{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[القصص:85]، {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}[القصص:86]، {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[القصص:87]، {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:88]، الآيات الأخيرة من سورة القصص، يخبر الله -تبارك وتعالى- فيها عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- أنه سيرده إلى معاد، قال {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}، الله الذي فرض القرآن على نبيه بما فيه من هذه الأوامر، من القيام بأمره والدعوة إلى سبيله وبيان الطريق لهؤلاء الكفار، إكفارهم وبيان أن ما هم عليه من الباطل، وبذلك يتعرض لسخط كل هؤلاء، فالله فرض عليه وقال له الله -تبارك وتعالى- الله الذي فرض عليك هذا القرآن لرادك إلى معاد، فالذي فرض عليك القرآن وأن تقوم به هو الرب الإله الذي بيده ملكوت كل شيء؛ سيردك إلى مكة إلى معاد، الآيات تنزل على النبي وهو في حال ضعف مع الفئة المؤمنة من أصحابه في مكة، وينتظره ما يتآمر به الكفار ليقتلوه، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال:30]، مكر الكفار بالنبي -صلوات الله والسلام عليه- وأخرجه الله –تبارك وتعالى- من بين أظهرهم، لم ينالوا خيرًا ولم يتمكنوا من قتله -صل الله عليه وسلم- هو وصاحبه، ثم إن الله -تبارك وتعالى- أجرى الأحداث حتى عاد النبي إلى مكة بعد ذلك في عشرة آلاف؛ فاتحًا منتصرًا -صلوات الله والسلام عليه-، أزال الله -تبارك وتعالى- هذه الدولة الكافرة التي كانت للكفار، وثبت الله -تبارك وتعالى- أركان دينه بنبيه -صل الله عليه وسلم-، هذا القرآن ينزل على النبي في هذا الحال والله يخبره بأنه سيكون، قال إبن عباس لرادك إلى معاد؛ لرادك إلى مكة إلى معاد، وقيل أن هذه الآيات نزلت على النبي وهو خارج -صلوات الله والسلام عليه- من مكة، وهذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- أنه سيرده الله -تبارك وتعالى- إليها، قل لهم {رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، لعلهم يتذكروا ويعلموا من الذي جاء بالهدى، الذي جاء بالهدى عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، والذي هو في ضلال مبين هو هؤلاء الكفار المشركون.
ثم قال -جل وعلا- مبينًا الحق لهم، قال {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ........}[القصص:86]، ما كنت ترجوا؛ تؤمل وتريد وتطمع أن يلقى إليك الكتاب، فالنبي قد مكث أربعين سنة من عمره لا يعرف الدين، ما يعرف دين الله ولا دين الرسل السابقين، وليس عنده شيء من هذه العلوم التي جاء بها، من وصف الله -تبارك وتعالى- بصفاته، من صفة جنته، ناره، ملائكته، من شئون رسالاته السابقة، ما كان النبي على علم بهذا قط وما قال شيئًا من هذا، ليكن لهم أن هذا بيان أن الذي يأتي بعد هذا؛ بعد أربعين سنة، ثم بعد ذلك يتنزل عليه هذا الوحي بهذا التفصيل العظيم في بيان صفة الرب -تبارك وتعالى-، ومعاني الإيمان به من ملائكته وكتبه ورسله، من وصف اليوم الآخر، من بيانه لآياته في هذا الكون المنظور وأسرار هذا الخلق، الذي يراه الناس لكن لا يعرفون من أسراره إلا أمور قليلة، فالله -تبارك وتعالى- يبين بهذا القرآن المنزل أسرار الخلق، ما في شيء في النبات، في السماء، في الأرض، إلا وجاء القرآن يفصل من علم الله -تبارك وتعالى- ومن حكمته في شيء عظيم، فمن أين للنبي -صل الله عليه وسلم- أن يكون على علم بهذا؟ كما في قول الله -تبارك وتعالى- {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت:48]، فلم يكن النبي يقرأ، لا هو قارئ ولا هو كاتب، ولا كان يخط شيئًا ديَّت، ولا هو نقل شيئًا من علوم الرسل وبالتالي يخبر بها، كان رجلًا أميًا لم يقرأ ولم يكتب ولم يكن عنده علم بهذا، {وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ}، ولا كان يؤمل هذي، ولا كان يعتكف في غار حراء تكسبًا للنبوة فالنبوة ليست كسب، وإنما جائته هكذا هبة من الله -تبارك وتعالى- وعطية من الله -تبارك وتعالى-، دون أن يكون مؤملًا لها أو منتظرًا لها أو طامعًا فيها وما كان على علم بالرسالات السابقة.
{وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ........}[القصص:86]، يعني إلا أن نزول هذا الكتاب إنما هو رحمة من الله -تبارك وتعالى-، رحمة لعبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- أن يهديه الله -تبارك وتعالى- إلى هذا الدين، وأن يجعله من عباده المرسلين، بل يجعله خاتم هؤلاء الرسل ويفضله بما فضله الله -تبارك وتعالى- من الفضائل العظيمة على جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تحميل هذه الرسالة إلى العالمين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، يرسله إلى كل أمم الأرض في وقته وإلى قيام الساعة لينذركم به يوم البلاغ، يرسل هذه الرسالة؛ رسالة رب العالمين، التي يرسلها الله إلى كل العالمين عن طريق هذا النبي، يختار هذا النبي ليقوم بهذا، بإبلاغ رسالة الله -تبارك وتعالى- للعالمين، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، ليكون هذا الفرقان للعالمين نذيرًا بطريق هذا النبي، فهذا رحمة من الله -تبارك وتعالى- للرسول أن يكون فضل الله عليه عظيم بهذا النحو، ثم رحمة الله -تبارك وتعالى- له بعد ذلك بالذكر الحسن، بإعلاء منزلته -صل الله عليه وسلم-، ثم ما إشتمل عليه هذا القرآن من الرحمة للعالمين، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]، القرآن نزل رحمة للعالمين لأنه بيان لهم وإرشاد لهم وتوضيح لهم إلى طريق الهدى والخير، ويرحم الله -تبارك وتعالى- به عباده المؤمنين، {........ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الأعراف:203]، فهو بصائر للعالمين وهدى ورحمة لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين.
{وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ........}[القصص:86]، إلا أن نزول هذا الكتاب إنما هو رحمة من الله -تبارك وتعالى- للعالمين، وإرسال نبيه رحمة مهداة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]، -صلوات الله والسلام عليه-، {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}، إذن وصية الله -تبارك وتعالى- له وأمره له {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}، الظهير؛ المعين، ومأخوذ من الظهر كأن المعين يقوي ظهر صاحبه ويشد منه، لا تكونن ظهيرًا للكافرين؛ لا تعاونهم، فلا يعاونهم في أي أمر من أمورهم، في أي أمر من أمورهم الدين بل جاء النبي بهدم دين الكفار، فلا يكون معينًا، قال له {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}، مجرد السكوت عن كفرهم والركون إليهم هذي مظاهرة لهم، ولذلك نهاه الله -تبارك وتعالى- أن يركن إليهم في أي قول من أقوالهم أو أي عمل من أعمالهم ولو شيئًا قليل، {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}[الإسراء:74]، وقال {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}، فهذا نهى الله -تبارك وتعالى- نبيه، وهذا النهي يعلم الله -تبارك وتعالى- لا شك أن النبي معصوم أن يكون ظهيرًا للكافرين، ولكن هذا تعليم لكل المؤمنين؛ لا تعاونوا الكفار على أي شيء، تعاون الكافر على هدم الدين، على قتل مسلم، على أن تكون معه، على أن تؤيده، على أن تسكت عن باطله... لا، بل لا تركن إليه مجرد الركون، مجرد الركون إلى قول من أقواله أو شيء من الأشياء التي يخالف هذا الدين... لا، {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ}، هذه رحمة الله جائتك فانتقل إليها وخذها بكليتها، وأترك دين الكفار؛ لا تعاونهم في شيء.
{وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ........}[القصص:87]، ولا يصدنك؛ نهي من الله -تبارك وتعالى- لرسوله أن يصده الكفار، الصد هو المنع، عن آيات الله؛ يعني القيام بها، الإيمان بها والقيام بها، بعد إذ أنزلت إليك؛ هذي الآيات وأصبحت حجة وقائمة، فقد بلغها النبي كما قال -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ........}[المائدة:67]، فهذه آيات الله أنزلت إليك وأصبحت لازمة وواجبة عليك؛ يجب عليك أن تقوم بها، فلا يصدنك عن ...، إياك أن يمنعك الكفار وأن يبعدوك عن آية من آيات الله -عز وجل-، {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ........}[القصص:87]، أي وأصبحت لازمة عليك، {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ}، لتكن دعوتك إلى ربك يعني لا إلى سواه، فالدعوة؛ دعوة الرسل إلى الله -تبارك وتعالى-، فأدعوا إلى ربك يعني لا إلى غيره، لا إلى عصبية، لا إلى وطنية، لا إلى قومية، لا إلى أي شيء، الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، إلى الإيمان بالله، إلى توحيده، ويا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فيدعوهم إلى أن يوحدوا الله -تبارك وتعالى-، فهي دعوة إلى الله؛ إلى أن يعبدوه وحده لا شريك له، يوحدوه إعتقادًا ويوحدوه عملًا في العبادة، وكل فروع هذه العبادة هي دعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، فعندما يدعوهم إلى الصلاة دعاهم إلى الله، لأن الصلاة هي طاعة الله والقيام بذكره، دعاهم إلى الصوم دعاهم إلى الله، دعاهم إلى الذكر، دعاهم إلى بر الوالدين، إلى الإحسان إلى الجار، دعاهم إلى الصدق، إلى الأمانة، كل هذه دعوة إلى الله، {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ}، فكل ما هو مما أمر الله -تبارك وتعالى- به دعوة إلى الله، فلتكن دعوتك إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[المؤمنون:73]، {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}[الشورى:53].
فهنا جعل الله -تبارك وتعالى- حصر الله دعوة الرسول أن تكون إلى الله، {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ}، وهذا تعليم لا شك وتوجيه للرسول وتوجيه لكل داعي إلى الله -تبارك وتعالى- أن تكون دعوته إلى الله، لا يدعوا إلى حزب، إلى جماعة، إلى عصبية، إلى إمام بعينه، إلى إلى كل هذا، إنما يدعوا فقط دعوته تكون إلى الله لا إلى سواه، فالدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، الله وما نسب إلى الله هو دعوة إلى الله، فالصلاة والصيام والزكاة والحج وبر الوالدين والإحسان إلى الجار والإحسان إلى أهل العلم وطاعة العلماء في غير معصية وطاعة الأمراء في غير معصية كل هذه دعوة إلى الله، هذه كلها لأنها مؤداها أنها دعوة إلى الله، {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، نهي من الله -تبارك وتعالى-، قال له {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، المشركين بالله، والشرك أنماط وأشكال، شرك في ذات الله -تبارك وتعالى- هذا أعلى أنواع الشرك؛ أن يظن أن لله ولد، فالله -سبحانه وتعالى- لا جزء له، الله لا جزء له، ليس له ولد -سبحانه وتعالى-، بل هو الواحد الأحد الفرد الصمد، لا شبيه له، لا ند له، لا ديَّت، لو كان له ولد لكان شبيهًا له وكان مساوي له لأن الولد من الوالد، تعالى الله عن ذلك، الله هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شبيه له -سبحانه وتعالى-، ولا ند له ولا كفء له، كل ما خلق الله -تبارك وتعالى- منه أزواج، ما خلق الله خلق إلا وله أشباهه وله أقرانه، فالملائكة أعداد لا يحصيها إلى خالقها؛ إلا الرب -تبارك وتعالى-، ما في ملك هكذا يعني واحد متفرد بصفات... لا، ملك له أشباه، إنسان له أشباهه، أنت واحد مثلك كثير، شجرة، الشجر، السماء، الأرض، الكواكب، النجوم، كل ما خلق الله -تبارك وتعالى- فله من جنسه أشكال وألوان، والله -سبحانه وتعالى- هو المتفرد، هو الذي وجوده وجود متفرد، لا وجود يشبه وجود الرب -تبارك وتعالى-، فأعلى الشرك أن يدعى أن لله مثل، أن لله مثل وله نظير في ذاته، حتى وأن زعم أن هذا النظير دون ذلك النظير.
