الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (460) - سورة النمل 64-69

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:64]، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النمل:65]، {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل:66]، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}[النمل:67]، {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[النمل:68]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل:70]، قول الله -تبارك وتعالى- {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}، هو تذكير من الرب -تبارك وتعالى- بعقد المقارنة بين الرب الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-؛ المستحق وحده للعبادة، وبين ما يعبده هؤلاء المشركون من دون الله -تبارك وتعالى-، وقد جاء هذا الفاصل بدءًا بقول الله -تبارك وتعالى- {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، كل المحامد له -سبحانه وتعالى-، فهو الرب الإله خالق كل شيء، مدبر كل أمر -سبحانه وتعالى-، {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ........}[النمل:59]، هؤلاء وحدهم هم الذين سلمت عباراتهم وكلامهم من الميل ومن الإلحاد، وهم الذين أخبروا عن الله -تبارك وتعالى- بما هو الحق، لأنهم مكلفون من قبل الله -تبارك وتعالى- بالإخبار عن الله وعن غيبه، {........ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل:59]، مقارنة بين الرب الإله الله -سبحانه وتعالى- وبين ما يشركونه من دون الله، ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- من صفاته، قال {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}[النمل:60]، {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[النمل:61]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[النمل:62]، {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل:63].

ثم قال -جل وعلا- {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، فالله هو الذي بدأ الخلق من النهاية ولا شيء معه، كل الخلق؛ كل خلق الله -تبارك وتعالى- الله هو الذي بدأه -سبحانه وتعالى- ثم يعيده، خلق الإنسان بدأ الله -تبارك وتعالى- الإنسان خلقه من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين على هذا النحو، ثم قدر له الموت، ثم قدر له -سبحانه وتعالى- أن يعيده إلى الحياة مرة ثانية ليسأله، لتكون المسائلة بين يديه عن عمله؛ عن الخير والشر، {ثُمَّ يُعِيدُهُ}، ثم {وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}، يرزقكم من السماء؛ المطر النازل هذا هو سبب رزق الناس وسبب حياتهم، كل حياة قامت في الأرض إنما هي بالمطر الذي أنزله الله -تبارك وتعالى- من السماء، كان به شرب الناس، حياة النبات، حياة الزرع، حياة كل ذي حياة، كلها من الماء النازل من السماء، ثم من الأرض؛ من الأرض، من النبات الذي يخرجه الله -تبارك وتعالى- من هذه الأرض فتكون عليه الحياة، والإنسان يعيش على هذا الرزق النازل من السماء وعلى هذا الرزق الذي يخلقه الله من الأرض، {وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}، يعني هل ثمة إله يستحق الألوهية مع الله -تبارك وتعالى-، إله يستحق الألوهية يعني يستحق العبادة، أن يكون خالقًا، رازقًا، هو يفعل مثل هذا، الحال أنه ليس هناك إله حق مع الله -تبارك وتعالى-، وإنما كل من أدعيت له الألوهية فباطل كذاب، كذب لأنه لا إله معه -سبحانه وتعالى-، لا إله على الحقيقة لأن الإله يجب أن يكون خالقًا، رازقًا، يحيي ويميت، يملك عابده، ينفعه ويضره، وليس هناك من إله في الوجود إلا الله -تبارك وتعالى- يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويملك عابده، لا عيسى ولا الملائكة ولا الشمس ولا القمر هذه كل ما سوى الله مخلوق مربوب؛ لا يملك لعابده نفعًا ولا ضرًا، من يعبده لا يملك له نفع ولا ضر، {أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}، ثم فيه كذلك تبكيت لهؤلاء، سؤال لتوبيخ هؤلاء، هل تجعلون لكم مع الله إله تعبدونه والحال أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملك ذلك، هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو الذي يرزقكم من السماء والأرض، ثم قال -جل وعلا- {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}، البرهان؛ الحجة القاهرة، التي تبين يعني تظهر ما تساق له، قل هاتوا برهانكم؛ على شرككم، على هذا الكفر، على أن هذه آلهة مع الله -تبارك وتعالى-، إن كنتم صادقين في أن هؤلاء الذي تعبدونهم من دون الله آلهة حقيقية والحال أنها آلهة مزيفة، سميتموها آلهة وما هي بآلهة.

