الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[القصص:44]، {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[القصص:45]، {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[القصص:46]، {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[القصص:47]، {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ}[القصص:48]، {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[القصص:49]، {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص:50]، يخبر -سبحانه وتعالى- أن رسوله محمد -صل الله عليه وسلم- الذي أنزل عليه هذا القرآن من الله -تبارك وتعالى-، وجاء بهذه الأخبار عن بني إسرائيل؛ عن موسى وفرعون، وفي هذه الأخبار التفصيلية أن النبي -صل الله عليه وسلم- لم يكن حاضرًا، قال -جل وعلا- {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ ........}[القصص:44]، لم تكون موجودًا بالجانب الغربي من الجبل الذي كلم الله -تبارك وتعالى- عليه موسى، {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ}، عندما حمله الله -تبارك وتعالى- هذه الرسالة وناداه وأرسله إلى فرعون وقومه، {وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، لهذه الأحداث التي يخبر الله -تبارك وتعالى- بها، وهذه الأحداث موجودة عند بني إسرائيل في كتابهم الذي بين أيديهم، والنبي -صلوات الله والسلام عليه- لم يطلع على شيء من ذلك، وكان هذا ينبغي أن يكون هذا دليل لكل ذي عقل أن النبي لا يمكن أن يصل إلى هذه الأخبار إلا بالوحي الإلهي، لا سبيل إلى إختراع هذه الأخبار وإختراع هذه القصص بل هي أمور واقعة، وقعت وحدثت والنبي يحدث بتفصيلاتها -صلوات الله والسلام عليه-.
قال -جل وعلا- {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ}، قرون من بعد موسى إلى النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، قرن إثر قرن نحو أكثر من أربعة آلاف سنة، قال -جل وعلا- {وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}، لم تكن ثاويًا؛ مقيمًا، في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا عندما جاء موسى فارًا بنفسه بعد أن لاحقه طلب المصريين ليقتلوه؛ بسبب قتله للفرعوني، فلم تكن هناك موجودًا وتعلم هذه القصة، تعمل أن موسى عندما أتى مدين جلس عند مائهم ينتظر الفرج، ورأى الإمرأتين اللتان يذودان غنمهما وأنه سقى لهما، وأنهما ذهبا بعد ذلك بغنمهما إلى أبيهما وقص عليه القصص، كل هذا لم يكن النبي حاضرًا شيئًا منه -صلوات الله والسلام عليه-، وما كنت ثاويًا؛ مقيمًا، {........ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[القصص:45]، ولكنا كنا مرسلين؛ مرسلين أرسل الله -تبارك وتعالى- رسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- بهذا الهدى وبدين الحق.
ثم قال -جل وعلا- {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا}، إذ نادينا موسى، بجانب الطور؛ الجبل الذي نادى الله -تبارك وتعالى- به موسى، {وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، ولكن رحمة من ربك إنزال هذا القرآن على نبيه محمد -صلوات الله والسلام عليه-، ليكون رحمة من الله -تبارك وتعالى-؛ رحمة للعالمين، {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}، لتنذر قومًا؛ قومه العرب، ما أتاهم نذير من قبلك؛ لمن يأتهم نذير من قبل النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وإنما كان نذيرهم الأول من أبيهم إسماعيل -عليه السلام-، {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، يتذكرون رسالة الله -تبارك وتعالى- ويسيرون في مراد الرب -جل وعلا-، هذه إخبار النبي -صل الله عليه وسلم- بهذه الأخبار التفصيلية قلنا بأنها من أدلة صدقه -صلوات الله والسلام عليه-، لكن يجب أن يعلم بأن هذا القرآن مهيمن على التوراة، فإن التوراة التي بأيدي اليهود قد غيروا فيها وبدلوا فيها، والقرآن يصدق الصدق الموجود فيها ويبين كذلك ما افتروه وما كذبوه في ذلك، سنقرأ شيء من قصة موسى -عليه السلام- وكلام الله -تبارك وتعالى- له، وتحميله هذه الرسالة كما جاء في التوراة مبينين أن الحق ما قصه الله -تبارك وتعالى- في هذا القرآن، وأنه يصدق ما في التوراة من الصدق وكذلك يرد ما فيها من الزور والباطل الذي أفكه أهل الكتاب، فإن التوراة لم تكتب إلا بعد خمسمائة سنة من وفاة موسى -عليه السلام-.
