنِي}, الضلال عن الأمر هو الذهاب عنه, الذهاب عن جادة الطريق إلى طريق الضلال، {عَنِ الذِّكْرِ}, الذكر الحقيقي كذكر الرب، وتذكر الرب -تبارك وتعالى- وتذكر طريقه، وتذكر رسالته، وتذكر دينه؛ فهو الذكر الحقيقي المذكر الذي يملأ قلب المؤمن بالذكرى الحقيقي، وبالعلم الحقيقي, {بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي}, وجاءني مِن الله, جاءني هذا الذكر مِن الله, قال -جلَّ وعَلا- : {........وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:29], مُخَذِّلُ له عن طريق الحق، ومُبْعِد له عنه، وإذا صرفه عن طريق الحق أدخله في طريق النار, {........وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا}[الفرقان:29], هذا التندم والتحسر، لا ينفع الكافر، وقد صور الله -تبارك وتعالى- لنا الأمر الذي سيكون كأنه كائن أمامنا، فقوله : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ........}[الفرقان:27]، يعطينا الله -تبارك وتعالى- صورة هذا الظالم وهو يعض أصابع الندم، ومتمني ألا يكون وقع منه ما وقع مِن تكذيبه بالرسول، ومِن طاعته لِمَن أطاعهم مِن أخلائه، ومِن أصدقائه، الذين أضلوه عن هذا الأمر، ومِن شيطانه الذي دعاه إلى الضلال؛ فاتخذه إماما وتابعًا له, وتابعه وترك متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ثم هنا يعرض الله -تبارك وتعالى- شكاية النبي لله -تبارك وتعالى-, وبيان أنَّ قومه, أي العرب قد هجروا هذا القرآن، قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:30], {وَقَالَ الرَّسُولُ}, الرسول محمد -صلوات الله والسلام عليه-، قال لله : {يَا رَبِّ}, ينادي ربه -سبحانه وتعالى- ويدعوه, {........إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:30], {إِنَّ قَوْمِي}, الذين أرسلتني إليهم وهم العرب، {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ}, العظيم, كتاب الرب -تبارك وتعالى- الفرقان, الكتاب المبارك, المنزل بهذه الآيات البينات, الواضحات الذي يدعوا إلى كل خير، وينهى عن كل شر، هذا الكتاب المبارك اتخذوه مهجورًا، اتخذوه مهجورًا أي جعلوه مهجورًا لا يسمعون له لا يقرءونه، لا يؤمنون به، هجروه والهجر هو الترك والإبعاد، {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:30]، هنا بهذا الأسلوب يُبَيِّنُ شكوى النبي إلى ربه -سبحانه وتعالى- مِن هذا الأمر الفظيع، الشديد، وهو شديد على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنَّ النبي كان يريد مِن قومه أنْ يؤمنوا بهذا الكتاب، وأنْ يأخذوه, وأنْ يضعوه في الموضع الصحيح اللائق، ولكنهم قابلوه بهذا الهجران والترك.
قال -جلَّ وعَلا- : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31], {وَكَذَلِكَ}, بهذا الذي وقع مِن هؤلاء الكفار، بترك هذا القرآن وإهماله والإعراض عنه، {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}, الجعل هنا التصيير, هذا مِن سُنَّةِ الله -تبارك وتعالى- الجارية في كل نبي أنْ يكون له {عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}, يعادونه, يعارضون آيات الله -تبارك وتعالى-, ويقترحون هذه المقترحات الباطلة، ويطلبون منه هذا, والإعنات ويصدون عن سبيل الله بكل سبيل, ثم قال -جلَّ وعَلا- : {........وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31], كفى به -سبحانه وتعالى- أي أنه الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذي هو يقوم بالأمر فإنه لا يُحْتَاج مع الله -تبارك وتعالى- إلى غيره، كفى به -سبحانه وتعالى-, {هَادِيًا}, لِمَن شاء الله -تبارك وتعالى- هدايته وموفقًا، مَن أراد الله -تبارك وتعالى- توفيقه, {وَنَصِيرًا}, أنْ ينصر الله -تبارك وتعالى- عبده المؤمن، فهذا فيه الكلام بشرى مِن الله -تبارك وتعالى- لكل مؤمن هداه الله -تبارك وتعالى- أنَّ الله هو الذي تكفل بهذا الأمر، وكذلك بشرى للنبي -صلوات الله والسلام عليه- بأنَّ الله ناصره ولابد؛ لأنَّ الأمر هنا كله بيد الله -تبارك وتعالى-, {........وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31], لا يحتاج مع الله -تبارك وتعالى- إلى غيره -جلَّ وعَلا-.
