الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (481) - سورة العنكبوت 8-15

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[العنكبوت:8]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}[العنكبوت:9]، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:10]، {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت:11]، هذه الآيات من سورة العنكبوت وقد مضى أن هذه السورة مكية، وأن موضوع هذه السورة هو موضوع الفتنة، الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- وتحمل الأذى والبلاء في سبيل ذلك، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذه السورة بقوله {الم}[العنكبوت:1]، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:2]، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:3]، فبيَّن -سبحانه وتعالى- أن الظن بأن يقول الإنسان أنه مؤمن ولا يختبره الله -تبارك وتعالى- ويمتحنه ظن وظن لا يقع، لأن سنة الله -تبارك وتعالى- الجارية في عباده أن كل من شهد هذه الشهادة وأعلن الإيمان لابد وأن يختبره الله -تبارك وتعالى- ليظهر صدق الصادق وكذب الكاذب، ثم قال -جل وعلا- {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[العنكبوت:4]، ثم قال {مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[العنكبوت:5]، {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:6]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[العنكبوت:7]، تطمين عظيم لمن سار على طريق الرب -تبارك وتعالى- وتحمل ما تحمل في سبيله، أن هذا سيجزى الجزاء العظيم عند الله -تبارك وتعالى-.

ذكر الله -تبارك  وتعالى- بعد ذلك أول عقبة يمكن أن تقف وهو كفر الوالدين ومحاولة منعهما الإبن من أن يستقيم على أمر الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا ........}[العنكبوت:8]، فهذه توصية الله، أمر وهذا الأمر من الله -تبارك وتعالى- للأبناء جاء في صورة الوصية وهذا لتعظيم هذا الأمر الإلهي، {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}، يعني أن يحسن إليهم وأن يعاملهما بالإحسان في كل صور التعامل، من الطاعة والإنابة والخدمة والقيام بالحق والفضل والتقديم والتبجيل، ونهى الله -تبارك وتعالى- في مقام الإحسان أن ينبذ الإنسان عند والديه ببنت شفه تضر على تضجر أو تأنب، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:23]، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:24]، هذا في المؤمن، وفي الكافر أمر الله -تبارك وتعالى- في الوالدين الكافرين أن يحسن إليهما، وقال {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}، وهنا جاهداك يعني عملا كل جهد وبذلا كل مسعى لصرفك عن طريق الرب والشرك بالله -تبارك وتعالى- فلا تطعهما، لأن هنا يكون تعدوا الحق الذي لهما بأن ينهوا عن حق الله -تبارك وتعالى-، وحق الله -عز وجل- أولًا، الإنسان أولًا حقه وواجبه نحو ربه الذي خلقه -سبحانه وتعالى- والذي هو يتكلف بكل أموره، فأن ينصرف الإنسان عن إلهه ومولاه الذي خلقه إلى طاعة المخلوق؛ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ثم قال -جل وعلا- {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وفيه توجيه للعباد أن يعلموا بأن مرجع الجميع إلى الله -تبارك وتعالى-، وهذا فيه تذكير وتحذير للإنسان وللعبد أن يتجاوز أمر الله -تبارك وتعالى- في هذا الشأن، الإحسان إلى الوالدين، عدم طاعتهم فيما يأمران من الشرك، قيل أن هذه الآية نزلت كذلك في شأن سعد إبن أبي وقاس -رضي الله تعالى عنه-، أسلم مبكرًا في مكة وأمه بقيت على الكفر وأرادت أن تثنيه عن الإيمان وإجتهدت في هذا، إلى أن وصلت أنها قالت أنها ستمتنع عن الطعام والشراب حتى تموت فيعير سعد بها، قالت له لن أذوق طعامًا ولا شرابًا وأموت على هذا حتى تعير بي؛ يقال إنك أنت قتلت أمك، فقال لها يا أمي لو كانت لكي مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما كنت لأرجع عن ديني، فأخبرها باليقين أنه مؤمن بالله -تبارك وتعالى- ولن يشرك به، وأنه مهما جاهدته في أن ينصرف عن الدين فإنه لن يفعل.