في الإصحاح الثاني في سفر الخروج تقول التوراة التي بأيدي اليهود الآن؛ ترجمتها هذه بالعربية، وذهب رجلًا من بيت لاوي وأخذ بنت لاوي أي تزوجها، فحبلت المرأة وولدت إبنًا، ولما رأته أنه حسن خبأته ثلاثة أشهر، هذا موسى -عليه السلام-، هذا كلامهم عن موسى، وأن أمه خبأته ثلاثة أشهر والحال أن الذي في القرآن أن الله -تبارك وتعالى- أوحى إلى أم موسى عندما ولدته {........ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:7]، أما هنا فتذكر أنها خبأته ثلاثة أشهر، ولما لم يمكنها أن تخبئه بعد أخذت له صفطًا من البردي وطلته بالحمر والزفت، ووضعت الولد فيه ووضعته بين الحلفاء على حافة النهر، ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يفعل به، وهذا الكلام فيه حق وباطل، فكون أن أمه أخذت له الصفط هو الصندق الذي يكون من القش، من البردي؛ نبات البردي، البردي نبات ينبت في مصر، وكان المصريين هم الذين يصنعون منه أوراق الكتابة ويصنعون منه السلال ونحوها، طلته بالصبغ الأحمر والزفت، الزفت طلته بالزفت، الزفت اللي هو القار وهذا حتى لا يتشرب إليه الماء، ولكن هنا نص التوراة أن أمه وضعته بين الحلفاء، الحلفاء نبات ينبت غالبًا على ضفاف النهر، فوضعته، خبأته في وسط هذه الأعشاب، وهنا لم تلقه في اليم كما جاء في القرآن، والصحيح ما جاء في كتاب الله -تبارك وتعالى- أنها ألقت هذا التابوت أو الصندوق في اليم، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ........}[القصص:7]، فألقته في اليم.
وقد أخبرها الله -تبارك وتعالى- أنه قال -جل وعلا- {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ}، وأن اليم سيلقيه بالساحل؛ بالساحل الأخر، {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ}، أما هنا فتقول أنه خبأته في الحلفاء؛ يعني في الأعشاب التي بجوار النهر، وفي النص ما يدل على أن هذا كلام متناقض، فإن ليه هي إذا كانت ستخبئه في الحلفاء فلا حاجة لأن تطلي هذا الصفط أو هذا التابوت بالقار؛ بالزفت، كما موجود هنا بالنص، فإن الطلاء بالزفت لا حاجة له لأنه طفل في صندوق سيوضع على حافة النهر، في الحشيش الموجود فيها حتى يأتي من يكتشفه ويأخذه، لا حاجة لهذا، فأما طلائه بالقار هنا كما هو في التوراة دليل على أنها ألقته في اليم، لكن لا يقولون بأنها ألقته في اليم وإنما وضعته بالحافة، يقول بعد ذلك نص التوراة في الإصحاح الثاني فنزلت إبنة فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر، أن هنا إبنه فرعون هي التي ذهبت لتستحم في النهر، فرأت الصفط بين الحلفاء، فأرسلت أمتها وأخذته، إذن إبنة فرعون هي التي لقت الصفط على شاطئ النهر؛ بعيدًا بين الحلفاء، ثم أمرت عبدة من عبيدها أن تأخذه، ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي، فلما رأته رقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين، فقالت أخته لإبنة فرعون هل أذهب وأدعوا لكي إمرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لكي الولد، إذن الأمر لم يكن فيه هذا الذي ذكره الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}[القصص:8]، {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[القصص:9]، ثم قال -جل وعلا- {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}[القصص:12]، {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ}، فالأمر كان على هذا النحو الذي دل عليه القرآن، ولم يكن فقط مجرد إبنة فرعون الذي إلتقطت هذا ورأت أخته بجوار الصفط، وقالت لهم على طول مباشرة أنا آتيكم بإمرأة من العبرانيات لترضعه لكم، فقال لها إبنة فرعون إذهبي، فذهبت الفتاة ودعت أم الولد، فقالت لها إبنة فرعون إذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي وأنا أعطي أجرتكي، فأخذت المرأة الولد وأرضعته، ولما كبر الولد جائت به إلى إبنة فرعون فصار لها إبنًا ودعت إسمه موسى وقالت إني إنتشلته من الماء، أين هنا إنتشلته من الماء انظر هنا تناقض التوراة في سطور قليلة، وعندما نقول التوراة؛ التوراة هذه التي بين أيدي اليهود، والتي كتبوها بعد ذلك بهذه المدد الطويلة ولا شك أنهم كتبوها زادوا فيها ونقصوا منها، وكذلك غفل من يكتبها عن التناقضات الموجودة بين سطور قليلة، كيف يكون هنا إنتشلته من الماء تقول التوراة، والحال أنها كان في صفط على شاطئ النهر وأخذ من شاطئ النهر ولم يلقى في الماء، فانظر هذا التناقض الموجود وهذا من غفلة من كتب التوراة على هذا النحو.
