الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (454) - سورة النمل 1-6

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومَن اهتدى بهداه, وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله -تبارك وتعالى- بسم الله الرحمن الرحيم : {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:1], {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2], {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3], {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}[النمل:4], {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5], {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:6],

هذا مطلع سورة النمل وهي سورة مكية بدأها الله-تبارك وتعالى- بهذين الحرفين حروف مقطعة الطاء والسين, {طس},وقد مضى بيان ما قاله أهل العلم بالتأويل في الحروف المقطعة، ثم أشار الله -تبارك وتعالى- إلى هذا القرآن الكريم؛ فقال : {........تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:1], {تِلْك},تلك بالإشارة إلى البعيد أعلاء بشأن هذا الكتاب المنزل مِن الرب -تبارك وتعالى-, {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ}, آيات جمع آية, والآية العلامة فكل جملة وفاصلة في هذا القرآن هي آية, علامة على أنَّ هذا الكلام مِن الله -تبارك وتعالى-, وأنه لا يقدر على إنزاله إلا الرب -سبحانه وتعالى-, {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ........}[يونس:37], {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88], {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:23], {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:24], {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ}, سمى الله -تبارك وتعالى- كتابه المنزل منه قرآن؛ لأنه يُقَرَأ ولا يوجد كتاب قُرِىء في السموات والأرض كهذا القرآن ويقرأ يوم القيامة إلى أخر الزمان كهذا القرآن, {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}[عبس:11], {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}[عبس:12], {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ}[عبس:13], {مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ}[عبس:14], {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15], {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16], فهذا القرآن الكريم, {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15], {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16], يقرءونه, والماهر بالقرآن يوم القيامة مع السفرة الكرام البررة، يقال لقارىء القرآن : اقرأ ورتل وارتقي، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها؛ فهذا القرآن المقروء في السموات والمقروء في الأرض, لم يقرأ كتاب كهذا الكتاب وليس لأي كتاب أثر في كل العالم مثل أثر هذا الكلام المنزل مِن الله -تبارك وتعالى-, {........تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:1], كتاب مِن الله -تبارك وتعالى- كتب في السماء, ونزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن رب العزة -سبحانه وتعالى- إلى جبريل, ومِن جبريل إلى قلب النبي -صلوات الله والسلام عليه-، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ}[الشعراء:193], {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}[الشعراء:194], ثم كُتِبَ بعد ذلك في الأرض هو هذا الكتاب الذي أكرمنا الله -تبارك وتعالى- به أنْ يبقى عندنا, وأنْ نلمسه بأيدينا، وأنْ نقرأ كلام الرب -جلَّ وعَلا- {مُبِينٍ}, موضح لكل الأمور, {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}, فهو بين, واضح. مبين لكل الأمور كل الأمور التي يحتاج إليها؛ لتتم السعادة والرضوان والهداية إلى طريق الرب -سبحانه وتعالى- والفوز العظيم للفوز وللأمة كله في هذا القرآن كله أنزله الله -تبارك وتعالى-؛ فإنَّ الله -تبارك وتعالى- قد عرفنا فيه بِنَفْسِهِ -جلَّ وعَلا- بذاته، بأسمائه وصفاته، ثم بمخلوقاته -سبحانه وتعالى-، ثم بآلائه في هذا الخلق والوجود، ثم بنشأتنا أول ما أنشأنا الله -تبارك وتعالى- مِن طين هذه الأرض, وخَلَقَ آبائنا, وأَسْجَدَ له ملائكته, ثم الرسالات التي أرسلها الله -تبارك وتعالى- إلى هذه السلالة؛ سلالة آدم مِن أول ما نزلت, وقَصَّ الله علينا فيها رسالة رسالة, كل رسول لماذا قال لأمته، وماذا قيل له, الأحداث التي وقعت, وماذا كانت النتائج، ثم أنَّ الله -فصلنا فيه