قال -جل وعلا- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}[العنكبوت:9]، هذه بشرى من الله -تبارك وتعالى- وطمأنة منه لعباده المؤمنين، أن الله -تبارك وتعالى- سيبدلهم لفقد آبائهم الكفار الذين بقوا على الكفر وجاهدوهم في الكفر، أن الله -تبارك وتعالى- سيجعل لهم الرفقة الصالحة مع المؤمنين الصالحين في دار كرامته؛ في جنته، قال {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}[العنكبوت:9]، بس، فهذه هي الرفقة الطيبة وأما هذه الأنساب الدنيوية فإنها يوم القيامة إن كانت على غير الدين تتقطع، فالأب والأب إذا بقيا على الكفر فإنهم يحشرون مع أمثالهم من الكفار، وأما أهل الدين وأهل الصلاح وأهل التقوى الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الله -تبارك وتعالى- يجعلهم رفقة في جنته -سبحانه وتعالى-، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}[العنكبوت:9]، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67]، فقول الله -تبارك وتعالى- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ}[العنكبوت:9]، هذا أمر عظيم وبيان تعويض الرب -تبارك وتعالى- عن إن الإنسان فارق والديه عندما دعواه إلى الكفر وكانا على الكفر، أن يعوضه الله -تبارك وتعالى- بالرفقة الصالحة يوم القيامة.

ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك طائفة من الناس يكون موقفها في الفتنة موقف التذبذب وموقف الميل مع المصلحة الدنيوية والمنفعة العاجلة، قال -جل وعلا- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:10]، هذي طائفة ضعاف الإيمان والمنافقين، من الناس؛ أي ناسًا، من يقولوا آمنا بالله؛ يعلن إيمانه بالله -تبارك وتعالى-، يعني يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا أوذي في الله؛ إذا جائه أذى في الله، من الكفار أو من غيرهم أو من أهل أو من غيرهم آذوه لأنه آمن بالله، قال -جل وعلا- {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، يعني جعل فتنة الناس هذه صارفة له عن الإيمان، كما أن عذاب الله -تبارك وتعالى- صارف للمؤمن عن الكفر، وعذاب الله شيء عظيم جدًا يجب أن يتقى بكل سبيل، أما فتنة الناس تتقيها بأن تكفر... لا، يبقى تترتكب ما هو أكبر من هذا، وإنما المؤمن فإنه في سبيل أن يتقي عذاب الله -تبارك وتعالى- فإنه يهون عنده كل عذاب دون عذاب الآخرة، لأن لا يمكن أن يكون عذاب الناس كعذاب الله -تبارك وتعالى-، فهذا ضعيف الإيمان المنافق عندما تأتيه الفتنة فيجعل هذه الفتنة صارفة له عن الإيمان، كما يجعل المؤمن عذاب الله -تبارك وتعالى- صارف له عن الكفران، {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}، فيحذرها ويفر من هذه الفتنة بالدخول في الكفر -عياذًا بالله-.

قال -جل وعلا- {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}، إذا جاء نصر من الله -تبارك وتعالى- وأصبحت الريح مع المؤمنين وأصبحت التمكين لهم والأمر بأيديهم، والريح على الكفار وإنتهوا أو كسروا، عند ذلك يتحول ويأتي إلى أهل الإيمان ويعلن أنه معهم، ولئن جاء نصر من ربك؛ أي لأهل الإيمان، ليقولن إنا كنا معكم؛ يعني ليقولن هؤلاء المنافقون ضعاف الإيمان إنا كنا معكم، كنا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وكنا نصلي معكم وكنا وكنا وكنا ...، قال -جل وعلا- {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}، يعني إذا أرضوا هؤلاء المؤمنين وقالوا لهم إنا معكم ورضي عنهم المؤمنون وأقروهم على أنهم هذا وسكتوا عنهم فلم تنتهي الأمر، فإن الله -تبارك وتعالى- هو العليم بما في صدور العالمين وقد سيحاسبهم الله -تبارك وتعالى- على هذا، لأن في قلوبهم الكفر والنفاق وكانوا مع أهل الكفر، وكان عذاب الناس هذا عندما وقع صارفًا لهم عن الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، فإنهم تركوا الإيمان وإنحازوا إلى الكفار، فهؤلاء الذين ينحازوا إلى الكفار بمجرد ما يمسهم من الكفار نوع من الأذى ويلتحقوا بالمؤمنين عندما تكون الريح معهم، فهؤلاء المتذبذبون الذين يميلون مع هؤلاء وهؤلاء، كما قال الله في المذبذبين بين ذلك إلى هؤلاء وإلى هؤلاء ومن يرد الله فتنته فلن تجد له سبيلًا، فهؤلاء ضعاف الإيمان الذين يتبجحون أنهم مع أهل الإيمان عند النصر ويفرون منهم عند أذي يصيبهم من الكفار، قال -جل وعلا- {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}، بما في صدور الناس جميعًا، سؤال يراد به التقرير، لا شك أن الله -تبارك وتعالى- أعلم بما في صدور العالمين، فهو الذي لا تخفى عليه خافية من أعمال عباده -سبحانه وتعالى-.

