الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهداه, وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:176], {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ}[الشعراء:177], {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الشعراء:178], {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:179], {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:180], {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}[الشعراء:181], {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}[الشعراء:182], {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الشعراء:183], {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}[الشعراء:184], {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:185], {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}[الشعراء:186], {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:187], {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الشعراء:188], {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:189], {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:190], {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:191].
هذه حلقة أخرى مِن الحلقات, وهي الحلقة الأخيرة في هذه السورة مِن سلسلة هذه الرسالات؛ رسالات الله -تبارك وتعالى- في الأرض، والتي بدأ الله -تبارك وتعالى- في ذِكْر موسى، ثم ذِكْر موسى، ثم ذِكْر إبراهيم، ثم ذِكْر نوح -عليه السلام-، ثم هود, ثم صالح، ثم لوط، ثم هنا شعيب -عليه السلام- الذي أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى أصحاب الأيكة أهل مَدْيَن، والقصة واحدة رسول الله يختاره الله -تبارك وتعالى-, يرسله مخلصًا، أمينًا، صادقًا، لا يريد مِن قومه أجرًا على هذه الرسالة, يوضح لهم الطريق, يدعوهم إلى توحيد الله -تبارك وتعالى- فيقوم المعاندون والمجرمون والمكذبون في وجهه، ثم بعد ذلك يحاول أنْ يقفلوا الباب عليه نهائيًا، ثم ينتصر الله -تبارك وتعالى- له فينجيه, ثم يهلك الله -تبارك وتعالى- الظالمين، وتكون النتيجة أنَّ أكثر مَن أُرْسِلَ إليهم الرسل كلهم يكفرون، وتبقى القلة القليلة هي التي تؤمن, {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:190], {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:191], قالها الرب -تبارك وتعالى-, قال هاتين الآيتين بعد كل رسالة وحلقة مِن حلقات هذه السلسلة, قال -جلَّ وعَلا- بدء القصة هو ختامها, وهو ثمرتها ونتيجتها، وهو الدليل الذي يستدل به في هذه السورة على هذه الحقيقة أنَّ أكثر الناس مكذبون بالرسل، قال -جلَّ وعَلا- : {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:176], هذا أول الأمر, استهلال ما يقصه الله -تبارك وتعالى- مِن أخبار هؤلاء القوم، وهذا نَفْس الاستهلال, {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:123]، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:141]، كل قصة بدأت بإعلان الله -تبارك وتعالى- تكذيب القوم لرسولهم، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:176], {الأَيْكَةِ}, أصلها الشجرة الكبيرة الملتفة، وهم كانوا أهل بساتين وجنان ملتفة، {الْمُرْسَلِينَ}, قال الله -تبارك وتعالى- : {الْمُرْسَلِينَ}, ورسولهم واحد الذي جاءهم وشاهدوه وهو شعيب -عليه السلام-, لكنهم بتكذيب شعيب؛ أصبحوا مكذبين لكل الرسل؛ فإنَّ الرسل جميعًا دعوتهم واحدة مرسلهم هو ربهم، رب العالمين -سبحانه وتعالى- رسالتهم واحدة، دعوتهم واحدة؛ فالمكذب للرسول مكذبًا للرسل جميعًا، {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ........}[الشعراء:177], نبيهم, {أَلا تَتَّقُونَ}, دعوة كريمة إلى تقوى الله -تبارك وتعالى-، {أَلا تَتَّقُونَ}, ألا تخافون ربكم، تجعلون لكم حماية بينكم وبين عذاب الله -تبارك وتعالى-, {أَلا تَتَّقُونَ}, وجاء أيضًا بصيغة العرض, {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}[الشعراء:178], أنا لكم رسول مِن الله -تبارك وتعالى-, {أَمِينٌ}, صادق, لا أغشكم، ناصح لكم، هذه مقتضى الأمانة, {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}[الشعراء:179], خافوا الله -تبارك وتعالى-, وأطيعوني في ما آمركم به مِن توحيد الله -تبارك وتعالى- وعبادته، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:180], لا أسألكم عليه, أي على هذا التبليغ, على هذه الرسالة, وعلى تعليمكم إياها ,وتوجيهكم إلى طريق الذي بها تنالون شرف الدنيا، وعز الآخرة، العز في الآخرة، والتمكين ووراثة جنة الرب -تبارك وتعالى- وشرف الدنيا ونصرها والتمكن فيه، والأمن فيها كل هذا منوطٌ بطاعة الله -تبارك وتعالى-, ومع ذلك لا أسالكم أجرًا على أنْ أدعوكم إلى هذا الطريق العظيم, {........إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:180], أجري في تبليغي وحملي لهذه الرسالة، إنما هو مِن الله رب العالمين رب كل هذه العوالم التي خلقها، وكل ما سوى الله عَالَم, والله خالق الجميع -سبحانه وتعالى- فهو رب العالمين، خالق كل الخَلْق وسيدهم والحاكم فيها -سبحانه وتعالى-, {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}, {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}[الشعراء:181], هذه كانت مِن الآفات بعد إعراضهم عن الرب -تبارك وتعالى- وعبادته، آفات كذلك كانت فيهم مِن الآفات الذنوب العظيمة التي كانوا مقيمين عليها أنهم كانوا ناس أهل غش في التجارة؛ فقال لهم : {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}[الشعراء:181]، أوفوا الكيل إذا كيلتم لغيركم فأوفوا، وقد أخبر إنه ناس كانوا إذا كانوا لغيرهم أنقصوهم، وإذا اكتالوا مِن غيرهم زادوا لأنفسهم, {أَوْفُوا الْكَيْلَ}, في البيع، {وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ}, لغيركم, تعطونهم أنقص مما لهم, {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}[الشعراء:182], أي لا تظلموا في الكيل، ولا تظلموا في الميزان، {زِنُوا بِالْقِسْطَاسِ}, الميزان العادل, {الْمُسْتَقِيمِ}, العادل الذي لا يميل, وقد كانوا يغشون كذلك في الميزان بأنْ يجعلون مثلًا ثُقْل في الكفة التي يزنون بها لمن يبيعونهم, أو يطيعون، أي موازين أقل مِن الموازين المتعارف عليها, يغشون؛ فقال : {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ}[الشعراء:182], {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ........}[الشعراء:183], البخس النقص، لا تنقصوا الناس أشياءهم بهذه الصور الماضية، أو كذلك البخس في السَّوْمِ، فأمرٌ يساوي عشرة فيسومه بواحد؛ ليكسر ويُنْقِصُ مِن سلعة الآخر؛ فقد يضطر صاحب السلعة أنْ يبيعها بأقل مِن ثمنها, أو مِن ثمن مثيلاتها في السوق، {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الشعراء:183], عثا بمعنى سار بالإفساد, أي لا تفسدوا في الأرض، لا تعثوا في الأرض بالفساد حال كونكم مفسدين، {........وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}[الشعراء:183], {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}[الشعراء:184]، ختم هنا بتقوى الله -تبارك وتعالى-, {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ}, وهو الله -سبحانه وتعالى-, {خَلَقَكُمْ}, أنشأكم مِن العدم، وقَدَّرَ مقادير خلقكم على هذا النحو، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6], {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7], {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8], {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}[الشعراء:184], {الْجِبِلَّة}, الخَلْق، أي خَلَقَكُم وخَلَقَ الخلَقْ الأول كل الخلَقْ الأول مِن آبائكم وأجدادكم إلي بداية الخَلْق، الله -تبارك وتعالى- خالقة لم يخلق شيء مِن الخَلْقِ غيره -سبحانه وتعالى-, {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ}[الشعراء:184]، وهنا دعوتهم إلى تقوى الله الذي خلقهم يكون هذا أردع في لهم في مخافة الرب -تبارك وتعالى, أنَّ ربك هذا الذي تتقيه هو الذي خلقك، وهو الذي أوجدك، إذن خفه -سبحانه وتعالى-، انظر دعوة كريمة كلها دعوة إلى السعادة في الدنيا والآخرة، دعوة إلى الرجوع إلى الرب الإله -سبحانه وتعالى- الذي خلقهم, دعوة إلى الاستقامة, نهي عن الظلم، ماذا في هذا مِن الشر, أو مِن الباطل، أو مما لا يليق أو مما يخالف العقل والمنطق, ولكن انظر رد هؤلاء المجرمين كأسلافهم السابقين، نفس الأمر, {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقان:31], {قَالُوا}, مجيبين له على دعوته هذه : {........إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:185], {إِنَّمَا}, للحصر, أي ما أنت إلا هذا, {إِنَّمَا أَنْتَ}, أيها الرسول, أي يا شعيب, {مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}, سُحِرْتَ مرة بعد مرة, أي أنك مسحور، والمسحور مغلوب عن عقله, يتكلم ويهذي بما لا يدري، فهذا الذي غلبه السحر فإنه إنسان مغلوب على عقله، وأنَّ هذا الذي تقوله إنما هو نسبوا هذا إلى أنه مِن هذيان وتُرَّهَات المسحور، {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:185], وحدك.
