الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (464) - سورة النمل 90-93

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- في ختام هذه السورة؛ سورة النمل، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}[النمل:89]، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النمل:90]، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[النمل:91]، {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}[النمل:92]، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[النمل:93]، هذه في ختام هذه السورة مجموعة من المواعظ من الله -تبارك وتعالى- لعباده، وخطاب لهؤلاء المكذبين لهذه الرسالة التي أرسل بها النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وكذلك بشارة لهؤلاء المؤمنين الذين آمنوا، كما جاء في أول هذه السورة تقسيم الله -تبارك وتعالى- للناس بحسب هذا القرآن، فإن هذه السورة؛ سورة النمل، قال الله -تبارك وتعالى- في أولها {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ}[النمل:1]، أشهد الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن وبهذا الكتاب المبين الذي أنزله، {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[النمل:2]، هذه طائفة التي تؤمن بهذا القرآن، {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[النمل:3]، فهذه الطائفة التي تستفيد بهذا القرآن.

ثم الطائفة الثانية {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ}[النمل:4]، فذكر الله -تبارك وتعالى- العقوبة التي عاقبهم بها في هذه الدنيا بسبب عدم إيمانهم بآيات الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ........}[النمل:4]، الخبيثة، زينت لهم؛ جملت لهم في نظرهم، كفرهم وشركهم وعنادهم وفسقهم وهذا يودي بهم إلى النار وإلى الجحيم، لكن أصبحت هذه حسنة هذه الأعمال الإجرامية الخبيثة التي تهلكهم وتعرضهم لعقوبة الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة، أصبحت مزينة لهم؛ مجملة في أعينهم، {فَهُمْ يَعْمَهُونَ}، يسيرون سير الأعمى الذي لا يبصر طريقه، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ}[النمل:5].

قال -جل وعلا- {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ}، هذا في الآخرة، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ}، جاء؛ أتى ربه -سبحانه وتعالى- يوم القيامة بالحسنة، فعلها، {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}، في العد وفي الجزاء والثواب، في العد؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى غير حساب، يجزي الله -تبارك وتعالى- بعض عباده بغير حساب، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، بغير عد، ثم الجزاء عند الله -تبارك وتعالى- الجنة أفضل من كل عمل، الجنة هي أفضل من كل عمل، مهما أعطى الإنسان المؤمن فإن جنة الله -تبارك وتعالى- وثواب الله -تبارك وتعالى- أعظم من كل هذا، ولكنها عطاء من الله -تبارك وتعالى- وهبة من الرب -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يدخلنا معهم ويدخلنا في زمرتهم، فهذا هو له خير منها، له خير من حسنته التي فعلها، هذا حض من الله -تبارك وتعالى- للعبد أن يعمل الحسنة لأن الله سيجزيه بخير منها، ثم {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}، أيضًا سينجوا من الفزع؛ الفزع الأكبر، فزع يوم القيامة، {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[الأنبياء:103]، فالفزع الأكبر عندما يخرج الناس، الفزع الأول فزع النفخة الأولى من الصور عندما يجد الناس أن هذه الأرض تتزلزل وأنها تتغير، {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[الزلزلة:1]، {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا}[الزلزلة:2]، {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}[الزلزلة:3]، إيش فيها؟ ماذا لها الأرض أنها تكون على هذا النحو؟ {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4]، يوم القيامة، {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]، يشهد الله -تبارك وتعالى- الأرض فتحكي ما وقع عليها، وتفاجئ هذا العبد الكافر المجرم فاعل الأفاعيل أنها تشهد عليه، فهؤلاء أهل الإيمان نالوا الحسنى عند الله -تبارك وتعالى-، أخذوا ما هو خير من حسنتهم التي فعلوها، ثم أمنهم الله -تبارك وتعالى- من الفزع {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}.

ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- الجانب الأخر، قال {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}، السيئة؛ الفعل السيء، وسمي سيء لأنه يسوء صاحبه، يسود وجهه، يؤلمه، عاقبته مريرة، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}، ولم ينهى الله -تبارك وتعالى- إلا عن كل أمر سيء، كل نواهي الله -تبارك وتعالى- إنما هي عن السيئات، وأمر الله -تبارك وتعالى- إنما هو بالهدى والنور وديَّت، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90]، فالله لا يأمر إلا بخير ولا ينهى عباده إلا عن كل شر -سبحانه وتعالى-، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}، بالأمر السيء، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}، ذكر الله -تبارك وتعالى- هنا صورة من أفظع الصور للعذاب، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}، الوجه أشرف ما في الإنسان وأعلاه، والإنسان دائمًا يحمي وجهه عند الخطر بأي شيء، يحميه بيديه، يحميه بديَّت، يتقي ديَّت، لكن هذا أشرف ما فيهم سيكون هو ما يباشر النار، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ}، الكب؛ الدلق، يعني أنه يكب وهو أنه يكفأ -عياذًا بالله- على وجهه في النار، كما قال -تبارك وتعالى- {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الأنبياء:38]، {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ ........}[الأنبياء:39]، ما يقدروا يكفوا النار عن وجههم، {وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}، {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ}[الأنبياء:40]، وكذلك الله -تبارك وتعالى- هذا الكافر يمشيه يوم القيامة على وجهه، {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:34]، فيمشي إلى جهنم التي قبل أن يكب عليها يسير على وجهه، قال قائل يا رسول الله كيف يسير على وجهه؟ قال إن الذي أمشاه في الدنيا على قدميه قادر على أن يسيره على وجهه، يسير على وجهه فيطأ به كل شيء ثم يلقى في النار، يكب -عياذًا بالله- في النار، فأول ما يلامس من جسمه من العذاب هو وجهه وهو أشرف ما فيه، فيه عينيه وفيه شفتيه وفي خديه وفيه أشرف الأعضاء التي فيه تكب في النار، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}.

ثم قال -جل وعلا- {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني هذا جزاء فظيع والله -تبارك وتعالى- أخبر بأن هذا الجزاء هو الموافق للعمل، {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فهذا الذي كفر بآيات الله -تبارك وتعالى- وأعرض عنها، وأتاه خطاب الرب -تبارك وتعالى- يتلوه النبي -صل الله عليه وسلم-، يقوله تعالى هذا كلام الله -تبارك وتعالى- أتلوه عليك، إقرأه هذا رسالة لك من الله، والله يدعوك إليه وهو غني عنك -سبحانه وتعالى-، آمن، صدق بربك، يقول لا؛ يرفض هذا ويمنعه، ويعرض عن رسالة الرب -تبارك وتعالى-، أي إجرام أكبر من هذا؟! أي إجرام أكبر من هذا؛ أن يدعى إلى آيات الله -تبارك وتعالى- ديَّت، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ........}[الأنعام:21]، فهذا الذي افترى على الله الكذب مجرم وكذلك الذي كذب بآيات الله -تبارك وتعالى-، فلذلك يعاقب هذه العقوبة والله –تبارك وتعالى- يقول هل تجزون؛ يعني أيها الذين فعل بكم هذا الفعل، إلا ما كنتم تعملون؛ إلا بعملكم، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أن هذا الجزاء إنما هو موافق للعمل؛ ما في زيادة ولا في ظلم له، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا}[النبأ:17]، {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا}[النبأ:18]، {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا}[النبأ:19]، {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}[النبأ:20]، يعني من ينظر في إثرها يرى أنها مثل السراب الذي يترائى للسائر في الصحراء في وقت الحر؛ وقت الشمس، {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}[النبأ:20]، {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}[النبأ:21]، جهنم كانت مرصادًا؛ معدة، {لِلْطَّاغِينَ مَآبًا}[النبأ:22]، مرجع ومستقر لهم، {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[النبأ:23]، لابثين؛ ماكثين، فيها؛ في هذه النار، أحقابًا؛ حقب طويلة من الزمان، الحقبة هي الزمن الكبير المتطاول، {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا}[النبأ:24]، مجرد ذوق مش مجرد ري من ظمأ وشبع من جوع... لا، وبرد يستريحون فيه ساعة من النار... لا، لا يذوقون مجرد ذوق بردًا من هذا الحر، ولا شرابًا ينفعهم، {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[النبأ:25]، لما قال الله إلا شرابًا قال إلا حميمًا وغساقًا؛ يعني شراب من حميم، والحميم هو الماء المحمي، والغساق شراب سمي غساق من ظلمته لأن الغسق من الظلمة، يعني شراب أسود أسود أسود؛ مظلم، غساق؛ قيل أنه عصارة أهل النار -عياذًا بالله-، يعني ما يسيل من جلود وقروح أهل النار تسير في أخاديد وأودية يشرب من هذا.

