الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته الى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}[الفرقان:60], {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}[الفرقان:61], {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:62], {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}[الفرقان:63], {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:64], {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:65], {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:66], {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67], {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}[الفرقان:68], {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}[الفرقان:69], {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان:70], بعد أنْ ذَكَرَ الله -تبارك وتعالى- في الآيات التي قبل هذه الآيات التي تلوناها مِن سورة الفرقان، ذَكَرَ -سبحانه وتعالى- آيات عظمته وخَلْقِهِ -جلَّ وعَلا-؛ فقال -جل وعلا- : {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان:53], {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}[الفرقان:54], قال -جلَّ وعَلا- : {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا}[الفرقان:55], شتان وتباعد ما بين الله الإله الحق -سبحانه وتعالى- الذي هذه آياته في الخلق والحياة -سبحانه وتعالى-, وبين ما يُعْبَدُ مِن دونه، فهؤلاء الذين عميت أبصارهم عن الرب الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- فتركوا عبادته، وقاوموا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأنكروا رسالته، وردوا أمره، واتجهوا إلى ليعبدوا مِن دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم، قال -جلَّ وعَلا- : {........وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا}[الفرقان:55]، دائمًا معتدي ويُعِين كل عدو لله -تبارك وتعالى-، ثم قال -جل وعلا- : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الفرقان:56], {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}[الفرقان:57], {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}[الفرقان:58], {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ........}[الفرقان:59], الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء -سبحانه وتعالى-, {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}، ولا أعلم بالله -تبارك وتعالى- مِن الله، أسال عن الرحمن الرحمن -سبحانه وتعالى- الخبير به، والخبير بالرحمن هو الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه لا يعلم الله على الحقيقة إلا الله، وقد فضل الرب الكريم -سبحانه وتعالى- فأعلمنا مِن أخبار صفاته وعظمته وجلاله -سبحانه وتعالى-، ولكن هؤلاء الكفار المعاندين, {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ........}[الفرقان:60]، وهذا حقه -سبحانه وتعالى-, أي عَظِّمُوهُ هذا التعظيم، وذلوا له,{ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}، استنكافًا واستكبارًا، {........أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}[الفرقان:60]، احتقار للرسول -صلى الله عليه وسلم- أنْ يطيعوه في ما يأمرهم به مِن طاعة ربهم وإلههم -سبحانه وتعالى- الرحمن, {وَزَادَهُمْ نُفُورًا}, أنْ يأمرهم بالسجود للرحمن محمد بن عبدالله -صلوات الله والسلام عليه-، رسول الله حقًا وصدقًا، وكذلك أنْ يتسمى الرب -سبحانه وتعالى- باسمٍ لم يعلموه مِن أسمائه فإنهم قالوا لا نعلم الرحمن.
