الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (488) - سورة العنكبوت 57-64

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن إهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}[العنكبوت:56]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت:57]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[العنكبوت:58]، {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:59]، {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[العنكبوت:60]، في هذه الآيات من سورة العنكبوت هذه السورة التي تعالج بوجه عام مسألة الفتنة والإبتلاء، والذي هو سنة من سنن الله -تبارك وتعالى- في عباده، يبتلي الله -تبارك وتعالى- رسله وأنبيائه بأن يحملهم أمانة الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، وأن يصبروا في سبيل ذلك على الأذى، وكذلك عباده المؤمنين؛ ما من مؤمن يشهد أن لا إله إلا الله ويؤمن برسوله إلا ولابد أن يبتليه الله -تبارك وتعالى- ليعلم صدقه من كذبه، كما قال الله في بداية هذه السورة {الم}[العنكبوت:1]، {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:2]، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:3]، وسارت هذه السورة في معالجة هذا الأمر من أولها إلى نهايتها.

هنا في قول الله -تبارك وتعالى- {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}[العنكبوت:56]، هذا نداء من الله -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين، أن لا يتشبسوا بالأرض والوطن الذي هم فيه إذا غلبهم الكفار وحملوهم على الكفر، فإن الله -تبارك وتعالى- قد شرع لهم الهجرة؛ الخروج من هذا البلد إلى بلد أخرى، وجعل الله -تبارك وتعالى- وطن المؤمن هي عقيدته وهو إيمانه، أي مكان يستطيع أن يقوم فيه بإيمانه ودينه ويظهر شعائر هذا الدين يجب أن يكون فيه، وأما إذا غلب على أمره في وطنه فإنه لابد أن يفارقه وقد شرع الله -تبارك وتعالى- ذلك، بل جعل من يبقى في وطنه مؤثرًا الكفر على الإيمان هذا في نهايته أن يحشره الله -تبارك وتعالى- مع الكفار، كما قال -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء:97]، {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}[النساء:98]، {فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا}[النساء:99]، وهذه الآيات من الآيات التي نزلت بعد ذلك؛ الآيات المدنية، ولكن هنا في الآية المكية الله -تبارك وتعالى- أن أحمل دينك، وأين تستطيع أن تحافظ على دينك فكن هناك، {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ........}[العنكبوت:56]، أرض الله -تبارك وتعالى- واسعة، {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}، أعبد الله -تبارك وتعالى- وحده لا شريك له، مفهوم هذا أنه لا يجوز أن تعبد غير الله وأن تطيع الكفار فيما يأمروك به مؤثرًا بقائك تحت قهرهم وتحت إمرتهم وأنت تستطيع أن تفارقهم، {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}.

ثم الأمر الأخر الموت قال -جل وعلا- {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت:57]، الموت واحد وسيأتي إلى كل إنسان مهما كان، فإذن لا يجوز عند ذلك أن يؤثر الإنسان الحياة مع الكفر، بل يجب أن يبقى في الإيمان ولو كان يضطره هذا ويلجئه هذا إلى الموت، وسيأتي أن الله -تبارك وتعالى- لم يبح للمسلم أن يقول كلمة الكفر إلا عند الضرورة، ويقولها بلسانه غير مطمئن قلبه بها، كما قال -تبارك وتعالى- {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النحل:106]، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ........}[العنكبوت:57]، تهوين هذا الأمر، وأن ما في نفس لا نفس الكافر ولا نفس المؤمن، نفس المتمكن في الأرض ونفس الضعيف المتعرض للأخطار، كلٌ سيلقى الموت لأن هذا أمر قد كتبه الله -تبارك وتعالى- على كل العباد، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت:57]، هذا هو المهم، المهم أنه في رجوع العباد إلى الله -تبارك وتعالى- يكون هناك التفاضل، فالذي جاء ربه -سبحانه وتعالى- بعد الموت مؤمنًا متمسكًا بدينه هذا له الجنة، والذي أتى ربه -سبحانه وتعالى- بعد الموت ولكنه جاء كافرًا موافقًا للكفار فإن هذا مآله النار -عياذًا بالله-، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[العنكبوت:57].

