{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3]، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}[الروم:8] {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[الروم:9] {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}[الروم:10]، بعد أن بيَّن الله -تبارك وتعالى- أن كثيرًا من الناس لا يعلمون؛ لا يعلمون من أمر الآخرة، ولا يعلمون لِما خلقهم الله -تبارك وتعالى- والمؤدى، وأن الله -تبارك وتعالى- ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وأن هناك لقاء مع الله لابد أن ينفذه لتجزى كل نفس بما كسبت، مع أن هؤلاء الناس يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا، قال {........ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الروم:6] {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:7].
ثم قال -جل وعلا- {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ}، يعني في خلق أنفسهم، ثم يتفكروا في أنفسهم؛ يرجعوا إلى أنفسهم فيتفكروا في هذا الأمر العظيم، {مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}، لا يمكن أن يكون هذا الخلق العظيم؛ خلق السماوات والأرض، خلقه الله سدىً وعبثًا، لا غاية ولا هدف من ورائه إلا أن يعيش الناس ويتصارعون ويتهارجون ويأكلون ويشربون ويتمتعون، ثم لا تكون هناك مسولية ولا حساب؛ يستحيل هذا، {وَأَجَلٍ مُسَمًّى}، يعني أن الله الحكيم -سبحانه وتعالى- يتعالى أن يخلق هذا الخلق سدىً وعبثًا، ولذلك خلقه لحكمة وجعل له أجل مسمى ينتهي إليه، ليحاسب بعد ذلك كل إنسان عما سعى في هذه الدنيا، قال -جل وعلا- {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}، مع وضوح هذا الأمر، هذي الحجة العقلية القاهرة؛ بأن خالق هذا الخلق لا يمكن أن يكون خلقه سدىً وعبثًا.
ثم قال -جل وعلا- {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، أن هذا فعل الله -تبارك وتعالى- وهذه عقوبة الله المؤجلة لهؤلاء الكفار، فإذن الله -تبارك وتعالى- له فعل في الأرض، وفعل هنا قبل يوم القيامة، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ ........}[الروم:9]، أثاروها؛ أخروجوا ما فيها من المعادن، أثاروها بالحراثة، بالزراعة، {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا}، بناءً وزراعةً مما عمرها هؤلاء الموجودون، {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}، فإذن ماذا كانت النتيجة؟ {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، ما كان الله ليظلمهم؛ إذ أهلكهم.
قال -جل وعلا- {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى}، كانت عاقبة هؤلاء الذين أساءوا؛ عاشوا في هذه الدنيا، نسوا يوم القيامة، نسوا ما ذكرهم به رسلهم؛ وهذا إسائتهم، السوأى؛ الأمر اللي هو غاية في السوء، نهاية السوء؛ وذلك أن العقوبة التي عاقبهم بها الله -تبارك وتعالى- في غاية السوء، السوأى؛ الهلاك المستأصل، كما فعل الله -تبارك وتعالى- بقوم نوح؛ أغرقهم ثم أدخلهم النار بعدها، {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}[نوح:25]، وكذلك سائر المجرمين من بعدهم، عاد؛ الذين أهلكهم الله وأخزاهم في هذه الدنيا، ثمود؛ أخزاهم الله -تبارك وتعالى- وأهلكهم وترك مساكنهم من بعدهم، قرى لوط، فرعون، فهذه القرى العظيمة، هذه المدن العظيمة التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- بظلمهم، {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى}، أن جعل الله -تبارك وتعالى- لهم أسوأ العقوبة لهم في الدنيا، وما ينتظرهم في الآخرة أشد وأسوأ {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}، قال –جل وعلا- {........ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}[الروم:10]، يعني لأنهم كذبوا بآيات الله، بما أنهم كذبوا بآيات الله المرسلة إليهم، كآيات الله -تبارك وتعالى- المنزلة وآيات الله -تبارك وتعالى- المنظورة، فإن هذا الخلق العظيم آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، خلقهم آية من آيات الله -عز وجل-، لمَّا كذبوا بهذه الآيات وقالوا خلقنا الله بلا هدف وبلا غاية، خلاص خلقنا ونحن أحرار في أن نفعل ما نشاء، نأكل من نشاء، نشرب ما نشاء، نفعل، نقتل، نفجر، خلاص بحرياتنا؛ لا شأن لربٍ أن يتدخل في شئوننا، لمَّا كان هذا الأمر؛ لمَّا كذبوا بآيات الله العيانية البيانية، وكذبوا بآيات الله السمعية البيانية البرهانية، كذبوا بهذا وهذا، {وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}، كانوا يستهزئون بهذه الآيات، عندما تقال لهم يستهزئوا بهذا الأمر، يستهزئون بها وبالرسل الذين جائوا بها، {وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}.
