الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (486) - سورة العنكبوت 45-47

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}[العنكبوت:45]، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]، {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}[العنكبوت:47]، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت:48]، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}[العنكبوت:49]، بعد أن بيَّن الله –تبارك وتعالى- سنته في الأمم الظالمة وكيف أهلكها الله -تباك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت:40]، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- أن ما يتشبث به الكفار المعاندون من أمور الدنيا وما يعتزون به وما يظنون أنه منجيهم ومانع عنهم بأس الله -تبارك وتعالى- هو كتشبث العنكبوت في بيتها، {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ}، قال {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:41]، {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[العنكبوت:42]، {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43]، {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}[العنكبوت:44]، بعد هذه الآيات البينات؛ تبصير الناس بسنة الله -تبارك وتعالى- في الظالمين، وسنة الله -تبارك وتعالى- في المؤمنين، وبأن الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يكون قد خلق هذا الخلق سدى وعبثًا.

وجه الله -تبارك وتعالى- بعد رسوله إلى الآية العظمى والنعمة الكبرى، الآية العظمى -سبحانه وتعالى- وهو هذا الكتاب المنزل منه -سبحانه وتعالى- على عبد ورسوله محمد، الذي تحدى الله به الأولين والآخرين أن يأتوا بمثله، والرحمة العظمى من الله -تبارك وتعالى-، فهو خطاب رحمة من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين؛ يرحمهم به، ينقلهم به، يخرجهم به من الظلمات إلى النور، قال -جل وعلا- لرسوله {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ}، ففيه البيان وفيه البرهان وفيه الرحمة، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ}، توجه إلى الله -تبارك وتعالى- بإقامة الصلاة، فالصلاة أشرف عمل، أشرف عمل وضعه الله وأعلى عمل وضعه الله -تبارك وتعالى- لأهل الأرض هو الصلاة، وهي خلاص هي دعاء العبد لربه -تبارك وتعالى- ووقوف العبد بين يدي ربه -تبارك وتعالى-، تحقيق معنى العبودية لله على أكمل صوره، من قيام ومن ركوع ومن سجود ومن دعاء؛ فهي العبادة، فهي العبادة؛ لبها العبادة الصلاة، لأن الصلاة دعاء وهي خطاب بين الرب -تبارك وتعالى- وبين عبده، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، يقول الله حمدني عبدي، إلى آخر الحديث، {وَأَقِمِ الصَّلاةَ}، ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، إن الصلاة؛ أي فعلها وإقامتها، تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ تنهى فاعلها ومقيمها عن الفحشاء والمنكر، أولًا لأنها عصمة له وصلة بين العبد وبين ربه -تبارك وتعالى-، فيكون بها تقوى الله -تبارك وتعالى- ومعاني الإيمان به ومعاني الإحسان إليه والموالاة له -سبحانه وتعالى-، فهذا يجعله يكتسب التقوى؛ التقوى التي تنهاه عن الفحشاء، كل فعل غليظ في القبح والإثم فحشاء، والمنكر كل ما نكره الله -تبارك وتعالى- لعباده، سواء بالوحي المنزل أو بالفطرة السليمة؛ ما فطر الله -تبارك وتعالى- عليه قلوب الخلق، الفطرة التي لم تتدنس بكراهية هذا الأمر، فكل أمر تكره النفوس الطيبة وتعافه منكر تنكره ولا تحبه، فالصلاة تنهى عن كل فعل منكر نكره الله -تبارك وتعالى- لعباده، بالوحي المنزل أو بالفطرة السليمة التي فطر الله -تبارك وتعالى- الناس عليها، وتنهى عن الفحشاء فهذا من عمل الصلاة، من حافظ على الصلاة فإنها نهته عن هذا، نهته عن هذا لأنها تربط قلبه بالله -تبارك وتعالى- وتذكره بالله -جل وعلا-.

