الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (475) - سورة القصص 62-70

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[القصص:62]، {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}[القصص:63]، {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ}[القصص:64]، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:65]، {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ}[القصص:66]، {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}[القصص:67]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[القصص:68]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن يوم القيامة وحال هؤلاء المكذبين كيف سيكون، هذا تبكيت الله -تبارك وتعالى- لهم وتقريعه -سبحانه وتعالى- لهم على شركهم، ويوم يناديهم؛ الرب -سبحانه وتعالى- الإله يوم القيامة، فيقول؛ أي لهم، {........ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[القصص:62]، سؤال يراد به التقريع والتوبيخ وإظهار كذبهم، وإظهار حستهم وندهم أنهم وضعوا العبادة في غير محلها، وعبدوا غير الله -تبارك وتعالى- مما لا يستحق العبادة وإتخذوا لهم شركاء من دون الله -تبارك وتعالى-، فيقول لهم الرب {........ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[القصص:62]، شركائي؛ الذين زعمتهم أنهم شركائي والحال أنه ليس لله شركاء، فهو على قولهم أنهم شركاء لله -تبارك وتعالى-، {........ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[القصص:62]، أي أنهم شركاء لله؛ في صفته، في حقه، والحال أنه كل ما سوى الله فهم عبيده وليس له شريك -سبحانه وتعالى-، ليس له شريك في الملك، لا شريك خلق شيئًا، أعانه على شيء، شريك يشاركه في صفة من صفاته، الله هو المتفرد -سبحانه وتعالى- وحده بصفات العز والكمال والجلال، لا يشاركه فيه -سبحانه وتعالى- أحد، فلا يخلق أحد مع الله -تبارك وتعالى-، الله خالق كل شيء وهو الرزاق لكل شيء وهو  الإله وحده بالتالي -سبحانه وتعالى-، رب العالمين -سبحانه وتعالى-، فالله لا شريك له في صفاته، وكذلك بالتالي في حقوقه؛ لا ينبغي أن يعبد إلا هو، كل حق لله -تبارك وتعالى-؛ حق العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا، فلا شريك له على الحقيقة، لكن هم إتخذوهم وجعلوهم شركاء لله في هذا، {........ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[القصص:62].

قال -جل وعلا- {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}، حق عليهم القول؛ حق عليهم قول الله -تبارك وتعالى- بالعذاب والهلاك والنكال، ممن إدعوا لأنفسهم الألوهية، ودعوا الناس إلى غير الله –تبارك وتعالى- وإلى عبادة أنفسهم، {رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا}، انظر إعتذارهم إلى الرب -تبارك وتعالى-، ربنا؛ يعني يقولون يا ربنا، هؤلاء؛ اللي هم إدعوا أنهم شركاء لله -تبارك وتعالى-، إدعاهم الأتباع، سخيفوا العقول، الذين إتبعوا هؤلاء في ضلالة، فيقول هؤلاء الرؤساء الذين هم الطواغيت رؤساء الغواية ربنا؛ يا ربنا، هؤلاء الذين أغوينا؛ هؤلاء الذين أغويناهم، أغويناهم كما غوينا؛ يعني كنا ضالين ونشرنا فيهم الضلالة، لم نكن على هدى، ونفس هذه المقالة يقولونها لأتباعهم كما قال -جل وعلا- {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا}، كلهم، خروجوا من قبورهم ووقفوا في ساحة واحدة أمام الرب -تبارك وتعالى-، {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، إنا كنا لكم تبعًا؛ كنا أتباع لكم، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ}، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، قالوا أي هؤلاء الذي أتبعوا، {قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}، قالوا لو هدانا الله؛ لو كنا مهتدين، ولكن نحن كنا ضالين ونشرنا الضلالة فيكم، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}، ما لنا من مهرب الآن كلنا إلى النار، {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}، من المتبوعين، {........ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}[القصص:63]، وهذا التبرؤ في غير وقته وفي غير محله، تبرأنا إليك؛ يعني نحن نبرأ إليك من عبادة هؤلاء، وهؤلاء ما كنوا إيانا يعبدون، {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}، لم يكونوا يعبدوننا وإنما كانوا هم الذين إتخذوا هذه الآلهة وهؤلاء هنا يكذبون، فتبرأوا من الذين إتبعوهم وهم أهل الضلالة وهم الذين دعوا الناس إلى عبادتهم، لكن انظر كذبهم ليكون هذا زيادة في الحسرة لمن إتبعوهم، {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}، {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ........}[القصص:63]، كنا ضالين وضلوا.

{تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}، تزداد كذب وتزداد حسرتهم مع حسرة الأتباع بعد ذلك، ولذلك يقولون بعد ذلك يعني يتمنون أن يتبرأوا من هؤلاء، كما قال -تبارك وتعالى- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة:165]، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ}[البقرة:166]، {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ........}[البقرة:167]، الله يري هؤلاء أعمالهم حسرات عليهم، فهؤلاء الذين عبدوا هؤلاء انظر في هذا الموقف العظيم يتبرأوا منهم؛ ويقولون أنتم ما عبدتمونا، {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}، فيقول الأتباع بعد ذلك لو أن لنا كرة؛ يا ريت لنا كرة في الدنيا مرة ثانية، فنتبرأ منهم؛ من هؤلاء المجرمين كما تبرأوا منا الآن، {........ فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167]، كلهم؛ الأتباع والمتبعوين، قالوا {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}، حسرة؛ حسرة على هؤلاء وعلى هؤلاء.

{وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ}[القصص:64]، {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ}، نادوا شركائكم، هذا كذالك تبكيت بعد ذلك هذا، حصل تبكيت لهؤلاء الرؤساء وتبكيت كذلك وتقريع لهؤلاء المتبوعين، وقيل لهم؛ أي الأتباع، ادعوا شركائكم؛ نادوهم، الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، قال -جل وعلا- {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ}، دعوهم ونادوهم لكن لم يستجيبوا لهم في هذا الموقف، طبعً وين؟ لأنهم كذبوهم ويهربوا منهم، ما كانوا أتباع لهم فلم يستجيبوا لهم، قال -جل وعلا- {وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ}، ورأوا العذاب كلهم؛ هؤلاء وهؤلاء يساقون إلى عذاب الرب -جل وعلا-، قال -جل وعلا- {لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ}، يعني لو أنهم كانوا يهتدون لنجوا من كل هذا، لنجى هؤلاء وهؤلاء لو كانوا قد إهتدوا وإتخذوا طريق الرب -سبحانه وتعالى-، ففي هذه الآيات توبيخ وتأنيب وتقريع في هذا الموقف العظيم، للمتبوعين المجرمين الطواغيت الذين دعوا الناس إلى عبادتهم، وكذلك لهؤلاء العميان الذين إتبعوا هؤلاء الطواغيت وتركوا طريق الرب -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:65]، ويوم يناديهم؛ جميعًا، {........ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:65]، ما الذي أجبتم به المرسلين؟ يعني رسلي الذين أرسلتهم إليكم، ما كان جوابكم لهؤلاء؟ سؤال كذلك لا يراد به الإستفهام، الله ما يستفهم منهم، يعلم كيف كان ردهم لكن ليقر عليهم، ليقرر عليهم ويقروا على أنفسهم في هذا الموقف بالكفر والعناد، وأنهم قابلوا رسل الله -تبارك وتعالى- بالإستهزاء والتكذيب والطرد والإبعاد، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:65]، قال –جل وعلا- {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ}[القصص:66]، عميت عليهم الأنباء؛ يعني كأن الأنباء لا تعرف طريقها إليهم، يعني الأمر أصبح بالنسبة إليهم خلاص معمي، لا يستطيعون أن يحيروا على هذا جوابًا، ماذا سيقولون؟ يقولون سببناهم وشتمناهم وإستهزأنا بهم وفعلنا وفعلنا، فيكون حالهم كمن حال من لا يهتدي إليه نبأ، من لا يهتدي إلى خبر، من أصبحت هذه يعني المسئول عنه هو في عماية كاملة ولا يستطيع أن يصل إلى أي معلومة، ولا يستطيع أن يتذكر أي تذكر مما كان له، والحال أنهم لا شك يعلمون هذا؛ يعلمون ديَّت، ولكن لعظم جريمتهم ولفظاعتها فإنهم لا يستطيعون أن يقولوا شيئًا، فطبعًا يصمتون صمت الذي لا خلاص؛ يعني إنقطعت حجته وإنقطع سبيله، {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ}[القصص:66]، ما أحد منهم يسأل الأخر ماذا كنا في الدنيا؟ ماذا قلنا لرسل الله؟ بماذا أجبنا رسل الله -تبارك وتعالى-؟ ما يتسائلون وبالتالي لا يستطيعون أن  يجيبوا الرب -تبارك وتعالى- على ما يسألهم عليه في هذا.