قال وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى أنه خرج إلى إخوته لينظر في أثقالهم، فرأى رجلًا مصريًا يضرب رجلًا عبرانيًا من إخواته، فإلتفت إلى هنا وهنا ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل، إذن هذه حادثة القتل وهي قريبة مما قص الله -تبارك وتعالى- في القرآن؛ وقصص القرآن هو الحق، قال -جل وعلا- {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}[القصص:15]، لكن هنا يجعل الأمر على هذا النحو، إلتفت ورأى هنا أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل، ثم خرج في اليوم الثاني وإذا برجلان عبرانيان يتخاصمان، إن جعلهم هنا؛ جعل التوراة، أن اللذان كانا يتخاصمان في اليوم الثاني إنما هما من العبرانيين؛ أي من بني إسرائيل، وليس أيضًا هو نفس ذاك الإسرائيلي ورجل أخر من قوم فرعون، فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك؟ قال أي موسى للمذنب الذي يضرب الأخر؛ العبراني الأخر، لماذا تضرب صاحبك؟ قال من جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ يعني إحتج عليه الإسرائيلي الأخر؛ العبراني الأخر، وقال له من الذي جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟ أمفتكر أنك بقتلي كما قتلت المصري؛ فذكره بأنه قد قتل المصري، فخاف موسى وقال حقًا قد عرف الأمر، فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يقتل موسى، فهرب موسى من وجه فرعون وسكن في أرض مديان وجلس عند البئر، وفي هذا الإخبار على هذا النحو من التخليط ومن وضع الأمور أمر قبل أمر أمور عظيمة، لا شك يعلمها كل من قرأ القرآن بالخبر الصادق من الله -تبارك وتعالى-، والحال أن التفصيل الذي ذكره القرآن أنه لما قال صاحب المشاكل العبراني في اليوم الثاني، {........ قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}[القصص:19]، وأكتشف الخبر قال -تبارك وتعالى- {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}[القصص:20]، هذه لم تذكرها التوراة هنا، ودائمًا التوراة لا تذكر أي خير لرجل من غير بني إسرائيل، فهذا الرجل الذي هو جاء موسى يسعى لم يكن من بني إسرائيل، وإنما كان رجلًا مصريًا من علية القوم، وكان في بلاط فرعون وأراد أن ينقذ موسى من القتل، فقال له {........ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}[القصص:20].
قال -جل وعلا- {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[القصص:21]، {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}[القصص:22]، {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}، فهو ورد الأول ماء مدين ووجد البنتين اللتين قص الله -تبارك وتعالى- خبرهما، هنا يقول فهرب موسى من وجه فرعون وسكن في أرض مديان، أرض مديان هي مدين، وجلس عند البئر، فجعل السكن النص هنا طبعًا فيه تشويش؛ جعل السكن في مديان قبل جلوسه على البئر، والحال أنه جلس على البئر ثم كانت هذه البداية في أن يدعى إلى بيت الرجل الصالح في مدين، قال وكان لكاهن مديان سبع بنات، سموه كاهن ولم يريدوا أن يخلعوا عليه صفة النبوة أو صفة رجل الصلاح وإنما قالوا كاهن، وكان لكاهن مديان سبع بنات، ويبدو طبعًا السبع بنات هذه ليست بصحيحة، وإنما أخبر الله -تبارك وتعالى- بأن له الإبنتان فقط، ولذلك لما عرض عليه {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ}، قال فأتين وإستقين وملأن الأجران ليسقين غنم أبيهن، الأجران؛ الجرن هو الحوض يوضع فيه الماء من البئر، يخرج به الماء ويوضع فيه لسقي الغنم، فأتى الرعاة وطردوهن، وهذا أيضًا صورة لا شك أنها لا يمكن أن تكون على هذا النحو، أن يأتي الرعاة ويطردوا بعد أن يخرج البنات الماء ويضعوه في ديَّت لسقي غنمهم، أن يأتوا ويطردوهم ويسقوا غنمهم صورة ليست بصحيحة، ولكن ما قصه الله -تبارك وتعالى- في القرآن قال -جل وعلا - {........ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}[القصص:23]، يعني لا يمكن أن نزاحم الرجال في السقي، فننتظر حتى ينتهي الرعاة من سقي أغنامهم ثم نأتي نحن ونسقي، فهذا هو الصورة الصحيحة وهي اللائقة بحياة مثل هذه الحياة في البادية.