ثم قال -جل وعلا- {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، توجيه إلى الذكر؛ إلى ذكر الله، ذكر الله -تبارك وتعالى-؛ ذكر الله الذي يكون بالقلب، فيكون القلب ذاكرًا لله -تبارك وتعالى-، ويكون باللسان؛ بالثناء على الله -تبارك وتعالى- وما هو أهله، و{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، فالثناء على الله -تبارك وتعالى- بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسله، بهذه الكلمات الطيبات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر، تذكر هذا وفي كل جملة من هذه الجمل معنى عظيم، فسبحان الله تنزيه لله -تبارك وتعالى- عن كل سوء وكل نقص، من هذا تنزيهه عن الولد، عن الشريك، عن النظير، عن المثل؛ أن يكون له مماثل، تعالى الله عن ذلك، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1]، {اللَّهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص:2]، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:3]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص:4]، تنزيه له عن الظلم، تنزيه له عن كل ما يعتلي المخلوق من النقص؛ من النوم والغفلة والنسيان والموت والمرض، فالله منزه عن كل هذا، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255]، فذكر الله كل جملة من هذه الجمل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ونحو ذلك، هذه ذكر الله؛ كلمات يذكر بها الله -تبارك وتعالى- ويثنى عليه بما هو أهله، بهذه الكلمات ذكر الله، وقد أمر الله -تبارك وتعالى- بأن نكثر من ذكره وأن نذكره على كل حال، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران:191]، وأعظم ذكر لله -تبارك وتعالى- بالقرآن فإن القرآن كله مذكر بالله، لأنه إما حديث الله عن نفسه وإما حديثه عن ملائكته وإما حديثه عن كتبه وعن رسله وعن سنته في الأرض، وإما حديثه -سبحانه وتعالى- عن تشريعه؛ هذا أمره وهذا نهيه، ولماذا أمر بهذا ولماذا نهى عن هذا، وحديثه -سبحانه وتعالى- عن معاملته لعباده الصالحين، اذكروا فعلت كذا وكذا وكذا لعبدي الصالح، {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا}[مريم:2]، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}[مريم:3]، فيذكر الله -تبارك وتعالى- ما أنعم به على عبده زكريا هنا، وبعد ذلك على مريم وعلى الرسل وعلى الأنبياء، ثم ما عاقب الله -تبارك وتعالى- به المجرمين من العباد، كيف عاقبهم، كيف أغرق قوم فرعون، كيف أهلك عاد، كيف أهلك ثمود، هذا كله في القرآن، فالقرآن كله حديث عن الله -تبارك وتعالى-، عن الله بصفاته وأسمائه وأفعاله وسنته وتشريعه -جل وعلا-، فالقرآن ذكر لله، فمن يقرأ القرآن إنما يذكر الله -تبارك وتعالى-، القرآن كله حديث عن الله، كله حديث عن الله -سبحانه وتعالى-.

{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، أكبر؛ قيل أكبر من كل شيء، أكبر من كل شيء وذلك أنه ذكر لله -تبارك وتعالى-، كما قال النبي «وسبحان الله والحمد لله تملأ الميزان»، وقال -صل الله عليه وسلم- «سبحان الله والحمد لله تملآن بين السماء والأرض»، قولك سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، فذكر الله -تبارك وتعالى- أكبر من كل شيء، أكبر من كل هذه الأشياء، أمر عظيم جدًا، قيل هنا أكبر من الصلاة في التذكير ولكن الصلاة من ذكر الله، الصحيح أن الصلاة من ذكر الله -تبارك وتعالى-، وذكر الله -تبارك وتعالى- أكبر ناهي وواعظ كذلك عن الفحشاء والمنكر، فإن من كان ذاكرًا لله -تبارك وتعالى- في كل الأوقات فلا يمكن أن يقترب من الفحشاء والمنكر، كما قال -صل الله عليه وسلم- «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أعينهم وهو مؤمن»، فأخبر -سبحانه وتعالى- أن العبد حال المعصية لا يمكن أن يعصي لو كان مؤمنًا، والمؤمن ذاكر، المؤمن معنى أنه مؤمن ذاكر لله -تبارك وتعالى-، ليس هذا الحديث نفس للإيمان بالكلية للكفر، يعني الذي يفعل هذا كافرًا، يعني الزنا لا يقع إلا من كافر، والنهبة لا تقع إلا من كافر، والسرقة لا تقع إلا من كافر... لا، وإنما تقع من غير ذاكر، تقع من إنسان قد يكون مصدق مؤمن لكن الإيمان غائب عنه؛ غير ذاكرًا لله -تبارك وتعالى-، لكن لو كان ذاكرًا لله، أن أنه ذاكر لله حال هذا الفعل لا يمكن أن يعصي الله -تبارك وتعالى-، فلو كان العبد حال المعصية؛ وهو يزني، وهو يسرق، وهو ينتهب، يعلم أن الله في هذا الوقت مطلع عليه لإمتنع في التو واللحظة، فذكر الله -تبارك وتعالى- أكبر واعظ عن الفحشاء والمنكر، أكبر ناهي عن الفحشاء والمنكر.