{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}[النمل:65]، هذا أيضًا من صفته وحده -سبحانه وتعالى-، أنه كل من في السماوات والأرض ممن خلق -سبحانه وتعالى- لا يعلم أحد منهم الغيب، إلا الله وحده -سبحانه وتعالى- عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من إرتضى من رسول، الغيب؛ كل الغيب، والغيب حسب المخلوقات، كل مخلوق خلقه الله -تبارك وتعالى- عنده شهادة وعنده غيب، ما يشهده وما يحضره بالنسبة إليه شهادة وما لا يشهده وما لا يعلمه بالنسبة غليه غيب، والله -تبارك وتعالى- وحده هو عالم الغيب والشهادة، يعني ما يغيب عن بعض المخلوقات وما يشهده البعض لا غيب عند الله، الله ما عنده غيب، كل شيء عند الله -تبارك وتعالى- شهادة، فهو شهيد على كل شيء ولا يعزب عنه من هذه الموجودات شيء ولا من السابقات ولا من الآتيات، فالله -تبارك وتعالى- يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن الآن وموجود، وما لا يكون لو كان كيف يكون يعمله الله -تبارك وتعالى-، الله وحده هو عالم الغيب –سبحانه وتعالى-، ومفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا يعلم ما في الأرحام إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله -تبارك وتعالى-، فالله -سبحانه وتعالى- هو عالم الغيب كله -سبحانه وتعالى-، إن الله عنده علم الساعة وهذا خبأه الله -تبارك وتعالى- عن كل خلقه -جل وعلا- لا يعلمها، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ........}[الأعراف:187]، {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ........}[لقمان:34]، كل هذا علمه عند الله -تبارك وتعالى-، وكل ما في السماوات والأرض من الملائكة لا يعلمون الغيب، وكذلك ممن في الأرض من الإنس ومن الجن ومن غيرهم لا يعلمون الغيب.

أخبر الله -تبارك وتعالى- عن الملائكة وأنهم لا يعلمون إلا ما أخبره الله -تبارك وتعالى- إياهم، وأمور كثيرة من الغيب لا يعلمونها، من الغيب الحاضر يعني الموجود الآن الذي يغيب عنهم ومن الغيب المستقبلي ما يكون لا يعلمونه، فالملائكة لم تكن تعمل من شأن آدم ما يعلمه الله -تبارك وتعالى-، ولذلك ظنوا أن آدم وأن ذريته لن يكونوا إلا أشرار يسفكون الدم، قالوا للرب -تبارك وتعالى- عندما قال لهم {........ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:30]، فقد علم الله -تبارك وتعالى- أنه من نسل هذا المخلوق الذي خلقه آدم وكرمه يكون منه الأنبياء والمرسلون والمؤمنون والمجاهدون والصالحون، والذين يبذلون مهجهم؛ أرواحهم، أغلى ما عندهم يبذلونها لله -تبارك وتعالى-، {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}، ثم أعلمهم أن هذا المخلوق قد يعلم من العلم ما لا يعلمونه، قال -جل وعلا- {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:31]، {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:32]، ما نعرف من العلم إلا ما تعلمنا أنت إنك أنت علام الغيوب، فالله علام الغيوب والملائكة لا تعلم من العلم إلا ما علمه الله -تبارك وتعالى-، علم الساعة لا يعلمونه، علم ما في غد لا يعلمونه إلا ما يعملهم الله -تبارك وتعالى-، كما جاء في الحديث «أن الله إذا قضى الأمر -سبحانه وتعالى- في السماء تكلم بالأمر، فيصعق الملائكة لكلامه -جل وعلا-، فيكون أول من يفيق من الصاعقة جبريل، فيقول له الملائكة ماذا قال ربك يا جبريل؟ فيقول قال الحق وهو العلي الكبير»، ويخبرهم بما قال الله -تبارك وتعالى- فيصبح الملائكة تتكلم وتتحدث بالأمر الذي قضاه الله -تبارك وتعالى-، الرسل لا يعلمون الغيب، لم يعلمهم الله -تبارك وتعالى-.