قال فأتى الرعاة وطردوهن، فنهض موسى وأنجدهن وسقى غنمهن، فلما أتين إلى راعوئيل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم؟ فجعل أن هذا كاهن مديان وهو أبو البنات راعوئيل، فقلنا رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة، وأنه إستقى لنا أيضًا وسقى الغنم، فقال لبناته وأين هو؟ لماذا تركتن الرجل؟ أدعونه ليأكل طعامًا، فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل، فأعطى موسى صفورة إبنته، صفورة هي إسم إحدى البنتين التي تزوجها موسى، فولدت إبنًا فدعت إسمه جرشوم، هنا كلام التوراة هنا طوى هذه الأحداث طي، ولم يذكر ما ذكره موسى -عليه السلام- عندما أتى هذا الرجل وقص عليه القصص، الله -تبارك وتعالى- قال أن هذا الرجل الصالح قال له نجوت من القوم الظالمين، {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:26]، {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ........}[القصص:27]، كل هذا طووه، وهذا الله -تبارك وتعالى- ذكره هنا بالتفصيل، ليبين هذا العقد الذي قام بين موسى وبين هذا الرجل الصالح من مدين، مجرد هكذا فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل، فأعطى موسى صفورة إبنته، فولدت إبنًا فجعلت إسمه جرشوم لأنه قال كنت نزيلًا في أرض غريبة، وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات وتنهد بنوا إسرائيل من العبودية، وصرخوا فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية، أيضًا هنا تشويش في الخبر، فكيف يكون قد تنهدوا وإرتاحوا من العبودية بقتل فرعون، ثم بعد ذلك صرخوا وصعد صراخهم إلى الله، كان ينبغي أن يكون صراخهم في وقت المحنة، ثم إذا مات الملك يكون قد إرتاحوا وسمع الله صراخهم، لكن جعل الأمر العكس.
فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهذه عبارة تدل على جهلهم بالله -تبارك وتعالى-، وصفهم لله -تبارك وتعالى- بغير صفاته، وأن الله -تبارك وتعالى- كأنه قد نسي عهده وتذكر الله بعد أن رأى ما فيه بنوا إسرائيل من المذلة؛ تذكر عهده وميثاقه مع إبراهيم وإسحاق، ونظر الله في إسرائيل وعلم الله، تعالى الله -تبارك وتعالى- عن ذلك، وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه؛ كاهن مديان، هنا سمي بيثرون، فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب، حوريب إذن هنا يذكرون بأن الله -تبارك وتعالى- كلم موسى والحال أنه مازال في مدين، وكلام القرآن الله -تبارك وتعالى- لم يكلم موسى إلا بعد أن رجع بأهله وأدى المدة، قضى الأجل الذي كان قد عاهد نبي الله -تبارك وتعالى- شعيب عليه، هذا فيمن يقول بأنه شعيب أو الرجل الصالح وهي العشرة سنوات.