{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، هذا كذلك والله يعلم ما تصنعون تذكير بأن الله -تبارك وتعالى- عليم بكل عملك، والصنع أدق العمل، العمل أعم والصنع أخص، فالصنع يعني هذا عمل الذي هو الخاص الدقيق؛ الله يعلمه -سبحانه وتعالى-، فإذا كان الله -تبارك وتعالى- يعلم ما تصنعه فما تعمله من باب الأولى، لأن العمل؛ العمل العام، لكن الصنع الخاص، فممكن الإنسان أن يستتر ويحكم الأمر ويلف ويدور لكن الله -تبارك وتعالى- يعلمه -سبحانه وتعالى-، فهذه الآية فيها وعظ عظيم جدًا، أولًا توجيه للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، الخطاب جاء للنبي ولا شك أنه خطاب لعموم المؤمنين، لأن الخطاب إذا توجه للنبي -صلوات الله والسلام عليه- فهو توجيه لعموم المؤمنين، النبي داخل والمؤمنون داخلون في الخطاب للنبي، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:1]، {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا}[المزمل:2]، هذا خطاب للنبي وهو متوجه إلى جميع المؤمنين، لذلك رفع الله -تبارك وتعالى- عن المؤمنين قيام الليل في آخر السورة، فقال {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ........}[العنكبوت:45]، أكبر واعظ عن إتيان الفحشاء والمنكر، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، هذا أعظم واعظ؛ العلم بأن الله -تبارك وتعالى- يعلم ما يصنعه العبد، آية عظيمة هنا في إثر بيان الله -تبارك وتعالى- سنته -سبحانه وتعالى- في الظالمين، وتوجيهه للعبد المؤمن أن يكون هذا فعله، الداعي إلى الله -تبارك وتعالى- والعبد المؤمن القائم بأمر الله -عز وجل- ينبغي أن يكون هذا فعله وهذا كهفه، {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ........}[العنكبوت:45]، أن يكون ذاكرًا لله على كل أحواله، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت:46]، القرآن هو آية الله -تبارك وتعالى- العظمى، المنزلة على عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه-، يتحدى الله -تبارك وتعالى- بها الأولين والآخرين وهي دليل النبي على أنه رسول من الله -تبارك وتعالى-، هي الدليل الذي أعطاه الله -تبارك وتعالى- لنبيه محمد؛ خاتم الرسل، ليستدل بها كل ذي بصر وكل ذي عين أن هذا هو رسول الله، من أدلة أن هذا القرآن من عند الله -تبارك وتعالى- ما أخبر به الله -تبارك وتعالى- في القرآن عما مضى من أحوال الأنبياء السابقين، وكان المفروض لمن أوتوا الكتاب قبل النبي من اليهود والنصارى أنهم بمجرد ما يأتي هذا النبي ويعلموا صدقه وأمانته، ويأتي بهذه الأخبار العظيمة الموجودة في كتبهم ويصدق هذا، وهو رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب، أن يسارعوا في الدخول إلى هذا الإيمان، وليعلموا أن هذا الذي جاء ينبع من مشكاة واحدة، القرآن الذي جاء على محمد هو والتوراة والإنجيل من مصدر واحد، ينبع من مشكاة واحدة، نور من مكان واحد، من مصدر واحد يأتي، فهو يرشد ويدعوا إلى نفس الأمر الذي تدعوا إليه هذه الكتب، من الإيمان بالله -تبارك وتعالى- وتوحيده وتقديسه -سبحانه وتعالى-، والإيمان بغيبه والإيمان بيوم القيامة وملائكته، وكذلك صنيعه -سبحانه وتعالى- فيمن سبق من المؤمنين والكافرين نفس الأمر يدعوا أن ديَّت، يدعوا إلى دعوة واحدة، دعوة الرسل إلى