ثم قال -سبحانه وتعالى- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[العنكبوت:58]، هذي هي النتيجة، فهؤلاء الذين فارقوا أوطانهم ...، وطن من الأرض مهما كان، قد يكون له بيت فيه من الطين، بيت من الحجارة، بيت مما كان، لكن هؤلاء الذين فارقوا هذه الأوطان إلى بعد ذلك وماتوا وهو مؤمنون فانظر النتيجة، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا}، نبوئنهم؛ نمكنهم، نسكنهم، نورثهم، تبوأ في المكان بمعنى أنه تمكن فيه، يعني أننا سنمكنهم ونسكنهم، {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، غرف وما أدراك بغرف الجنة، يقول النبي -صلوات الله عليه وسلم- «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، قيل لمن يا رسول الله؟ قال لمن ألان الكلام وأفشى السلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام»، فهذه الغرف لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، غرف في قصور، قصور لبنة من فضة ولبنة من ذهب، جنان قصورها من الذهب الخالص وجنان قصورها من الفضة الخالصة وجنان قصورها لبنة من فضة ولبنة من ذهب، بلاطها المسك، خيمة للمؤمن هذي مساكن أهل الإيمان، يقول النبي «إن اللمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها في السماء؛ إرتفاعها في السماء ستون ميلًا»، وهذا لا يعرف البشر بتاتًا بناء على هذا النحو في الأرض، ستون ميل في السماء، «للمؤمن فيها أهلون في كل جنبة لا يرى بعضهم بعضًا»، من بعد المسافة بين جنبات هذه الخيمة، هذي خيمة فكيف بالقصر؟ فكيف بالقصر والمنزل؟ {غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}، من تحت هذه الغرف تجري الأنهار، فأي مقارنة بين وطن هاجر منه المؤمن وبين الوطن الأخر، الذي هو وطن الإستقرار؛ الجنة الذي ينتقل فيه، لا مقارنة بين هذه الدنيا والآخرة.

{لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}، ماكثين في هذه الغرف مكث لا ينقطع، يعني إقامة دائمة ليس لها حد تنتهي إليه، ويقال إنتهى جزاؤكم أو إنتهى هذي فيموتوا أو يرتحلوا عنها، أو تقفل هذه الغرف أو تنتهي الجنة... لا، بل هم مقيمون فيها إقامة سرمدية لا تنقطع؛ خالدين فيها، قال -جل وعلا- {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، حسن هذا الأجر، هذا الأجر الحقيقي، {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، واحد يعمل ثم تكون هذه أجرته؛ هذا أمر فوق التصور، انظر مهما عمل الإنسان في الدنيا من عمل لمن يعطيه أجر كم يعطيه؟ ماذا يمكن أن يعطى من أجور؟ لو أعطي الدنيا بكاملها أجر لعمله الذي يقوم فيه فإن هذا لا يساوي رقعة صغيرة من الجنة ولا شبر من ديَّت، «موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها»، ثم هذا نعيم الدنيا نعيم زائل ونعيم أيضًا مختلط بما ينغصه، وكل من يعيش في هذا النعيم هو يترقب إما زواله وإما أن يزوله عنه؛ يترحل عنه بالموت، وإما زوال ما هو فيه والخوف على بقائه، فهو أمر منغص ولا يمكن أن يصفوا، لكن في الجنة لا؛ دار استقرار ودار بقاء ودار ليس فيها ما يكدر الخاطر، أي شيء يكدر الخاطر ما في شيء، {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً}[الغاشية:11]، أي لغو موجود؛ يعني صوت لا معنى له يكدر الخاطر، لا يمكن أن يكون هذا موجودًا في هذه الجنة التي الله -تبارك وتعالى- زرأها وملأها بكل ما هو سعادة وحبور، وأبعد عنها كل ما هو من أمور النقص، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فنعم أجر العاملين وهذا من أعظم التهوين؛  تهوين الله -تبارك وتعالى- على المؤمن، الذي يتحمل هذا الدين وقد يبتلى به ويفتن فيه من الكفار انظر هذا التعويض، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[العنكبوت:58].

{الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:59]، الذين صبروا؛ على الفتنة وعلى الإبتلاء، صبروا على أذى الكفار، على إخراجهم من ديارهم، على التغرب والتشتت والخروج في الأرض، على ما يلقونه بعد ذلك، الذين صبروا على حمل هذا الدين والبقاء عليه وإظهاره، {........ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:59]، على ربهم؛ لا على غيره، وعلى ربهم يتوكلون؛ جملة هنا تفيد الحصر، أنهم لا توكل لهم إلا على ربهم –سبحانه وتعالى-، والتوكل هو تسليم الأمر لله -تبارك وتعالى-، والإعتقاد أن مصائر العباد كلها بيديه وأن مصائر الأمور كلها إليه -سبحانه وتعالى-، وأنه هو المتصرف في عباده وهو المتوكل بشئونهم -سبحانه وتعالى-، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فبعد أن يبذل الإنسان جهده يسلم أمره لله -تبارك وتعالى-؛ هذ معنى التوكل، تسليم الأمر لله -تبارك وتعالى- بعد أن يبذل الإنسان ما في طوقه وما في مكنته من الأمر، وهذا كله في أمور الدنيا وفي أمور الدين، ففي أمور الدنيا يبذل الإنسان السبب للرزق ولإبعاد الشر عنه ولجلب الخير إليه ويتوكل بعد ذلك على الله، وكذلك في أمور الدين يبذل السبب ويسلم الأمر لله -تبارك وتعالى-، في جهاده، في حربه، في علمه، في عمله، هم متوكلون على الله -تبارك وتعالى- لا على غيره، يرى أنه ربهم وأنه هو المتولي أمورهم -سبحانه وتعالى-، {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[العنكبوت:59].

ثم هون الله -تبارك وتعالى- مسألة الرزق، وذلك أن قد يأتي الخوف لأهل الإيمان من أن يتمسكوا بدينهم من أن يحرموا ما هم فيه من رزق، من تجارة، من صناعة، من غيرها، من بيع التعامل مع هؤلاء الكفار فيحرمونهم هذا التعامل، يحصرونهم، يطردونهم من أرضهم وأوطانهم فيتركوا أموالهم، فالخوف على الرزق، {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[العنكبوت:60]، {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ}، كثير، كأين؛ كثير، من دابة؛ دواب كثير، {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}، لا تحمل رزقها على ظهورها، {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ}، يعني مع أنها لا تحمل رزقها لكن الله -تبارك وتعالى- يرزقها يومًا بيوم وساعة بساعة، فهي ترزق وإنها كانت لا تدخر قوتها ولا ديَّت، نحو الطير؛ فالطير هذه كلها من مخلوقات الله -تبارك وتعالى- لا تحمل رزقها، الطيور تهاجر من القطب إلى القطب ومن أماكن باردة إلى أماكن حارة، ومن الأماكن الحارة إلى الأمكان الباردة عودة، وهي تقطع آلاف الأميال ومع ذلك تسير في هذه الرحلة كلها لا تحمل الأقوات معها، لا أقوات ولا أزواد ولا تحمل كذلك مياه للشرب، وإنما تسير وتقطع هذه الفيافي وتنزل وهي سائرة، بعضها يقطع المحيط كله؛ يقطع المحيط، ثم تأتي ويرزقها الله -تبارك وتعالى- في المكان هذا المجهول لها بالنسبة لأن تنزل إليه، وستجد رزق تأكله ديَّت، فهذي الدواب الله -تبارك وتعالى- يرزقها وهي لا تحمل هذا الرزق، والله -تبارك وتعالى- يهيئ لها ما يرزقها وبقيت هذه الطيور بآلاف الآلاف وملايين الملايين منذ أن خلقها الله -تبارك وتعالى- وهي على هذا الحال؛ لا تحمل رزقها، وكثير كذلك من الدواب التي خلقها الله -تبارك وتعالى- لا تحمل رزقها بل ولا تدخره والله -تبارك وتعالى- يرزقها.