الطريق الشرعة التي يريدها ويحبها منا -سبحانه وتعالى- فصلها تفصيلًا مِن أدق الأمور في الطهارات إلى أعلى الأمور في أعمال القلوب وتوجهها نحو خالقها وإلهها ومولاها مِن التقوى، والحب والتوكل والتعظيم والإجلال والخشية، ثم كل التشريع الذي تحتاجه الأمة, ويحتاجه الإنسان في هذه؛ ليستقيم في الطريق السوي الصحيح، الصراط المستقيم، اهدنا الصراط المستقيم، توضيح الصراط المستقيم، ثم توضيح الشبه والآثام ليتضح الحق مِن الباطل، {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام:55]، فهذا كتاب عظيم, لا يوجد كتاب ينبغي أنْ يسمى كتاب مثل الكتاب، هذا كلام الله -تبارك وتعالى-, {........تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:1], لكل هذه الحقائق, {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2], حال كون هذا القرآن نزل مِن الله -تبارك وتعالى-, {هُدًى}, هداية, وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أنه هداية للعالمين، كل العالمين يمكن أنْ يهتدوا به؛ لأنه واضح بين, {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:17], فهو وضح الأمور كلها, وهداية خاصة لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين، هدي خاص؛ كما  قال -تبارك وتعالى- : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ........}[البقرة:185], كل الناس يهتدون بالقرآن، المنافق يستطيع أنْ يفهم منه, والكافر يستطيع أنْ يفهم ويعلم ماذا يريد الرب -تبارك وتعالى-, وهو كذلك في ذاته هداية خاصة للمؤمنين، كما قال -تبارك وتعالى-: {الم}[البقرة:1], {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة:2], فهو هداية المتقين هذه هداية خاصة فقد جمع بين هذا وهذا, وأما بالنسبة للمكذبين فإنه يكون عمى عليهم, كما قال -تبارك وتعالى- يقول : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ},فما يسمعون,{وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى}, {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[التوبة:124], {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ........}[التوبة:125],, أي نزول السورة مِن الله تبارك وتعالى-, {........رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}[التوبة:125], وقال في اليهود والنصارى : {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا}, يزدادون بنزول القرآن الواضح, البين مِن الله -تبارك وتعالى- بهذه الآيات طغيانًا وكفرًا, {........وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[المائدة:68], فهو : {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2], خص الله -تبارك وتعالى- البشرى الإخبار بما يسر، ثم خص الله -تبارك وتعالى- أنه هدى أي هنا بمعني الهدى الخاص, {وَبُشْرَى}, بشارة للمؤمنين لعباد الله -تبارك وتعالى- الذين آمنوا بهذا القرآن وأحبوه وقبلوه وأخذوه هو هداية لهم، هداية خاصة لهم يهدي الله -تبارك وتعالى- قلوبهم, ويبشرهم الله -تبارك وتعالى- به، فقد حمل القرآن صنوف البشرى مِن الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين، بشرهم الله -تبارك وتعالى- في هذا القرآن برحمته, برضوانه -سبحانه وتعالى- بأنه سيثبتهم في الدنيا, بأنه سينصرهم ويؤيدهم وعلى الله, {وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ........}[النور:55], وعدهم الله -تبارك وتعالى بالنصر والتمكين, {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[الصف:13], وعدهم الله -تبارك وتعالى- أنْ يحييهم الحياة الطيبة, أنْ يميتهم, أنْ يثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا, وعدهم الله -تبارك وتعالى- بجنته ورضوانه -سبحانه وتعالى- بشارات عظيمة، حمل هذا القرآن البشارات العظيمة مِن الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنون الذين آمنوا بهذا القرآن؛ فالقرآن هدى وبشرى للمؤمنين، مَن هم؟ {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3]فهذه حقيقة المؤمنون, ناس آمنوا هذا في قلوب, ثم يقيمون الصلاة، أقاموا الصلاة، وإقامة الصلاة هي أداؤها على الوجه الأكمل، أنها قائمة مستقيمة غير ليست صلاة معوجة, ولا تكون الصلاة قائمة, مستقيمة إلا إذا استوفت شروطها, وكذلك أركانها، لابد مِن استيفاء الشروط والأركان، فمن شرائط الصلاة أخذ الزينة، ستر العورة والتجمل, الطهارة البدنية الكاملة، طهارة الثياب، طهارة المكان، الطهارة المخصوصة للوضوء للصلاة, والغسل في حالة الجنابة، استقبال القبلة في الصلاة، فالله -تبارك وتعالى- جعل للمسلمين جهة يتوجهون اليها في صلاتهم فلابد مِن استقبال القبلة، دخول الوقت, {........إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103], فلابد يدخل الوقت الصلاة حتى تكون الصلاة صحيحة وقائمة، فهذه الشرائط لابد أنْ تستوي فيها كذلك من الأركان، مِن أركان الصلاة القيام لها لابد أنْ نصلي قيامًا مع القدرة، أما إذا لم نستطع القيام فنجلس فلابد عند الاستطاعة لابد مِن القيام, { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238], ثم أداء حركات الصلاة, أو أوضاعها على النحو الذي عَلَّمَنَا الله -تبارك وتعالى- وبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- صلوا كما رأيتموني أصلي, في صفة الركوع، في صفة الاعتدال، في صفة السجود، كما قال : النبي لمسيء لصلاته, قال له : «إذا قمت إلى الصلاة فَكَبِّر, اقرأ الفاتحة, اركع حتى تطمئن راكعًا، اعتدل حتى تستوي قائما»، وقال النبي : «لا صلاة إلا لمن لم يرفع صلبه مِن الركوع»، لابد أنْ يرفع صلبه مِن الركوع فهذا صفة مِن صفات الصلاة, ركن مِن أركانها الاعتدال مِن الركوع؛ حتى يرجع كل عظم مِن فقار الظهر إلى مكانه، ثم السجود, أُمِرْنا أنْ نسجد على سبعة أعظم، فلا تكون الصلاة قائمة إلا باستيفاء كذلك أركانها, فهم هؤلاء {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}, وهم المؤمنون, {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}, يؤتونها يعطونها الزكاة، {الزَّكَاةَ}, هذه الصدقات سميت زكاة؛ لأنها زكاة للمال، وزكاة للنفس، إخراج هذا الجزء الذي فرضه الله -تبارك وتعالى- في مال المسلم، حق له -سبحانه وتعالى- يُصْرَفُ في مصارفه, {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا........}[التوبة:60], الآية, هذا سماه الله زكاة؛ لأنه تزكية للنفس، المزكي المخرج لهذا المال وتزكية المال، المال يطهر ويطيب عندما يخرج منه حق الله -تبارك وتعالى-, أما إذا بقي فيه حق الله -تبارك وتعالى- فيصير مال خبيث؛ لأنه مال هنا في حق لله لم يخرج منه، {........وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3], {هُمْ}, هؤلاء المؤمنون, الذين يقيمون الصلاة, ويؤتون الزكاة, {.........وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3], {بِالآخِرَةِ}, غير الدنيا الآخرة هي الأمر الآخر الذي سينتهي مطاف الناس إليه، وبقاؤهم فيه وهو يوم القيامة وما يكون في إثره مِن وضع أهل النار في النار, ودخول أهل الجنة إلى جنتهم حيث المستقر, وحيث المأوى، فهؤلاء {بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}, اليقين, الإيقان هو أنهم متأِكدون مِن هذا تمام التأكيد، فهم مؤمنون به مصدقون به، واثقون ومتأكدون مِن أنَّ هذا سيكون حتمًا ولابد, فهؤلاء الذين يوقنون بالآخرة, وهؤلاء القرآن لهم هدى وبشرا، {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2], {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3], هؤلاء الذين استفادوا بالقرآن, يوجد جهة أخرى, ناس آخرين لم يستفيدوا بالقرآن، قال -جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}[النمل:4], {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5], {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ........}[النمل:4], تأِكيد مِن الله -تبارك وتعالى- بإنَّ, {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ}, والذين لا يؤمنون بالآخرة هلَّا بلا شك إنهم كفروا بالله حتى وإنْ كانوا معتقدين بأنَّ الله -تبارك وتعالى- هو ربهم وخالقهم, ولكنهم لا يؤمنون بأنه سيعيدهم فهذا كفر بالله -تبارك وتعالى-؛ لأنهم يجعلون الرب -تبارك وتعالى- عاجزًا على أنْ يعيدهم مرة ثانية، ثم كذلك هم واصفون للرب -تبارك وتعالى- بما لا يليق به, بأنه خَلَقَ هذا الكون عبثًا وسدىً، ولا غاية مِن ورائه, إذا لم تكن هناك حكم في الآخرة، وثواب لأهل الجنة وعقوبة لأهل النار، أعني ثواب الجنة للطائعين, الذين أطاعوا الرب -تبارك وتعالى-, وعقوبة النار للعاصين, الكافرين بالله -تبارك وتعالى- لو لم يكن ذلك؛ لكانت هذه الحياة عَبَث, لكانت هذه الدنيا كلها عَبَث ولا معنى لها, وكان الفائز فيها هو المجرم الأَفَّاك الذي فعل ما يشاء لينال أغراضه، وينال ما يشتهي ويهوى، وكان الخاسر هو المؤمن، الزكي، الطيب، الذي يحافظ على حقوق الآخرين، ولا يعتدي، ولا يظلم، يكون هذا هو المغبون، يكون هذا هو المغبون، ويكون المجرم الأفَّاك الظالم، الفاجر هو الذي فاز بهذه الحياة؛ لأنه تمتع في هذه بالحياة، ولا حكومة، لا جزاء للمحسن, ولا مجازة