الإيمان دعوة واحدة، فكان المفروض أن هؤلاء يسارعون إلى هذا وألا يكذبوا الرسول -صلوات الله والسلام عليه-، ويكونوا أول المصدقين به، كما خاطب الله -تبارك وتعالى- اليهود فقال {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[البقرة:40]، {وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}[البقرة:41]، فالمفروض أن يكونوا أول المؤمنين به لا أن يكونوا أول الكافرين به، قد كانوا أول الكافرين به وكفروا بديَّت، فهؤلاء شهادتهم؛ شهادة أهل الكتاب على أن هذا القرآن من عند الله -تبارك وتعالى- تكون شهادة للنبي -صلوات الله والسلام عليه- وشهادة الحق، لكن من أهل الكتاب من شهد هذه الشهادة فبادر الإسلام وأسلم، ومنهم من إستنكف عن الإيمان وبدأ يطعن ويقول هذا ليس رسول الله، أو هذا رسول العرب أو هذا القرآن الذي جائه إنما إفتراه أو ليس من عنده، هؤلاء كيف يمكن أن يجادل هؤلاء وهؤلاء ويدعون، يعني دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان هذه فرض، والله أرسل رسوله إلى النصارى وإلى اليهود وإلى كل الملل، وخص الله -تبارك وتعالى- هؤلاء بالحديث الطويل لأنهم أقرب إلى الإيمان، فمن كفر منهم بيكون شره عظيم لأن طعنه الناس تقتدي به، العرب الأميين يقتدوا به، لو كان هذا حق كان آمن به أهل الدين القديم.

فقال -جل وعلا- {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، لا تجادلوا؛ يعني خطاب لأهل الإيمان والمؤمنين، أهل الكتاب؛ من اليهود والنصارى، إلا بالتي هي أحسن بالإسلوب الأحسن، وبالتي هي أحسن يشمل أمور عظيمة جدًا، يشمل طبعًا النهي عن السب والشتم واللعن في وقت عرض الدعوة، يشمل على إعطاء الدليل وإعطاء البرهان وأعطاء البينة، يشمل على سعة الصدر للسماع منهم والسماع من شبهاتهم والرد عليها، كل هذا داخل في معنى إلا بالتي هي أحسن، يعني إلا بأن يكون هذا الجدال بكل ما هو داخل في الأمر الحسن ضد السوء، ثم قال -جل وعلا- {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}، ظلموا منهم؛ بالكفر والعناد وسب أهل الإسلام وسب النبي -صلوات الله والسلام عليه-، فينبغي أن يرد عليهم بما يدمغهم وما يكشف زيفهم وما يكشف كذبهم وباطلهم، فهنا لابد أن يكون الرد مناسب لحال أهل الكتاب في الجدال، فمن كان يريد أن يجادل ليرى الحق ويعلمه ويسمع فهذا يجب أن نجادله بالتي هي أحسن، كما صنع النبي -صلوات الله عليه وسلم- في اليهود عندما جائوه لما نزل في قباء ناقشهم، جائه عبد الله إبن سلام وجلس مع النبي ساعة، وعرض على النبي أسئلة قال إن سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، فأجابه النبي وقرأ عليه القرآن حتى أسلم ودخل في الإسلام، وكذلك جاء اليهود بعده فناقشهم النبي ساعة كاملة، وعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن، وقال لهم بعد أن يئس من إيمانهم ماذا تقولون عبد إبن سلام فيكم؟ قالوا هو سيدنا وإبن سيدنا وحبرنا وعالمنا، قال ما رأيكم لو أسلم؟ فقالوا أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالوا هذا شرنا وإبن شرنا وطعنوا فيه، فقال يا رسول الله هذا الذي كنت أخشى أنهم قوم بهت، اليهود قوم بهت كذابون، ومع هذا بقي النبي –صل الله عليه وسلم- بعد هذا زمانًا يناقشهم ويدعوهم إلى الإسلام ويقرب لهم ويلين لهم القول -صلوات الله والسلام عليه-.