قال وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة، إذن هو ملاك الرب وليس النار، الله يقول {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا}، فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لا تحترق، لم تكن تحترق وهي تتوقد بالنار، فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة؟ فملا رآه الرب أنه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى، انظر هذه الصورة من صور نداء الرب -تبارك وتعالى- لموسى وأن الحال على هذا النحو، والحال أنه لما رأى هذه النار وجاء موسى عند هذه النار أن الله -تبارك وتعالى- ناداه وكلمه -جل وعلا-، هنا التوراة تقول وقال موسى موسى، فقال ها أنا ذا، فقال لا تقترب إلى ها هنا، إخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه هي أرض مقدسة، أمر الله -تبارك وتعالى- لموسى بخلع حذائه قد جاء في قول الله -تبارك وتعالى- {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}[طه:12]، ثم قال؛ أي الرب له، أنا إله أبيك؛ إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، هنا أيضًا يجعلون الرب خاص بهم وأنه ليس رب العالمين، وفي القرآن أن الله -تبارك وتعالى- لما نادى موسى قال له {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وإخلع نعليك، فالله ناداه بأنه رب العالمين وليس هو فقط إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب، فهذا عندهم أن الرب خاص بهم وليس هو رب العالمين -سبحانه وتعالى-.
فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله، فقال الله إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم، من أجل مسخريهم يعني المصريين الذين يسخرونهم في الأعمال الشاقة، إني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنًا وعسلًا، إلى مكان الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفريزيين والحويين واليبوسيين، هذه هي الشعوب التي كانت تسكن في بلاد الشام، والآن هو ذا صراخ بنوا إسرائيل قد أتى إلي، ورأيت أيضًا الضيقة التي يضايقهم بها المصريون، فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر، فقال موسى لله من أنا حتى أذهب إلى فرعون؟ انظر هذه ما ينسبونه إلى موسى هنا من إسائة الأدب ومن الرد السيء على الرب -سبحانه وتعالى-، من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر، فقال إني أكون معك وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك، حينما تخرج الشعب من مصر تعبدون الله على هذا الجبل، فقال موسى لله ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم، فإذا قالوا لي ما إسمه فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى أهية، الذي أهية، هنا يسمون الله -تبارك وتعالى- بغير إسمه علمًا بأنهم يقولون الله -سبحانه وتعالى-، فالله هو إسم علم على ذات الرب، معلوم يعني كل الشعوب وكل الأممم منذ خلق الله -تبارك وتعالى- آدم، يعرفون الله -تبارك وتعالى- بهذا الإسم، لكن هنا يسمون الله -تبارك وتعالى- بإسم أخر؛ أهية، وقال هكذا تقول لبني إسرائيل أهية أرسلني إليكم، وقال الله أيضًا لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوة إله آبائكم، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب أرسلني إليكم، يهوة كذلك جعلوا إسم يهوة إسم الرب -تبارك وتعالى-.
هذا إسمي إلى الأبد، وهم يسمون الله -تبارك وتعالى- بهذا الإسم، ويقول هذا إسمي إلى الأبد، والله -تبارك وتعالى- إسم الله -تبارك وتعالى- الله، الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-، وهذا ذكري إلى دور فدور، اذهب واجمع شيوخ إسرائيل وقل لهم الرب إله آبائكم؛ إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ظهر لي قائلًا إني قد إفتقدتكم وما صنع بكم في مصر، فقلت أصعدكم من مذلة مصر إلى أرض الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفريزيين والحويين واليبوسيين، إلى أرض تفيض لبنًا وعسلًا، فإذا سمعوا لقولك تدخل أنت وشيوخ بنوا إسرائيل إلى ملك مصر، إذن الذي سيدخل هم كل الشيوخ وليس موسى هو وهارون فقط، وتقولون له الرب إله العبرانيين إلتقانا، فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية، ونذبح للرب إلهنا، ولكني أعلم أن ملك مصر لا يدعكم تمضون ولا بيد قوية، فأمد يدي وأضرب مصر بكل عجائبي التي أصنع فيها، وبعد ذلك يطلقكم وأعطي نعمة لهذا الشعب في عيون المصريين، ثم انظر ماذا ختموا هذا الإصحاح، فيقول فيكون حينما تمضون أنتم تمضون لا تمضون فارغين، يقولهم لما تمضوا تخرجوا من مصر لا تمضون فارغين، بل تطلب كل إمرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا، وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين، فانظر ماذا ينسبون إلى الله -تبارك وتعالى-، أن الله أمرهم عند خروجهم أن يطلبوا من المصريين أمتعة وثياب يأخذوها ويلبسوها، وعندما يخرجوا بها فيكون هذا سلبًا للمصريين.
لنا -إن شاء الله- عودة إلى هذا في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.