وقد قال -صل الله عليه وسلم- «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصًا وتروح بطانًا»، فالطير تغدوا من أوكارها ومن أعشاشها، تغدوا؛ الصباح، الغدو هو الذهاب في الصباح، وتذهب ليس لها مخزن قد خزنت فيه طعام لتأخذه وتأتي به، وإنما يرزقها الله –تبارك وتعالى- في غدوتها هذه برزقها، ثم تعود في النهاية بطانًا؛ قد إمتلأت بطونها، فتطعم هي وتطعم فراخها وصغارها، والعش ليس فيه مخزن، أعشاش الطيور ليس فيها مخزن، فقول النبي -صل الله عليه وسلم- لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصًا وتروح بطانًا»، فالله -تبارك وتعالى- يطمئن المؤمن أن مسألة الرزق هي عند الله -تبارك وتعالى-، وأن الله -تبارك وتعالى- هو {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[هود:6]، فما من دابة إلا والله -تبارك وتعالى- يهيئ لها الرزق، في دواب تخزن رزقها؛ تأتي بالطعام وتخزنه في أعشاشها وفي مخازن لها، مثل النمل يخزن طعامه ويخزنه قد يكون من عام لعام، وفيه دواب الله -تبارك وتعالى- يرزقها يومًا بيوم، الله هو الرزاق -سبحانه وتعالى- لعباده؛ لكل هذه، {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ........}[العنكبوت:60]، وأنتم كذلك رزقكم من الله -تبارك وتعالى-، فمن أين رزقكم؟ من الذي ينزل المطر؟ من الذي يخرج الزرع؟ من الذي يقسم هذه الأرزاق على العباد؟ فيوسع على هذا ويضيق على هذا، كل هذا إنما هو بيد الله -تبارك وتعالى-، ويد الله ملئى سحاء الليل والنهار ألم تروا ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنها لم تغض ما في يمينه، فالله -سبحانه وتعالى- هو مالك أرزاق العباد وهو موزعها -سبحانه وتعالى-، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، السميع؛ لكل خلقه، العليم؛ بهم -سبحانه وتعالى-، إذن هذا تطمين من الرب -تبارك وتعالى-، واعلم أيها العبد أن الله لا يضيعك، أن ربك -سبحانه وتعالى- لن يضيعك، وأنك لا تقول بأني إذا خرجت في سبيل الله وهاجرت مت جوعًا، اعلم أن هذا الأمر؛ أن رزقك مكتوب عند الله -تبارك وتعالى-، {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[العنكبوت:60].