ثم قال -جل وعلا- {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، هذا الجزاء بهذه الفظاعة وبهذه القوة الله قال {جَزَاءً وِفَاقًا}[النبأ:26]، هذا موافق للذنب، ليه؟ قال –جل وعلا- {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27]، إنهم كان لا يرجون حسابًا وفي هذا أكبر سب لله -تبارك وتعالى- وإتهام لله، ما يرى أنه سيحاسب على أعماله، يعمل ما يشاء ويرى أنه غير محاسب على عمله وأنه ليست هناك حكومة وليس هناك رب يسأله لما فعلت هذا ولا هذا، يعني وجد في هذا الكون يأكل ويشرب ويتمتع ويفعل ما يشاء وكأنه ليس هناك لهذا الكون إله ولا خالق ولا رب، وإنما ترك كأن الذي خلق هذا الخلق ترك أهله، ترك هذا الخلق يفعلون ما يشاؤوا ويفعلون ديَّت، يخلق الله -تبارك وتعالى- هذه السماوات وهذه الأرض ويحكم هذه الصنعة على هذا النحو ويحكم البشر على هذا النحو؛ يخلقه بهذا الخلق المتقن البديع، ويجعله إنسان ثم يخليه يفعل ما يشاء، من يكفر؛ يكفر، من يسرق؛ يسرق، من يزني؛ يزني، من يفعل؛ يفعل، من يضيع أمر الله -تبارك وتعالى-؛ يضيع، ويتركهم الله يخليهم لا يأمرهم ولا ينهاهم ويتركهم على هذا النحو؛ إذن هذا عبث، إذن يصبح هذا الكون وهذا الخلق لا معنى له، وأن الذي خلقه عابث يعبث؛ يلعب، ليش خلق هذا الخلق بالشكل هذا وترك الناس يفعلون هكذا، وترك الظلم وترك القهر وترك ما يفعله ديَّت، والكفر به والعناد، وترك ناس مؤمنين وناس ديَّت، بلا جزاء وبلا ديَّت، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون:115]، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:116].

فقال -جل وعلا- {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا}[النبأ:27]، أكبر جريمة، سب الرب -تبارك وتعالى-، {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ:28]، يعني كذبوا بآيات الله -تبارك وتعالى- تكذيب عن إصرار وعن عناد، جائتهم الآيات تلو الآيات تلو الآيات، ناداهم الله -تبارك وتعالى- نداء بعد نداء بعد نداء بعد نداء ...، وهم لم يستجيبوا لشيء من ذلك، تركوا هذا وأعرضوا عنه، قال -جل وعلا- {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا}[النبأ:29]، وكل شيء من عملهم أحصيناه كتابة، علمه الله -تبارك وتعالى- وسجله عليهم، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا}[النبأ:29]، {فَذُوقُوا}، ذوقوا جزاء عملكم، {........ فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}[النبأ:30]، مهما إستغثتم ومهما طلبتم الخروج من هذا لن تخروجوا، وإذا إستغثتم تغاثوا بزيادة العذاب وليس بتخفيفه ولا برفعه، {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا........}[الكهف:29]، لكن بإيش، {بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}، فهذا غياثهم، غياثهم ليس رفع العذاب عنهم أو تخفيفه أو إعطائهم شيء من الراحة والفسحة... لا، بل يزاد لهم العذاب، {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ}، قبل أن يشوي ويقطع الأمعاء والأحشاء يشوي الوجه، بمجرد ما يقربه؛ يقرب الماء ليشربه، فتسقط فروة وجهه فيه فيشوى وجهه أولًا، قال –جل وعلا- {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}، ساء هذا رفقًا لأن هذا مو من الرفق إنما هذا الرفق سيء، يعني يدعوا فيعاقب بعكس ما أمله وما طلبه من الله -تبارك وتعالى-، فالله هنا تهدد هؤلاء المكذبين قال {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ........}[النمل:90]، أشرف ما فيهم وأعلى ما فيهم هو الذي سيقع في النار أولًا، قال -جل وعلا- {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، يعني هل هذا الذي يصنع بكم إلا جزاء من جنس عملكم، هذا الذي كنتم تعملون، التكذيب، الصد عن سبيل الله -تبارك وتعالى-، العناد، السعي في إبطال دين الله -تبارك وتعالى- بكل سبيل، تسخير ما أعطاهم الله -تبارك وتعالى- لعداوة ومعاداة الرب -تبارك وتعالى-، مجرم، فهذا الذي أجرم هذا الإجرام هذا عقوبته عند الله -تبارك وتعالى-.