كما كانت العرب تقول الملائكة بنات الله لكنهم ليسوا كالله، الله يملكهم وهم لا يملكون، فيجعلون الملك لله كله وحده وهم لا يملكون، لكنهم يشفعون وهم منه، {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا}، من عباده وليس من أولاده، {........ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}[الزخرف:15]، الله -سبحانه وتعالى- لا ولد له، وهذا مقالة النصارى كذلك بأن عيسى إبن الله -تبارك وتعالى-، وأن ذاته ذاته، فذاته ذات الرب -تبارك وتعالى-، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، هذا أعلى أنواع الشرك، ثم الشرك في الصفات، من جعل أن هناك من يتصف بصفة بصفات الله -تبارك وتعالى- وصفته كصفة الله، يعني يسمع مثل سمع الله بدون حجب، كل المخلوقات كل واحد ربنا جعل له صفة مناسبة لذاته، والله -سبحانه وتعالى- صفاته لائقة بذاته -سبحانه وتعالى-، فصفات الملك مناسبة للملك هذا، ربنا أعطاهم قوى لهؤلاء الملائكة طبعًا غير قوى البشر؛ قوى الملائكة أعظم، ملك يرفع جبل وقرى كاملة وديَّت، {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ}، فملك يضع يده فيقتلع جبل من مكانه، ويرفعه على بني إسرائيل وهم قد كانوا نحو المليون، ويضعه فوق روؤسهم ويقال لهم آمنوا، {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}، فهذي قدرة ليست في البشر أنه من البشر من يقتلع جبل على هذا النحو، هذي قدراتهم كذلك قدرة كل مخلوق وصفة كل مخلوق هي بحسب هذا المخلوق، لكن لا مجال لأن تكون مساوية أو مقاربة لقدرة الرب -تبارك وتعالى-، فإن الله -تبارك وتعالى- يقول عن نفسه {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]، فإذا كان الله -تبارك وتعالى- قد أقدر الملك أن ينزع جبل من مكانه وأن يرفعه، وأن يرفع قرى كاملة وأن يأفكها على أصحابها، فإن هذا لا شيء بالنسبة إلى قدرة الرب -تبارك وتعالى-، قدرة الرب أعظم من هذا بكثير، لا شك أنه لا مجال لمقارنة قدرة الرب -سبحانه وتعالى- وقوة الرب بقوة الملك مهما كان؛ مهما كان قوة هذا الملك وعظمة هذا الملك، كما قال النبي «أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه تخفق الطير خمسمائة عام»، هذا ملك واحد، هذي المسافة من شحمة الأذن إلى العاتق خمسمائة عام تركض الطير ولا تصل إلى هذا؛ فكيف طوله، لكن الرب -سبحانه وتعالى- هو الأكبر، الله -تبارك وتعالى- أكبر من كل مخلوقاته -سبحانه وتعالى-، السماوات والأرض والعرش والكرسي كلها بالنسبة لله -تبارك وتعالى- شيء قليل، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67].
فهذا نوع من الشرك؛ الشرك في الصفات، أن يقال يسمع كسمع الله، يبصر كبصر الله، أو يقال أن هذه صفته من صفة الله -تبارك وتعالى-، والله -تبارك وتعالى- جعل هناك بعض الصفات خاصة به؛ ما أعطى الخلق شيء منها مثل الخلق، الخلق جعله له وحده لا ملك يخلق ولا شيء، الله خالق كل شيء، كذلك التصريف؛ التصريف في كل العباد لله، سواء كان هذا التصريف قهري أو إختياري، التصريف القهري كالحياة والموت، الإنسان يحيا ويموت قهرًا بدون أن يكون هذا من شأنه ولا بإختياره، إحنا ما نفخت فينا الروح بإختيارنا ولا تنتزع منا بإختيارنا، وإنما الإنسان يخلق يحيى ويمات قهرًا، وكذلك التصريف الإختياري كالضحك والبكاء والذهاب والمجيء والغنى والفقر، كل هذا التصريف كذلك الإختياري إنما هو بفعل الله -تبارك وتعالى-، {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، هو المتوكل بكل شيء، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26]، {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:42]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}[النجم:43]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}[النجم:44]، {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى}[النجم:45]، {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}[النجم:46]، {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى}[النجم:47]، {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}[النجم:48]، {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}[النجم:49]، {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى}[النجم:50]، {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}[النجم:51]، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}[النجم:52]، {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى}[النجم:53]، {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}[النجم:54]، {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}[النجم:55]، هذا فعله كله، الله -تبارك وتعالى- هذا فعله -سبحانه وتعالى-.