ثم فاصل جديد وبيان إعنات آخر، ومقترح آخر سفيه, باطل مِن مقترحات الكفار، قال -جلَّ وعَلا- : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً........}[الفرقان:32], قال -جلَّ وعَلا- : {........كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[الفرقان:32], {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً........}[الفرقان:32], أي هل أنزل القرآن على النبي جملة واحدة, في كتاب واحد, مرة واحدة، ومالكم ولهذا الاقتراح، إنْ كنتم تؤمنون بالله -تبارك وتعالى- وأنه منزل هذا القرآن؛ فإنه يجب أنْ تؤمنوا بحكمة الرب -تبارك وتعالى- منجمًا على هذا النحو, وآيات على هذا النحو، وإنْ كنتم تكذبون, وأنَّ القرآن ليس مِن الله -تبارك وتعالى- فما موقع هذا الاقتراح؟ ما موقعه من أنْ ينزل مِن الله -تبارك وتعالى- جملة واحدة, أو منجمًا بهذه الصورة، إنْ كنتم لا تؤمنون بأنَّ هذا القرآن نازل مِن عند الله -تبارك وتعالى-؛ فلتكونوا على شأنكم الأول في أنه افترى هذا القرآن، وأساطير الأولين تملى عليه، {........فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان:5], وأنه علمه بشر مِن البشر، ولكنهم هذا يدل على أنهم متناقضون، في كل يوم لهم قول جديد في القرآن ورد, وأنَّ همتهم ومقصدهم هو رد الحق مِن الرب -تبارك وتعالى-, وإنْ كانوا يردوه بأنواع مِن الكذب، وقول يبطل مِن أقوالهم، هذا القول يناقض القول الأول, ويناقض ما بعده، ويناقض ما بعده، وكلها أقوال يرسلونها, والهدف هو إسقاط رسالة الرسول -صلوات الله والسلام عليه-, وإلا هذا المقترح منكم لا معنى له، { {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً........}[الفرقان:32], قال -جلَّ وعَلا- : {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}, فَبَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- حكمة الرب في أنْ يُنَزِّلَ القرآن مقطعًا على هذا النحو، سورة تنزل كاملة، جزء مِن سورة، آية، جزء مِن آية، قالوا : {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}, وذلك مِن الأحداث التي تجرى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، أحداث فيها شدة مِن الكفار، وآلام وامتحانات، وكلما نزل مع كل شدة، ومع كل آلام، ومع كل محنة نزل قرآن جديد، هذا لتثبيت قلب النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وأنَّ الله معك إذا نظرنا إلى هذا القرآن لوجدنا بهذا النحو؛ فقرآن ينزل في مكة يصبر النبي ويثبته عند كل ألم، وعند كل محنة يبين له، وينزل ويعطيه- الله -تبارك وتعالى- صور وأمثلة مِن الأنبياء الذين سبقوا ليأتسي بهم، {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا}[طه:99], {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}[طه:100], {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ........}[هود:120], فهذا تثبت لقلب النبي -صلوات الله والسلام عليه- عندما يقص الله-تبارك وتعالى- أخبار الرسالات السابقة, وكيف تعرضوا لمثل ما يتعرض هو مِن العذاب والإهانة، والتكذيب مِن قومه، {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}, وكذلك الأمر عندما كان ينزل القرآن كذلك بعد ذلك في المدينة بعد بدر، كان يحتاج الأمر إلى بيان وإيضاح كيف كان هذا النصر، وبيان مِن الله بعد أُحُد محنة امْتُحِنَ بها المسلمون، هزيمة وقعت لهم فكيف تم الأمر على هذا النحو, ولما احتاجوا التثبيت مِن الله -تبارك وتعالى- فنزل القرآن، الخندق وما فيها مِن المحنة العظيمة، فينزل قرآن لتثبيت المؤمنين، وتثبيت قلب النبي -صلوات الله والسلام عليه-, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}[الأحزاب:9], {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}[الأحزاب:10], {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب:11], {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ}, إلى آخر ما أنزل الله -تبارك وتعالى- في سورة الأحزاب، مما وقع في الأحزاب، كذلك الحديبية وما وقع فيها مِن البلاء الشديد, ومِن الامتحان الشديد، ووقوف المؤمنين حول أمر لا خيار له فيه لابد أنْ يقاتلوا، لما سمع النبي أنَّ عثمان بن عفان -رضى الله تعالى عنه-، قد قُتِلَ, وهو رسوله إلى قريش، فقال : (لا نذهب حتى نناجز القوم)، والمسلمون قلة بالنسبة للكفار فقال النبي لهم : (بايعوني على الموت، وعلى ألا تفروا), فبايعوه على الموت, وعلى ألا يفروا كانت محنة ينزل الله-تبارك وتعالى- فيها سورة الفتح، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:1], {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }[الفتح:2], ويثني الله -تبارك وتعالى- فيهم على صبر المؤمنين، وعلى صلابتهم، ووقوفهم مع النبي, {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ........}[الفتح:18], أي مِن الصدق والإيمان, {........فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح:18]، وهكذا في كما جاء في غزوة تبوك، مِن البيان غزوة عسيرة، فيأتي البيان، وموقف المنافقين، وموقف أهل الإيمان، وبيان رحمة الله -تبارك وتعالى- برسوله وبالمؤمنين, {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:117], فالقرآن ينزل مُنَجَّم، ينزل نجوم أي أنه آيات آيات، أو سورة سورة، بحسب مقتضى هذا النزول, وخاصة في المحن، وفي الأزمات, وفي الأمر المُشْكِل الذي يحتاج إلى بيان، فيتنزل كتاب الله -تبارك وتعالى-, قال : {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}, هذا مِن حكمة الرب -تبارك وتعالى- أنْ ينزل القرآن منجمًا على هذا النحو؛ ليعيش المؤمنون مع الوحي ساعة بساعة، ويوم بيوم، وهو يتنزل عليه, {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}, الترتيل أي أنه يأتي شيء بعد شيء، { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}, {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33], هذا كذلك مِن الحِكَم العظيمة، أنه الكفار كل يوم لهم شُبْهَة، ولهم مَثَل يضربونه في الشر؛ فيرى مِن أمثالهم كما مضى في هذه السورة أنَّ مِن أمثالهم، وقالوا : {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}[الفرقان:7], {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}[الفرقان:8]، وكذلك قول الله -عزَّ وجلَّ- عنهم : {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا........}[الفرقان:21], وكذلك كلامهم هنا : {لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}, فهذه سلسلتهم الطويلة مِن الأمثال التي يضربونها سواءً كان في الشرك وعبادة غير الله -تبارك وتعالى-, وفي دفع هذه الرسالة, وفي إنكار البعث, أي في كل شئونهم هذه الباطلة، الله يقول : {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ}, أي ليدفعوا به الحق, ويردوا به حجة الله -تبارك وتعالى-, قال -جلَّ وعَلا- : {........إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}[الفرقان:33], فيدحض هذا المثل الباطل الذي ضربوه, {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}, لكل الأمور؛ فالقرآن يفسر الأمر أحسن تفسيرا؛ لأنَّ الله -تبارك وتعالى- أنزله هذا الكلام العربي المبين، وبهذه الحجة القوية القاطعة، كما قال -جلَّ وعَلا- : {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}[الأنبياء:18], فلا حُجَّة احتج بها الكفار إلا وأنزل الله -تبارك وتعالى- لها ما يدحضها بكلام واضح يفسر الأمر، وانظر حجج الكفار، حجهم في الشرك، قولهم في الملائكة : {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، وما دحض الله -تبارك وتعالى- به هذه المقالة، أو إنه أجعل الآلهة اله واحد، أو إنكارهم للبعث، انظر في إنكارهم للبعث كيف رد الله -تبارك وتعالى- على إنكارهم للبعث، وأنَّ الله لا يقدر على ذلك، كل أنواع الحجج التي تخرسهم وتسكتهم، وتبين أنَّ هذا الأمر لابد أنْ يكون, كقول الله -تبارك وتعالى- : {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}[يس:78], {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:79], {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}[يس:80], {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}[يس:81], فلا مَثَل يضربه الكفار في الباطل إلا ويُنْزِلُ الله -تبارك وتعالى- ما يُبَيِّنُ به الحق، ويدمغ به هذا الباطل، ويُفَسِّرُ الأمر أحسن تفسير، {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ}, أي مِن أمثلتهم الباطلة, {إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ}, في الأمر, {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}.