عَرَّفَ الله -تبارك وتعالى- العباد به -سبحانه وتعالى-, وهنا جابه على العتو والعلو منهم، والاستنكاف والاستكبار, قال-جلَّ وعَلا- : {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}[الفرقان:61], هذا الله -تبارك وتعالى-، {تَبَارَكَ}, تعاظم ,عظمت بركته، عظمت أفعاله المباركة كلها، وهذه تبارك ثالث مرة تأتي في هذه السورة، فقد مدح الله نَفْسَهُ بأنه هو الذي هو الرب العظيم -سبحانه وتعالى- الذي زاد خيره، وعمت بركته، فمن بركاته -سبحانه وتعالى- ومِن أعماله العظيمة، وتفضله على خلَقْهِ إنزال هذا القرآن, قال -جلَّ وعَلا- : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1], في افتتاح هذه السورة, وكذلك لما قالوا : لماذا لم يُعْطَ هذا النبي, {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا........}[الفرقان:8], قال -تبارك وتعالى- : {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا}[الفرقان:10]، مَدَحَ الله -تبارك وتعالى- نَفْسَهُ بين أنه عظمت خيره وبركاته -سبحانه وتعالى-, وأنه سيجعل لنبيه في الآخرة أفضل كثيرًا مما اقترحه الكفار لأنْ يكون للنبي -صلى الله عليه وسلم-، مادام أنه رسول الل ، يقولون مادام أنك تزعم أنك رسول الله لما لا تكون لك جنة، أو بستان، أو كنز تغتني به ولا تمارس الحياة وتكافح، وتسير في الأسواق كما نفعل، وهنا -سبحانه وتعالى- قال : {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا........}[الفرقان:61], هذا مِن عَظَمَتِهِ، ومِن دلائل قدرته -سبحانه وتعالى-, ومِن بركاته العظيمة، وتفضله على عباده -سبحانه وتعالى- أنه جعل في السماء بروجًا، البرج في لغة العرب : هو البناء الشاهق العالي، والله -تبارك وتعالى- جعل فيها هذا البناء العظيم هذه النجوم، وهذه الشموس العظيمة، {........وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}[الفرقان:61], السراج الشمس وهي سراج؛ لأنها تضىء هذا الكون حولها، {وَقَمَرًا مُنِيرًا}, قمرًا كذلك يضيء، والذي يبني هذا البناء العظيم في السماء لا شك أنه إله عظيم جَلَّت عَظَمَته, وجَلَّت قدرته، وكذلك عظمت بركاته -سبحانه وتعالى-، فالشمس بركة مِن بركاته -سبحانه وتعالى- والقمر بركة مِن بركاته, ولولا ذلك لما بقي وجودٌ للحياة, على هذه الأرض، {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}[الفرقان:61], {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:62]، وهو الله الذي استنكف هؤلاء المشركون أنْ يسجدوا له، ويَزِلُّوا لعظمته وكبريائه -سبحانه وتعالى-, {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً........}[الفرقان:62]، {اللَّيْلَ}, الذي لابد منه لسكون الناس ولراحتهم ولنومهم، {وَالنَّهَارَ}, الذي لابد منه؛ لإشراق ضوئه، ولبعث الحياة، ولبعث النشاط، هم لا يعيشون إلا بهذا، هؤلاء المستكبرون عن عبادة الرب -تبارك وتعالى- يعيشون في ليل الله وفي نهاره -سبحانه وتعالى-, وهو الذي يُقَلِّبُ الليل والنهار على هذا النحو، رحمةً بهم, رحمةً بالخَلْقِ -سبحانه وتعالى- هم مِن خَلْقِهِ يتقلبون في رحمته على هذا النحو، ويكفرون به، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً........}[الفرقان:62]، أي يَخْلُفُ بعضهم بعضًا؛ الليل يَخْلُف النهار، والنهار يَخْلُف الليل، {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ}, فعلى هذا, {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ},أنْ يتذكر إلهه، خالقه ومولاه، يتذكر الرب العظيم -سبحانه وتعالى- الذي خَلَقَ هذا الخَلْق، وقَدَرَ عليه -سبحانه وتعالى-، فإنَّ الليل والنهار مِن دلائل قدرتة وعَظَمَتِهِ -سبحانه وتعالى-, وإذا كان الناس لا يشاهدون هذا بالعين البصرية، ما هو فقط مجرد رؤية قلبية، ورؤية علمية بل كدلك رؤية بصرية، يشاهدون الأرض وهي تدور حول نفسها أمام الشمس فيحدث مِن ذلك الليل والنهار, هذه الأرض وجبالها وناسها ومحيطاتها، وكل مَن عليها كرة واحدة، تدور على هذا النحو، في هذا الفصاء اللانهائي, وقد حفظها الله -تبارك وتعالى- وأقامها على هذا النحو، هذا مِن دلائل قدرته، قدرة الرب العظيم -سبحانه وتعالى- فتبارك الله الذي خَلَقَ هذا الخَلْق -جل وعلا-, لكن قال -جلَّ وعَلا- : {........لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:62]، لِمَن يريد شكر الله -تبارك وتعالى- على نعمائه، فهذا خَلْقُهُ -سبحانه وتعالى- وهذا تفضله، بيان هذا الخَلْق للناس، لعلهم أنْ يشكروا، فالمؤمن الذي آمن بربه -سبحانه وتعالى-, وآمن بأنَّ هذا خَلْقُهُ وحده -جلَّ وعَلا- وأنه لم يشاركه في هذا أحد، وأنه الرب الرحمن -سبحانه وتعالى- فإنَّ هذا معرفته لهذا سبيل إلى شكر الرب -تبارك وتعالى-، {........لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:62].
