الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهديه, وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- : {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:141], {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ}[الشعراء:142], {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الشعراء:143], {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:144], {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:145], {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ}[الشعراء:146], {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الشعراء:147], {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء:148], {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ}[الشعراء:149], {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:150], {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}[الشعراء:151], {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[الشعراء:152], {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:153], {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:154], {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155], {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:156], {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}[الشعراء:157], {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:158], {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:159].
صفحة جديدة مِن صفحات الرسالات, رسالة أخرى يقصها الله -تبارك وتعالى- علينا, رسالة صالح, النبي -صلوات الله والسلام عليه- إلى قومه؛ قبيلة ثمود العربية، يقص الله -تبارك وتعالى- هذا بعد أنْ قَصَّ قصة هود مع قومه عاد، وما كانت النتيجة، ونوح في قومه الذي أُرْسِلَ إليهم, وكل هذا كما مضى في هذه السورة أنه تدليلٌ مِن الرب -تبارك وتعالى- أنَّ أكثر الذين يُرْسِلُ إليهم الرسل لا يؤمنون، وأنَّ القلة هي التي تؤمن، وبدأ الله -تبارك وتعالى- ذِكْر كل قوم مِن هؤلاء قوم نوح وعاد وثمود بهذه الكلمة، {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:105]، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:123]، وهنا قال الله -تبارك وتعالى- : {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:141], إعلان مِن الله وإخبار أنَّ قبيلة ثمود العربية, والتي كانت تسكن في شمال الجزيرة، في الحجر مِن شمال الحجاز، كذبوا المرسلين، كذبوا صالح، وصالح أحد المرسلين، وتكذيب رسول واحد هو تكذيب لكل الرسل الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى-؛ إذ دعوت الرسل دعوة واحدة, {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:141], {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ}[الشعراء:142], ابن القبيلة يعلمونه، {أَلا تَتَّقُونَ}, ألا تخافون الله -تبارك وتعالى- فتجعلوا حماية لكم, ووقاية بينكم وبين عذاب الله -تبارك وتعالى- هذه حقيقة التقوى، التقوى مخافة، وقاية, يجعل العبد له وقاية، حماية له مِن عذاب الله -تبارك وتعالى-, ولا تكون هذه الحماية إلا بالإيمان بالله -تبارك وتعالى- وطاعته، {أَلا تَتَّقُونَ}, أي ربكم, إلهكم, خالقكم -سبحانه وتعالى-, {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الشعراء:143]، إعلان لهم، أنه : {رَسُولٌ أَمِينٌ}, صادق، لا يغشهم, ناصح لهم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:144], خافوا الله -تبارك وتعالى-, {وَأَطِيعُونِ}, هذه حقيقة الرسالة تقوى الله -تبارك وتعالى-, وطاعة الرسول فيما يأمرهم به، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ........}[الشعراء:145], نزاهة، فهو نزيه, خالص في دعوته، علمًا أنَّ الرسل قد يأتوا مِن أعظم منحة وهدية ممكن أنْ تقدم للإنسان بالفوز العظيم، بالنجاة مِن النار، ودخول الجنة، فالرسل تهدي وترشد قومها إلى طريق الفوز العظيم، ولا يأخذون أجر على هذا، أجرهم على الله -تبارك وتعالى-, {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ........}[الشعراء:145], أي أجر في أي صورة مِن صور الأجر، منفعة، أو مادة، أي شيء، {........إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:145], نفس مقالة كل رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى قومه.