فالرسل قبل أن تنزل عليهم الرسالة لم يكونوا يعلمون بأن الله -تبارك وتعالى- سينزل عليهم رسالة، هذا سيدهم وإمامهم وقدوتهم محمد إبن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه-، كان قبل الوحي لا يعلم أنه ستأتيه رسالة وأنه سيكون رسول هذه الأمة، بل لم يكن يدري عن خبر الرسالات السابقة شيء ولا هذه العلوم التي نزلت عليه ما كان يعرف منها شيء، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى:52]، جائه جبريل في غار حراء وقال له إقرأ، قال ما أنا بقارئ، قال له إقرأ وضمه، قال له ما أنا بقارئ، في الأمر المعلوم، القصة المعروفة، ثم أن النبي أخذ الكلمات التي سمعها من جبريل -عليه السلام-، {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}[العلق:3]، {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}[العلق:4]، {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:5]، وأخذها ورجع بهذه الكلمات، حفظها ورجع إلى خديجة -رضي الله تعالى عنها- يقول زملوني زملوني، وقال لها إني خشيت على نفسي، يعني أن يكون هذا الذي رآه شيء من الجن، فما كان يعلم أن الذي رآه هذا هو رسول من الله -تبارك وتعالى-، هو جبريل أتاه بالوحي من الله -تبارك وتعالى- ولم يكن يدري أمر من هذي الأمور، حتى إنه لما جلس إلى ورقة إبن نوفل وقال له يا بني إن هذا والذي جاء به موسى ينبع من مشكاة واحدة، وقال له ليتني أكون فيها جذعًا إذ يخرجك قومك، فقال أومخرجي هم؟ فقال له يا بني إنه لم يأتي أحد بمثل ما أوتيت به إلا عودي، فأعلمه أن هذه رسالة وأن هذا الوحي الذي نزل على موسى هو الذي نزل عليه الآن، وأنه سيكون نبي هذه الأمة، وأخبره أنه لو كان شابًا لوقف مع النبي وسانده ووقف معه، وقال له ليتني أكون فيها جذعًا إذ يخرجك قومك، قاله قومك هيخرجوك، فقاله إيش لون يخرجوني؟ أنا إيش أما أسوي عشان يخرجوني؟ قال أومخرجي هم؟ قال يا بني إنه لم يأتي أحد بمثل ما جئت به؛ ما أحد جاء برسالة بمثل هذه الرسالة إلا عودي، لابد أن يعادى، فهذي أمور كلها ما كان يعملها النبي -صل الله عليه وسلم- وأخبره الله -تبارك وتعالى- بها.