قال -جل وعلا- {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت:11]، بالتأكيد أن الفتنة ستأتي الفتنة إثر الفتنة إثر الفتنة إثر الفتنة ...، حتى يتبين بعد ذلك المؤمن على الحقيقة والمنافق يظهر كفره ويظهر علانية أمام الناس، كما قال الله -تبارك وتعالى- للمنافقين بعد الفتنة التي فتنوا بها في غزوة تبوك وكانت من أشد أنواع الفتن والإبتلاءات، قال {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}[التوبة:126]، كان يتداول هذا، في وقت يفتنو في كل عام مرة أو مرتين بالغزوات وبالكفار، وبأنهم جائوا هنا وأن هذي غزوة من هنا وأن هذا العدو هذا يجمع لهم من هنا، وأحيانًا يحصرون حصار شديد كما حصروا في غزوة الخندق، وأصبح المسلمون في ضيق عظيم جدًا وظهر النفاق علانية فيه، النفاق ظهر؛ أظهر المنافقون الكفر، قالوا {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}، فأظهروا كفرهم علانية، فهذه المتاوليات من الفتن والإبتلاءات يواليها الله -تبارك وتعالى-، ليظهر أهل الإيمان على حقائقهم وأهل النفاق يظهرون على حقائقهم في الكفر، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22]، فهذا حال المؤمنين في وقت الشدة الشديدة، وأما الكفار المنافقون في وقت الشدة الشديدة قالوا {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}، قال -جل وعلا- {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ........}[العنكبوت:11]، على الحقيقة، علم هنا يعني قائم في هذه الدنيا حتى يكون الحساب عليه، لأن الحساب والجزاء لا يقوم على ما سبق في علم الله -تبارك وتعالى- في عباده، ولكن لابد أن يظهر أثر هذا وفعل هذا على الحقيقة في الواقع ويكون الحساب على هذا الأمر، {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت:11].

ثم ذكر الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك حال الكافر المتبجح المجرم، الذي يعني مكذب بلقاء الله -تبارك وتعالى-، وذكر مقالتهم هنا لأهل الإيمان ليصرفوا أهل الإيمان عن الإيمان، وهذا من أعظم الفتن التي تصيب المؤمن أن يشوف الكافر ماذا يقول، قال -جل وعلا- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ........}[العنكبوت:12]، وقال الذين كفروا؛ صادقين بذلك أهل الإيمان عن الإيمان، إتبعوا سبيلنا؛ الذي يسيروا عليه، طريقهم في الكفر والشرك الذي إرتضوه وطبعًا زين لهم وأحبوه وأوا أن هذا هو الطريق السليم، {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، إذا كان هناك من الذنوب والخطايا في هذا السبيل الذي إرتضيناه -اللي هو سبيل هؤلاء الكفار- وأن عليكم عذاب بهذا يوم القيامة نحن نتحمله، نحن نتحمل خطاياكم أمام الله، فلا تخافوا سيروا ورائنا ونحن نتحمل أي شيء يصيبكم في هذا السبيل، نحن مستعدين أن نتحمله عنكم، طبعًا كذب وإجرام، قال -جل وعلا- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[العنكبوت:12]، وما هم؛ هؤلاء الكفار، بحاملين من خطاياهم من شيء؛ يوم القيامة هؤلاء يتمنوا أن تزال عنهم خطاياهم لا أن يحملوا خطايا غيرهم، فما هيحملوا هم خطايا غيرهم؛ كذابون، وقت الجد؛ وقت أن يروا العذاب، ما يحملوا من خطايا الأخرين شيء، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، إتخذوا عن شيء نحن كنا أتباع لكم، وقد سرنا ورائكم في الضلالة وأنتم أضللتمونا، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء؛ إتخذوا عنا شيء، ترفعوا عنا شيء من العذاب، تطلبوا أنه يعني يحمل عنا شيء من العذاب، تأخذوه عنا وأنتم المتسببون، فماذا يقول هؤلاء المجرمون؟ قالوا {........ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}[غافر:48]، إنا كلٌ فيها؛ نحن وأياكم في النار، فما يحملوا شيء، كيف يحملوا هذا عذاب عظيم جدًا، كيف يطلبوا أن يزاد عليهم العذاب من غيرهم؛ كذابين، فهذا كذب؛ الذي قاله هؤلاء الكفار قالوا الكذب، قال الله -تبارك وتعالى- {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، إنهم كاذبون في هذه المقالة، عندما تعهدوا وأخذوا على أنفسهم نحن سنتحمل عذابكم يوم القيامة، ونحمله نحن وأنتم بريئين لو كان عليكم يعني حساب وعذاب يوم القيامة.