قال -جل وعلا- {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}[القصص:67]، بعد هذه القوارع العظيمة وبعد هذا الإنذار العظيم الله يقول لهم ها الطريق مفتوح، الطريق إلى الله -تبارك وتعالى- مفتوح، فأما من تاب؛ عن الكفر والعناد ورد كلام الرسل، وآمن؛ بالله -تبارك وتعالى- وصدق كما جائه الخبر، وعمل صالحًا؛ يعمل الأعمال الصالحة، الصلاة والصيام وديَّت، كل ما أمر الله -تبارك وتعالى- به عباده إنما هو عمل صالح، {فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}، عسى؛ بالنسبة لهذا الإنسان الذي يتخذ هذه الأسباب أن يكون من المفلحين يوم القيامة، والمفلح هو الذي نال الفلاح، والفلاح هو الفوز وتحقق النجح وحصول المقصد، والفلاح عند الرب -تبارك وتعالى- إنما هو دخول الجنة والنجاة من النار، هذا المفلح هذا، من ينجيه الله -تبارك وتعالى- من هذا السخط وهذه العقوبة هو من يدخله -سبحانه وتعالى- جنته، فأما من تاب؛ عن الكفر والشرك، وآمن؛ بالله -تبارك وتعالى-، {........ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}[القصص:67].

ثم أخبر -سبحانه وتعالى- أن الأمر كله له والأمر بيديه، أمر الهداية والضلال كله إلى الله -تبارك وتعالى-، قال {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[القصص:68]، وربك؛ يا محمد، وهذا تعظيم لشأن النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وبيان هنا الذي يفعل هذا إنما هو رب محمد -صلوات الله والسلام عليه- إعلاء لشأن النبي -صلوات الله والسلام عليه-، وأن هذا هو الرب الذي يفعل هذا الفعل، وربك يخلق ما شاء؛ من الخلق، ويختار؛ يختار من خلقه ما يشاء، فقد خلق هذا العالم؛ الإنسان، ولكن الله -تبارك وتعالى- إختار منهم من إختارهم، إختار منهم من إصطفاهم لنبوته ورسالته، فالرسالة والنبوة إختيار من الله -تبارك وتعالى-، والبشر هم من جنس من خلق الله -تبارك وتعالى-، الرسل هم من جنس الخلق، هم بشر مثل البشر، لكن الله -تبارك وتعالى- إختارهم وإختصهم بهذا الأمر، فالنبوة ليست كسب وإنما هي إختيار وإصطفاء من الله -تبارك وتعالى-، كذلك إختار الله -تبارك وتعالى- من هذا الخلق من يؤمن؛ أهل الإيمان، الإيمان هو إختيار من الله -تبارك وتعالى- وهداية، من شاء الله -تبارك وتعالى- هدايته هداه، كما قال -جل وعلا- {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[يونس:25]، فالذي يريد الله -تبارك وتعالى- هدايته هو الذي يهديه، فالأمر كله إليه -سبحانه وتعالى-، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، من كل شيء، الله -تبارك وتعالى- خلق الأرض كلها لكن إختار هذه البقعة المعينة؛ أرض مكة، إختارها لتكون حرمًا آمنًا عنده -سبحانه وتعالى-، ووضع لها -سبحانه وتعالى- من الأحكام ما وضع لها بخصوصها وهذا ليس للعموم، فالأمر له هو خالق الملائكة ويختار من يختارهم، إختار من الملائكة من يكونون رسل بينه -سبحانه وتعالى- وبين رسله من البشر، فالأمر كله إلى الله -تبارك وتعالى-، الله هو خالق الخلق كلهم وهو يختار -سبحانه وتعالى- منهم ما يختار.