ثم قال -جل وعلا- {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الروم:11]، هذي قضية حق، {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ}، وهذي لا مِراء فيها ولا شك فيها لكل ذي عقل وذي عينين، أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي بدأ الخلق، وأنه لم يشاركه أحد، بدليل وحده الخلق هذه دليل على وحدة الخالق -سبحانه وتعالى-، وأن هذا الخلق ما فيه شيء خلق نفسه، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:35]، إذن خلقه خالق، وهذا الخالق قادر على هذا الخلق، حكيم، قوي، قاهر، وضع كل أمر في نصابه، بديع السماوات والأرض، فهو الذي بدأ الخلق، قال -جل وعلا- {ثُمَّ يُعِيدُهُ}، سيعيد هذا الخلق مرة ثانية، وهذه قضية مساوية في البرهان للبداية، لأن القادر على البداية قادر على الإعادة -سبحانه وتعالى-، {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ........}[الروم:11]، فهو خبر ولكن البرهان قائم عليه، {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، ثم يعيده؛ يخرج الناس من قبورهم، ثم يرجعون إلى ربهم -سبحانه وتعالى- ليحاسب كلًا منهم، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ}، للحساب، {........ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:18]، لا تخفى منكم؛ أيها الناس، خافية؛ ولا نَسَمة صغيرة تخفى على الرب -تبارك وتعالى-، وكذلك {........ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:18]، يعني عن الله -تبارك وتعالى-، أي شيء تقدروا تخفوه؛ لا يمكن أن تخفوا شيئًا عن الله -تبارك وتعالى-، ولو كان خاطرة مرت في القلب فإن الله يعلمها -سبحانه وتعالى-، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:284]، {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الروم:11].
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}[الروم:12]، ويوم تقوم الساعة؛ يوم القيامة، سميت بالساعة لأن لها ساعة محددة لابد أن تكون فيها، {يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}، الإبلاس هو التحير والانبهار والبهت، فالمجرم يبهت ويتحير، ولا يدري ما يفعل، ولا يدري ما يقول، فكل الهموم والغموم تجتمع دفعة واحدة، كما قال -جل وعلا- {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ}، تبهتهم؛ البهت هو التحير والسكون، أن يسكن الإنسان أمام أمر، إذا دهمة أمر عظيم فيبهته، يجعله منبهت لا يدري ما الذي يمكن أن يفعله وقد دهمه هذا الأمر العظيم، فإذا جائت الساعة يبلس المجرمون، والإبلاس كذلك معنى اليأس، يعني أنه يحير وييئس من الخروج من هذه الأزمة بأي طريق، يبلس المجرمون؛ يعني ينقطع رجائهم في أي طريق للخروج مما بغتهم وبهتهم، ما في مهرب، {كَلَّا لا وَزَرَ}[القيامة:11] {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}[القيامة:12]، ما في شفاعة، ما في خلة، ما في فداء، ما في طريق إلى الخروج من النار، فالمجرم في هذا والمجرم هو الذي كفر وأتى ربه -سبحانه وتعالى- كافرًا مشركًا، لا عهد عنده عند الله -تبارك وتعالى- في إنجائه، ما له عهد؛ أنه كان يؤمن به، أنه كان يخافه، أنه قدم شيء... لا، فهذا الكافر الذي كفر بالله -تبارك وتعالى- عند ذلك ينقطع رجائه في أي نوع من الخروج مما دهمه وأتاه، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ}[الروم:12].