ثم أمر آخر دفعوا به الرسالة, قالوا : {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا........}[الشعراء:186], لماذا تتفضل علينا؟ وتقول أنا رسول الله دونكم؟ {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا........}[الشعراء:186], فكيف تكون أنت المُرْسَل, ونحن لم تأتنا رسالة ولم نرسل, وكيف تفضل علينا! فأيضًا طعنوا في اختيار الله -تبارك وتعالى- ما الأمر؟ ماذا أنْ يختار الله -تبارك وتعالى- رسول مِن القوم يعرفون نسبه, ويعرفون موقعه منهم، ويختبرون صدقه مِن كذبه؛ ليبلغهم رسالة الرب -تبارك وتعالى-, قالوا : {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}[الشعراء:186]، ظن, الحكم على هذا الأمر العظيم بمجرد الظن, {وَإِنْ نَظُنُّكَ}, والظن حسبان, {لَمِنَ الْكَاذِبِينَ}, فاتهموه إلى الكذب، مرة يقولوا أنت مُسَحَّر، وكلامك غير هذا، ومرة ينسبون الكذب, والكذب لا يتأتى إلا مِن عقل يحبكه, الكذبة تحتاج إلى إنسان عاقل يؤلف هذا الكذب، فمرة سلبوا منه العقل، ومرة أثبتوا له العقل، لكن مع الكذب والخداع, ومرةً طعنوا في اختياره، اختيار الرب -تبارك وتعالى- ولما يختاره, ثم طعنوا كذلك في سُنَّةِ الله -تبارك وتعالى- في أنْ يختار مِن البشر رسول يدعوا الناس إلى الله -تبارك وتعالى-.
ثم بعد ذلك بلغ التبجح بعد ذلك أعلاه؛ فقالوا : {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:187], -سبحان الله- بدلا مِن أنْ يجعلوا الأمر على الأقل مادام أنَّ المسألة شك وظن؛ فليكن للاحتمال الآخر جانب مِن الرجحان, اجعلوا له جانب, وأنه ربما أنْ يكون صادق فإذا كان صادق؛ يصبكم بعض الذي يعدكم به مِن العذاب سيصيبكم, لكنهم لم يجعلوا للاحتمال الآخر مجالًا بتاتًا, أي احتمال أنْ يكون هذا الرسول صادقًا، هذا لم يجعلوا له مكانًا عندهم, بل جزموا كل الجزم بأنَّ هذا الذي يقوله رسولهم إنما هو كذب، حتى لوكان صدق فلم نقبله, كما هي مقالة مَن أتي بعدهم مِن كفار قريش الذين قالوا : { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:32], أي إنْ كان هو الحق, وهو مِن عندك فإننا لا نريده, عَجِّل لنا بالحساب؛ لأنَّ هذا مِن عندهم رفض لهذا الأمر وبغض له, وكره له، وتفضيل أنْ يكون الهلاك, ولا يكون اتباعهم لهذا الأمر، إما مِن هذا النضوج، وإما مِن القطع بأنَّ هذا كذبٌ محض، وأنه لا يكون بتاتًا لهذا له مجال, ولا عشر معشار, نسبة واحد في المئة، أو واحد في الألف لأنْ يكون هذا الصدق؛ لذلك قالوا لرسولهم : {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الشعراء:187]، السقوط يكون مِن أعلى، {كِسَفًا}, الكِسْف هو طبقة, جزء مِن السماء، كسف منه ساقط, أي طبقة مِن السماء تسقط علينا, {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}, أي عذاب على هذا النحو فيهلكنا، وإنْ كنت صادقًا في ما تقول, تحدي وقد كان, الله -تبارك وتعالى- لابد أنْ يعاقب هؤلاء المجرمين، وكذلك بمثل ما اقترحوه، بمثل ما اقترحه هؤلاء المجرمون، قال الرسول شعيب -عليه السلام-, وهو كأنه مغلوب على أمره, ويرى عناية هؤلاء المكذبين، ويعلم مِن صِدْقِ نَفْسِهِ، وصِدْق دعوته، ويعلم مِن أمر ربه -سبحانه وتعالى-, ولكن الرسول ليس بيده أنْ يأتي بالعذاب؛ فقال