الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (455) - سورة النمل 6-14

   الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه, وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد؛ فيقول الله -تبارك وتعالى- : {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:6], {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}[النمل:7], {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل:8], {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النمل:9], {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}[النمل:10], {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النمل:11], {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[النمل:12], {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}[النمل:13], {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[النمل:14].

هذه الآيات مِن سورة النمل التي بدأها الله -تبارك وتعالى- بهذين الحرفين المقطعين, {طس}, ثم نَوَّهَ بهذا القرآن المنزل على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- مِن الرب العلي, العظيم -جلَّ وعَلا- فقال : {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ}، {تِلْكَ}, بالإشادة بهذا, {وَكِتَابٍ مُبِينٍ}, {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2], حصر الله -تبارك وتعالى-  البشارة هنا بعباد الله المؤمنين, الذين آمنوا بهذا القرآن وعملوا به، {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3].

ثم بدأ ذكر الفصيل الآخر الذي لم يؤمن بهذا القرآن, قال : {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}[النمل:4], أي أنه جُمِّلَتْ أعمالهم الخبيثة في نظرهم, وبالتالي فهم يعمهون يسيرون على غير هدي مثل الأعمى الذي لا يبصر الطريق, {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5].

ثم أكد الله -تبارك وتعالى- أنَّ تنزيل القرآن على النبي منه؛ مِن الرب, الإله, قال : {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:6], تلقاه مِن جبريل أمين رب العزة -سبحانه وتعالى-, {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ}, أي يلقى إليك, {........مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}[النمل:6], الحكيم الذي يضع كل أمر في نصابه, العليم بكل شئون خَلْقِهِ -سبحانه وتعالى-, ومِن حكمته وعلمه إنزال هذا القرآن على هذا النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-.

 ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- موسى بن عمران النبي -صلوات الله والسلام عليه-, نبي بني إسرائيل, ورسولها العظيم مِن أولي العزم مِن الرسل, وكيف كان كفر الناس به مع ظهور آيات الرب -تبارك وتعالى-, وكذلك كيف كان أهل الإيمان معه، نفس القصة التي تتكرر مع كل نبي، قال -جلَّ وعَلا- : {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}[النمل:7], هذا موسى بن عمران -عليه السلام- يذكر الله -تبارك وتعالى- مِن قصته هنا بدءً بنزول الوحي عليه, الذي لم يكن ينتظره, ولا كان على موعدة به, وإنما فاجأه هذا الأمر وهو عائدًا  بأهله مِن مَدْيَن التي فر فيها مِن أرض مصر بعد أنْ قتل الفرعوني وجاءه مَن يخبره, قال : {.........إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}[القصص:20], {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[القصص:21], {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}[القصص:22], ورد ماء مَدْيَن, وحصلت القصة التي ستأتي بسورة القصص، قصها الله -تبارك وتعالى- وفي هذه القصة عرض عليه الرجل الصالح في مَدْيَن أنْ يزوجه بنتًا مِن إحدى ابنتيه على أن يكون أجيرًا عنده ثماني حجج، وإنْ أتم عشر, تكون عشر سنوات فيكون هذا تطوع وتبرع مِن موسى، وأتم موسى العشر, ثم عاد بأهله بعد ذلك؛ لينظر ما الأمر, ترك أمه، وترك أخاه وأهله بمصر، وترك بني إسرائيل كلهم بمصر, وهو كان خارج وحده إلى مَدْيَن فارًا مِن مصر, ثم رجع بعد ذلك, وظن أنَّ الأمر الآن بعد عشر سنوات تقادمت قضيته, وأنه بعد ذلك ربما أنَّ القوم قد نسوه؛ فهو في أثناء وهو في الطريق سيناء عند الواد المقدس, قال -جلَّ وعَلا- : {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ........}[النمل:7], زوجته, {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا}, آنسها بمعنى أنه أَنِسَ لها ورآها مِن بعيد، رأى نارًا مِن بعيد وكان في ليلة شاتية باردة, ويبدو أنه قد ضل الطريق؛ فقال لقومه : {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ}, بخبر عن الطريق, أي مَن يدله لعله يجد عند هذه النار, نار موجودة في الصحراء معناها أنَّ حولها أناس يأنس بهم في وحشة الطريق, يدلونه على الطريق، {........أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}[النمل:7], الشهاب هو العود الذي يكون هناك نار في رأسه، {قَبَسٍ}, مِن هذه النار, {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}, تتدفئون بهذه النار؛ فترك أهله مِن أجل هذا الأمر, وانظر ما أتاه الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك ذهب ليطلب نارًا؛ فجاءه النور العظيم, الرسالة العظمى مِن الله -تبارك وتعالى-, كلام الرب -جلَّ وعَلا-, قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا جَاءَهَا}, جاء النار, {........نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل:8], نور تسطع, وجد هذه النار نور يسطع ونار كأنها تشتعل في شجرة مِن أشجار العليق؛ كما جاء عند أهل الكتاب، وأنها تشتعل فيها, هذه النار تشتعل فيها وهي خضراء ما تأكلها النار، {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ}, قيل : {مَنْ فِي النَّارِ}, مِن نور الرب -جلَّ وعَلا-, أو الملائكة الذين احْتَفُّوا وكانوا حول هذه النار, {وَمَنْ حَوْلَهَا}, مِن ملائكة الرب -جلَّ وعَلا- وموسى الذي باركه الله -تبارك وتعالى-, {........وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل:8], تنزيه لله -تبارك وتعالى- عن كل ما يليق به  فهو الرب، رب العالمين، خالق الخلق أجمعين، سيدهم -سبحانه وتعالى-, المستوي على عرشه, وعرشه سقف مخلوقاته -جلَّ وعلا-, {.........وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل:8], {يَا مُوسَى}, نداء مِن الله -جلَّ وعَلا- لموسى, {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النمل:9], {يَا مُوسَى}, نداء مِن الله -تبارك وتعالى- إلى موسى باسمه, {إِنَّهُ}, الشأن والحال الذي هذا يناديك الآن ويكلمك, {أَنَا}, الله هو الذي يتكلم, {اللَّهُ}, هذا عَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى- المعلوم به في كل الخَلْقِ, في كل الأُمَم والشعوب, {الْعَزِيزُ}, الغالب الذي لا يغلبني أحد، {الْحَكِيمُ}, الذي يضع الأمور في نصابها، وأعلمه الله -تبارك وتعالى- باسمه وبصفته هنا؛ وذلك تنويهًا وتنبيهًا إلى المهمة العظيمة التي سَيُكَلَّف بها موسى, وهي رسالة يحملها إلى أكبر طاغوت في الأرض وملك جبار متجبر فيعلم أنَّ الذي أرسله إنما هو الرب, الإله, الله -سبحانه وتعالى-, {الْعَزِيزُ}, الغالب الذي لا يغلبه أحد, {الْحَكِيمُ}, الذي يضع الأمور في نصابها؛ فحمله هذه الأمانة, {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[النمل:9], {وَأَلْقِ عَصَاكَ}, أمره الله -تبارك وتعالى- بأنْ يلقي العصا التي معه, وقد جاء في سورة طه أنَّ الله -تبارك وتعالى- سأله عن هذه العصا أولًا ماهي هذه, {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}[طه:17], {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:18], عصاة كعصاة الراعي يستخدمها, وهو قد عاش راعي الغنم عشرة سنوات، عصاة راعي يهش بها على غنمه, يتوكأ عليها عند قيامه, وعند جلوسه, {........وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}[طه:18], مِن قياس الماء، مِن نحو ذلك، مِن إزاحة شيء، مِن قَتْلِ حية، مِن نحو مما تستخدم فيه العصا، فهي عصا مِن جملة العصيات؛ فقال له الرب -تبارك وتعالى- : {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى}[طه:19], {وَأَلْقِ عَصَاكَ}, قال -جلَّ وعلا- : {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ}, لما رأى العصا تحولت, {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}, كأن هذه العصا جان، الجان هو ذَكَر الحيَّات، ويكون أشد حركة وشراسة فتتحرك على هذا النحو, أصبحت ثعبانًا عظيمًا يتحرك كأنه ذَكَر مِن ذكران الحيات، {وَلَّى مُدْبِرًا}, {وَلَّى}, أعطى ظهره للنداء وظهره لهذه النار؛ فارًا مما رآه مِن الرعب, {وَلَمْ يُعَقِّبْ}, أي ينظر إلى عقبه, وينظر خلفه, ترك العصا وما فيها التي أصبحت حية, ولم يعقب عليها لينظر فيها بل ووجهته الفرار وليس غيره؛ فنودي وهو على هذه الحال, {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}[النمل:10], {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النمل:11], {يَا مُوسَى}, نداه الرب -تبارك وتعالى-, {لا تَخَفْ}, هذا تأمين مِن الله -تبارك وتعالى-, {........إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}[النمل:10], {إِنِّي}, الله -تبارك وتعالى-,{لا يَخَافُ لَدَيَّ}, عنده -سبحانه وتعالى-, {الْمُرْسَلُونَ}, الذين اختارهم واختصهم, بل هم في موضع الأمان مِن الرب -تبارك وتعالى-؛ لأنهم رسله الذي يؤيدهم وينصره ويقويهم -سبحانه وتعالى-, {إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النمل:11], أي الذي له أنْ يخاف مِن الرب, مِن عقوبته, {مَنْ ظَلَمَ}، والظلم درجات, وكل معصية لله -تبارك وتعالى- ظلم للنَّفْس، {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ}, لو أنه بدل الحسن, {بَعْدَ سُوءٍ}, التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-, {فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}, فإنَّ الله -تبارك وتعالى- يغفر له ويسامحه -سبحانه وتعالى-, هذه كانت آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, وأراد الله -تبارك وتعالى- أنْ يُعَلِّمَهُ كيف تكون هذه الآية في إلقائها ثم كذا، وقد جاء في الآيات الأخرى إنَّ الله -تبارك وتعالى- أمره قال له : {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى}[طه:21], فأخذها, أخذ عصاه؛ فعادت عصا كما كانت.

ثم قال -تبارك وتعالى- له : {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ........}[النمل:12], {أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ}, الجيب شق الثوب, فتحة ثوبه إما مِن هنا, وإما لها شق آخر أدخلها فيه, استرها مده يسيرة ثم أخرجها مرة ثانية, {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}, يد بيضاء في جسد رجلٍ آدم أسمر، هذه معجزة خارقة العادة؛ فإنَّ الجلد لا يتلون قَطّ أصلًا, لا يتحول لون جلد الإنسان في أي سَنَةٍ مِن سني عمره، فإدخال مجرد ستر اليد في ثوب، سواء ثم إخراجها يتحول لون الجلد إلى لون أبيض, {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}, مِن غير بَرَص، ومِن غير مرض، ثم تعود كما كانت بعد ذلك, آية مِن آيات الله -تبارك وتعالى-, ثم ذَكَرَ الله -تبارك وتعالى- أجمل قال : {فِي تِسْعِ آيَاتٍ}, أي أرسل الله -تبارك وتعالى- في تسع آيات هاتان آياتان عصاه التي تصبح حية, ويده السمراء التي يدخلها, يسترها قليلًا في ثوبه ثم يخرجها فتخرج بيضاء مِن غير سوء، تسع آيات, وقد أخبر -سبحانه وتعالى- عن بقية هذه الآيات بأنها كان أنواع مِن العذاب الذي أرسله الله -تبارك وتعالى- على قوم فرعون، عذاب خارق للعادة, قال : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف:133], ثم الرجز كذلك, قال -جلَّ وعَلا- : {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الأعراف:134], {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}[الأعراف:135], أرسله الله -تبارك وتعالى- في هذه الآيات البينات، المبصرات، التي هي خوارق عظيمة جدًا للعادات فإنَّ الدم مثلًا يؤخذ الماء مِن النهر, ثم إذا وُضِعَ في الآنية يضعه أهل فرعون في الآنية؛ فيتحول في آنيتهم إلى دم عبيط، آية يراها كل واحد الصغير والكبير، الفلاح والعامل، والمَلِك وكل أحد يرى هذه الآية أنَّ ماءهم العذب, ماء النهر, نهر النيل العذب يتحول بمجرد أنْ يوضع في آنيتهم الى دمٍ عبيط، وقال كان عندهم بني إسرائيل يأخذون الماء فيصبح ماءًا يشربونه، فيرون هذه الآيات العظيمة؛ كما قال -جلَّ وعَلا- : {........آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف:133], {فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ}, أرسل الله -تبارك وتعالى- هذا النبي الكريم, الأمين على وحي الله -تبارك وتعالى-, الداعي إلى الله إلى فرعون وقومه بهذه الآيات التسع، قال له الله -عز وجل- : {........إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[النمل:12], خارجين عن طاعة الله -تبارك وتعالى-؛ فقد عبدوا بشر أَلَّهُوهُ وجعلوه إلهًا لهم يعبدونه مِن دون الله, {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}, وعبدوا ما عبدوا بعد ذلك واعتقدوا ما اعتقدوا مِن الثقافات والأوهام التي اعتقدوها, وهم فاسقون عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، هذا في اعتقادتهم, وفي أعمالهم, وكذلك في معاملتهم لغيرهم، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4].