ثم قال -جلَّ وعَلا- : {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:34]، {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ........}[الفرقان:34]، هذا ختام هذا الفاصل؛ لِيُبَيِّن مصير هؤلاء المعاندين, المكذبين للحق، {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ}, المشي على الوجه, يسير إلى جهنم يمشى على وجهه، {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ........}[الفرقان:34]، ويكون ذلك جزاء مِن جنس عملهم؛ لأنه كان منكوس في هذه الدنيا، فَاهِم الأمر على غير صورته، يجعل النبي الطاهر الأمين، الصادق الأمين، رسول الله الذي تقوم كل الأدلة والشواهد على صدقه يجعله كذابًا، جعله كذابًا, وجعله أفاكًا، ورد الحق فيه، القرآن المستنير, كتاب الله -تبارك وتعالى- المبارك جعلوه مِن كلام البشر، أساطير أكتتبها، كذب مُلَفَّق، فكل أمورهم كانت مقلوبة لم يروا الحق على الصورة التي هو الحق عليها، وإنما رأوا كل شيء على غير صورته، فعند ذلك يقلبهم الله -تبارك وتعالى-؛ فيجعل صورتهم هكذا في النار؛ لأنَّ هذا الذي اللائق بهم, {يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ}, قال -جلَّ وعَلا- : {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ........}[الفرقان:34]، وهؤلاء الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم هم الكفار، الذين كفروا وكانوا على هذا النحو المنكوس في الدنيا؛ فالله -تبارك وتعالى- يُنَكِّسُهُم على هذا النحو في الآخرة، {أُوْلَئِكَ}, أبعدهم الله بالإشارة إلى البعيد؛ تبعيدًا لهم، {شَرٌّ مَكَانًا}, سيكونون شرًا مكانًا شر، {شَرٌّ}, أشر, {مَكَانًا}, وهذا التفضيل ليس على بابه، لا يوجد في الجانب الآخر شيء مِن الشر، أي أنَّ المؤمنين يستوون معهم في شيء مِن الشر وهؤلاء أعظم, وهؤلاء عندهم ش أقل، المؤمنين أعظم مقيلًا في الجنة، ولكن هؤلاء شر مكانًا في النار، التي هي شر كلها، {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}, عن الحق، قال رجل للنبي -صلوات الله والسلام عليه- : كيف يسير الكافر على وجهه، يحشر على وجهه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنَّ الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرٌ على أن يجعله يمشى على وجهه في الآخرة)، فهذه القدرة الإلهية ربنا جعل للإنسان, وهو القادر رجلين في الدنيا يسير عليهم، والله -تبارك وتعالى- يجعل لهذا الكافر على هذه الصورة، يحشره على هذه الصورة, على هذا النحو، يسير إلى جهنم على هذا النحو، وكذلك هم سيسحبون في النار، كما قال -جلَّ وعَلا- : {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}[القمر:48], {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}, مسيسها أي حسوها واشتووا بها فهذه هي الصورة في النهاية التي سيكون عليها الكفار والمؤمنون, {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:34], وقد قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك في أهل الجنة قال : {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24], فأصحاب الجنة هم المؤمنون الذين آمنوا بهذا القرآن, واتبعوا النبي -صلى الله عليه وسلم-, {........خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24], وأما هؤلاء الكفار فإنهم يحشرون على وجوههم إلى جهنم -عياذًا بالله-، {أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:34],
ثم شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان فاصل آخر من السورة؛ لبيان مَثَل آخر مِن مثل الإيمان والكفر ممن مضى؛ فقال -جلَّ وعَلا- : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا}[الفرقان:35], {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا}[الفرقان:36], {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفرقان:37], {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}[الفرقان:38], {وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا}[الفرقان:39], {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا}[الفرقان:40], فهذا الفاصل يأتي بعد ذلك، وفيه تذكير لهؤلاء المكذبين بأمثالهم التي سبقت في الأُمَم السابقة.
موعدنا مع هذا -إنْ شاء الله- في الحلقة الآتية، أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد, والحمد لله رب العالمين.