ثم قال لهم : {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ}[الشعراء:146], {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}[الشعراء:147], {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء:148], أي أتظنون أيها القوم أنكم تتركون، يترككم الله -تبارك وتعالى-, {فِي مَا هَاهُنَا}, مما خَوَّلَكُم الله -تبارك وتعالى- فيه, {آمِنِينَ}, تأكلون وتشربون آمنين على كل شيء، ولا مسئولية لكم مِن الله -تبارك وتعالى- الذي خلقكم تُسْأَلُونَ وتُخْتَبَرُونَ، ويطلب منكم السير في طريق الرب -تبارك وتعالى-, {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115], {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ}[الشعراء:146], ثم بين ما ها هنا قال : {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}, {جَنَّاتٍ}, بساتين، {وَعُيُونٍ}, ماء تجرى، {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء:148], {وَزُرُوعٍ}, شتى، الزرع الذي له ساق ضعيفة كالقمح وغيره، والأشجار التي لها ساق تقوم عليها, {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء:148]، {نَخْلٍ}, معروف، {طَلْعُهَا}, الطلع أو الماء ينشق النخلة عن بداية الأكمام، التي يكون منها الثمرة، {طَلْعُهَا هَضِيمٌ}, إما : {طَلْعُهَا هَضِيمٌ}, هضيم, أي هو ضعيف، سخيف، وهذا الأنثى، أي أنَّ عندهم الله -تبارك وتعالى- أنتج لهم إناث النخل التي هي تحمل ليس الذكور الذي يكون طلعها غليظ، أو : {طَلْعُهَا هَضِيمٌ}, أي أنها مِن أجود التمور، ورطبها هضيم، لين، هش، مما يستحب ويفضله الله -تبارك وتعالى- فإنَّ الثمرات النخيل يفضل بعضها علي بعض, كما قال الله -تبارك وتعالى- : {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ}, فيذكرهم بأنَّ أنواع النخيل التي رزقهم الله -تبارك وتعالى- إياها, {طَلْعُهَا هَضِيمٌ}, أي أنه جميل هَشّ فيه، أو مِن كثرته لما يكثر الحِمْل فإنه تصغر الثمرة فتكون هضيم بهذا المعنى, {وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}[الشعراء:148], {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ}[الشعراء:149], النحت وهو تجويف وَجَوْب الصخر, {بُيُوتًا}, في داخل الجبل، {فَارِهِينَ}, الفاره هو الواسع المريح, أي أنها ليست شقوق فقط في جبل ينحتون فيها, ويكون مأوى صغير لا, بل بيت فاره، واسع الرَّدَهَات، واسع المرافق؛ فهذا مِن تمكين الرب -تبارك وتعالى- إنه مكنهم هذ المكنة، في أنَّ ينحتوا مِن الصخور بيوت واسعة, فارهة، وما زالت بعض بيوتهم باقية إلى اليوم، منحوتةً في الصخر كما نحتها أهلها بفراهتها وبنقوشها وبجمالها، {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ}[الشعراء:149]، وقال الله -تبارك وتعالى- فيهم في مقام آخر : {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}[الفجر:9], {جَابُوا}, شقوه، {الصَّخْرَ بِالْوَادِ}, الذين عاشوا فيه في الحِجْرِ؛ حِجْر ثمود، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:150], خافوا الله -تبارك وتعالى-, وأطيعوا رسولكم, تكرير لهذا الأمر, وتذكير بمحتوى ومضمون الرسالة، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:150], تقوى الله وطاعة الرسول.
ثم قال : {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}[الشعراء:151]، قادة منهم, ورؤوسهم مِن أهل المكر؛ فإنهم بدأوا معارضة أمر الرسول، وبدأوا يصدون عن سبيل الله -تبارك وتعالى-, قال : {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}[الشعراء:151], {الْمُسْرِفِينَ}, المجاوزين للحد في الكفر والعناد، أو كذلك في البذخ وإتلاف الأموال، {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}[الشعراء:151], {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[الشعراء:152], {يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}, بالدعوة إلى شرك لله -تبارك وتعالى-, والبقاء على ما هم عليه، ومناوأة الرسول, {وَلا يُصْلِحُونَ}, لا يدعون إلى دعوة صالحة, كما قال الله -تبارك وتعالى- : {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[النمل:48], {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[النمل:49], {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا........}[النمل:50], فلعلهم هم هؤلاء التسعة رهط جماعة مِن قومه، كانت تقوم بهذا الإفساد, وهم الذين تأمروا على صالح بعد ذلك, وأرادوا أنْ يقتلوه ويبيتوه ليلًا؛ حتى يعموا هذا على أهله، {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[الشعراء:152], فانظر موقف القوم, وردهم على هذا الدعوة المخلصة مِن رسولهم الناصح لهم, الداعي لهم إلى الخير، الذي يريد لهم البر والإحسان، ويريد أنْ يسوقهم إلى طريق النجاة.