للمسيء، فهذا سَبٌّ لله -تبارك وتعالى- واتهام الله له -جلَّ وعَلا-, فالذين لا يؤمنون بالآخرة وباللازم هذا كفرهم بالله -تبارك وتعالى- على هذا النحو, واتهامهم بالله -جلَّ وعَلا-, الله يقول : {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}[النمل:4], عاقبهم الله -تبارك وتعالى- بهذه العقوبة العظيمة, {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}, التزيين، التحسين والتجميل، فالأمر المزين هو المُحَسَّن، هو المجمل، {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}, القبيحة, أعمالهم مِن الكفر والفسق والظلم، كل هذا العمل رأوه في أعينهم حسن؛ ولذلك استمروا فيه وساروا فيه, ورأوا أنَّ هذه الطريقة المثلى كما كان يقول فرعون لقومه, وكل عمل مؤسس على الجهالة والظلم والكفر والعناد في ادعائه أنه رب الناس, قال : {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, كَذِب ليس هو رب الناس ولا إلههم، وكذلك ظلمه لمن تحت يديه, { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4], لكنه كان يقول لقومه وهو يعيش هذه العيشة, ويعبد الناس له كان يقول لهم : {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}[طه:63], يذهبا بطريقتكم المثلى في الحياة, فهو يرى أنَّ هذا هو الفعل الأمثل, وأنَّ الذي يأمر به إنما هو قال :  {........مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29], فهذا سبيل الرشاد في ظنه، وهكذا كل الكفار في كل عصور والأنصار زُيِّنَت لهم أعمالهم, ورأوا أنَّ عملهم حَسَن، الذين بُعِثَ فيهم النبي -صلوات الله والسلام عليه- كانوا يرون مِن العرب, المشركين الذين ناوؤا الرسول كانوا يروا أنَّ طريقتهم هي الطريقة المثلى فالآلهة التي يعبدونها هو هذا العبادة الصحيحة؛ ولذلك الأمر الصحيح؛ لذلك قال : { أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]، {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:5], فكانوا يتعجبون مِن أنْ يوحدوا الرب -تبارك وتعالى-, ويستمرئون ويستحبون, بل يرون أنَّ هذا هو الحق في أنْ يعبدوا هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر, ثم طرقهم في الظلم والفسق والفجور، وتحليلهم ما يشاءون، وتحريمهم إلى ما يشاءون دون الرجوع إلى الرب, الإله, الخالق -سبحانه وتعالى- ,وانتظار حُكْمِهِ يرون هذا هو الطريق الأمثل ويرون أنَّ ما دعا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن عبادة الله وحدة لا شريك له ومِن السير على طريقة أنَّ هذا طريق معوج، وإنه خرج، وإنه صبأ، وإنه خرج عن الطريقة المثلى فكل كافر زين له وأعلم، {{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ.........}[فاطر:8], فهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة, قال-جلَّ وعَلا- : {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ........}[النمل:4], زين الله -تبارك وتعالى- لهم عملهم بمعني جَمَّلَ عملهم الخبيث في أعنيهم, وجعلهم ينظرون إليه أنه عمل حسن؛ ولذلك استمرأوه واستحبوه، بل استعدوا أنْ يموتوا في سبيله, وأنْ يجاهدوا على هذا الأمر الذي رأوه أنه هو الطريقة المثلى، عقوبة لهم مِن الله -تبارك وتعالى-، عقوبة لهم مِن الله -تبارك وتعالى-، وهذا مِن صنيع الرب والله -تبارك وتعالى-, ولكن الذي يباشر هذا الأمر إنما هو الشياطين يرسلهم الله -تبارك وتعالى- عليهم, {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83], وقال : {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النحل:63], مِن عقوبة الله -تبارك وتعالى- أنْ سلط عليهم الشيطان؛ وذلك ليأخذ منه ما يأخذ, كما قال له الله -تبارك وتعالى- : {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63], {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}[الإسراء:64], {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ........}[الإسراء:65], فالشيطان أطلقت يده في هؤلاء الكفار لما تركوا طريق الرب -تبارك وتعالى-, واتبعوا الشيطان؛ فالشيطان زين لهم أعمالهم على هذا النحو, وكما قال الهدهد لسليمان, قال له : {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:22] {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:23], {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}[النمل:24], هذه كلمة حق, هذا كلام وإنْ كان صدر مِن الهدهد فكله حق، قد أقر عليه أنَّ الشيطان زين لهؤلاء عبادة الشمس، واتباع وجعل هذه المرأة على رؤوسهم قال : {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}[النمل:23], { وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}[النمل:24], {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}[النمل:25], أي هذا هو الحق, الصحيح أنْ يُسْجَدَ لله -تبارك وتعالى-, {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37], {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}, {يَعْمَهُونَ}, العمه هو العمى، والأعمه هو الذي وُلِدَ على هذه الحالة لم يرَ شيء, ومعنى يعمهون يسيرون في دروب الغواية والظلام سيرًا أعمى الذي لا يعرف ولا يدري إلى أين يسير وهذا حال الكافر، وهذا حال الكافر -عياذًا بالله-، {أُوْلَئِكَ}, قال -جلَّ وعَلا- : {.......الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5], {أُوْلَئِكَ}, أبعدهم الله, بالإشارة للبعيد, {الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ}, {الَّذِينَ لَهُمْ}, أي في الآخرة, {........سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5], {سُوءُ الْعَذَابِ}, العذاب السيء، وعذاب الله -تبارك وتعالى- الكفار في غاية السوء, أولًا مِن حيث الإهانة فأنهم يهانون ويزلون، تنزع روحه والضرب عليه، {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الأنفال:50], فمنذ نزع الروح ويبدأ بالضرب؛ ضرب الملائكة له، ثم يُبَشَّرُ بالنار يقوله هذا النار، ثم يهان في قبره، ثم يحشر على وجهه، {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:34], فحشره على وجهه, أي يمشيه الله -تبارك وتعالى- يجعله يمشي على وجهه ويذهب إلى النار على هذا النحو هذه إهانة الدع, {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}[الطور:13]، أي يدوزن فيها دزًا قويًا، يُدْفَعُونَ فيها دفعًا قوي، الملائكة تدفعهم, {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ}[الرحمن:41], يؤخذ مِن ناصيته إلى النار, ويؤخذ مِن قَدَمِهِ إلى النار؛ فهو عذاب مهين لهم, {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ........}[النمل:5], يعذب عذاب سيء وبالتالي كذلك في النار، لا يُدْخَلُ فيها  إدخالًا كريمًا, ولكن يُدْخَلُ في الإدخال المهين، كما قال -تبارك وتعالى- : {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}[الحج:19], {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}[الحج:20], وعندما يصب مِن فوق رؤوس الحميم يقال له : {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان:49], وعندما يستغيث يغاث بعذاب أشد مما هو فيه, {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}[الكهف:29], فلهم سوء العذاب عند الله -تبارك وتعالى-, {........وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5], لا أخسر منهم؛ لأنَّ الخسارة ممكن أنْ يخسر الإنسان يسمى خسارة أنْ يخسر ماله، أنْ يخسر أولاده، لكن الكافر الذي يعطي في النار يخسر نفسه؛ فإنه أوردها النار وهذا النفس خسرها بأنها لا يموت في النار ولا يحيا فيبقى معذبًا فيها عذابًا أبديًا, {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الزمر:15].

فهتان صفحتان؛ صفحة أهل الإيمان، وصفحة أهل الكفر، وهاتان الصفحتان هما بإيذاء القرآن, هذا القرآن رسالة الله -تبارك وتعالى- إلى العالمين, آياته البينة هذه جاءت {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2]، هؤلاء {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3] ، فهؤلاء القرآن لهم هداية؛ هداية توفيق، وبشرى لهم مِن الله, يحمل بشرى لهم  أنواع المبشرات لهم، وأما بالنسبة للكفار فأنهم في عمى عن هذا القرآن توجد حوالة بينهم، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}[الإسراء:45], {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}[الإسراء:46], فيصبح هذا لقرآن عمى عليهم, وتوجد حوالة بينهم وبينه لا يفقهونه, وبالتالي يزين لهم عمله الباطل مما هم فيه مِن شرك وكفر عناد؛ يصبح هذا فيه عقولهم وقلوبهم حسن عندهم, ويظلون على هذا الحال حتى يكون مآلهم هذا المآل, {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5], نسأل الله -تبارك وتعالى- ألا يجعلنا منهم ولا معهم.

ثم قال -جلَّ وعلَا- : {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:6], هذا القرآن الذي فرق الناس على هذا النحو تلقاه تأخذه, {مِنْ لَدُنْ}, مِن عند, {حَكِيمٍ عَلِيمٍ}, الله -تبارك وتعالى- الحكيم والعليم.

نقف -إنْ شاء الله- عند هذا الآية, ونكمل في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.