ثم توعد الله -تبارك وتعالى- هؤلاء المجرمين، قال {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[العنكبوت:13]، وليحملن أثقالهم؛ بالتأكيد باللام الموطئة للقسم، يقسم الله -تبارك وتعالى- بأنهم سيحملوا أثقالهم، أثقالهم؛ ذنوبهم، ذنوبهم التي أذنبوها تكون هذه أثقال وأغلال في أعناقهم وقيود في أرجلهم وحمل يحملوه على ظهورهم، {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}، فالله يحملهم هذه الذنوب وهذه المعاصي؛ نفسها وآثارها، {وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}، كل من أضلوه وإتبعهم في الضلال فلهم نصيب من العذاب مثل ما لهم، على الضال نصيبه من العذاب لا ينقص وعلى المضل نصيب مثله كذلك، «من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من إتبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيء، ومن دعى إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من إتبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيء»، فالكافر التابع عليه وزره ومثل هذا الوزر على من أضله، المتبوع بالباطل فيأخذ وزر أخر، فقال -جل وعلا- {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}، أثقال أخرى؛ يعني أثقال الذين أضلوهم، {........ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[العنكبوت:13]، وهذا كذلك جريمة ثانية، يعني أصبح جريمتهم في الكفر، جريمتهم في أن أكفروا كذلك غيرهم؛ أخذوا جريمة، وجريمة ثالثة هي كذبهم وإفترائهم بقولهم وتبجحهم لهؤلاء الذين إتبعوهم؛ نحن سنحمل عنكم أعبائكم وذنبوكم ما تخافوا، إذا عليكم ذنب إحنا هنحمله، فالله يقول {........ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[العنكبوت:13]، وطبعًا هذا السؤال ستعقبه نتيجته، وهي إثم هذا الإفتراء وإثم هذا الكذب الذي قالوه، لكن السؤال هنا للتقرير؛ ليقرر عليهم هذا، أضليتم هؤلاء وقلتم هكذا، قلتم هكذا لهؤلاء {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}، فعندما يقرون على أنفسهم أيضًا يأخذون ذنب وعاقبة هذا الإفك الذي أفكوه، {........ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[العنكبوت:13].

ثم بعد ذلك شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان التكاليف العظيمة التي تكلفها الرسل في سبيل الله -تبارك وتعالى-، والحمل العظيم الذي حملوه ونئوا به، بدأ الله -تبارك وتعالى- هذا بنوح -عليه السلام-، فقال -جل وعلا- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[العنكبوت:14]، {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}[العنكبوت:15]، طوى الله -تبارك وتعالى- رسالة نوح في هاتين الآيتين في هذا الموضع، وذكر أكبر شيء تعرض له نوح من البلاء في قومه، وهي مدة المكث الطويل يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، وهم قوم معاندون منصرفون عن دين الله -تبارك وتعالى-، ويتحمل نوح في هذا ما تحمل كل هذه السنين الطويلة، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، يؤكد الله -تبارك وتعالى- ويبين أنه هو الذي أرسل نوحًا إلى قومه، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ........}[العنكبوت:14]، يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- في موضع أخر أنه لم يترك وسيلة من وسائل البيان والإيضاح والنصح لقومه وإقامة البرهان إلا ودعاهم إليها، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا}[نوح:5]، فانظر ألف سنة إلا خمسين وهو قائم باليل والنهار يدعوا إلى الله –تبارك وتعالى-، {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}[نوح:6]، {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح:7]، {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا}[نوح:8]، {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}[نوح:9]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح:10]، {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}[نوح:11]، {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:12]، {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:13]، {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}[نوح:14]، {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}[نوح:15]، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}[نوح:16]، {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا}[نوح:17]، {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}[نوح:18]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا}[نوح:19]، {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}[نوح:20]، {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي}.