لهم مُسَلِّمًا الأمر لله -تبارك وتعالى- : {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الشعراء:188]، {رَبِّي}, الذي أرسلني -سبحانه وتعالى- هو : {أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}, كل الأعمال التي تعملونها هذا مِن الإفك والكذب, الشرك به -سبحانه وتعالى- ما نهاهم رسولهم عنه مِن تطفيف الكيل والميزان, وبخس الناس أشياءهم, والعتو في الأرض، والذهاب بها بالفساد، قال لهم : {........رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الشعراء:188]، وبالتالي العقاب ليس عندي، إنما هو عند ربي -سبحانه وتعالى-, {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الشعراء:188] جواب مختصر, وفيه الرد على كل أفكوه، أي عملكم الذي تعملونه، وتهديدكم على هذا النحو، وتبجحكم وعنادكم للرب -تبارك وتعالى- الله أعلم به، {قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الشعراء:188]، قال -جلَّ وعَلا- : {فَكَذَّبُوهُ}, هذا تكذيب للرسول، والمطلوب أو المقرر في النهاية أنه إذا كذب هؤلاء المكذبون أتاهم العذاب، والعذاب لا يأتي إلا بعد التكذيب، قال -جلَّ وعَلا- : {فَكَذَّبُوهُ}, حصل الأمر؛ فأخذهم العذاب, مادام حصل التكذيب للرسول لابد أنْ ينتقم الرب -تبارك وتعالى-, قال-جلَّ وعَلا- : {فَأَخَذَهُمْ}, الفاء للتعقيب, {عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ}، سمى الله -تبارك وتعالى- بالعذاب الذي أخذ هذا، {يَوْمِ الظُّلَّةِ}، ظلة أتتهم وظنوها أنَّ هذه الظلة سحابة ربما تظلهم وتمطرهم مكثوا تحتها، اجتمعوا لها؛ فغمتتهم وأهلكتهم في مكانهم، قال -جلَّ وعَلا- في بيان هذا العذاب قال : {........إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:189], {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[الشعراء:189], والأخذ هنا الإهلاك، أهلكهم الله -تبارك وتعالى- في هذا العذاب الذي أظلهم، وغمتهم حتى قضوا على هذا النحو -عياذًا بالله-, قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً........ }[الشعراء:190], هذا الذي قَصَّهُ الله -تبارك وتعالى- مِن خبر هؤلاء القوم,{لَآيَةً}, آية عظيمة على أنَّ الله -تبارك وتعالى- يرسل رسالاته إلى الناس, وأنَّ أكثر الناس لا يؤمنون, والقلة يؤمنوا، وأنَّ الله -سبحانه وتعالى- ينجي المؤمنين، ويهلك الظالمين، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:190], {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء:191], وكذلك : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً........ }[الشعراء:190], لمن يأتي بعدهم، مَن يأتي بعد كل قوم أهلكهم الله -تبارك وتعالى- في إهلاك هؤلاء آية لهم، أنَّ هذا مصير فلا يعلموا أنَّ هذا هو فعل الله -تبارك وتعالى-, وسُنَّة الله في المكذبين, لكن الذين يأتوا بعد هؤلاء لا يؤمنون، فإهلاك الله -تبارك وتعالى- لقوم نوح كان آية لِمَن يأتي بعدهم، لكن لم يستفد الذين جاءوا بعدهم مِن هذه الآية شيئًا، وإهلاك عاد آية لِمَن يأتي بعدهم كذلك, ولكن ما استفاد مَن بعدهم شيئًا، وكذلك إهلاك ثمود، وإهلاك قرى لوط كل هذه آيات، ولكن الذين يأتوا مِن بعد هؤلاء لا يستفيدون بهذه الآية الواضحة.