ثم أمر الله -تبارك وتعالى- نبيه أن يقول {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[النمل:91]، {إِنَّمَا أُمِرْتُ}، أمرت بالبناء لما لم يسمى فاعله والآمر هو الله، لا يأمر النبي -صل الله عليه وسلم- بهذا إلا الله -سبحانه وتعالى-، {أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ}، أنا أمرت أي أمرني الله -تبارك وتعالى- وجاء هنا بالبناء للمجهول ليبين أن الأمر هكذا، صدر إلي الأمر على هذا النحو {أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ}، ربها؛ مالكها خالقها سيدها -سبحانه وتعالى-، والذي أرساها وجعل لها هذه المكانة وهذه الحرمة وهذه البلدة هي مكة، وهذه الآيات آيات مكية نزلت في مكة، وأهلها؛ أهل هذه البلدة الذين يرفلون في نعمة الله -تبارك وتعالى-، في هذه البلدة التي جعلها الله -تبارك وتعالى- مكانًا آمنًا، جزيرة آمنة في وسط صحراء يأكل فيها القوي الضعيف، ولا يستطيع إنسان أن يسير وحده؛ لابد له من أمن، قطاع الطريق يقطعون ويخطفون وينهبون وديَّت، وافتراس الأخرين فضيلة عند العرب، كان العرب يرون أن هذه فضيلة وأمر شريف، الغزو والإغارة على الغير وأخذ مالهم وأخذ نسائهم وأطفالهم وأخذ ما بيدهم وظلمهم، هذه فضيلة من الفضائل؛ يتفاخرون بهذا، والله -تبارك وتعالى- جعل هذه البقعة؛ هذه البلدة بلدة آمنة، ووضع فيها من العلامات والمنارات الدالة على دينه وعلى رسالته هذه كعبة الله -تبارك وتعالى-، بناها إبراهيم نبي من أنبياء الله -تبارك وتعالى-، إمام هو الذي بناها وهو الذي حرمها وهو الذي أنشأها على هذا النحو، فكلها شواهد على أن هذه بلدة الله -سبحانه وتعالى-، ولكن أهلها الذين يسكنون فيها يرفلون في كل هذه النعم ويعيشون كل هذا التاريخ والتراث، ويكذبون الله -تبارك وتعالى- ويكفرون ويقابلون هذا النبي الأمي -صلوات الله عليه وسلم- الذي هو رسول من الله -تبارك وتعالى- يقابلونه بالتكذيب، فقالهم شوفوا {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}.

الله -سبحانه وتعالى- الذي حرم هذه البلدة، حرمها؛ حرم فيها أمور كثيرة جدًا مما يباح عند الأخيرة، تحريم شرعي وكذلك حرمها تحريم كوني قدري، فالتحريم الشرعي أن الله -تبارك وتعالى- حرم فيها أن يصاد صيدها، حتى الصيد يجب أن يكون آمنًا فيها، غزال بها، أرنب بها، حمامة بها، أي شيء مما يصيده العرب، والعرب كانت تصيد كل شيء لتأكله، فهذا يأمن؛ الصيد يأمن، ألا يختلى خلاؤها؛ كل العشب النابت فيها ما يمس، ألا يعضض شجرها؛ شجرها ما يقطع، كل شجرة نابتة على أرضها لا تمس، تقطع فرع منها ديَّت، أو تقتلع طبعًا هذا أكبر؛ جريمة أكبر، ألا تلتقط لقطاتها؛ لقطة تقع فيها ما أحد يمسها، إلا لمنشد؛ إلا لمن يأخذها لينشد علشان يوصل هذه اللقطة إلى ديَّت، إنه ما يطالب فيها بدم، ما واحد دخلها يبقى آمن، ما يجي واحد يأخذ ثأره في داخل الحرم، إذا خرج خارج الحرم ديَّت، ولذلك كان العرب الجاهليون كان الشخص يرى قاتل أبيه في الحرم؛ في أرض مكة، يرى قاتل أخيه ولا يقربه ينتظر، بدوا يقتل من قتل أباه أو من قتل أخاه حتى يخرج من أرض الحرم وبعد ذلك يلاحقه أما هنا لا، هذا طبعًا من التحريم الكوني القدري، فإن هؤلاء لم يكونوا قد تقيدوا بشرع، لكن الله -تبارك وتعالى- جعل هذا؛ جعل مهابة ديَّت، وكذلك حرم الله -تبارك وتعالى- أن هذه الكعبة تهدم ولا أنه يتسلط عليها جبار، فهذا من التحريم الكوني القدري كذلك، ثم ما جعل الله -تبارك وتعالى- لأهلها من الحرمة الكونية القدرية، فكان العرب ما جاهليتهم وكفرهم وعنادهم إلا أنهم يقدسون ويهابون من أهل هذا البيت؛ الحرم، يقولون ها دول أهل حرم الله؛ لا يمسون، فكانت قريش تسير بتجاراتها إلى الشام تقطع آلاف الكيلومترات، وإلى اليمن آلاف الكيلومترات كذلك، تسير هنا في أمن، خلاص يعرف إن هذا قرشي خلاص ما أحد يمسه، يقول هذا أهل بيت الله -تبارك وتعالى-.