بعد البيان والإيضاح وإعادة القول، ألف سنة إلا خمسين وهو يكرر على قومه ويطرق مسامعهم بمثل هذا الكلام؛ يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[نوح:21]، {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا}[نوح:22]، {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23]، {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا}[نوح:24]، فالفتنة التي فتن بها نوح في دعوته إلى الله -تبارك وتعالى- هي هذه المكث الطويل، يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى- ويصبر على هذا الأمر وهو في هذا الكرب العظيم، {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}[الصافات:75]، {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات:76]، الكرب؛ الهم والغم العظيم الذي كان فيه طيلة هذه المدة الطويلة، يدعوا إلى الله -تبارك وتعالى- ولا يقابل إلا بالتكذيب والسخرية والإستهزاء، طبعًا هذا أمر لا تصبر عليه الجبال، وهذه البلاء ديَّت، وكان الله -تبارك وتعالى- يبين لعباده انظر هذه صور من صور إبتلاء الله -تبارك وتعالى- للمؤمنين، هذا عبد الله -تبارك وتعالى- نوح وهذا أول رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- إلى الأرض، فانظروا مقدار ما تحمله من الكرب العظيم والبلاء العظيم في دعوة قوم معاندين ومستهزئين به على هذا النحو، إلى آخر فترة مع هؤلاء الكفار وهم يستهزئون به، كما قال –جل وعلا- {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ}، وهذي خلاص الفلك هي سفينة النجاة، آخر مرحلة من مراحل هذه الدعوة، {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}، فانظر هذا البلاء العظيم، هؤلاء قد حم القضاء بهلاكهم وهم مازالوا في إستهزائهم وسخريتهم برسول الله.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}[العنكبوت:14]، لم يكن لهؤلاء المجرمين علاج إلا الإستئصال، الطوفان؛ طوفان الماء، الذي جعله الله -تبارك وتعالى- يأتيهم من السماء ومن الأرض، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:40]، الطوفان أتى غطى أعالي الجبال، كما قال نوح لإبنه أنه {........ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:43]، وقال الله -تبارك وتعالى- {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}، فأخذهم الطوفان؛ طوفان الماء، وهم ضالمون؛ وهم ظالمون جملة حالية يعني حال كونهم ظالمين، ظالمين أنفسهم بالشرك بالله -تبارك وتعالى- والكفر والعناد وتكذيب الرسول، وفي هذا آيات؛ أول آية في سياق الآيات الفتنة والحمل الشديد الذي حمله نوح وتحمله -صلوات الله عليه وعلى نبينا محمد صلوات الله والسلام عليه-، وكذلك بعد ذلك أن العاقبة لابد أن تكون لأهل الإيمان فالعاقبة قد كانت لنوح بعد ذلك على قومه.

قال -جل وعلا- فأنجيناه؛ سنة الله -تبارك وتعالى- في إنجاء الرسل، وأصحاب السفينة؛ الذين آمنوا معه، السفينة التي أمره الله -تبارك وتعالى- بأن تكون هي طوق النجاة لهم وطوق النجاة لكل مخلوقات هذه الأرض، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ........}[هود:40]، فهؤلاء هم ركاب السفينة، أمره الله -تبارك وتعالى- أن يحمل فيها من كل دواب الأرض وطيورها وهوامها إثنين؛ ذكر وأنثى، وأهله الذين آمنوا ومن آمن معه، وقد قال -تبارك وتعالى- {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}، وجعلناها آية للعالمين؛ جعلنا هذه السفينة آية؛ علامة، للعالمين؛ للناس أجمعين، ببقائها مددًا طويلة يراها بعد من أتوا بعد قوم نوح، وجعل الله -تبارك وتعالى- ذكر هذه السفينة بعد ذلك آية، أن الله -تبارك وتعالى- انظروا صنيع الله -تبارك وتعالى- في عباده المؤمنين وصنيعه -سبحانه وتعالى- في عباده الكافرين، فهذا صنيعه بنوح ومن معه؛ أنجاهم الله -تبارك وتعالى-، وهذا صنيعه في النهاية بالكافرين.

نقف هنا وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد، والحمد لله رب العالمين.