وكذلك فعل النبي -صل الله عليه وسلم- مع النصارى، جائه في نجران ثلاثة أيام؛ ثلاثة أيام والنبي يناقشهم -صل الله عليه وسلم-، ثم بعد ذلك أمره الله -تبارك وتعالى- أن يباهلهم، تعالوا إذا تعتقدون بأني لست على الحق وأنكم أنتم الذين على الحق فتعالوا ندعوا الله -تبارك وتعالى- أن يهلك الكاذب فينا وأن يهلك الظالم فينا، كما قال -تبارك وتعالى- {........ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:61]، وعند ذلك لما علموا هذا وهذا من العدل كذلك ومن الجدال بالحسنى، أن إذا أنتم مكذبين على هذا النحو بعد هذا النفس الطويل في الجدال معهم، إذا أنتم بعد ذلك مكذبين فلندعوا الله -تبارك وتعالى- أن يهلك الظالم منا، أن يهلك الكاذب منا، عند ذلك كعوا وإبتعدوا، الشاهد أن الله -تبارك وتعالى- أمر رسوله وأمر المؤمنين ألا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، ثم قال {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}، وقولوا؛ لهم، آمنا بالذي أنزل إلينا؛ اللي هو القرآن هذا المنزل من الله، وكذلك بالذي أنزل إليكم؛ وهو التوراة والإنجيل نؤمن بها، بأنه الله –تبارك وتعالى- أنزل كتاب هدى ونور وهو التوراة وأنزل الإنجيل وأنزل الزبور، نؤمن بما أنزل الله -تبارك وتعالى- إليكم.

{وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ}، إلهنا الذي نعبده وندعوه وإلهكم الذي يذكر في كتابكم واحد وهو خالق السماوات والأرض، فاليهود يعبدون ويدعون خالق السماوات والأرض، وطبعًا وإن كانوا وصفوه بما ليس من صفته ونسبوا إليه كثيرًا من النقص لكن هو الله -سبحانه وتعالى-، هو الله لا يعبدون صنمًا ومعبودًا أخر، يعبدون الله -تبارك وتعالى- وإن نسبوا له ما نسبوا من النقص، كذلك النصارى إنما يعبدون الرب الذي في السماء -سبحانه وتعالى- خالق السماوات والأرض، ولكنهم نسبوا له ما نسبوا من أنه له ولد، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، لكن في المحصلة المعبود إنما هو الرب الإله خالق السماوات والأرض عند الجميع، إلا أنهم إنحرفوا في وصفهم للرب -تبارك وتعالى-، طبعًا ليس أهل الكتاب من اليهود والنصارى فيما يعبدون مثل مثلًا المجوس والبوذييون وغيرهم، فإن المجوس لا يعبدون إله السماوات والأرض وإنما عندهم الخالق هذا خالقان، ليس هو خالق السماوات والأرض هناك من خلق الظلمة وكل الشر وهناك من خلق النور وهما إلهان يتصارعان، فهذا من تخيلاتهم وظنونهم الباطلة أن هناك إلهان للعالم وبينهما صراع؛ بين إله الخير وإله الشر، وكذلك الهندوس مثلًا عندهم إله هذا من البشر إسمه رام، وهذا له صفة معينة وله خلق معين وله شيء معين، ليس هو إله السماوات والأرض، وكذلك الفراعنة في عبادتهم وفي عقائدهم والأمم الأخرى في عقائدهم منهم من لا يتخذ ربًا يعبده، ومنهم من يعبد الشمس والقمر يراها إنها إلهة مش فقط معبودة مع الله، يشركوا بها مع الله بل هي الله الذي يعبد، فهذه الأمم اللي هي غير اليهود والنصارى لا تعبد الله، لا تعرف الله -تبارك وتعالى- خالق السماوات والأرض ولا تعبده وإنما تعبد آلهة أخرى، تعبد وتتخذ آلهة أخرى ليس فقط في باب العبودية بل في باب الخلق والتقدير والرزق.

