الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (461) - سورة النمل 69-78

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}[النمل:67]، {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[النمل:68]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل:70]، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:71]، {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}[النمل:72]، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}[النمل:73]، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل:74]، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:75]، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[النمل:76]، {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:77]، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[النمل:78]، {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}[النمل:79]، {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}[النمل:80]، {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}[النمل:81]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن هؤلاء المشركين المجرمين الذين عموا عن طريق الرب -تبارك وتعالى-؛ عموا عن الحق، أنهم قالوا مستعظمين مستكبرين {........ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}[النمل:67]، سؤال للإستبعاد والإستنكار، أنه لا يمكن بعد أن نكون في هذه الأرض تراب وآباؤنا أصبحوا تراب واختلطوا بها أن نعاد ونخرج من قبورنا مرة ثانية، ثم إستهزأوا بهذا فقالوا {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ ........}[النمل:68]، هذا قد وعدنا به نحن وقد قيل لآبائنا كذلك، مما سمعوه من اليهود والنصارى وممن يؤمنون بالبعث، {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}، إن هذا الذي تقوله الرسل إنما هو كلام سطره الأولون، قصص وحكايات وخرافات عن أمور مستقبلة لا يكون، فقال لهم الله -تبارك وتعالى- قل لهم {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69]، انظروا مادام أساطير الأولين انظروا كيف كان عاقبة المجرمين، عاقبة الذين عادوا رسلهم وكذبوهم، قوم نوح، ثمود وهي قبيلة عربية ديارها موجودة وآثارهم موجودة، وعاد، انظروا كيف أنجى الله -تبارك وتعالى- المؤمنين وكيف أهلك الظالمين، الذين عاندوا الرسل وكذبوا بالبعث، انظروا هذا؛ فهذا فعل الله -تبارك وتعالى-، فهذه آية من آياته -جل وعلا-، {........ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}[النمل:69].

ثم قال لنبيه {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل:70]، لا تحزن عليهم؛ حزن النبي -صل الله عليه وسلم- لأنهم إلى النار، لأنهم إلى النار مع هذا الكفر والإصرار عليه وأنهم باقون على هذا فهم إلى النار، فكان النبي يحزن عليهم إشفاقًا عليهم -صلوات الله والسلام عليه- وهمًا لهم، يعني يهمه أمرهم وكان هو الرؤوف الرحيم -صلوات الله والسلام عليه- والمسامح الكريم الشفوق، وكان هذا الغم على هؤلاء الكفار وعلى تكذيبهم وكفرهم يكاد يقتل النبي -صل الله عليه وسلم-، والله يقول {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء:3]، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6]، يعني أسفك يبخع نفسك؛ يقتلها، تقتل نفسك أسفًا على هؤلاء، فالنبي حَزِن حُزن شديد على الكفار لأن الأمر مهول؛ أمر عظيم، ينتظرهم عذاب شديد من الله -تبارك وتعالى- للكفر والعناد والتكذيب، وهذا أيضًا يخسرون جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه، والنبي حريص أن يأتي بهم إلى هذا الطريق وقد بيِّن لهم وفصل لهم ووضحت لهم الحجة وهم معاندون مستكبرون، الله يقول {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}، لا تحزن عليهم فقد اختاروا طريق الغواية والعناد والمكابرة، {........ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل:70]، كذلك لا تكن في ضيق؛ ضيق، هذا الضيق أقل من الحزن، مما يمكرون؛ بالإسلام، بالرسول -صلوات الله والسلام عليه-، فقد كان همهم ودأبهم في التفكير في الوسائل التي يمكن أن يصدوا بها الناس عن هذا السبيل، وأن يبعدوا هذا النبي عن الحق -صل الله عليه وسلم-، ترغيبًا له في تركه وترهيبًا له من التمسك به، أمور عظيمة جدًا من المكر مكروها، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ........}[الإسراء:73]، وكذلك {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ........}[الإسراء:76]، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ........}[الأنفال:30]، فالمكر هو هذا التدبير الخفي، تدبيرهم الخفي بكل حيلة وبكل مكيدة كيف يصرفوا الناس عن دين الله –تبارك وتعالى-، وكيف يصدوا الناس عن هذا الطريق، وكيف يطفئوا نور الله -تبارك وتعالى-، {........ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل:70]، أي أن مكرهم إنما هو تحت سمع الله -تبارك وتعالى- وبصره، وين يروحوا؟ أين يذهبون؟ ما شائه الله -تبارك وتعالى- لابد أن يكون، {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل:70].