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62]، فهذا صفة له، فمن ظن أن هناك من يشارك الله -تبارك وتعالى- في الخلق أشرك بالله، وكذلك في التصريف أشرك بالله، حتى أعمال العجماوات هي بخلق الله -تبارك وتعالى-، ومن ظن أن الإنسان إذا إختار عمل فيختاره بنفسه وأنه ليس بخلق الله -تبارك وتعالى- فهو مشرك بالله -تبارك وتعالى-، ولذلك قيل القدرية مجوس هذه الأمة، والقدرية هم الذين يظنون أن الإنسان ينشيء فعله ويخلق فعله... لا، الإنسان لا يخلق فعله وإنما الله خالق كل شيء -سبحانه وتعالى-، فهذا نوع كذلك نوع من الشرك، كذلك الضرب الثالث من ضروب الشرك اللي هو شرك التقرب، الله -تبارك وتعالى- إختص نفسه بأعمال فرض على العباد أن يعملوها له وحده ولا يعملوها لغيره، صلي لربك وأنحر لربك، صلي لله بس فقط وتنحر لله فقط، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:2]، صم لله، زكي لله، حج لله، {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، هذي أعمال العبادات فرضها الله -تبارك وتعالى- له وحده، فمن عمل هذه العبادات أو جنسها لغيره؛ فصلى لغيره، ركع وسجد وقام لصنم، لملك، لطاغوت من الطواغيت، فصرف ما لا ينبغي أن يكون إلا لله؛ جعله لغيره، هذا مشرك بالله -تبارك وتعالى-، فهذا من الشرك؛ شرك في العبادة، لا تعبد إلا هو -سبحانه وتعالى-، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، قضى؛ حكم وأمر، أنه ما تعبد إلا هو -سبحانه وتعالى-.
فقول الله هنا لرسوله -صل الله عليه وسلم- {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، إياك أن تكن من المشركين، وقد جاء هذا التحذير للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، وهو تحذير ليس للنبي وحده وإنما هذا للأمة كلها وبيان للكل، وأنه إذا خوطب النبي بهذا الخطاب فلا شك أن غيره من طريق الأولى، لا يسمح لأي أحد بأن يشرك؛ لا لملك أن يشرك ديَّت، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65]، {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66]، {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}[الإسراء:22]، {........ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا}[الإسراء:39]، فهذا خطاب الله -تبارك وتعالى- لنبيه ولكل الأنبياء، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر:65]، {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:66].
فالله يقول لرسوله -صل الله عليه وسلم- {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، والدعاء هو أشرف أنواع العبادة، الله جعل الدعاء له وهو أعلى العبادة، بل الدعاء هو العبادة، كما قال النبي «الدعاء هو العبادة»، لأن حقيقة العبادة إنما هي طلب من المعبود، طلب إما بدفع ضر عن العابد وإما بجلب خير، وهذي كلها ...، فالصلاة هي علشان الطلب والصوم وغيرها علشان الطلب، فالدعاء هو العبادة، فعقب الله -تبارك وتعالى- على قوله {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، تطلب من غير الله -تبارك وتعالى-، الطلب عبادة، {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، إله يعبد وكل ما يعبد ويطلب منه فهو إله، لكنه ليس إلهًا على الحقيقة لأن الإله على الحقيقة لابد أن يكون مالكًا لمن يعبده؛ لعابده، يملكه، خلقه، رزقه، يحيه، يميته، أما إذا كان هذا المعبود الذي يعبد من دون الله، الإله الذي يعبد من دون الله لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يضر عابده ولا ينفعه يبقى هذا أكبر ضلال، {........ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا}[مريم:42]، {........ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ}[الشعراء:75]، {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ}[الشعراء:76]، {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء:77]، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ}[الشعراء:78]، {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:79]، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:80]، {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}[الشعراء:81]، {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء:82]، هذا الذي يعبد، هذا الذي يستحق العبادة، الله الذي يملك لعابده نفعه وضره، حياته وموته، كل شيء من شأن العباد إنما هو بيد الله -تبارك وتعالى-، وأما ما يعبد من دونه ليس بيدهم شيء، ماذا بيد الشمس والقمر والنجوم والكواكب والشجر والطواغيت والأصنام، ماذا بيدها؟ ماذا بيدها أن تنفع به من يعبدها؟ ما عندها شيء، ما عندها ما تنفع به عابدها.