فقولوا لهؤلاء أهل الكتاب {وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، نحن؛ المؤمنون، له؛ لهذا الرب، مسلمون؛ منقادون مزعنون، مفهوم هذا لا شك أن اليهود ليسوا مسلمين لله -تبارك وتعالى-؛ لم يسلموا لله، لأنهم أمروا بالإيمان بعيسى فكفروا به فما أسلموا لله -تبارك وتعالى-، وأمروا بالإيمان بمحمد -صل الله عليه وسلم- فكفروا به فلم يسلموا لله -تبارك وتعالى-؛ في إيمانهم بكل رسل الله -تبارك وتعالى-، وكذلك النصارى ليسوا مسلمين لله -تبارك وتعالى-، فإنهم قد أمروا بأن يؤمنوا بمحمد –صل الله عليه وسلم- كفروا به فإمتنعوا عن الإسلام، أما المسلمون فإنهم أسلموا لله -تبارك وتعالى-، آمنوا بالله وبكل ملائكته وبكل رسله، لا يفرقون بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا، سامعين مطيعين لله -تبارك وتعالى-، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، نحن المسلمون أتباع محمد، محمد وأتباعه لله مسلمون، منقادون مزعنون له –سبحانه وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ}، كذلك بهذا الإنجاز المعجز، كتاب الرحمة، كتاب الفرقان، كتاب الهداية، {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ}، أنزلنا؛ الرب -سبحانه وتعالى-، الله يشهد أنه هو الذي أنزل هذا القرآن على عبده ورسوله محمد، الكتاب؛ القرآن، سمي كتابًا لأن الله كتبه في السماء وينزل ويكتب في الأرض، وهو أعظم كتاب في الأرض يقرأ ويعبد به الرب -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}، فالذين آتيناهم الكتاب؛ يعني من الكتاب السابق، يؤمنون به، وذلك أن الكتاب السابق التوراة والإنجيل مصدقة لما جاء في هذا القرآن، ومرشدة وفيها أمر الله -تبارك وتعالى- بالإيمان بالرسول الخاتم المخلص -صلوات الله والسلام عليه-، {وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}، ومن هؤلاء الموجودين من يؤمن به، فالسابقون كانوا يؤمنون بأنه سيأتي المخلص، الذي يأتي بكتاب من عند الله -تبارك وتعالى- ويملأ هذه الأرض عدلًا ويقيم الملة العوجاء يجعلهم يوحدوا الله -تبارك وتعالى-؛ هذا في الكتاب، فالسابقون يؤمنون {وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ}، ثم قال -جل وعلا- {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}، ما يجحد بآياتنا؛ بآيات الله إلا الكافرون، الجحود هو معرفة الحق وإنكاره وتغيته وستره والقول بأن هذا ليس حقًا، فالجحود رفض الحق وإنكاره بعد العلم به، فلا يجحد بآيات الله إلا الكافرون، والكافر هو الذي عرف الحق وعرف آياته وسترها وغطاها، لأن الكفر هو الستر والتغطية، فلا يجحد ولا يقول لا...، الجحود إنكار، إنكار أن يكون هذا الكتاب هو من عند الله -تبارك وتعالى-، فالذي ينكر هذا الإنكار هو جاحد وهو كافر لأنه عرف الحق وستره ولا يريده، {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت:48]، وما كنت؛ أي للنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، تتلوا من قبله من كتاب؛ فلم يكن يعرف القراءة، ولا تخطه بيمينك؛ الخط تكتب خطه بيمينك، وبيمينك هنا للتأكيد، {........ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت:48]، يعني لو كان القرآن نزل عليك وأنت رجل تحسن القراءة والكتابة لحصلت الريبة للمبطلين، والحال أنه حتى لو كان النبي يقرأ ويكتب لما كان في شأن هذا القرآن ريبة، لأن القرآن أكبر من أن يكتبه ويقرأه كاتب وقارئ، إن هذا كلام الله -تبارك وتعالى- المعجز الذي يتحدى به الأولين والآخرين، لكن هذا كذلك زيادة في ظهور هذه المعجزة وفي بيان أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا من عند الله -تبارك وتعالى-، فإن نزول القرآن على رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب على هذا النحو، ثم يحدث بكل هذه العلوم العظيمة ويحدث بالأخبار السابقة وبالأخبار الآتية فيقع الأمر كله كما حدث، لا شك أن هذا يكون أبلغ في المعجزة.

سنعود -إن شاء الله- إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.