ثم قال -جل وعلا- {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:71]، استكبارًا؛ هذا من استكبارهم كذلك وعنادهم، ويقولون؛ هؤلاء الكفار، {........ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[النمل:71]، يعني هذا الذي تعدنا به بأن يكون هناك بعث ونشور وقيام قيامة ونحاسب وجنة ونار، متى يكون هذا؟ إن كنتم صادقين يعني فأخبرونا بوقته، أخبرون بهذا الوقت متى سيكون هذا الوعد بالبعث والنشور، إن كنتم صادقين؛ هذا تحدٍ منهم للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، فقال -جل وعلا- {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}[النمل:72]، قل لهم عسى؛ وعسى من الله للتحقيق، هذا عسى من الله لابد أن تكون، {........ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}[النمل:72]، ردف لكم خلاص؛ الردف هو ما يركب خلف راكب الدابة، واحد يركب الدابة ثم يأخذ رديفًا له، فالرديف هو المرافق المتابع؛ الذي يأتي متابعًا لمن أمامه، و{........ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}[النمل:72]، يعني تتكلموا هذا الكلام فيكون بعض هذا الذي تستعجلونه من عذاب الله -تبارك وتعالى- ومن نقمته بكم أن يكون خلاص، في إثر كلامكم هذا تأتي بعض الأنواع من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- لكم، {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}[النمل:72]، أو يكون ردف ركم قد خلاص؛ يعني هذا الذي تستعجلونه من العذاب قد ركب مطيته وجاء لكم، ركب المطيبة وجايكم في الطريق، جايكم في الطريق لينزل الله -تبارك وتعالى- بكم ما شاء وقد كان، وقد كان، فإنه لم يمض إلا وقت قليل وإذا برؤوس هؤلاء الكفار المعاندين كانت تلقى رأسًا بعد رأس مع جسدها في بئر منتن في بدر، حصدهم الله -تبارك وتعالى- في غداة واحدة سبعون منهم، وسبعون كذلك مكبلون أسرى في ديَّت، والنبي يمر ويقول لو كان المطعم العدي حيًا ثم إستأذنني في هؤلاء النتنى لتركتهم له؛ ده في السبعين الأسرى، وأما في القتلى فيمر النبي ويقف على شفير البئر، ويناديهم يا فلان، يا فلان، يا فلان، يا فلان ...، كل واحد يناديه بإسمه وإسم أبيه «هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا»، كان الأمر على هذا النحو، فهذا الله -تبارك وتعالى- يخبرهم بأن ليش تستعجلون ديَّت، {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}[النمل:72]، ثم جائهم بعد ذلك من أمر الله -تبارك وتعالى- ما جائهم.