وقصص النبي -صل الله عليه وسلم- في عدم علمه بالغيب أمور كثيرة جدًا، بعد أن نبأه الله -تبارك وتعالى- بالرسالة لم يكن يعلم من الغيب إلا ما يعلمه الله -تبارك وتعالى- إياه، فقد جائه وفود من هؤلاء المجرمين العرب الكفار المنافقين قالوا آمنا، وصدقهم النبي -صل الله عليه وسلم- وأرسل معهم خيرة من أصحابه من القراء، ثم لما خرجوا بهم إلى بلدانهم قتلوهم، قتلوا سبعة مرة وقتلوا أربعين مرة، أربعين شخص يرسلهم النبي معهم والنبي لا يعلمهم؛ لا يعلم أن هؤلاء من المنافقين الكذابين، وقد قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}[التوبة:101]، فالنبي لم يكن يعمل من حوله هل هم مؤمنون حقًا أم هم كفار وكان يصدق بعضهم وهم ليسوا على الإيمان، فالشاهد أنه ديَّت، كذلك الرسل السابقين إذا كان هذا حال النبي فالرسل السابقين ديَّت، هذا آدم -عليه السلام- أكل من الشجرة وكذب عليه إبليس اللعين {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف:21]، {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}، وهو نبي الله الذي خلقه الله -تبارك وتعالى- بيديه ولكنه صدق إبليس، وغشه إبليس وأكل من الشجرة التي نهاه الله -تبارك وتعالى- عنها، هذا كذلك كل رسل الله -تبارك وتعالى-، نوح قال يا ربي إن إبني من أهلي، قيل له {........ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:46]، {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود:47]، وإبراهيم -عليه السلام- مع علوه وجلالة قدره وأن الله جعله إمامًا وهو خليل الرحمن، لم يكن يعلم من الغيب إلا ما يعلمه الله -تبارك وتعالى- إياه، فقد أتاه الملائكة يبشرونه وهم ملائكة لا يأكلون، فذهب فكلف لهم، ذهب أخذ عجل ذبحه وأنضجه حنيذ وقربه إليهم وقال ألا تأكلون، وأوجس منهم خيفة عندما رآهم لا يأكبون طعامه، وقالوا له لا تخف إننا نبشرك بغلام عليم، {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}[الحجر:54]، {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ}[الحجر:55]، فلم يكن يعلم أن الله -تبارك وتعالى- سيرزقه الولد بعد هذه السن المتقدمة له، ولم تكن تعلم زوجته بذلك واستعجب أن يكون ديَّت، يأتيه الولد بعد هذه السن، وقالت زوجته {قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}[هود:72]، فبشر بهذا ثم لم يكن يعلم بعد ذلك وجهة هؤلاء الملائكة وين رايحين، قالهم طيب إنتوا وين إلي أين؟ فأخبروه بأن وجهتهم إلى قوم لوط لإهلاكهم، فأخذ يناشدهم ويقول لهم انتظروا عليهم واصبروا عليهم، {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}[العنكبوت:32].

وكذلك هؤلاء الملائكة أنفسهم لما ذهبوا إلى لوط بصور شباب جميل، وهم قد أتوا بنجاة لوط وبالفرج من عند الله -تبارك وتعالى- له وتخليصه من هؤلاء المجرمين، لكنه لما رآهم الله يقول سيء بهم وضاق بهم ذرعًا وقال هذا يوم عصيب، ويقول لهم {........ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}[هود:80]، فعند ذلك أخبروه من هم {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ}، فالشاهد من كل هذا أن أنبياء الله -تبارك وتعالى- ورسله لا يعلمون الغيب، لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله -تبارك وتعالى- إياه، فالله -سبحانه وتعالى- هو عالم الغيب وحده، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}[الجن:26]، {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، إلا من إرتضى من رسول فإنه يخبره من الغيب ما شاء -سبحانه وتعالى-، إلا من إرتضى من رسول فإن الله -تبارك وتعالى- هذا الرسول الذي يختاره الله -تبارك وتعالى- يجعل عندما يرسل الله -تبارك وتعالى- له رسالة فإنه يحرسها -سبحانه وتعالى-، {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}[الجن:26]، {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، إلا من إرتضاه الله -تبارك وتعالى- من رسول فإن الله -تبارك وتعالى- يخبره من الغيب بما يشاء -جل وعلا-، {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}[الجن:27]، {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ........}[الجن:28]، يعني أحاط الله -تبارك وتعالى- بما لديهم {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}.