انظر ماذا يقابلونه, قال -جلَّ وعَلا- : {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:153], {إِنَّمَا}, بالحصر, {أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}, المسحور, أي سُحِرْتَ ومُسَحَّر مرة ومرة حتى بلغ منك السحر كل مَبْلَغ، {........أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:153], {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:154]، ما أنت إلا بشر مثلنا لماذا تتفضل علينا، ويجعلك الله -تبارك وتعالى- رسولًا مِن دوننا، لماذا يخصك أنت بالرسالة دوننا؟ فأولًا قولهم : {........إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:153], غير قولهم : {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا........}[الشعراء:154]، اختصك الله بالرسالة، هذه غير هذه، لكن هذا دأب المبطل فإنه يدفع بما يظنه كل حجة، وإنْ كان هه في كلامه متناقض فيه، فإنه يقول القول متناقض فيه ويجعل هذه حجج كلها؛ ليدفع بها الحق بهذا الباطل، فاتهامه بأنه مُسَحَّر، وأنه قد غلبه السحر, وبالتالي يهذي هذيان المسحور، والمرة الأخرى إنما أنت بشرًا مثلنا, فلماذا تُخْتَصّ بالرسالة مِن دوننا؟ ثم : {........فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:154]، لو كان هو مِن المُسَحَّرِينَ على قولهم الأول فكيف يكون هو يأتي بآية! يطلبوا منه أنْ يأتي بآية, لا يُطْلَبُ أنْ يأتي بآية إلا رجل في اكتمال العقل، وفي اكتمال الفهم فيطلب منه أنْ يأتي بآية, أي بدليل وحجة على كلامه الذي يقوله، فهذا كذلك ينتقلون مِن حجة ضاحدة إلى حجة ضاحدة؛ ليعارضوا بها الحق، {........فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:154]، آية, أي علامة على صدقك، إنْ صادق في ما تدعونا إليه مِن هذه الدعوة أنك رسول الله -تبارك وتعالى-, وأنك تدعونا إلى عبادة الرب وحده لا شريك له.
{قَالَ}, أي لهم رسولهم صالح -عليه السلام-، {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155], {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:156], قال جمع مِن المفسرين أنهم اقترحوا على رسولهم أنه لن يؤمن له إلا إذا أخرج لهم ناقة عُشَرَاء مِن هذا الجبل، مِن سفح الجبل، وأنه دعا ربه, وأنَّ الله - تبارك وتعالى- قد أخرج لهم ناقة على النحو الذي اقترحوه وطلبوه، وقد قال -تبارك وتعالى- : {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}, آية حال كونها مبصرة تُبْصَرُ بالبصر، ومع ذلك ظلموا بها, جحدوا هذه الآية وردوها بعد ذلك, {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ}, وهذه الناقة نسبها الله -تبارك وتعالى- إليه, وفى الآية الأخرى : {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}[الشمس:13], نُسِبَت إلى الله -تبارك وتعالى-؛ لأنها آية جعلها الله -تبارك وتعالى- لهم آية مِن آياته -سبحانه وتعالى- تشرب منها القبيلة كلها، لَبَنُهَا يكفي القبيلة، ثم قال لهم : {لَهَا شِرْبٌ}, أي لها يومًا تشرب فيه, {........وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155], في يوم تأتي الناقة لتشرب فتخلوا لها البئر في يومها لا تزاحموها في الشرب، واشربوا واسقوا أنتم في يوم آخر، {........لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155], قَسَّمَ الأيام؛ أيام الشرب في هذا البئر؛ بئر الناقة بين الناقة وبين شربهم هم، {........لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الشعراء:155], {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ}, إياكم أنْ تمسوها بسوء، بضرب، أو بعقر، أو بغير ذلك، {........فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:156], وذلك أنَّ هذا يكون تحدي وعدوان على آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى,- وهي آية هم اقترحوها، والله -تبارك وتعالى- قد أرسلها إليهم فإذا اعتدوا على هذا الأمر؛ يكون هذا عدوانهم على ما نُسِبَ إلى الله -تبارك وتعالى-, وما الله -تبارك وتعالى- حماه ونُسِبَ إليه؛ فيكون عدوان على الرب -جلَّ وعَلا-, قال : {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:156]، يوم محدد, ويأخذكم العذاب في هذا اليوم.