ثم بعد أنْ قَصَّ الله -تبارك وتعالى- هذه الحلقات المتتابعة مِن حلقات الرسالات، أتي الخطاب بعد ذلك, وجه الخطاب إلى النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، الحلقة الأخيرة مِن حلقات الرسالات, وأعظم هذه الحلقات وأعلاها وأشرفها، قال -جلَّ وعَلا- : {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:192], {إِنَّهُ}, القرآن هذا، {تَنْزِيلُ}, منزل، {رَبِّ الْعَالَمِينَ}, خالق الخَلْق أجمعين -سبحانه وتعالى-, ربهم, الله خالق كل شيء، العالمون جمع عاَلمَ، والعَالَم كل نوع مِن الخلق، أو كل جنس مِن الخَلْق يشترك في صفات واحدة، فالملائكة عَالَم، والإنس عَالَم، والجن عالم، والسموات عَالَم، والبحار عَالَم، والطيور عَالَم، الأمم هذه وعوالم ،هذه العوالم التي خلقها الله -تبارك وتعالى- الله ربها كلها، ليس هناك عَالَم مِن هذه العوالم إلا والله خالقه -سبحانه وتعالى-, وهو مسيره، فالله رب العالمين -سبحانه وتعالى-, وهذا الذي أنزل عليك هذا القرآن يا محمد، {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:192], {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193]، {الرُّوحُ الأَمِينُ}, جبريل -عليه السلام-، وسماه الله -تبارك وتعالى- بالروح؛ لأنه ينزل بالروح، الروح حياة، وهذا جبريل ينزل بالحياة الحقيقة، حياة القلوب، الحياة بالدين, كما سمى الله -تبارك وتعالى- القرآن روح، قال : {وَكَذَلِك أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52], فجبريل هو روح الله، روح الله بالنسبة ليس الصفة إلى الذات, وإنما مِن النسبة الخَلْق إلى الخالق، فهو مخلوق ومنسوب إلى خالقة، فجبريل عبد الله وروحه ورسوله، رسول الله -تبارك وتعالى- إلى الرسل، كما قال -تبارك وتعالى- : {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}[مريم:17], {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا}, إلى مريم -عليها السلام-، {رُوحَنَا}, أي جبريل، {فَتَمَثَّلَ}, أي جبريل, {لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}, {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا}[مريم:18], {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا}[مريم:19], فهو رسول الله, وهو روح الله جبريل -عليه السلام-, {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], المؤتمن، أمين في صفاته، ائتمنه الله -تبارك وتعالى- على وحيه لا يزيد ولا ينقص منه, ويسير حيث أمره الله -تبارك وتعالى- أنْ يسير؛ فالنازل بهذا الكتاب مِن الله على محمد صلى الله عليه وسلم- هو الروح الأمين, جبريل الذي يسمع هذا الكلام مِن الرب, ثم يوصله يقرؤه على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- على قلبه، يقرؤه مِن أذنه إلى قلب النبي؛ فَيُطْبَع في قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-, {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194], على قلبك مباشرة؛ وذلك أنه يسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصل القلب، ويعقله القلب، وقد قال له الله -تبارك وتعالى- : {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}[القيامة:16], {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}[القيامة:17], {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة:18], {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة:19], {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ}, أي جمع هذا القرآن في قلبك {وَقُرْآنَهُ}, لتقرأه بعد ذلك، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}[القيامة:19], لأنه بين هداك تفسيره وشرحه الله -تبارك وتعالى-؛ ولذلك كان جبريل هو معلم النبي -صلوات الله والسلام عليه- مِن قِبَل الرب -تبارك وتعالى-, {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ}, فكان نزل شفاهًا، جبريل يقرؤه فيسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- فيطبع في قلبه، أي لم ينزله الصحائف مِن الله -تبارك وتعالى- مكتوبه، أو كتبه جبريل وأعطاه للنبي كتابًا يقرؤه لا، وإنما يأتيه الوحي كما في حديث أمنا عائشة كيف يأتيك الوحي يا رسول الله, قال : «يأتيني أحيانًا مثل صلصة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي المَلَك رجلًا فيكلمني»، فهذه صور إتيان الوحي للرسول -صلى الله عليه وسلم-، يقرأ جبريل القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويكون بصوت قوي لكن لا يسمعه مَن حول النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمعه النبي وحده -صلى الله عليه وسلم-, يسمع الوحي، يقول : مثل صلصلة الجرس، وصلصلة الجرس صوت مرتفع دق الجرس مِن أقوى الأصوات، فيفصم عني, أي إذا انتهى الوحي وقد وعيت ما قال، أعي ما قال, أي قد حفظه النبي في قلبه، وأحيانًا