ثم عاد بعد ذلك سياق الآيات إلى بيان سخف عقائد هؤلاء الكفار، قال -جل وعلا- {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}[العنكبوت:61]، ولئن سألتهم؛ سألت هؤلاء الكفار المشركين من العرب، {مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}، سؤال يراد به تقريرهم، {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}، والتسخير هو التذليل، إقامة الشمس والقمر في مداراتها قائمة مسخرة مذللة، والله –تبارك وتعالى- أخبر أن هذا بحسبان وأنها تسير في مدارها طائعة لله -تبارك وتعالى-، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11]، {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12]، فهذا تقدير الله -تبارك وتعالى-، فهذه المصابيح التي أقامها الله من النجوم وهذه الشموس، هذه قد أقامها الله -تبارك وتعالى- وسيرها كما يشاء الرب -تبارك وتعالى- وسخرها على هذا النحو، {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}، من الذي فعل هذا؟ لو سألتهم من فعل هذا؟ {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، هذا إعتقادهم، قد كان هذا إعتقاد العرب في أن خالق السموات والأرض ومسخر الشمس والقمر هو الله -سبحانه وتعالى- الذي في السماء، رب السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}، أنى هنا بمعنى كيف، يؤفكون؛ يقلبون، إيش لون تقلب بعد ذلك عقولهم وقلوبهم وتنتكس هكذا؟! فإذا كنت تعلم بأن الله -تبارك وتعالى- هو خالق السماوات والأرض وهو مسخر الشمس والقمر؛ فكيف تعبد غيره؟! كيف تتوجه إلى غيره؟! كيف لا تؤمن به؟! كيف لا توحده -سبحانه وتعالى- بعبادتك؟! فهذا هو الملك الذي يملك السماوات والأرض والذي يسخر الشمس والقمر، الذي هي له هذه القدرة وهذه العظمة، هذا الرب العظيم -سبحانه وتعالى- إذن يجب أن تستسلم له، أن تستسلم لأمره، أن تطيع هذا الرب لأنه هو مالك كل شيء -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}، كيف يقلبون على رؤوسهم وتنقلب عقولهم وقلوبهم وتنتكس هذا، ويتخذوا من دون الله أنداد يعبدونهم مع الله -تبارك وتعالى-، والحال أنه ليس لهم أي شركة في هذا السماوات والأرض.

ثم قال -جل وعلا- {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[العنكبوت:62]، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يبسط الرزق، وبسطه؛ توسعته، يوسع الرزق لمن يشاء وقد يدخل هذا التوسعة للمؤمن وللكافر، قد يكون كافر ويبسط الله -تبارك وتعالى- في رزقه ويكون هذا فتنة له وإعماء له، {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ........}[التوبة:55]، {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ}[آل عمران:196]، {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[آل عمران:197]، {........ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:182]، {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[الأعراف:183]، {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه:131]، فالله له حكمة؛ قد يوسع على الكافر وقد يوسع على عبده المؤمن -سبحانه وتعالى-، كذلك عطاء منه ومنة منه وفضل منه -سبحانه وتعالى- لإيمانه ولتقواه، ولعلم الله -تبارك وتعالى- من أن هذا نافع له، وهذا على كل حال أو إختبار له، يختبر بتوسعة الرزق هل يشكر الله -تبارك وتعالى- أم لا، {........ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}[النمل:40]، {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ........}[العنكبوت:62]، مؤمنًا كان أو كافرًا، {وَيَقْدِرُ لَهُ}، يقدر؛ الله -تبارك وتعالى- يقدر لهذا الرزق -سبحانه وتعالى-، فهذا عنده بمقادير -سبحانه وتعالى-، فرزق الله -تبارك وتعالى- لعباده بمقادير؛ إنزاله في الأرض، فإنه من حكمته -سبحانه وتعالى- قال -جل وعلا- {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}[الشورى:27]، فالله –تبارك وتعالى- يقدر للرزق بين العباد -سبحانه وتعالى-، فيبسطه ويوسعه على من يشاء -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، كل شيء فالله -تبارك وتعالى- به عليم -سبحانه وتعالى-، عليم بالعباد، بمقادير الرزق، كيف يوزعها، لما يوزعها، ما الحكمة في هذا، كل هذا إنما هو واقع بعلم الله -تبارك وتعالى-.