قال -جلَّ وعَلا- : {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}[الشعراء:157], طوى الله -تبارك وتعالى- صفحتهم هنا سريعًا, وأنهم بمجرد ما عقروها, قال -جلَّ وعَلا : {فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}، وبَيَّنَ -سبحانه وتعالى- أنه بين مجيء العذاب لهم، وبين عقر الناقة هو ثلاث أيام فإنهم لما عقروا الناقة، قال لهم : {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ}[هود:65]، هذا وعد مِن الله -تبارك وتعالى-, وغير مكذوب لابد أنْ يقع, وقد وقع فيهم بعد ذلك أمر الله -تبارك وتعالى- وعقوبته بأنْ أرسل فيهم مَلَك صاح فيهم صيحة واحدة فَصُعِقُوا عن بكرة أبيهم دفعة واحدة، أن كانت { إِنَّا أَرْسَلْنَاَ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر:31]، كالهشيم الذي يوضع ويُحْتَظَر, يُجْمَع في مكان, ويمر عليه عام؛ فإنَّ هذا الحشيش، وعشب الأرض فإنَّ عشب الأرض يتهرى ويتفتت بعد أنْ يمر عام, {الْمُحْتَظِرِ}, الذي وُضِعَ في الاحتظار، وضع في حظيرته مدة حتى انتهى، شَبَّهَ الله -تبارك وتعالى- تهري أجسادهم بعد الصعقة بهذا الهشيم المحتظر, قال : {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}[الشعراء:157], أي بعد ذلك في أنَّ العذاب لابد أنْ يحل بهم، {فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}, {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ}, في الوقت الذي حدده الله -تبارك وتعالى-, وهو ثلاث أيام بعد العقر، قال -جل وعلا- :{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً}, في هذا الذي قَصَّهُ الله -تبارك وتعالى- علينا مِن قصة صالح وقومه ثمود, آية علامة واضحة مِن الله -تبارك وتعالى- أنَّ أكثر الناس لا يؤمنون، والقلة تؤمن مع وضوح الحجة وبيانها وقيامها، فصالح قد أتى بالبرهان الساطع الذي لا يقاوم، وكذلك بالمعجزة الباهرة العيانية، {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}, ثم قابله قومه, المعاندون الكفار بكل أنواع العناد, ودفعوا حجته بكل أنواع الباطل بالباطل، {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:185]، {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:154]، ثم لما جاءتهم الآية كفروا بها، واعتدوا على هذا الأمر، الذي أرسله الله -تبارك وتعالى- رحمة لهم، وعقروها بأيديهم.
ثم قال -جل وعلا- في ختام هذه الصفحة : {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ........}[الشعراء:191], الغالب -سبحانه وتعالى- الذي لا يغلبه أحد، {الرَّحِيمُ}, -سبحانه وتعالى- لعبادة المؤمنين، انظر رحمة الله -تبارك وتعالى- بالعباد المؤمنين، الذين هداهم صالح، والذي آمنوا معه، وعزة الله -سبحانه وتعالى- وقوته وغلبته لهؤلاء الكافرين.