قال -جل وعلا- : {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}[النمل:13], {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ}, وهم فرعون وقومه، {آيَاتُنَا}, نسب الله -تبارك وتعالى- الآيات إلى نَفسِهِ -جل وعلا-, آيات الرب -جل وعلا-, آيات الله, {مُبْصِرَةً}, أنها واضحةٌ لكل ذي بصر، ولكل ذي عينين؛ فالآية نفسها مبصرة, نسب الله -تبارك وتعالى- البصر إلى الآية؛ لأنها آية كأن هذه الآية تقول : أنا آية مِن الله -تبارك وتعالى-, وإذا رآها كل مَن يراها عَلِمَ أنها أمر خارق عن العادة, ولا يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى- فتحويل العصا هذه إلى حية، ثم تحويلها إلى عصا مرة ثانية آية، ظاهرة ومبصرة، وكذلك يد موسى -عليه السلام-, وكذلك الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم كلها آيات فصلها, قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً........}[النمل:13], حال كون هذه الآيات مبصرة، {........قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}[النمل:13], نسبوا هذه الآيات إلى أنَّ هذا مِن سحر موسى، أنه رجل ساحر, عليم بالسحر, وأنَّ هذه الآيات التي يأتي بها, والخوارق التي يأتي بها إنما هي مِن قبيل السِّحْر, قال -جلَّ وعَلا- : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ........}[النمل:14], {وَجَحَدُوا بِهَا}, جحدوا بهذه الآيات، الجَحْد هو إنكار الحق بعد العلم به, أي علموا الأمر على حقيقته, ولكنهم أنكروه, وقالوا لا، أي علموا أنَّ هذه هي آيات الله -تبارك وتعالى-, ولكنهم جحدوا وأنكروه وقالوا هذا سحر مبين ، {وَجَحَدُوا بِهَا}, جحدوا بهذه الآيات، {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}, أي ما كانوا يعلمونها مجرد علم, وإنما يقين, واليقين هو العِلْم الذي يجعل المعلوم كالمحسوس، فإنَّ المحسوس لا يكابر فيه إلا مكابر، فمثلًا مَن ينكر الشمس وهي محسوسة، منظورة، ومَن ينكر نَفْسَهُ، ومَن ينكر مَن يلمسه لا يجادل في المحسوس إلا معتوه العقل، لا عقل له فهذه الآيات جاءتهم مبصرة, وقد علموها علم يقيني, رأوها بأعينهم وتقيونها تيقن مَن يرى الأمر المعلوم كالمحسوس, وهي أمور الآيات التي رأوها أمور محسوسة, وعلموا أنَّ الذي وراء هذا, وأنَّ الذي أتي بهذا إنما  هو الله -تبارك وتعالى- فهم موقنين بأنها آيات الرب -تبارك وتعالى-, كما جاء في قول موسى -عليه السلام- لفرعون : {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}[الإسراء:102], {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ........}[النمل:14]. قال -جلَّ وعلا- : {ظُلْمًا وَعُلُوًّا}, {ظُلْمًا}, لأنفسهم, وليس ظلمًا لله -تبارك وتعالى-؛ فقد ظلموا أنفسهم بأنْ عرفوا الحق وردوه، {وَعُلُوًّا}, استكبارًا منهم أنْ يؤمنوا لنبي مِن قومٍ هم مِن خدمهم وعبيدهم؛ فقد كان ينظر المصريون الفراعنة لبني إسرائيل على أنهم قوم مِن العبيد والخدم، {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}[المؤمنون:47], أي وقوم موسى وهارون, {لَنَا}, للمصرين, {عَابِدُونَ}, يعبدوننا، فأنهم قد استعبدوهم ويكلفونهم بالأعمال الشاقة والسخرة, ويسمونهم سوء العذاب ويفعلون بهم الفعل المنكر، الفاحش بأنْ يقتلوا ذكورهم ويبقوا نسائهم حيات؛ فقالوا : كيف نزعن ونقر ونتبع ناس هم مِن قوم, هم مِن السفلة, ومِن عبيدنا وأرقائنا، علو هذا استعلاء, والحق ينبغي