ثم كذلك سؤال أخر للتقرير عند هؤلاء الكفار، ولبيان سخف إعتقادهم وأنهم خارجون عن بداهة العقول، قال -جل وعلا- {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}[العنكبوت:63]، ولئن سألتهم؛ سألت هؤلاء الكفار، كفار العرب وهذا إعتقادهم السخيف الذي يدل على غير عقل، {مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا}، هذا ماء المطر الذي هو الحياة؛ لا حياة إلا به، وزعه الله -تبارك وتعالى- على هذه الأرض ، ينزل من السماء من السحاب والسحاب في السماء، لأن السماء كل ما علاك فهو سماء، {مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا}، تحيا الأرض؛ تربوا عندما ينزل عليها المطر وتهتز، ثم يخرج الله -تبارك وتعالى- منها من كل زوج بهيج، {فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا}، بعد أن تكون خاشعة ميتة لا حياة فيها، فإذا بها بالمطر تحيا، الأرض تحيا ويحييها الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك، يعني الأرض ذاتها تحيا؛ تهتز وتربوا، ويحيها الله -تبارك وتعالى- بالنبات الذي ينبته، {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، هذا إعتقادهم كذلك وهذا من عجائب الأمور، يعتقدون بأن الله -تبارك وتعالى- هو فاعل هذا، وأن هذه الآيات هي من صنعه -سبحانه وتعالى- وليست من صنع غيره، قال –جل وعلا- {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، الحمد لله على نعمائه وإفضاله فهو الذي له الحمد -سبحانه وتعالى-، له الحمد في الأولى والآخرة، هذه إفضال الله ونعمائه؛ إنزال المطر وإحياء الأرض، هذا من بركات الرب -تبارك وتعالى-، هذا من فعله وصنعه مما يحمد الله -تبارك وتعالى- عليه، بل الحمد كله له؛ لأسماء ولصفاته ولأفعاله، فهذا فعله الجميل بخلقه وعباده –سبحانه وتعالى- أن أنبت لهم هذا المطر وأنبت لهم هذا الزرع، {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}، ثم قال -جل وعلا- {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}، بل أكثرهم؛ هؤلاء الكفار، لا يعقلون؛ لا عقل لهم، لأن من يؤمن بأن الله -تبارك وتعالى- هو منزل المطر من السماء ومحيي الزرع هذا الذي بيده حياة الناس كيف ينصرف إلى عبادة غيره، كيف يتخذ له إلهًا غير الله -تبارك وتعالى- يعبده ويتقرب إليه؛ من يعتقد هذا، فأخبر الله -تبارك وتعالى- بأن هؤلاء لا يعقلون؛ لا عقول لهم، وإلا فإن إيمانهم بالله -تبارك وتعالى- في غاية التناقض، كما قال -جل وعلا- {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:106]، كيف تؤمن بأن الله -تبارك وتعالى- هو خالق السماوات والأرض، هو منزل المطر، هو محيي الأرض، هو الذي بيده الأمر كله، ثم تتخذ ند لك مع الله -تبارك وتعالى- تعبده وتجعله مساوٍ لله -تبارك وتعالى-، مساوٍ في العبادة، مساوٍ في التعظيم، في الدعاء تدعوه، تذبح له، تنذر له، تجعل له نصيب من خضوعك وإسلامك ونصيب من عبادة قلبك، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ........}[البقرة:165]، كيف يكون هذا؟ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64]، هذا تهوين وبيان حقيقة هذه الحياة بالنسبة إلى الحياة الأخرى، فقال -جل وعلا- {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}، الدنيا؛ القريبة، والثانية الحياة الثانية؛ الآخرة البعيدة، قال -جل وعلا- ما هي {إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ}، يعني أن حياة الإنسان فيها اللي هو غير المؤمن إنما هو يلهوا ويلعب فقط؛ فهي للهو وللعب، ووقت قليل يمضي كأنه وقت للهو واللعب، وقدم الله -تبارك وتعالى- اللهو لبيان فساد هذه الحياة وعدم قيمتها، واللهو ما يتلهى به الإنسان عن الأمر، وقد يكون ورائه الأمر العظيم لكن يتلهى بهذا الأمر ولعب، ثم قال -جل وعلا- {........ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[العنكبوت:64]، الدار الآخرة؛ الجنة، لهي الحيوان؛ الحياة الحقيقية، الحيوان بزيادة الألف والنون من الحياة للمبالغة، لو كانوا يعلمون؛ لو كانوا يعلمون الفرق بين هذه الدنيا وبين الآخرة.

نعود -إن شاء الله- مرة ثانية في الحلقة الآتية -إن شاء الله-، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.