صفحة أخرى مِن صفحات الرسالات، قال -جلَّ وعَلا- : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:160], {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ}[الشعراء:161], {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الشعراء:162], {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:163], {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:164], {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:165], {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء:166], {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}[الشعراء:167], {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ}[الشعراء:168], {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ}[الشعراء:169], {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء:170], {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ}[الشعراء:171], {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ}[الشعراء:172], {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}[الشعراء:173], {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:174], {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:175], صفحة لوط -عليه السلام-, قال -جلَّ وعَلا- : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:160], وقوم لوط هم سكان سدوم وعمورة، هذه القرى التي كانت في وادي الأردن بجوار أرض فلسطين، ولوط قد خرج مع عمه إبراهيم النبي -عليه السلام- مِن أرض العراق إلى أرض الشام فلسطين، كما قال -تبارك وتعالى- : {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[العنكبوت:26], آمن له لوط فقط مِن القوم, وخرج به مهاجرًا إلى الله -تبارك وتعالى-, هاجر إلى أرض الشام، ثم إنَّ الله -تبارك وتعالى- نَبَّأَ لوط وأرسله الله -تبارك وتعالى- إلى هذه القرى، قرى عامرة في غور الأردن، موقعها البحر المعروف الآن, المسمى بالبحر الميت في هذا الوقت، أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى هؤلاء, عاش فيهم يدعوهم, أحبوه الأول مِن كل قلوبهم، كما قال -تبارك وتعالى- : {وَإِخْوَانُ لُوطٍ}, إخوانه, إخوان هنا بالألف واللام وهي الأخوة العظيمة له، فقد كان أخوهم ممن أحبوه، وإنْ لم يكن مِن أهلهم، ولا مِن قبيلتهم, لكنه بهجرته إليهم, وعيشه فيهم, وأخلاقه العظيمة الدمسة، وصفاته الحميدة أحبوه، أحبه القوم وآثروه، ولكنه لما دعاهم إلى الله -تبارك وتعالى- ونبأهم, وبدأ ينهاهم عن الأفعال القبيحة التي هم عليها، قاموا ضده، قال -جلَّ وعَلا- : {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:160], وقول الله -تبارك وتعالى- : {الْمُرْسَلِينَ}, ولم يُرْسِل لهم إلا لوط؛ لأنَّ لوط هو رسول مِن هؤلاء المرسلين, {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ}[الشعراء:161], أخوهم صداقة ومحبة ومعرفة به، وعيش في وسطهم، وكان شأنه كشأن نبينا -صلوات الله والسلام عليه- قبل يأتي بالرسالة؛ فقد كان معظمًا في قومه معروفًا عندهم محبوبًا وأثيرًا لديهم، لكن لما جاءهم بالرسالة, ودعاهم إلى الله -تبارك وتعالى- قاموا في وجهه, وأصبح هو العدو لهم، كذلك الشأن في لوط إنه هو هاجر في الأرض، أحبه أهلها، وآثروه لأخلاقه ولصفاته، ثم لما أرسله الله ونبأه الله -تبارك وتعالى- وأرسله ودعاهم إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- قاموا ضده, {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:160], {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ}[الشعراء:161], ألا تخافون الله -تبارك وتعالى-, وتجعلوا حماية ووقاية لكم مِن عذابه, {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الشعراء:162], {إِنِّي}, تأكيد, {لَكُمْ}, أيها القوم، {رَسُولٌ}, مِن الله -تبارك وتعالى-, {أَمِينٌ}, الأمانة تشمل الصدق والإخلاص، الخلوص، وكذلك عدم الغش لا أغشكم, وإنما أقول لكم الحق, {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:163]، خافوا الله -تبارك وتعالى- وأطيعون, {وَأَطِيعُونِ}, {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:164]، نفس المقالة, لا أسألكم أجرًا على هذه الرسالة، ولكن أجري في دعوتي لكم إلى الله -تبارك وتعالى-, على الله, رب العالمين -سبحانه وتعالى-.