فهنا يقول الرب -تبارك وتعالى- {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:64]، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ........}[النمل:65]، الغيب كله، {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، فإذا كان الله وحده -سبحانه وتعالى- هو الذي يعلم الغيب فهذه الآلهة المزعومة لا تعلم الغيب، وكذلك كيف يكون إلهًا يعبد وهو لا يعلم الغيب، لا يعلم ما يكون له، هو نفسه ما الذي يكون له من خير أو شر ديَّت، فكيف يملك لعابده خيرًا أو شرًا، وهكذا أمر الله -تبارك وتعالى- الرسل حتى لا يعبدوا أن يقولوا هذا، {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}، هذا كلام نوح -عليه السلام- وكذلك هو كلام محمد -صل الله عليه وسلم- أول الرسل وآخر الرسل، {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ}[الأنعام:50]، {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا}[الجن:21]، وأمر الله النبي أن يقول {........ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:188]، فالغيب كله لا يعلمه إلا الله -تبارك وتعالى-، الأنبياء لا يعلمون الغيب، فإذن كيف يعبد من لا يعلم الغيب، {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ........}[النمل:65]، ثم {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، وما يشعرون؛ هؤلاء الذين يعبدون من دون الله -تبارك وتعالى-، أيان يبعثون؛ الوقت الذي يبعثهم الله -تبارك وتعالى- فيه ويمثلون بين يديه، فإذن هذه المخلوقات التي عبدت من دون الله -تبارك وتعالى- لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا، وبالتالي هي لا تملك لعابده نفعًا ولا ضرًا، ثم بيَّن -سبحانه وتعالى- بعد هذا؛ بعد هذا الحطم والإزالة والإبادة لكل إله يعبد من دون الله معنى الألوهية، معنى عبادة إله مع الله -تبارك وتعالى- وأنه لا إله مع الله -تبارك وتعالى-، وأن الذي يستحق العبادة وحده هو الله -سبحانه وتعالى- الذي هو يفعل هذه الأفعال، الذي يقوم -سبحانه وتعالى- بهذه، {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}[النمل:60]، منذ هذه الآية وعدد الله -تبارك وتعالى- نعمه العظيمة وأفعاله الجليلة -سبحانه وتعالى- وصفاته الحميدة، وأن هؤلاء المعبدون مع الله لا مقارنة بينهم وبين الرب الإله -سبحانه وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- عن هؤلاء المشركين جريمة أخرى من جرائمهم، قال {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل:66]، {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ}، العرب، تدارك الأمر هو أنه يذهب شيئًا فشيئًا، علم العرب في الآخرة فني بأن ذهب منهم شيئًا فشيئًا بعد أن بدلوا دينهم، فقد كانوا على دين إسماعيل النبي رسول الله -صل الله عليه وسلم-، وهم أبنائه وكانوا على دينه وبقيت كلمة التوحيد فيه، كما قال -تبارك وتعالى- {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف:28]، ولكن كلمة التوحيد هذه خرجت منهم بعد ذلك بالشرك الذي دخلهم، وكان أول من بدل دين العرب هو عمرو إبن لحي الخزاعي من قبيلة خزاعة، وقد قال النبي -صل الله عليه وسلم- «أول من بدل دين العرب هو عمرو إبن لحي الخزاعي، وقد رأيته يجر قصبه في النار»، ودخل بعد ذلك عليهم في الدين ما دخل حتى كان من جملة إعتقاداتهم أنهم أنكروا البعث، {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا ........}[النمل:66]، مرحلة الشك، والشك هو بداية علم، يعني أمران لا يترجح أحدهما، ثم وصلوا بعد ذلك إلى مرحلة الإنكار الكامل واليقين عندهم أنه لا بعث ولا نشور ولا آخرة، {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}، فهذا تطور حالهم مع الآخرة، قال -جل وعلا- {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل:66]، عماية تامة، عمى العرب بعد ذلك عموا عمًا تامًا عن الآخرة وأنكروها بكل قلوبهم.