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}[النمل:73]، وإن ربك؛ يا محمد، ونسبة الرسول هنا إلى الله -تبارك وتعالى- وقيل إن ربك هو الذي هذا فيه بيان لعظمة الرب، ولعظمة من يرتكن إليه النبي -صلوات الله والسلام عليه-، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ........}[النمل:73]، تفضل، فبهذا البيان انظر هذي رسالة لهم، شوف مع كفرهم وعنادهم يناديهم الله -تبارك وتعالى- المرة تلو المرة، ويرسل الآيات وينزل الآيات تلو الآيات والتذكير تلو التذكير، ويلون لهم الخطاب ويشكله لهم يفلصله لهم ويعرض لهم الأمر بهذه الصورة وبهذه الصورة وبهذه الصورة ...، لعلهم يتقون؛ يعني لعلهم يتقون ويرعون، فهذا من فضله وإحسانه -سبحانه وتعالى- نزول هذا البيان القرآن بما أنزله الله -تبارك وتعالى- فيه من التذكير والتحذير والتخويف، وتلوين الخطاب بهذه الألوان المختلفة لعلهم أن يثوبوا ويرجعوا إلى رشدهم، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}[النمل:73]، ومع هذا أكثر الناس لا يشكرون الله -تبارك وتعالى-، وكان الواجب أنه مع نزول هذا القرآن وإتيان هذا الرسول أن يشكروا الله -تبارك وتعالى-، أن هداهم، أن دعاهم إليه -سبحانه وتعالى-، أن وفقهم على الدخول في دينه، أن يسر لهم هذا السبيل فيسارعوا في الدخول في مرضاة الله -تبارك وتعالى-، {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}[طه:113]، فهذا الذكر العربي اللي هو بلسانهم، وتصريف الوعيد لهم؛ تنويعه وتلوينه بهذه الألوان لهم، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}، كان المفروض أنه لنزول هذا القرآن من الله -تبارك وتعالى- أن يشكروا الله -تبارك وتعالى-، وأن يبادروا إلى الإيمان به وإلى تقواه -سبحانه وتعالى-، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل:74]، التخويف؛ تخويف وتهديد لهؤلاء، وكذلك تمكين للنبي -صل الله عليه وسلم- وتأنيس له أن هؤلاء وين يروحوا وأين يذهبون من الله -تبارك وتعالى-، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل:74]، الكن اللي هو الحفظ، فما تكن صدورهم يعني ما يخفونه ولا يظهرونه لأحد الله يعلمه -سبحانه وتعالى-، وكذلك ما يعلنونه ويقولونه علانية فالله يعلمه -سبحانه وتعالى-، فمما تكن صدورهم وقد أخبر الله -تبارك وتعالى- ولا يخرجونه هو أنهم يصدقون النبي، أنهم يعلمون أن هذا النبي صادق وأنه قد جاء بالحق من الله -تبارك وتعالى-، ولكنهم لا يقولون هذا ولا يظهرون هذا، {.........فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام:33]، {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ........}[الأنعام:28]، فالذي كانوا يخفونه هو الإيمان بهذا والعلم بأن هذا هو لا شك أنه من الله، {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}[الإسراء:102]، فهم يعلمون هذا في حقيقة قلوبهم، كبراء قريش كانوا يعلمون أن هذا حق وأن هذا الدين هو الذي جاء به، وأن النبي لا يمكن أن يكذب -صلوات الله والسلام عليه-، وقد صدقوه في كل شيء فيما دون هذا الإخبار بهذه الأخبار العظيمة، قد صدقوه فكيف لا يصدقونه بهذا؛ وهذا أظهر من الشمس في رابعة النهار، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[النمل:74]، فالله يعلم غيبهم وشهادتهم، فإذن كذلك لو كان تكن صدورهم من الحقد والحسد والبغضاء وكذلك المكر فهو معلوم عند الله -تبارك وتعالى-، وبالتالي فإن الله سيبطل مكرهم وتدبيرهم.