ثم قال لهم مستنكرًا ومستنكفًا ما يعملون, قال لهم : {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:165], هذه الفاحشة الكبرى, وهي أنَّ الذكر يأتي الذكر شهوة وميلًا إليه, {مِنَ الْعَالَمِينَ}, مِن جملة الناس، {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:165]، {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء:166], {تَذَرُونَ}, تتركون, {مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}, فقد خَلَقَ الله -تبارك وتعالى- الأنثى للرجال, وجعل التقاء الرجل بالأنثى, وهذا طريق للاستمتاع والسكن، وطريق للنسل، فهو حرث ونسل، فهذا الذي خَلَقَهُ الله -تبارك وتعالى-, وهذا مقتضى الفطرة والحكمة الإلهية، أما أنْ تكون للاستماع مِن ذَكَر إلى ذَكَر، فإنَّ هذا مخالف للفطرة، مع ما فيه مِن الوقاحة, ومِن القذارة، والنتن والنجاسة, وليس هناك منِ ثمرة إلا الانتكاسة والشر؛ فقال : {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:165], مستقبحًا ومستنكرًا, هذا سؤال للاستنكار والاستقباح, {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[الشعراء:166], أي بهذا الفعل, {أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}, معتدون، مجاوزون ما خَلَقَ لكم إلى ما نُهِيْتُم عنه، وابتعدتم عنه بما فيه أمر تشمئز فيه كل نفس طيبة, طاهرة، ونفسهم هؤلاء الذين استمرأوا هذا الفعل واستحسنوه، كانوا يستقبحوه ,يرون أنَّ هذا أمر نجس؛ ولذلك قالوا : {........أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}[النمل:56], فكانت التهمة أنها طهارة، وأنهم هم مستمرءون ومحبون لهذه النجاسة، فعند ذلك لم يجيبوا لوط بحجة على دعوته الطيبة, الطاهرة، النقية، بل بالتهديد، قالوا : {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}[الشعراء:167], {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ}, تهديد أي عن هذا الوعظ، وعن دعوتك لنا بأن نترك ما نحن عليه, {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}, سنخرجك مِن أرضنا, {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ}[الشعراء:168], { إِنِّي لِعَمَلِكُمْ}, هذا الخبيث, {مِنَ الْقَالِينَ}, القالين هم الكارهين، القالي هو الكاره, أي أنا كاره لعملكم الذي تعملونه, {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ}[الشعراء:169], دعا الله -تبارك وتعالى- هو وأهله مما يعملون مِن هذه الخبائث، قال -جلَّ وعَلا- : {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء:170], أنجاه الله -تبارك وتعالى- وأهله كلهم, {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ}[الشعراء:171], وقد جاء في هؤلاء الأهل هم ابنتاه فقط، أهل بيته فقط، وأنه لم يؤمن له أحد قَطّ مِن هذه القرى الكاملة كلها سدوم وعمورة, قرى وادي الأردن كلها، لم يؤمن له أحد فقط إلا ابنتاه، {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات:35], {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات:36], بيت واحد فقط, وهو بيت لوط، لوط وابنتاه هم الذين أنجاهم الله -تبارك وتعالى- وأخرجهم ، قال -تبارك وتعالى- : {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء:170] نجاه الله -تبارك وتعالى-, {ََهْلَه}, أي ابنتاه, {أَجْمَعِينَ}, {إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ}[الشعراء:171]، وهذه العجوز هي امرأته التي قال -تبارك وتعالى- فيها : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}[التحريم:10], {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ}[الشعراء:172], وتدمير هؤلاء الآخرين هذا التدمير قد فَصَّلَهُ الله -تبارك وتعالى- في آية أخرى، وأنَّ هذا التدمير كان برفع قراهم, ثم قلبها على رؤوس أصحابها، فهي قرى هي المؤتفكات، أمر الله -تبارك وتعالى- جبريل أنْ يحمل هذه القرى فحملها على طرف جناحه، ثم أَفَكَهَا على قومها، {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ}[الشعراء:172], {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}[الشعراء:173], مطرًا لكن ليس كالمطر, مطر رحمة, لكن مطر عذاب، وآثاره إلي اليوم باقية، هو هذا المطر متجمع الآن في هذه الأرض ما يسمى الآن بالبحر الميت, قال -عزَّ وجلَّ- بعد ذلك : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:174], {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:175].
فى الختام أُصَلِّى وأُسَلِّم على عبد الله ورسوله الأمين, سيدنا ونبينا محمد, والحمد لله رب العالمين.