{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ}[قريش:1]، {إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}[قريش:2]، رحلة الشتاء إلى اليمن والصيف إلى بلاد الشام، {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}[قريش:3]، {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:4]، فهذا من فضل الله -تبارك وتعالى- ورعايته وعنايته وتحريمه الكوني القدري لهذه البلدة، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}، والله -تبارك وتعالى- الذي حرمها، كان التحريم الأول على لسان إبراهيم -عليه السلام-، قد نادى بأن الله -تبارك وتعالى- يجعل هذا البلد آمنًا، قال {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، فجعله الله -تبارك وتعالى- آمن بهذا الدعاء أمن كونًا وقدرًا، جعله الله هكذا، وجعل الكفار المشركين وإن كانوا تركوا الدين لكنهم حافظوا على مكانة هذا البيت وعلى حرمته وعلى أمنه وعلى أمانه في قلوب كل هؤلاء العرب مع كفرهم وعنادهم، فيقول لهم هذا الرب الذي حرم هذه البلدة، حرمها التحريم الشرعي الديني؛ على أهل الدين أن يلتزموا به، وحرمها كذلك التحريم الكوني القدري، فإنه لما أراد أبرهة أن ينال الكعبة بسوء قتله الله -تبارك وتعالى- قبل أن يصل، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[الفيل:1]، {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}[الفيل:2]، {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}[الفيل:3]، {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}[الفيل:4]، {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل:5]، فهذه البلدة هي التي حماها الله -تبارك وتعالى- وحرمها الله، حرمها الله أن ينالها طاغٍ فاجر غاصب جبار يتجبر عليها ويتسلط عليها... لا، حرمها الله -تبارك وتعالى- هذه.