وهذه صورة من صور إنكارهم قال -جل وعلا- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}[النمل:67]، قالوا هذا على وجه الإستبعاد، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، كفروا بالله -تبارك وتعالى- وكفروا بلقائه -جل وعلا-، {أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا}، بعد الموت نكون تراب لأنه يعود الجسد بعد ذلك إلى التراب، وآباؤنا كذلك الذين سبقونا وماتوا قبلنا أصبحوا ترابًا، {أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}، سؤال أئنا؛ الهمزة للإستفهام، أئنا نحن لمخرجون؟ نخرج بعد ذلك من قبورنا ونرجع إلى الحياة مرة ثانية، إستبعدوا هذا إستبعادًا كاملًا، وأنهم إذا وصلوا إلى هذه الحال من أنهم أصبحوا ترابًا، وإختلطت عظامهم ولحومهم وذراتهم بهذا التراب وأصبحوا ترابًا من التراب كيف يعودون إلى الحياة مرة ثانية، واستعظموا على الله -تبارك وتعالى- خالق السماوات والأرض الذي خلقهم وبدأهم أن يعيدهم إلى الحياة مرة ثانية، {أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}.

ثم قالوا {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[النمل:68]، يعني طرق سمعنا هذا وطريق سمع الآباء وديَّت، طرق سمع آبائهم ربما بما سمعوه من أهل الكتاب لكنهم ردوا هذا وأنكروا هذا كله، {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[النمل:68]، إن هذا الذي يقولونه وقالته الرسل في أنه لابد من بعث ونشور وحساب بين يدي الله -تبارك وتعالى-، إلا أساطير؛ أساطير جمع أسطورة، والأسطورة هي الكلام المسطر، الأولين؛ كتبها الأولون، يعني افتراها الأولون وكتبوها وتنوقلت عنهم دون أن يكون لها سند من دليل أو برهان، وأنهم استعظموا أن الله -تبارك وتعالى- يخبر عن شيء من ذلك، فهذا إنكار منهم وأنهم سمعوا هذا الكلام، سمعوا أن ثمة بعث ونشور، طبعًا سمعوا عن طريق النبي -صل الله عليه وسلم- وسمع من قبلهم عن طريق الرسل، لكنهم قالوا إن هذا أمر في غاية البعد، بل إن هذه أساطير كتبها الأولون ومؤلفات من مؤلفاتهم وتخريفات من تخريفاتهم، كتبوها وتنوقلت ولا حقيقة لها.

قال -جل وعلا- {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، قل لهم سيروا في الأرض والسير فيها بالنظر، {........ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، من المكذبين، وقد ترك الله -تبارك وتعالى- آثارهم، كيف أهلكهم الله -تبارك وتعالى- لما كذبوا الرسل؛ كذبوا الرسل في هذا، فالقبائل العربية التي كانت تسكن الجزيرة عاد وثمود قد أهلكهم الله -تبارك وتعالى- وهم يتناقلون إهلاكهم، وكان سبب إهلاكهم أنهم كذبوا الرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وتوحيده، والإيمان بالبعث والنشور، فانظروا عاقبة ثمود وهي عندكم، وعاقبة عاد وهي موجودة في الجزيرة، وعاقبة قوم لوط وهي تمرون عليها وتعرفونها، تعرفون منازلهم وتعرفون ما بقي من أثر هذا العذاب من هذا المطر الخبيث في البحر المسمى الآن بالبحر الميت، ويعلمون أثر الفراعنة وما كانت نهايتهم في أن أغرقهم الله -تبارك وتعالى-، وإذا ساروا في الأرض ونقبوا فيها فسيعلموا كذلك عاقبة قوم نوح، وعاقبة الأقوام التي أزالها الله -تبارك وتعالى- وأبادها عن ظهر هذه الأرض بتكذيبها لرسلها، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، سموا مجرمين لأن المجرم هو فاعل الإجرام، {........ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، وكذلك في المقابل انظروا كيف كانت عاقبة المؤمنين، الذين وحدوا الله -تبارك وتعالى-، والذين ورثهم الله -تبارك وتعال- الأرض وأنجاهم الله -تبارك وتعالى- من هذا العذاب، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، لكن لا يستفيد طبعًا بالسير في الأرض وبالنظر فيها إلا أهل البصر الحقيقي والبصيرة، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46].

نقف عند هذا، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.