ثم {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:75]، وما من غائبة تغيب على الخلق، أي غائبة تغيب على الخلق هي غير غائبة على الله -تبارك وتعالى-، فالله لا يغيب عنه شيء -سبحانه وتعالى-، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ}، ذرة صغيرة، ورقة، فعلة، همسة، نبذة، أي أمر من الأمور غائب، يظنه الإنسان خفي لا يعلم فهو عند الله -تبارك وتعالى-، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:75]، قد سطرت، فإن هذا الكتاب المبين وهو اللوح المحفوظ الذي حفظه الله -تبارك وتعالى- قد كتب الله -تبارك وتعالى- فيه مقادير كل شيء؛ من الأشياء العظيمة والأشياء الحقيرة، كل شيء، كل شيء، كل شيء ...، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59]، فما في ذرة من ذرات هذا الكون إلا وهي قد كتبت وحسبت، ولم تكتب فقط يعني ذاتها بل تصريفها، كل تصريف لها هو أيضًا مكتوب، تصريف لها يعني حبة وقعت فنبتت شجرة ثم أصبحت ثمرات، ثم تحولت هذه الشجرة أوراق وتساقطت أوراقها، ثم، ثم، ثم ...، كل هذا التصريف لهذه البذرة في كل تاريخها والتي أتت منها بعد ذلك آلاف الآلاف من أمثالها، فإن هذه البذرة بما داخلها بعد ذلك قد أنتجت قدر البذرة آلاف الآلاف، ملايين الملايين من المرات، كل هذا مذكور ومكتوب وهذا الكتاب أحصى كل شيء، إنسان بدأ منذ أن كان نطفة كيف ثم نما ثم ولد ثم شب ثم عمل ثم، ثم، كل من أعماله وأقواله وحساباته وخطرات قلوبه كلها كتب، فهذا أمر عظيم، لا شك أن هذا أمر عظيم جدًا، فإن خطرات القلوب فقط لو الإنسان نظر إلى خطرات قلبه؛ الخطرات التي تخطر على قلبه وما يفكر فيه، والقلب لا يمكن إغلاقه طالما الإنسان عيناه يقظتان فالقلب يتحرك، ويتقلب في الأمور من شرق إلى غرب إلى شمال إلى جنوب، ومن حزن إلى فرح إلى إلى إلى ...، ووارداته أمور عظيمة، ولو راح الإنسان يكتب فقط كل ما يرد على قلبه وكل ما يفكر فيه وكل ما يتقلب فيه فإنه يحتاج في يومه إلى مجموعة من المجلدات ليكتب فقط حركات القلب، فهذا في مخلوق واحد فكيف في كل هذه المخلوقات المتغيرة المتنوعة، وساوس الناس وأحاديثهم النفسية وأحلامهم وأحلام يقظتهم وما يفكرون فيه، كل هذا قد أحصاه الله -تبارك وتعالى- وقد كتبه، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284]، فالله -تبارك وتعالى- قد علم كل شيء وأحصى كل شيء، ما ترك شيئًا إلا وقد كتبه وأحصاه -سبحانه وتعالى-، همسة، خاطرة تأتي إلى القلب إلا وقد كتبت وحصيت، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:75]، وهذا بيان لهؤلاء الذين ظنوا أن الله -تبارك وتعالى- لا يعيد أجسامهم، كيف! بل ستعاد كل الخطرات والهمسات وكذا، {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}[الطارق:9]، تبلى؛ تنثر، تفتح سريرة الإنسان ويظهر كل ما كان فيها ويخبره الله -تبارك وتعالى-، ويشهد الله -تبارك وتعالى- جسمه وأعضائه على ما عملت، تقول اليد عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وتشهد العين وتشهد الرجل وتشهد هذا، كل شيء مسجل مكتوب، ما في شيء إلا وقد دون وكتب، فكيف يستبعد على الله -تبارك وتعالى- أن يعيد الأجساد إلى الحياة مرة ثانية، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:75].