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ ........}[الروم:13]، فهذا أول ما كانوا مثلًا يتعلقون به وهو شركاؤهم، شركاؤهم؛ يعني الذي زعموهم أنهم شركاء لله -تبارك وتعالى- في العبادة، في الخلق، أن لهم قول مع الله، شفاعة عند الله، وجاهة عند الله، كل هؤلاء الذين زعموا أن لهم شركة مع الله -تبارك وتعالى- ينقطع أملهم فيهم ورجاؤهم فيهم، لأنه لا شفاعة عند الله -سبحانه وتعالى-، لا يشفع أحد عند الله -تبارك وتعالى- إلا بإذنه، وإلا بأن يرضى الله -تبارك وتعالى- عن المشفوع فيه، فالملائكة عُبدوا؛ عبدهم المشركون، لكن يوم القيامة يتبرأون، {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}[سبأ:41]، فيتبرأ الملائكة من عُبَّادهم، عيسى -عليه السلام- عُبد من دون الله -تبارك وتعالى- ويتعلق به من عَبَده، ويوم القيامة إذا تعلقوا به وقالوا كنا نعبد المسيح ابن الله يقال كذبتم {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}، ويقال لعيسى -عليه السلام- على رؤوس الأشهاد {........ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116] {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117] {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118]، فيتبرأ عيسى -عليه السلام- من كل من عَبَده وإتخذه هو وأمه إلهين من دون الله -تبارك وتعالى-، يتبرأ منهم ويقول أبدًا، وكذلك سائر من عُبِدوا من دون الله -تبارك وتعالى-، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}[الأحقاف:5] {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:6]، فكل من عُبد من دون الله -تبارك وتعالى-؛ من هؤلاء الذين زعم عُبَّادهم أنهم شركاء مع الله -تبارك وتعالى-، شركاء في العبادة، شركاء يشفعون لهم عند الله -تبارك وتعالى-، وإن لم يرض الله -جل وعلا- فإنه تنقطع فيهم.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ}[الروم:13]، وكانوا؛ هؤلاء االعميان الذين عَبدوا غير الله -تبارك وتعالى- وإتخذوهم، بشركائهم كافرين؛ يكفرون بهم، يكفرون بهم في نهاية المطاف، فبعضهم يتبرأ من هذه الأصنام والأوثان وأنهم ما عَبدوها، كما قال -جل وعلا- عنهم في أنهم في وقت من الأوقات قال -جل وعلا- {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام:23]، قال -جل وعلا- {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأنعام:24]، فيكفرون بشركائهم ويقولون ما عَبدناهم ولا كنا معهم، لكن ستشهد عليهم كل حواسهم {........ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النور:24]، وتشهد هذه ديَّت تشهد على أنفسهم على أنهم عَبدوهم على غير رضا؛ ما عرفوا هذه العبادة، وتشهد عليهم الأرض التي عَبدوهم فيها {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}[الزلزلة:4] {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة:5]، {وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ}.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}[الروم:14]، يوم تقوم الساعة يومئذً يتفرقون؛ الناس، خلاص هذا أهل الإيمان ذهبوا ناحية، وأهل الكفر والعصيان ذهبوا ناحية، يتفرقون؛ خلاص الاجتماع الذي كان في هذه الدنيا والخلطة التي في هذه الدنيا تنتهي بقى خلاص، {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً}[الواقعة:7]، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15]، هذا الفريق فريق أهل اليمين؛ فريق أهل الإيمان، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ........}[الروم:15]، جمع الله -تبارك وتعالى- هنا بين الإيمان والعمل الصالح وهذا في القرآن كله، سبع وخمسين موضع في القرآن يجتمع فيها الإيمان والعمل الصالح لنيل مغفرة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه وجنته، وأن جنة الله -تبارك وتعالى- لا تنال إلا بالأمرين معًا؛ الإيمان والعمل الصالح، الإيمان؛ عمل القلب من التصديق بآيات الله -تبارك وتعالى-، بغيب الله -عز وجل-، ثم عمل القلب بعد هذا التصديق من الخشية، والخوف، والإنابة، وتعظيم الرب -تبارك وتعالى-، والطمع فيما عنده، والخوف من عقوبته، هذا عمل القلب، ثم عمل الجوارح المأمور بها العبد؛ من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والإحسان، والصلة، فهؤلاء {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15]، الروضة هي بستان الزهور، البستان الذي يكون فيه زهور فهذا الروض، والجنة هي بستان الأشجار، {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}، الحبور هو السرور، يعني يسرون بكل أنواع المسرات، إيش مسرة تدخل على النفس والقلب وتشرحه لهم، جعل الله -تبارك وتعالى- لهم كل أنواع السرور، السرور بهذي البهجة وهذا النعيم، سرورهم بأن أنجاهم الله -تبارك وتعالى- من النار، سرورهم بالزوجات، بالجنان، بالشراب، بالمتعة، باللباس، بالحرير، بالغلمان، بالولدان، بما زخر الله -تبارك وتعالى- هذه الجنة بكل أنواع السرور، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15]، يسرون بكل أنواع المسرات.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}[الروم:16]، هذا الفريق الثاني؛ أهل الشِمَال -عياذًا بالله- منهم، {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}، كفروا؛ ردوا الحق وستروه، آيات الله -تبارك وتعالى- عرفوا أنها الحق لكن ردوها، وغطوها في قلوبهم ولم يحبوها، فهذا الكفر؛ الكفر جحود وعناد وستر الحق ورده، وكذبوا بآيات الله؛ قالوا بأنها كذب، قالوا عن الصدق الذي جائهم من آيات الله -تبارك وتعالى- أنها كذب، ولقاء الله؛ لم يؤمنوا بلقاء الله -تبارك وتعالى-، لم يؤمنوا بهذا البعث والنشور وأنهم ملاقوا ربهم -سبحانه وتعالى- وأن الله سائلهم عن أعمالهم، {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، كلها، الآيات هنا سواء كانت الآيات المنزلة على الرسل، أو الآيات التي بثها الله -تبارك وتعالى- في هذا الكون، كل جزء من خلق الله آية، الذرة آية، {........ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}[الروم:16]، فأولئك؛ بالإشارة لهم بالبعيد، في العذاب؛ العذاب بكل أنواع العذاب، محضرون؛ يعني أنهم يساقون إليه ويأتون إليه، ما يخفى منهم خافية، ليس فيهم من يتخلف، ليس فيهم متخلف يخلف لمرضه، لتعبه، لمشقة عنده، لعذر... لا، بل كلهم مساقون إلى عذاب الله -تبارك وتعالى-، {فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}، إذن هذه النهاية وهذه هي الحقيقة التي لا أحق ولا أظهر منها، حقيقة يتكلم عنها الرب وأنها واقعة لا محالة، يوم القيامة آتي وأن الناس تفرَّق فيه {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}[الروم:14]، وأن هذا أهل الجنة {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}، وهذا أهل النار {فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}.