{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ}، وفي هذا السياق بيان أن الإيمان والهدى إنما هو إختيار وإصطفاء من الله -تبارك وتعالى-، قال –جل وعلا- {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}، ما يكون لأحد أن يختار من دون الله -تبارك وتعالى-، بل الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يختار ما يشاء، {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، سبحان الله؛ تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- عن كل عيب وكل نقص، عن ما لا يليق به -سبحانه وتعالى-، فهو {........ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255]، فسبحان الله عن كل عيب وعن كل نقص، سبحان الله عن الشريك، سبحان الله عن الند، يعني تسبيحًا لله تنزيهًا لله أن يكون له شريك، أن يكون له ند، أن يكون له ظهير يعينه، أن يكون له ولد، أن يكون له زوجة، هذا كله نسبة أي شيء من هذا نسبة النقص إلى الله -تبارك وتعالى-، الله هو الواحد الأحد، سبحانه وتعالى أن يكون له ند أو شريك أو ولد، تعالى الله عن ذلك، كذلك تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- أن يكون في ذاته نقص ديَّت، أن يكون ينام، أن يكون يسهوا، أن يكون يغفل، أن يكون يموت، هو الحي {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ........}[الفرقان:58]، تعالى الله -تبارك وتعالى- أن يظلم عباده، بل الله -تبارك وتعالى- هو الحكم العدل -سبحانه وتعالى-، سبحان الله أن يضع شيئًا في غير محله، كل عمل الله -تبارك وتعالى- حسن، ولا يضع الله -تبارك وتعالى- أمر إلا في محله، فهو العزيز الحكيم -سبحانه وتعالى-، تعالى الله عن يغلبه غالب، فسبحان الله أن يغلبه غالب أو يفلت منه هارب، هذا كله تنزيهًا لله -تبارك وتعالى-، فالله منزه عن كل هذا، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[القصص:68]، تعالى الله عما يشركون؛ بعيد جدًا يعني الرب في صفاته وفي أسمائه وفي أفعاله، وهذه الآلهة المدعاة من دونه -سبحانه وتعالى- تعالى الله عنها؛ علوًا عظيمًا -سبحانه وتعالى-، تعالى الله عما يشركون؛ أي به.

ثم {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[القصص:69]، تهديد ووعيد، وربك؛ يا محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ}، أصل الكن الحفظ، ومنه أكنان الجبل وهي هذه المغارات التي يؤى إليها فتكن من يدخلها، تكنه من المطر، تكنه من الشمس، فتكن صدورهم يعني ما تخبئه وتخفيه الصدر، والصدر هو محل القلب، والقلب هو محل العقل والفكر والتذكر، فما في قلوبهم هذه مما يخفونه من الأسرار يعلمه الله -تبارك وتعالى-، الله -عز وجل- مطلع عليهم، وربك يعلم ما تكن صدورهم؛ أي ما تحفظه وتخفيه، وما يعلنون؛ وما يظهرونه في العلن، فعلى ألسنتهم بكلامهم أو يعملونه عملًا أما الناس في الجهرة فالله يعلم هذا وهذا، لا يخفى عليه -سبحانه وتعالى- شيء من أعمال خلقه.