أنْ يؤمنوا، الحق والصدق ينبغي أنْ يؤمن به ويصدق, ولا يرد لأي هذه لا اعتبار لذلك؛ لأنَّ الحق فوق كل شيء، وهؤلاء قد جاءوا بالحق المبين مِن الله -تبارك وتعالى- فكان يجب أنْ يزعن لهم, وأنْ يؤخذ قولهم ولكنهم أنفوا, {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ}[يونس:78], لا يمكن أنْ نؤمن, ولا  يمكن أنْ ندخل في هذا الدين الذي يدعونا إليه ناس مما هم دوننا, وهم مِن عبيدنا وأرقائنا, {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}, {ظُلْمًا}, أنَّ فعل هذا ظلم؛ لأنَّ الظلم هو وضع الأمر غير في غير محله, وهؤلاء وضعوا كل أمر في غير محله، بدلًا مِن أن يؤمنوا بالله -تبارك وتعالى- جحدوا جحود بالله -تبارك وتعالى- وهو الذي اختاروه, وبدلًا مِن أنْ يكفروا بالطاغوت آمنوا بالطاغوت وعبدوه، لما قال لهم إني مَلِكُهُم : {........يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الزخرف:51], {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}[الزخرف:52], فالله يقول : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ........}[الزخرف:54], وهذا مِن الظلم أنْ يطيعوا الكاذب, الأفاك, الذي يدعوا الناس إلى عبادته, ويتركوا الصادق, الأمين, الذي يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-, {ظُلْمًا وَعُلُوًّا}, قال -جلَّ وعَلا- : {........فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[النمل:14], هذا توجيه من الله -تبارك وتعالى- إلى المخاطبين, والخطاب هنا موجه إلى النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وإلى كل مَن وُجِّهَ إليه هذا القرآن, {........فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[النمل:14], العاقبة هي النهاية والمآل الذي آل إليه هؤلاء المفسدين في الأرض, مفسدين بكل أنواع الإفساد؛ لأنَّ الدعوة إلى عبادة غير الله -تبارك وتعالى- أكير إفساد في الأرض، ثم الدعوة إلى معاصي الله -تبارك وتعالى- وارتكاب مِن الإفساد في الأرض؛ لأنه لا ينبع مِن الشرك والكفر إلا كل فساد؛ كما أنه لا ينبع مِن التوحيد والإيمان بالله -تبارك وتعالى- إلا كل خير، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90], فهذه سُنَّةُ الله -تبارك وتعالى- في الرسالات أنه لا يأمر عباده -سبحانه وتعالى- إلا بالخير، الرسل جميعًا قد جاءوا بالخير والنور، {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}[النور:34]، فالله -تبارك وتعالى- لا يأمر عباده على ألسنة الرسل إلا بكل خير -سبحانه وتعالى-, ولا ينهاهم إلا عن كل شر، وأما الطواغيت فأنهم لا يأمرون إلا بالشر، ولا ينهون إلا على الخير فهؤلاء مفسدون, كل عملهم إنما هو في الإفساد, {........فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[النمل:14],  وهذه العاقبة التي كانت للمفسدين قد بَيَّنَهَا الله -تبارك وتعالى- وشرحها في الآيات؛ فقد بَيَّنَ -سبحانه وتعالى- أنَّ موسى مكث في قومه بعد ذلك يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-, ويأمرهم بالصبر على أذي قوم فرعون، وأنهم تململوا من طول أيام الصبر, {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا........}[الأعراف:129], فقال لهم : {........عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:129], وصبر موسى ومِن معه وأتاهم الله -تبارك وتعالى- الآيات تلوا الآيات ورد الفراعنة كل هذه الآيات, ثم كان بعد ذلك في النهاية مِن شأن الله -تبارك وتعالى- أنْ حكم باستئصالهم وبإغراقهم؛ فأمر موسى -عليه السلام- بأنْ يخرج هو وقومه مِن أرض مصر ليلًا, قال : {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}[الدخان:23], وجاء فرعون فنادى في قومه أنْ يخرجوا جميعًا خلفهم؛ ليردوهم مرة ثانية إلى العبودية, وأنه كيف عَنَّ لهم وخرجوا مِن طوعهم بهذه الصورة, وأغاظوهم هذه الإغاظة, قالوا : {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}[الشعراء:54], {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ}[الشعراء:55], {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}[الشعراء:56], وأنه لابد أنْ نرجعهم مرة ثانية إلى القهر والذُّل الذي كانوا فيه؛ فخرجوا، خرجوا رجالهم عن بكرة أبيهم يقودهم الفرعون لهذه المهمة, وكان مِن شأن الله -تبارك وتعالى- أنْ أمر موسى أنْ يضرب بعصاه البحر, وأنه انفلق فكان كل فلق كالطود العظيم, ثم أنَّ الله -تبارك وتعالى- أمر موسى أنْ يدخل هو وقومه في بحر حتى خرجوا, قال : {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى}[طه:77], فخرج موسى وكل معه, أنجاهم الله -تبارك وتعالى- أجمعين, لم يضل منهم في الطريق طفل صغير, ولا امرأة عجوز بل كلهم خرجوا, أنجاهم الله -تبارك وتعالى- موسى وكل مَن كان معه مِن الرجال والنساء والأطفال, ثم أنَّ الله -تبارك وتعالى- أطبق البحر بعد ذلك على قوم فرعون فأغرقهم الله -تبارك وتعالى- جميعًا, كما قال -جلَّ وعَلا- : {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}[الزخرف:55], {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ}[الزخرف:56], جعلناهم سلفًا لكل ظالم؛ حتى كل ظالم يأتي بعدهم فيعلم عاقبة الظلم، انظر عاقبة الظلم والتجبر والجبروت, انظر كيف صنع الله -تبارك وتعالى في هؤلاء واعتبر بها, وإلا فاعلم أنَّ المصير هو المصير، فهنا يُعَجِّبُ الله -تبارك وتعالى- رسوله, قال : {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف:103], كيف أهلكهم الله -تبارك وتعالى-, هذه يأتي أجمل الله -تبارك وتعالى- هذه قصة موسى على هذا النحو في هذه السورة بعد هذه الإشادة بهذا القرآن المنزل على عبد ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-, والذي كان يختلف فيه قومه هذا الاختلاف, ويجابهوا في هذا الوقت كانوا يجابهوا النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتكذيب ورد الحق, وأنهم لم يؤمنوا بهذا القرآن, قالوا : {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}, فيقص الله -تبارك وتعالى- عليهم هذا؛ لِيُبَيِّن لهم عاقبة الظلم, وعاقبة المجرمين, انظروا كيف كان عاقبة المجرمين على هذا النحو.

ثم بعد ذلك يشرع الله -تبارك وتعالى- في بيان فضله وإحسانه -سبحانه وتعالى- على عباده المؤمنين, ومِمَن اتبعوا موسى -عليه السلام-, قال : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}[النمل:15], فهؤلاء هم المؤمنون, انظر كيف كان عاقبة المؤمنين, بعد أنْ بَيَّنَ الله-تبارك وتعالى- عاقبة الكفار يُبَيِّنُ الله -تبارك وتعالى- عاقبة أهل الإيمان مِن نسل موسى ابن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

 هذا نأتيه -إن شاء الله- في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم مِن كل ذنب, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.