قال -جل وعلا- مُرتِبًا على ذلك {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17]، سبحان الله؛ تنزيهًا لله -تبارك وتعالى-، {........ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17]، يعني سبحوا الله -تبارك وتعالى- في الصباح والمساء، سبحان الله؛ تنزيهًا لله، السبحان هو التنزيه، التنزيه؛ الإبعاد، يعني تنزيهًا لله -تبارك وتعالى- وإبعادًا له -جل وعلا- عن كل نقص وعيب، فكل ما ينسب إلى الله -تبارك وتعالى- من نقص وعيب الله منزَّه عنه، الشريك، الند، الظهير، الولد، الزوجة، كل هذا من النقص، الله -تبارك وتعالى- منزَّه عنه -سبحانه وتعالى-، النقص في حياته؛ فهو الحي القيوم -سبحانه وتعالى-، القائم بنفسه، الذي لا يحتاج إلى غيره، الغني عن كل ما سواه، المقيم لغيره -سبحانه وتعالى-، الذي لا تأخذه سِنةٍ ولا نوم، المنزَّه عن الظلم -سبحانه وتعالى-، المنزَّه عن العبث واللهو واللعب، الله لا يلهوا ولا يلعب ولا يعبث، وكل من زعم أن الله خلق هذا الخلق على هذا النحو وأنه ترك الناس يفعلون ما يشاؤون، وأنه لا شرعة له ولا رسل له، وأن هؤلاء الرسل كلهم كذَّابون، وأنه لا خطاب منه -سبحانه وتعالى- إلى الناس، وأنه لا أمر له ولا نهي، وأن الناس هم الذين لهم أن يختاروا ما يشاؤون، وأن يفعلوا ما يشاؤون، وأن يتركوا ما يشاؤون، نسب الله -تبارك وتعالى- إلى اللعب واللهو والعبث، وأنه خلى خلقه كما يشاؤون، تعالى الله -سبحانه وتعالى- عن ذلك علوًا كبيرًا، يتعالى الله -تبارك وتعالى- أن يكون خلق خلقه وخلاهم -سبحانه وتعالى-، وتركهم إلى أن يصنعوا ما يشاؤوا، فيحصل ما يحصل من كل هذه الشرور والآثام التي تقع في الأرض؛ من سفك الدماء، والقتل، والفساد، وكل أنواع الإفساد ثم لا يحاسبهم، تعالى الله عن ذلك، تعالى الله -سبحانه وتعالى- عن ذلك أن يكون خلق خلقه على هذا النحو، وهذا ظن الكفار؛ وهذا ظن الكفار بربهم، أنه خلق الخلق لاعبًا عابثًا، تاركًا لهم ليفعوا ما يشاؤون، بل جعلوا هذه الحقيقة الكفار المعاصرون هي أعظم الحقائق عندهم، وهو أن الإنسان هو سيد هذا الكون، وله أن يختار فيه ما يشاء وأن يفعل، وأنه من حريته الشخصية، وأن الحرية هي أثمن ما في هذا الوجود، ويعنون بالحرية حرية الإنسان في أن يختار لنفسه الطريق الذي يشاء، يحلل ما يشاء، يحرِّم ما يشاء، يأخذ ما يشاء، يدع ما يشاء، وأنه لا دخل لسلطان فوقه له سلطة عليه؛ يأمره وينهاه، بل الإنسان هو سيد الكون، هو سلطان نفسه؛ يأمر وينهى، سبحان الله؛ تنزيهًا لله -تبارك وتعالى-، أن يكون خلق خلقه وخلَّاه على هذا النحو، وجعل الإنسان يعبث في الأرض كيف يعبث، ثم لا يحاسبه -سبحانه وتعالى-؛ لا يأمره ولا ينهاه.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ}، تنزيهًا لله -تبارك وتعالى-، تنزيه الله -تبارك وتعالى- عن كل ما لا يليق به -سبحانه وتعالى-، في أسمائه وصفاته وأفعال –جل وعلا-، {........ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17]، يعني سبحوا الله -تبارك وتعالى- ونزهوه -سبحانه وتعالى- عن كل ما لا يليق به، كل ما نفاه -سبحانه وتعالى- عن نفسه ونفته رسله، حين تمسون؛ في المساء، آية من آيات الله -تبارك وتعالى-؛ المساء آية، وحين تصبحون؛ في الصباح آية، فإن تحول اليوم والليلة على هذا النحو؛ إجراء اليوم والليلة صباحٌ ومساء، هذا من آيات الرب -تبارك وتعالى-؛ من آيات خلقه -سبحانه وتعالى-، المساء مساء الله -تبارك وتعالى-، عندما نمسي وتبدأ الشمس تتضيف إلى الغروب هذا وقت خلاص يأنس فيه الإنسان، يأتي إلى الراحة والدعة، المخلوقات ترتاح من عمل النهار ثم بعد ذلك تنام، يأتي الليل بسكونه وهدوئه، ثم بعد ذلك تشرق الشمس فتبعث الضوء والحرارة، فيقوم الناس لعملهم ولشغلهم في هذا النهار، هذا كله آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[القصص:73]، {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}[الفرقان:61] {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}[الفرقان:62]، التذكر بأن هذي آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، خلق الصباح والمساء آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، ثم فيها هذه النعمة الجليلة من نعمه -سبحانه وتعالى-.