{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:70]، وهو؛ الله، الله؛ إسم علم على ذات الرب -تبارك وتعالى-، الذي يعرفه كل خلقه بهذا الإسم -سبحانه وتعالى- رب السماوات والأرض، إذا ذكر الله فإنما يعلم أنه المقصود به خالق السماوات والأرض، خالق كل هذا الذي نرى والذي لا نرى، كل ما نراه وما لا نراه هذا خالقه والمتصرف فيه الله -سبحانه وتعالى-، {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، لا إله؛ الإله هو المعبود، إلا هو؛ ليس لا إله وجودًا، لا إله حقًا إلا هو، وإلا فكل إله غيره باطل، فهو الإله الذي يستحق أن يسمى بالإله وأن تكون له الألوهية، وأما إذا سمي غيره بأنه إله تسمية باطلة، إسمًا وموضوعًا باطل، فهو إسم باطل لأنه إطلاق إسم على غير مسمى، كيف تكون البقرة أو يكون الشمس أو يكون القمر أو يكون عيسى أو يكون محمد أو يكون الأنبياء أو تكون آلهة، كيف يكون هذه آلهة؟! من أين لها؟! الإله لابد أن يكون خالقًا رازقًا يحيي ويميت، يملك عابده، وكل هذه إنما هي مخلوقات لا تملك لنفسها نفع ولا ضر، جبريل نفسه لا يملك لنفسه نفع ولا ضر إلا ما شاء الله، لا يتحرك من مكانه إلا بأمر الله -عز وجل-، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم:64]، الملائكة آلهة؟ لا؛ لا تكون آلهة، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165]، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:166]، وإنا؛ الملائكة، لنحن الصافون؛ أمام الله، فالذين يصفون صفوفًا أمام ربهم كيف يكونون آلهة، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:166]، لله -تبارك وتعالى-.

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ........}[الأنبياء:26]، اللي هم الملائكة، {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}، {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ}، لا يتكلمون حتى يتكلم الرب -جل وعلا-، {........ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27]، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ........}[الأنبياء:28]، لا يستطيع ملك أن يشفع عند الله -تبارك وتعالى- إلا لمن إرتضى الله -تبارك وتعالى- لهم أن يشفعوا فيه، من عند أنفسهم لا يشفعون، {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، وهم؛ الملائكة، من خشية الرب مشفقون؛ خائفون أشد الخوف، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29]، من يقل من هؤلاء الملائكة أنا إله إعبدوني ولا إستشفعوا بي ولا أنا لي حظوة ولا لي مكانة ولا اسجدوا لي ولا إذبحوا لي {........ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29]، يكون ظالم، فكيف يكون هناك؟ الملائكة ليسوا آلهة، الرسل والأنبياء ليسوا آلهة، فإن سماهم الناس آلهة يبقى كذبوا ووضعوا الإسم في غير محله، كيف يكون الرسول إله والحال أن كل رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- إنما دعى الناس إلى عبادة الله -تبارك وتعالى-، وأنه لو فعل هذا ما يكون رسول، لو فعل دعى الناس إلى عبادة نفسه أو عبادة غير الله لا يكون رسولًا، يكون مشرك هذا يعاقب أشد العقوبة، {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ........}[آل عمران:79]، يكون ما يصير؛ نبي ويدعوا الناس إلى عبادته، يقول لهم إذبحوا لي ولا اسجدوا لي ولا إركعوا لي ولا إدوني ما تعطونه من العبادة لله -تبارك وتعالى-، ولا إرهبوني ولا أنا أدخلكم الجنة وأخرجكم من النار، أو أنا أرزقكم أو أنا أحيي منكم... يستحيل هذا، {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}، الله يتفضل عليه بهذا، {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ}، لا، {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ........}[آل عمران:80]، الله كذلك لا يأمر عباده بأن يتخذوا غيره إله لهم من دونه، كيف يأمر الله الناس بالكفر! قال {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، يأمركم الله -تبارك وتعالى- بالكفر، يقول لكم اعبدوا الملائكة أو اعبدوا أنبيائي أو اعبدوا هؤلاء... لا، يستحيل هذا، يكون هذا كأن الله -تبارك وتعالى- يأمر عباده بالكفر، قال ولا يأمركم؛ يعني ولا يأمركم الله، قال {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:80]، فهذا لا يكون، الله -تبارك وتعالى- يقول {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، لا معبود حقًا إلا هو، لا يستحق أن يسمى إله إلا هو وحده -سبحانه وتعالى-، الملك؛ ملك السماوات والأرض، خالق كل شيء، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، فهو خالق كل شيء، كل ما دون الله هو الذي خلقه، وهو على كل شيء وكيل؛ هو المتوكل بكل شيء، المتوكل به يعني المتصرف فيه، المالك له وكل التصرف له، كل تصرف المخلوق لله، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26]، {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، كله له، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:43]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم:44]، {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}[النجم:45]، {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم:46]، {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى}[النجم:47]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}[النجم:48]، {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}[النجم:49]، {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى}[النجم:50]، {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}[النجم:51]، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}[النجم:52]، {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}[النجم:53]، {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}[النجم:54]، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}[النجم:55]، {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى}[النجم:56]، فهذا فعله، كل شيء له، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42]، كل نهاية الأمور إلى الله -تبارك وتعالى-، فهذا الرب لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-.

{وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ ........}[القصص:70]، على أفعاله وعلى صفاته، فهو المحمود على كل صفاته -سبحانه وتعالى- لأن كل صفات الكمال والجلال له، الرحمن، الرحيم، الغفور، الودود، العزيز، الحكيم، كل أسماء الله -تبارك وتعالى- أسماء تتضمن معاني، وهذه المعاني معاني لله المثل الأعلى يعني ليس فوقها معنى، فهي بالغة الغاية في كل شيء، فسمع الله -تبارك وتعالى- لا يحده شيء، وبصره لا يحده شيء -سبحانه وتعالى-، وعلمه لا يحده شيء، أحاط بكل شيء علمًا -سبحانه وتعالى-، فلا نقص في صفة من صفاته بأي وجه من الوجوه -سبحانه وتعالى-، فيحمد لأسمائه؛ لصفاته، يحمد لأفعاله، كل أفعاله حق وخير، ولا يفعل إلا الخير -سبحانه وتعالى-، فهذا الذي فيما يظنه الناس شر، في تعذيبه من يعذب، في الحكم بالكفر على من يكفر، في إهلاكه من يهلك، كل خير، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:45]، فكل أفعال الله -تبارك وتعالى- خير، رزقه وعطائه، إحسانه، إضلاله، هدايته، إضحاكه، إبكائه، كل أفعاله -سبحانه وتعالى- حق وخير، وهو المحمود على كل شيء -سبحانه وتعالى- من أفعاله -جل وعلا-.

{........ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:70]، له الحكم في كل ديَّت، الحكم الكوني القدري والحكم كذلك الشرعي الديني، فالحكم الكوني القدري كله له، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وكل ما حكم الله -تبارك وتعالى- به من شيء فهو كائن، فالحكم له ولا يشركه -سبحانه وتعالى- في حكمه شيء ولا يشرك في حكمه أحدًا، ما يقول للملائكة أو يقول لغيرهم ديَّت، احكموا في هذا، أحيوا هذا، ارزقوا هذا، سووا هذا... لا، وإنما الكل منفذ لأمره -سبحانه وتعالى- وحكمه، ولا يشركه -سبحانه وتعالى- في حكمه الكوني القدري أحد، وكذلك لا يشركه -سبحانه وتعالى- في حكمه الشرعي الديني أحد، فالشرع له؛ ما يشرع لعباده هو الحكم، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ........}[الشورى:13]، فالحلال ما أحل، الحرام ما حرم، دينه ما شرعه -سبحانه وتعالى-، فله الحكم كذلك الشرعي الديني، ولا يشارك -سبحانه وتعالى-، لا في حكمه الكوني القدري ولا في حكمه الشرعي الديني، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، مرجعكم أيها العباد في النهاية إليه، تقفون عرايا حفاة مجردين من كل شيء، لا مال ولا خدم ولا حشم ولا بيت ديَّت، على طول تكونون أمام الله -تبارك وتعالى- بغير شيء، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.

سنعود -إن شاء الله- إلى هذه الآية في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.