كذلك واحد ميت في قبره يأتيه ويقف على رأسه من يدعوه، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5]، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:6]، فلا يدعى ولا يعبد ولا ينادى إلا الله -سبحانه وتعالى- نداء عبادة ودعاء، {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، قال -جل وعلا- {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، لا إله على الحقيقة إلا هو، كل من إدعيت له الإلهية غيره باطل، كذب، زور، إطلاق إسم على غير المسمى، يطلق عليه إله وهو ليس بإله، فإذا أطلق على بقرة أو صنم أو حجر إله معبود هذا ما يفيده، ما يغير من الواقع شيء، أطلق على الشمس بأنها الإلهة، كانت العرب تسميها الإلهة، طيب إذا هم سموها الإلهة هل هذه تغير من حقيقة كونها شمس؟ {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:37]، فإنه لو سجد لها أهلها؛ الذين ينتظرون شروقها فيسجدون لها، وينتظرون غروبها فيسجدون لها، لو سجد لها ملايين الملايين ماذا ينتفعوا، ماذا ينتفعوا من سجودهم للشمس ومن سجودهم لهذا؟ لا ينتفعوا شيء، ولا يضرهم إن فعلوا ولا ما فعلوا، أما الرب الإله لا؛ هذا عبادته نجح وفلاح والبعد عن عبادته وعبادة غيره هلاك وخسار، {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.
{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ........}[القصص:88]، كل شيء؛ كل ما سوى الله -تبارك وتعالى-، هالك؛ فاني إلا وجهه، كما قال -تبارك وتعالى- {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}[الرحمن:26]، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:27]، فالله -تبارك وتعالى- هو الحي الباقي الذي لا يموت، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ .........}[الفرقان:58]، فالله -تبارك وتعالى- هو الحي الباقي وكل ما سواه يفنى ويموت، كما قال النبي «والإنس والجن يموتون»، والله هو الحي الباقي –سبحانه وتعالى-، فكل شيء هالك إلا وجهه، الله -تبارك وتعالى- له وجه ووجهه -سبحانه وتعالى- من صفات ذاته –سبحانه وتعالى-، والمؤمنون يرون وجهه يوم القيامة -سبحانه وتعالى-، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «جنتان من ذهب وجنتان من فضة وليس بين القوم أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن»، فالمؤمنون يرون الله -تبارك وتعالى-، هنا الوجه يطلق ويراد به الذات، يعني إلا بقاء الله -تبارك وتعالى-، والله -تبارك وتعالى- له وجه ليس كوجوهنا، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، -سبحانه وتعالى-، فسرت هذه الآية كذلك؛ فسرها السلف، كل شيء هالك؛ من أعمال العباد، إلا وجهه؛ إلا ما أريد به وجهه، فالذي أريد به وجهه -سبحانه وتعالى- هو الذي يبقى، وكل ما فعل لغيره -سبحانه وتعالى- يفنى ويضمحل، كما قال -جل وعلا- {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23]، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[النور:39]، {لَهُ الْحُكْمُ}، له؛ للرب -سبحانه وتعالى- لا لغيره، الحكم؛ الحكم الكوني القدري والحكم الشرعي الديني، الكل له فالله لا يقبل شركة في هذا، في الكوني القدري ما يكون إلا ما يشاء -سبحانه وتعالى-، الحكم في كل خلقه له، بدءًا، نهاية، حياة، موتًا، صحة، مرضًا، غنى، فقرًا، هداية، ضلالًا، كل الحكم لله -تبارك وتعالى-، وكذلك شرعه لا يقبل الله -تبارك وتعالى- أن يشرع لعباده إلى هو، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، أيها العباد إليه لا إلى غيره موجع العباد كلهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ليحاسب الجميع -جل وعلا-.
بهذا -الحمد لله- تنتهي هذه السورة؛ سورة القصص، والحمد لله رب العالمين.