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}، فالله -تبارك وتعالى- هو ربها وهو الذي حرمها التحريم الشرعي الديني والتحريم الكوني القدري، {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}، يعني لهذا الرب الذي يعبده له كل شيء، كل شيء له، كل شيء مما سواه له، السماوات، الأرض، السماوات وما فيها، الأرض وما فيها، العرش والكرسي، كل خلق الله -تبارك وتعالى- هو لله، له ملك؛ يملك الله –تبارك وتعالى- رقبته ويملك تصريفه، فهو مالكه -سبحانه وتعالى- وهو رب كل شيء -سبحانه وتعالى- وله كل شيء، كل شيء له -سبحانه وتعالى-، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، فهو خالق كل شيء وهو المتوكل بكل شيء، المتوكل فيه؛ المتصرف فيه -سبحانه وتعالى- بكل أنواع التصريف، فلا يتصرف أحد إلا بأمره -سبحانه وتعالى- الكوني القدري، فهو الله الرب -سبحانه وتعالى- الملك الذي يملك كل شيء، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26]، فالله هو مالك الملك، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك:1]، قال {........ وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[النمل:91]، وأنا مأمور أن أكون من المسلمين المنقادين المزعنين، المسلم هو المنقاد المزعن، يعني أمرت أن أكون منقادًا مزعنًا لربي -سبحانه وتعالى- مسلمًا له، مسلم له إسلام قلب وإسلام جوارح، إسلام قلب؛ أن يسلم له، يخضع له، فيؤمن بما أنزله ويطيع ما أمر به -سبحانه وتعالى- وينتهي عما نهى عنه، وتكون كل جوارحه كذلك مستجيبة لأمره -سبحانه وتعالى-، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}، أتلو؛ أقرأ، أقرأ القرآن ليكون هذا حجة عليكم، فأنذركم بهذا القرآن، وأن أتلوا القرآن عليكم لأن القرآن حجة؛ حجة الله -تبارك وتعالى- على عباده، إما حجة لهم لمن آمنوا به وإتبعوه، وإما حجة عليهم لمن أنكروه وعصوه أعرضوا عنه، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}، من إهتدى بقرائتي لهذا القرآن عليه وهو كلام الله -تبارك وتعالى- فإنما يهتدي لنفسه، هداه سيعود منفعته وثمرته على نفسه، وليس الله -تبارك وتعالى- بحاجة إلى هداية أحد، فلو أن كل العباد مهتدين لما زاد ذلك في ملك الله شيئًا، «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا»، والعكس «يا عبادي لو أن ألوكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئًا»، فمن إهتدى إلى طريق الحق والصواب فإنما يهتدي لنفسه، يعني ثمرة ذلك وعاقبة ذلك إنما ستكون له، { وَمَنْ ضَلَّ ؟؟؟}، ومن ضل عن هذا الطريق بعد سماعه الحق ومعرفته له، ضل؛ مال وحاد وذهب عنه طريق الحق إلى طريق الضلال، {فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}، يعني قل لهذا الضال ولغيره إنما أنا من المنذرين، بالحصر؛ أنا فقط منذر، يعني لست أملك القوة والقهر أن ألزمكم أيها الناس بأن تسيروا في طريق الرب -تبارك وتعالى-... لا، إنما أنا أخوفكم، الإنذار هو الإخبار بما يخيف، فأنا أخوفكم فقط، أخوفكم عقوبة الله -تبارك وتعالى-، أخوفكم وأحذركم من هذا بس؛ هذا الذي علي، {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}.

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، قل الحمد لله؛ كلمة عظيمة، هذه الكلمة الحمد لله المبتدأ والخبر هذا يشمل إثبات كل المحامد لله، لأسمائه وصفاته فهو الرب الإله الجليل الملك الذي إتصف بكل صفات الكمال والجلال -سبحانه وتعالى-، وكذلك هو المنعم بكل أنواع النعم، فكل نعمة في الخلق إنما هي منه -سبحانه وتعالى-، فالحمد لله لصفاته ولإفضاله وإنعامه -سبحانه وتعالى-، الحمد لله في كل أيضًا أفعاله -جل وعلا-، ثم {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا}، سيريكم آياته؛ آياته في الخلق، في الناس، فيما أخبر به -سبحانه وتعالى-، ومن آياته التي سيريكم إياها نصر أهل الإيمان وإذلال أهل الكفر والعصيان وهذا يكون في الدنيا، فتعرفونها؛ تعرفون أن هذا الذي أخبر به الله، وأن هذا من آيات الله -تبارك وتعالى- أن ينصر هذه الفئة المستضعفة، أن ينصر رسوله والمؤمنين معه وهم فئة مستضعفة، ما كان يظن أحد أن مثل هؤلاء نتصروا وأن يكون دينهم هو الدين الذي يظهر على كل دين، هذا أمر كان فوق التصور، هذا من آيات الله -تبارك وتعالى-، وكذلك آياته فيما يظهره من أشراط الساعة، كما أخبر في هذه السورة عن ظهور الدابة فهذه آياته، {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا}، عندما تجيء هذه الآية تعرفون أن هذه آية الله -تبارك وتعالى- وأن الله تكلم بهذا وأنه حذركم بهذا، ثم {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، إنذار أخير؛ أعلموا أن الله غير غافل عن أعمالكم، فأعمالكم كلها تحت سمعه وبصره -سبحانه وتعالى- وبالتالي سيجازيكم على هذا، وبهذا تنتهي هذه السورة العظيمة؛ سورة النمل.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعني وإياكم بما فيها من الذكر الحكيم والمواعظ البليغة والهدى؛ هدى الرب -تبارك وتعالى-، اللهم أهدنا إلى طريقك يا رب ووفقنا إلى طريقك، أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإستغفروه، والحمد لله رب العالمين.