يتمثل له جبريل رجلًا ويأتي في صورة رجل؛ فيكلم النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن لا يراه كذلك مَن بجوار النبي -صلى الله عليه وسلم-، «كما في الحديث : «أنَّ عائشة -رضي الله عنها- قال لها النبي يومًا هذا جبريل يُقْرِئُكِ السلام فقالت وعليه»، عليك وعليه السلام يا رسول الله، وأحيانًا كان بعض الصحابة يروا جبريل في صورة رجل، «كما جاء في الحديث الصحيح لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في الصحيح يقول : بينما نحن جلوس عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه, ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال يا محمد, أخبرني عن الإسلام, قال : «الإسلام تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إنْ استطعت إليه سبيلا»، قال : صدقت, يقول عمر : فعجبنا له يسأله ويصدقه، يسأله كلًا صادق في هذا علمًا السائل إنما هو مستفهم، ثم قال أخبرني عن الإيمان قال : «الإيمان أنْ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله, واليوم الآخر, وتؤمن بالقدر خيره وشره مِن الله تعالى»، قال : صدقت, فأخبرني عن الإحسان، قال : «الإحسان أنْ تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال : صدقت، قال : فأخبرني عن الساعة قال : «ما المسئول عنها بأعلم مِن السائل»، قال : فأخبرني عن أمارتها، قال «أنْ تلد الأَمَة ربتها, وأنْ ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء العالة يتطاولون في البنيان»، قال : ثم انطلق, أي هذا الرجل, فلبثت مليا قال : «أتدري مَن السائل»، قلت :الله ورسوله أعلم قال : «فهذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»، فهذا جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاء في صورة رجل، وجاء سائل على هذا النحو، بصورة جميلة شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، يقول عمر: لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد مليًا, المدينة معروفة لأهلها، فهذا جبريل -عليه السلام-, هذه صورة كذلك مِن صور مجيئه ورؤية الصحابة له، فقول الله -تبارك وتعالى- : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], روح الله -تبارك وتعالى- جبريل, {الأَمِينُ}, المؤتمن على وحي الله -تبارك وتعالى-, {عَلَى قَلْبِكَ}, يقرأ القرآن؛ فيسمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- فيثبت في قلب النبي, { لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}, ليكون النبي مِن المنذرين, أعظم مهمة مِن مهمات الرسول، الرسول نذير إلى البشر أجمعين -صلوات الله والسلام عليه-، فالله -تبارك وتعالى- أرسله بالنذارة إلى كل الخلق، كل الناس الذين على الأرض مِن الإنس والجن كذلك, هو رسولهم -صلوا ت الله والسلام عليه-، فهو رسول الله منذ وقتة إلى قيام الساعة إلى الإنس والجن؛ لينذرهم ويخوفهم عقوبة الرب -تبارك وتعالى-, إنْ لم يؤمنوا بهذا الكتاب, كما قال -جلَّ وعَلا- : {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}، فكل مَن يكفر بهذه الرسالة فهذه النار قد وعدها الله -تبارك وتعالى- النار، {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ}, بهذا القرآن, {مِنَ الأَحْزَابِ}, كل الجماعات التي أُرْسِلَ إليها النبي, {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ }، {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا}[طه:99], {مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا}[طه:100], {خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}[طه:101], فهذا الذِّكْر مَن أعرض عنه، كل مَن يعرض عنه فهذا يحمل وزره يوم القيامة, ويبقى تحت هذا الوزر خالدين فيها, وكذلك قال -تبارك وتعالى- : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا}[الكهف:1], {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ........}[الكهف:2], أي لينذر هذا النبي بأسًا شديد مِن لدنه، وينذر الله -تبارك وتعالى- العباد بأس شديد مِن لدنه بهذا القرآن، والبأس الشديد في الدنيا والآخرة، وقال أيضًا -سبحانه وتعالى- : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1], ليكون هذا القرآن, {لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}, منذر العالمين كلهم، فهنا قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194]، أي المخوفين مِن العذاب العظيم, والنقمة الكبرى التي ستحل بالمكذبين, {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}[الدخان:15], {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ}[الدخان:16], فنسأل الله -تبارك وتعالى- أنْ نكون مِن الذين نفعتهم هذه النذارة، وأنْ يرزقنا الاستجابة لأمره, والسير على طريقه.
أقول قولي هذا, وأستغفر الله لي ولكم, والحمد لله رب العالمين.