ثم أخبر -سبحانه وتعالى- بأنَّ لله -تبارك وتعالى- عبادًا يعلمون هذا, ويقومون بشكره -سبحانه وتعالى- عباد نسبهم إلى نَفْسِهِ, وهم غير هؤلاء المستنكفين، المستكبرين عن عبادته -سبحانه وتعالى-, قال -جل َّوعَلا- : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}[الفرقان:63], نقلة، إضراب، أضرب الله -تبارك وتعالى- عن هؤلاء المجرمين, {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا}[الفرقان:60], ثم بَيَّنَ الله -تبارك وتعالى- عباده الذين يعبدونه حقًا، والذين يُنْسَبُونَ إليه -جلَّ وعَلا- فهم عباد الرحمن ، وقال : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}, الله ذكر هنا الاسم الذي استنكره واستنكف أنْ يؤمن به هؤلاء المشركون، قال -جلَّ وعَلا- : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا........}[الفرقان:63], {هَوْنًا}, بلا تكبر، مشي الأرض هين، فهم غير متغطرسين، متكبرين، متعالين، وإنما يمشون مشيًا هينًا على هذه الأرض، {........وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}[الفرقان:63], أي أنهم مترفعون عن الدخول في هؤلاء الجاهلون بربهم، هؤلاء سفهاء, جاهلون، {قَالُوا سَلامًا}, ليس منا لكم إلا السلام ، أي لا نتجاهل مثل جهلكم، و لا ندخل في سفاهاتكم بل ينصرفون عنهم، {قَالُوا سَلامًا}, أي سلامٌ منا إليكم، ليس القاءً للسلام عليهم، ولكن قالوا سلامًا أي منا سلام لكم لا نرد جهلكم وسفاهاتكم بسفاهاة مثلها، وإنما أعرضوا عنها وتركوها، علمًا بأنهم يعلمون بأنهم جاهلون، {........وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}[الفرقان:63], ثم : {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:64], منصرفون إلى طاعة ربهم -تبارك وتعالى-؛ ففي الليل حيث يهجع الناس، ويختلى كلا بحبيبه وشهوته وملذاته، هؤلاء حبهم صلاتهم، الذي يحبونه، والذي يعشقونه، والذي يتوجهون إليه، في هذا الليل، هو ربهم -سبحانه وتعالى-، {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ}, فبياتهم لربهم حال كونهم {سُجَّدًا وَقِيَامًا}, ساجدين, قائمين بين يدي الله -تبارك وتعالى-؛ فانظر الليل الذي هو وقت الهدوء والسكون والراحة والطمأنينة، أو وقت التلذذ بالمشتهيات مِن النساء، ومِن غير ذلك، لا هذا ليلهم لربهم -سبحانه وتعالى-, ليلهم وقت السكون والراحة الفراغ مِن العمل، إنما جعلوه لربهم -سبحانه وتعالى-، {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ}, قال : {لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}, ما قال سجدًا وقيامًا لربهم؛ لِيُبَيِّن أنَّ هذا محصور, أنَّ سجودهم وقيامهم إنما هو لربهم -سبحانه وتعالى-, {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:65], أي هم مع قيامهم بعبادة الرب على هذا النحو, وتخصيصهم أشرف الأوقات، أشرف أوقاتهم وهي جوف الليل، الذي وقت الراحة والهجود، خصصوه لله, وقاموا بين يديه -سبحانه وتعالى-, وهم مع ذلك في أشد الخوف مِن الله -تبارك وتعالى-؛ فإنهم يخافون عذاب الله -تبارك وتعالى-, فمع قيامهم للطاعة والعبادة هم خائفون، قالوا : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ........}[الفرقان:65]، {يَقُولُونَ}, أي داعين, { رَبَّنَا}, أي يا ربنا, {اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ}, الصرف هو التحويل والإبعاد، اصرفه عنا, أي حوله عنا وابعده عنا, {........عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:65], الغرام هو اللازم الذي لابد منه، فعذاب جهنم لازم ولابد أنْ يكون، ولكنه لا يكون إلا للكافرين؛ فلذلك دعوا ربهم -سبحانه وتعالى- أنْ يصرف عنهم هذا العذاب, ويبعده عنهم إلى غيرهم, وأنْ يُبَرِّئَهُم الله -تبارك وتعالى-, وأنْ ينجيهم مِن هذا العذاب، وكأنَّ هذه الآية بعد قول الله -تبارك وتعالى- : {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:64]، أنهم كأنهم أقاموا الليل إلى آخره، وفي السَّحَر دعوا الله -تبارك وتعالى- بأنْ يَصْرِفَ هذا, وهذا شبيه بوصف الله -تبارك وتعالى- المؤمنين في سورة المؤمنون, حيث يقول الله -تبارك وتعالى- : {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المؤمنون:57], {وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:58], {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}[المؤمنون:59], {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون:60], {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}[المؤمنون:61], {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا.......}[المؤمنون:60] مِن الطاعات, {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}, جملة حالية أي حالة كونهم قلوبهم خائفة مِن ألا يتقبل الله -تبارك وتعالى- منهم، أو يعذبهم الله -تبارك وتعالى-؛ فهم قائمون بالطاعة، وخائفون مِن الله -تبارك وتعالى-, وكذلك مثل قول الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء : {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى}[المعارج:15], {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}[المعارج:16], {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى}[المعارج:17], {وَجَمَعَ فَأَوْعَى}[المعارج:18], {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}[المعارج:19], {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}[المعارج:20], {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}[المعارج:21], {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[المعارج:22], {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج:23], {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:24], {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25], {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المعارج:26], {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المعارج:27], {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}[المعارج:28], فانظر قول الله -تبارك وتعالى- في وصف هؤلاء المؤمنين أنهم على صلاتهم دائمون، وأنهم مخرجون للزكاة، {........فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:24], {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:25], وقال : {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}[المعارج:26], مع كل هذه الطاعات, {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المعارج:27], ثم قال -جلَّ وعَلا- : {مُشْفِقُونَ}, أي خائفون أشد الخوف، {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}[المعارج:28], ولذلك هؤلاء عندما يكونون في الجنة يقولون : {........إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:26], {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور:27], {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}[الطور:28], فيتذكرون دعائهم الذين دعوا به في هذه الدنيا، وأنهم دعوا الله -تبارك وتعالى- بعد فعلهم للطاعات، يدعونه خائفين, {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}[المعارج:27], كانوا يدعون الله -تبارك وتعالى-, وكانوا يتذكرون أيامهم في الدنيا فيقولون : {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ........}[الطور:26], أي في الدنيا, {فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}, خائفين، {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور:27], {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}[الطور:28], فهؤلاء عباد الرحمن, هنا يخبر -سبحانه وتعالي- أنهم {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:64]، {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:65]، {إِنَّهَا}, أي جهنم, {........سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:66]، {سَاءَتْ}, أي أنها أعظم سوء يمكن أنْ يكون، {مُسْتَقَرًّا}, المستقر مكان القرار, {وَمُقَامًا}, مقام الإقامة, أي أنها أسوء مكانًا للإقامة والقرار؛ لأنه لا يوجد مكان أسوء مِن أنْ تكون النار هي المكان، وأنْ يكون الاستقرار في هذا، أنْ يكون استقرار الإنسان, ومحل إقامته في نار، فراشه نار، وغطاؤه نار، وجدران هذا السجن مِن نار, ويسقي فيه الحميم، ويُقَرَّعُ فيه بكل أنواع التقريع، ويأكل مِن الزقوم والحميم, ويظل على هذا النحو مقيمًا في هذا القرار لاشك أنه لا مكان للاستقرار والإقامة أسوء مِن هذا المكان, {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:66]، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا........}[الفرقان:67]، هذا مِن وصف الله -تبارك وتعالى- لعباده، عباد الرحمن، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا}, أي في نفقاتهم في هذه الدنيا, نفاقاتهم المباحة، أو التي تجب عليهم للآخرين، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67]، وكان إنفاقهم أي في أمور معاشهم، وفي دنياهم، {قَوَامًا}, أي أمرٌ مستقيم، وسط بين التقتير والتبذير، فهم ليسوا بِمُقَتِّرِينَ، مِن أهل البخل والتقتير، وليسوا بمبذرين مِمَن يضعون الأموال في غير محلها، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا........}[الفرقان:67]، والله -تبارك وتعالى- لا يحب الإسراف، {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء:27]، وقد أمر الله -تبارك وتعالى- عباده بأنْ يكون هذا سيرهم في الحياة، قال : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:32]، فأباح الله –تبارك وتعالى- هذا, وقال-سبحانه وتعالى- : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31], {كُلُوا وَاشْرَبُوا}, مما أباح الله -تبارك وتعالى- لكم مِن الطيبات، {........وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31], وأمر -سبحانه وتعالى- عباده كذلك أنْ يكونوا بهذا القصد, قال : {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ........}[الإسراء:29], وهذا البخل, {........وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[الإسراء:29], فهؤلاء قد التزموا هذا الاعتدال في إنفاقهم، هذا في الإنفاق الدنيوي، ليس في الإنفاق في سبيل الله، فإنَّ النفقة في سبيل الله، لو أخرج الإنسان ماله كله في سبيل الله، فليس ذلك بإسراف، لا يوجد إسراف في النفقة في سبيل الله، فأي مال ينفق في سبيل ليس بإسراف، إنما الاعتدال في النفقة إنما هو في النفقة المباحة في أمور الدنيا، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا........}[الفرقان:67], يجاوزوا الحد، والإسراف هو مجاوزة الحد، {وَلَمْ يَقْتُرُوا}, والتقتير هو البخل، {........وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان:67]، {وَكَانَ}, أي إنفاقهم في معايشهم, {بَيْنَ ذَلِكَ}, بين الإسراف والتقتير, {قَوَامًا}, أمر مستقيم، فهم معتدلون في الإنفاق، وهذا كذلك صفة كمالٍ مِن صفاتهم، فهم ليسوا بخلاء وليسوا مُقَتِّرِينَ، انظر هذا شأنهم في العبادة, {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}[الفرقان:64]، شأنهم في أعمال القلوب مع الله -تبارك وتعالى-، خائفون مِن الله -تبارك وتعالى-, {يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}[الفرقان:65] {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}[الفرقان:66], ثم بعد ذلك شأنهم أنهم موحدون قال -جلَّ وعَلا- : {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}[الفرقان:68], هذه ثلاث جرائم هي عظائم الإثم، أنهم مبرءون منها، الشرك بالله -تبارك وتعالى-, وقتل النفس التي حرم الله والزنا، فهم كذلك يبرئهم الله -تبارك وتعالى-, ويبين أنهم مبرءون مِن هذه الجرائم الكبرى، {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ........}[الفرقان:68], {يَدْعُونَ}, الدعاء عبادة، الدعاء طلب وعبادة، {مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}, لا يدعون الله ويدعون معه إلهًا آخر، وأنَّ دعائهم إنما هو لله وحده -سبحانه وتعالى-, الدعاء هو العبادة كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- ، بمعنى أنه أشرف العبادة هو أعلاها، فهو كما يقال : (الحج عرفه)، العباده اسم جامع لكل ما يحبه الله -تبارك وتعالى- ويرتضيه مِن الأقوال والأعمال، لكن أشرف هذه العبادة الدعاء؛ لأنَّ الدعاء يتمثل في حقيقة العبودية لله -تبارك وتعالى-، يتمثل فيه عبد فقير، محتاج إلى إلهه ومولاه يؤمن العبد الذي يدعوا الله -تبارك وتعالى- بأنَّ له ربًا, إلهًا قادر أنْ يعطيه، يملك العطاء، ويملك كذلك عقوبته، وأنه هو -سبحانه وتعالى- الذي يعطي ويمنع، -سبحانه وتعالى- فيتوجه إليه، ويفر إليه -سبحانه وتعالى-، والصلاة دعاء، فالصلاة في حقيقتها، في قراءتها، وفي ركوعها، وفي سجودها، إنما هي ذكرٌ ودعاء للرب –تبارك وتعالى-، فهم لا يدعون مع الله إلهًا آخر، لا إله لهم يدعونه إلا الرب, الإله -سبحانه وتعالى-, إلا الله -جلَّ وعَلا-، وهذا مِن أنهم موحدون لربهم -سبحانه وتعالى- في العبادة، فلا يعبدون غيره، ولا يدعون غيره -جلَّ وعَلا-, {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}, والنفس التي حَرَّمَ الله -تبارك وتعالى- قتلها هي النَّفْس المؤمنة، أو النَّفْس المعاهدة، فكل نَفْسٍ مؤمنه فهذه قد حرمها الله -تبارك وتعالى- كما قال -صلى الله عليه وسلم- : «أمرت أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, وأنَّ محمدًا رسول الله، فإنْ قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله»، فكل نَفْس تشهد بأنَّ لا إله إلا الله, وأنَّ محمدًا رسول الله تصبح نفس معصومة الدم, ثم النَّفْس المعاهدة, كل معاهد للمسلمين، في عقد زمة، أو عقد هدنة، فهذا يصبح معصوم الدم بعقد وأمان مِن المسلمين أما لا إله إلا الله، فإنهم معصوم الدم بعقد مِن الله -تبارك وتعالى-، وعقد المسلمين يدخل في عقد الله أنه ما عقده المسلمون وجعلوه لمعاهد، فأصبح هذا له كذلك أصبح له ذمة الله، وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم، فيكون معصوم الدم بهذا، ولا يجوز العدوان عليه، النفس المسلمة لا يحل أنْ تُقْتَلَ إلا في إحدى ثلاث، كما بين النبي -صلوات الله والسلام عليه- : «لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه, المفارق للجماعة»، فَمَن قَتَلَ قُتِلَ قصاص، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى........}[البقرة:178], فيقتص مِن القاتل عمد المتعمد للقتل، عدوان أي معتدي ومعتمد فهذا يُقْتَلُ، وهذا قتله حق، فهذا مسلم ويُقْتَلُ وقتله حق بجريمة العمد العدواني، لابد أنْ يكون قتله الذي يوجب القصاص هو العمد متعمد وليس شِبْه عمد، أي متعمد أنْ يقتله، وكذلك معتدي في هذا ليس دفاع عن النفس، فإنَّ دفع الصائل ليس مسلم يصول على شخص ليقتله, أو ليأخذ ماله فإنْ دفعه وإنْ قتله فهذا ليس عدوان فلابد أنْ يكون القصاص إنما يكون في المتعمد للقتل والمعتدي، ثم الجريمة الثانية هي الثيب الزاني، سيد سبق له الزواج وزني فهذا يرجم حتى الموت، ثم التارك لدينه المفارق للجماعة.
سنعود -إنْ شاء الله- إلى هذه الآية في الحلقة الآتية -إنْ شاء الله-, أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم, والحمد لله رب العالمين.