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[النمل:76]، {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:77]، هذا كذلك من آيات صدق النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، هذا القرآن النازل على النبي -صل الله عليه وسلم- من الله -تبارك وتعالى-، من أدلة صدق القرآن أن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون، يقص عليهم الحق فيه، فبنوا إسرائيل فيما يتناقلونه ويأثرونه عن آبائهم وعن الخلق وعن كذا مما نزل عندهم في كتبهم قد إختلفوا في أمور عظيمة جدًا، فمثلًا التوراة قد كتبت بعد موت موسى بخمسمائة عام، وزادوا فيها وإنتقصوا منها وإختلفوا في أمور كثيرة كثيرة منها، بدءًا بصفات الرب –جل وعلا- إلى آخر شيء من أعمال رسلهم من، من ...، كل هذا الذي إختلفوا فيه هذا القرآن يقص عليهم ويأتي لهم بالحق، ويبين ما كان من الحق وما كان من الباطل وما زادوه وما أنقصوه، والنبي -صل الله عليه وسلم- لم يكن يومًا من الأيام دارسًا في كتاب وفي مدرسة وفي كنيس من كنيس من كنيس بني إسرائيل، ولا جلس إلى حبر من أحبارهم ولا كتب كلامًا ولا آثر شيئًا من ذلك ولا عنده علم بهذه الأمور، وما كان يعرف أصلًا أن لبني إسرائيل هؤلاء رسالة، ولا يعرف موسى ولا غيره من الأنبياء والمرسلين، ثم يأتي بهذا التفصيل وكأنه قد درس كل ما عند هؤلاء وعلم ما عند هؤلاء، ثم يأتي بالحق في كل هذا، هذا لا شك أن هذا من أعظم الأدلة على أن هذا القرآن ليس من عند النبي -صل الله عليه وسلم- وإنما هو من عند الله -تبارك وتعالى-، إن هذا القرآن؛ المنزل على عبد الله ورسوله محمد، {........ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[النمل:76]، أكثر الأمور التي إختلفوا فيها فقد قصها الله -تبارك وتعالى- وأتى بالحق فيها، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ}، على فترة من الرسل فيبين لكم أكثر الأمور التي إختلفوا فيها، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}[المائدة:15]، {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المائدة:16].

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ........}[النمل:76]، بني إسرائيل؛ أولاد يعقوب -عليه السلام-، {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، ثم {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:77]، فهذي آية أن القرآن يحكم فيما إختلفوا فيه بنوا إسرائيل، ثم آية أخرى أن هذا القرآن هدى ورحمة للمؤمنين، هدى بكل معاني الهدى، هدى بيان وإرشاد لكل شيء لأنه نزل مبين لكل شيء، فهو هداية للخلق إلى ربهم وإلههم وخالقهم -سبحانه وتعالى-، وبيان صفات هذا الإله -سبحانه وتعالى- على التفصيل، بحيث لا يحتاجون بعد هذا إلى من يصف الله -تبارك وتعالى- ومن يعلمهم الله -تبارك وتعالى- أكثر من هذا التعليم، ثم عن كل غيبه -سبحانه وتعالى-، عن ملائكته، عن يوم القيامة، عن جنته، عن ناره، أمور بالتفصيل، عن رحلة هذا الإنسان بدءًا بالخلق ونهاية بالموت وفي التاريخ؛ تاريخ الإنسان كله، تاريخ النبوات كلها، ثم المستقبل الذي سيكون والأحداث التي ستكون، ثم البعث ثم يكون ما بعد هذا البعث، ثم هذه العوالم التي خلقها الله -تبارك وتعالى-، من سبع سماوات، من سبع أراضين، من الملائكة، من درجات هؤلاء الملائكة وأعمالهم، هذا كله قد فصله الله -تبارك وتعالى-، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر والإيمان بقدره وشره، بيان كل هذا قد بينه الله -تبارك وتعالى- وهدى الناس إلى هذا بالتفصيل، ثم هدى إلى الصراط المستقيم وطريق الحق والشرعة القويمة، النظافة الكاملة، شريعة طاهرة كاملة في كل ما تأمر به، وكذلك عادلة حكيمة في كل ما تنهى عنه فالأمر ديَّت، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}.