سبحوا لله -تبارك وتعالى- عند الصباح والمساء، وقد شرع الله -تبارك وتعالى- لنا صلاة نسبح فيها الله -تبارك وتعالى- ونحمده، نقوم فيها بذكره في الصباح وفي المساء، ففي الصباح وقت الصبح هذا وقت صلاة الصبح، وفي المساء وقت المساء وقت العصر، وجائنا وقت كذلك المغرب والعِشاء، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم:18]، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ........}[الروم:18]، هذه الجملة جائت هنا أن الله -سبحانه وتعالى- هو المحمود في السماوات والأرض في كل الأوقات، {وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، هذي في الأوقات، ففي العشي شرع الله -تبارك وتعالى- لنا صلاتين؛ صلاة المغرب وصلاة العِشاء، العِشاء الأولى؛ المغرب، والعِشاء الثانية؛ العِشاء، وحين تظهرون؛ وقت الظهيرة، فهذه خمس صلوات، هذه خمس صلوات شرعها الله -تبارك وتعالى- لنا في هذه الأوقات، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ ........}[الروم:17]، المساء؛ وقت العصر، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، صلاة الصبح، وبدأ الله -تبارك وتعالى- بهما لأنهما أشرفا صلاتين، كما جاء في الحديث «من صلى البردين دخل الجنة»، والبردين؛ صلاة الصبح وصلاة العصر، وقال -صل الله عليه وسلم- «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الصبح، فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون ربي أتيناهم وهم يصلون»، يعني صلاة العصر، «وتركناهم وهم يصلون»، يعني صلاة الصبح، وقال -جل وعلا- {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238]، الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر، كما قال النبي -صلوات الله والسلام عليه- «يوم الخندق حبسونا عن الصلاة الوسطى؛ صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا»، يدعوا على المشركين.
بدأ بها الله -تبارك وتعالى- هنا لشرفها {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ ........}[الروم:17]، سبحوا الله -تبارك وتعالى- في المساء؛ في صلاة العصر، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}، في صلاة الصبح، وله الحمد -سبحانه وتعالى- في السماوات والأرض، الله -تبارك وتعالى- هو المحمود في السماوات والأرض، له الحمد؛ لأسمائه، وصفاته، وأفعاله -سبحانه وتعالى-، في السماوات؛ تحمده السماوات ويحمده ساكنوها، كل ساكني السماوات من الملائكة وغيرهم يحمدون الرب -تبارك وتعالى-، وكذلك هو المحمود في الأرض -سبحانه وتعالى-؛ تحمده الأرض بما عليها، ويحمده أهل الحمد من أهل الإيمان، كما قال -جل وعلا- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}[الحج:18]، فالله -تبارك وتعالى- هو المحمود؛ تحمده مخلوقاته -سبحانه وتعالى-، وتسبح له، وتسجد له، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، فله الحمد -سبحانه وتعالى- في السماوات والأرض، وعشيًّا؛ قوت العشي، يعني سبحوا الله -تبارك وتعالى- كذلك وقت العشي، ووقت العشي يبدأ من المغرب، والمغرب تسمى العِشاء الأولى، والعِشاء التي بعدها هي العِشاء الآخرة، فالعِشاء هي العِشاء الآخرة والمغرب هو وقت العِشاء الأولى، فهذا وقت العشي، فهذا وقت العشي في العشي سبحوا الله فيه، يعني صلوا صلاة المغرب وصلاة العِشاء، شرع الله -تبارك وتعالى- هاتين الصلاتين في العِشاء، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، وقت الظهيرة، يعني وقت الظهيرة أيضًا سبحوا الله -تبارك وتعالى-، خمس صلوات فرضها الله -تبارك وتعالى- على هذه الأمة المرحومة؛ أمة محمد -صلوات الله عليه وسلم-، أشرف الأمم وأعلاها وأخصها برحمة الله -تبارك وتعالى-، شرع الله لهم خمس صلوات عند هذه المواقيت؛ عند المواقيت التي تجري على الأرض، وهذا للقيام بتسبيح الله في هذه الصلوات، ينزِّه المسلمون ربهم -سبحانه وتعالى- عن كل ما لا يليق، ينزهوه ويسبحوه -سبحانه وتعالى- عن كل ما لا يليق؛ عن الولد، عن الشريك، عن الزوجة، عن الند، عن الظهير، عن النوم، عن الغفلة، عن النسيان، عن الظلم، عن كل ما لا يليق به -سبحانه وتعالى-، عن أن يكون خلق هذا الخلق عبثًا وسدى -سبحانه وتعالى-، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم:18].
ثم ذكر -سبحانه وتعالى- من آلائه وإنعامه، قال -جل وعلا- {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم:19]، ثم ومن آياته ومن آياته ...، نعود إلى هذه الآيات -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، استغفر الله العظيم.