فهذا القرآن هداية كاملة وهدى ورحمة للمؤمنين، رحمة للمؤمنين لأنه إرشاد لهم، يرحمهم ويخاطبهم الله -تبارك وتعالى- خطاب رحمة، يعظهم، يذكرهم، ينادهم، يحذرهم، يعني بكل تلطف -سبحانه وتعالى- وبكل رحمة يرحمهم، الخطاب الإلهي خطاب رحمة لعباد الله المؤمنين يشفي القلوب، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء:82]، فلما ينظر الإنسان إلى الخطاب هذا؛ خطاب الرب -تبارك وتعالى- عباد الله المؤمنين، كيف يبين لهم، كيف يشرح لهم الأمر، كيف يحذرهم مما يضرهم، كيف يرغبهم فيما فيه نفعهم، يرغبهم فيه بكل أنواع الترغيب، يحثهم؛ إفعل هذا، لك أجر في هذا، يأمرهم بالمسارعة، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران:134]، أمر عظيم، كيف يصبرهم عندما ينزل بهم شدة وبلاء، كيف يخفف هذا عنهم ويصبرهم، انظر خطاب الله -تبارك وتعالى- الكريم لعباده المؤمنين بعد أحد، تصبير وتثبيت عظيم جدًا وبيان أن هذا الأمر الذي وقع كان بأمره وبمشيئته –سبحانه وتعالى-، وأن هذا فيه الخير لهم وأن هذا من إختيار الله -تبارك وتعالى- الحسن لهم، كذلك خطاب الله -تبارك وتعالى- للمؤمنين عندما يكون الأمر فيه تنازع بينهم أو شدة أو نحو هذا، كيف يهدئهم، يبين لهم الطريق ديَّت، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال:1]، ثم يبين لهم الأمر ويفصله إيش لون، كيف تختلفوا على هذا الأمر؟ الأنفال هذي اتركوا الحكم فيها لله والرسول؛ ليس الحكم إليكم، فالشاهد أن هذا الخطاب الإلهي القرآن خطاب رحمة لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين، {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:77].

ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[النمل:78]، إن ربك؛ ما قال هنا إن الله، وإنما نسب الرسول هنا إلى الرب -تبارك وتعالى- لإعزاز النبي -صل الله عليه وسلم-، وبيان أن حكم الله -تبارك وتعالى- وفصله برب محمد الذي أرسله؛ الذي أرسل محمد -صل الله عليه وسلم-، وإن ربك؛ تكريم للنبي -صلوات الله والسلام عليه- وإشعار له بالعزة، وأن الله -تبارك وتعالى- رب النبي -صل الله عليه وسلم- هو الذي سيحكم في كل هذه الأمور بين خلقه -جل وعلا-، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ ........}[النمل:78]، إن ربك؛ يا محمد، يقضي بينهم؛ القضاء الفصل والحكم، بينهم؛ بين كل هؤلاء المختلفين بحكمه -سبحانه وتعالى-، حكمه الذي يحكمه -سبحانه وتعالى-، والله -تبارك وتعالى- هو الذي يحكم لا معقب لحكمه، ليس هناك من يعقب على حكمه وليس هناك من يسأل الرب -تبارك وتعالى-، ليس هناك إله فوق الله ولا مع الله يسأله لما فعلت ولما قضيت ولما حكمت، لما أدخلت هؤلاء النار، لما أخرجت هؤلاء، لما أدخلت هؤلاء الجنة، لما حكمت بالضلال على هؤلاء، الله لا يسأل -سبحان وتعالى- عما يفعل، فحكمه هو النافذ في خلقه -سبحانه وتعالى- ولا معقب لحكمه -جل وعلا-، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ ........}[النمل:78]، العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-، ما أحد يغلب الله –تبارك وتعالى-، وبالتالي عندما يحكم فإنه لا يستطيع أحد أن يغالب أمره ولا أن يرد حكمه -سبحانه وتعالى-، العليم؛ بخلقه، فإذا أنزل الحكم فينزله حيث يكون الحكم صحيح، ينزل الرحمة في مكانها، ينزل العقوبة في مكانها -سبحانه وتعالى-، فهو العليم بكل خلقه -سبحانه وتعالى- ولذلك فحكم الله حكم عدل؛ حكم عدل -سبحانه وتعالى-، لا ينزل حكم؛ حكم الإله الحكيم العليم بخلقه، الذي ينزل كل حكم في مكانه -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[النمل:78]، إذن {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}[النمل:79]، {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}[النمل:80]، {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}[النمل:81].

وسنعود إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.