الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (492) - سورة الروم 18-23

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

 وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم:18] {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم:19] {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم:20] {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21] {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[الروم:22] {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[الروم:23] {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الروم:24]، قول الله -تبارك وتعالى- {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم:18]، توجيه من الرب -تبارك وتعالى- لعباده المؤمنين أن يسبحوه في هذه الأوقات، وقد شرع الله -تبارك وتعالى- لأمة الإسلام في هذه الأوقات خمس صلوات؛ يقومون فيها بتسبيح الله -تبارك وتعالى- وحمده، هذه الأوقات {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ .........}[الروم:17]، هذي عند المساء؛ اللي هو صلاة العصر، وحين تصبحون؛ صلاة الصبح، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ........}[الروم:18]، إحمدوا الله؛ لأن الله هو المحمود في السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، وعشيًا؛ صلاة المغرب العِشاء الأولى وصلاة العِشاء، وحين تظهرون؛ وقت الظهر، هذا أمر من الله -تبارك وتعالى- بأن يقوم العباد بتسبيح ربهم -سبحانه وتعالى- وحمده، الذي له الحمد في السماوات والأرض في هذه المواقيت، وقد كتب الله -تبارك وتعالى- علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، نقوم فيها في هذه الأوقات بحق تسبيحه -جل وعلا-.

وهذا طبعًا فيه بعد هذا رد على الذين قالوا {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:7]، وهؤلاء عميان لم يعرفوا طريق ربهم -سبحانه وتعالى-، وأنه {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}[الروم:14] {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15] {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}[الروم:16]، فإن نهاية الخلق إلى هذا الأمر ولابد، مؤمنون في الجنة يحبرون؛ يسرون بكل أنواع المسرات، وكفار ملعنون هم في العذاب محضرون، أهل الإيمان يجب أن يسيروا بقى في طريق الإيمان، قال فسبحوا الله؛ كونوا من هؤلاء، لتكونوا من هؤلاء {........ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}[الروم:15]، إذن {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}[الروم:17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}[الروم:18].

ثم بدأ يذكُر الله -تبارك وتعالى- من آياته -جل وعلا-، فقال {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}[الروم:19]، {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ}، الحياة يخرجها الله -تبارك وتعالى- من الموات، وهذه صورة واضحة جدًا؛ فإننا كنا لم نكن شيئًا، كنا موات قبل أن نخلق ثم خلقنا الله -تبارك وتعالى-، {........ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة:28]، كنَّا أموات، كنَّا لا شيء، لعل أصولنا من هذه النباتات وهذه المطعومات التي طعمها الآباء والأجداد، فخلق الله -تبارك وتعالى- من هذه المطعومات؛ خلق الله -تبارك وتعالى- بذرة الإنسان، نواته؛ حيوانه المنوي الذي من الرجل وبويضة الأنثى، خلقت من هذه؛ من هذه الأمور الميتة في أصلها، خلق الله -تبارك وتعالى- منها الحياة، كذلك الحياة النباتية؛ أصلها لعلها مواد ميتة مثل البذرة، البذور هذه؛ بذور النباتات ميتة، ثم خلق الله -تبارك وتعالى- منها الحياة، الأرض ميتة كانت جافة جلدة، ثم أنزل الله -تبارك وتعالى- عليها المطر فأحياها، فأحياها الله -تبارك وتعالى- وشرع منها هذه الحياة، حيت الأرض وأحيت بعد ذلك بالنبات، {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ}، فكل هذه الأحياء التي أمامنا كانت أصولها موات أحياها الله -تبارك وتعالى-.

{وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}، الميت؛ الإنسان يكون في حياة ثم إذا به تسحب روحه فإذا به جثة هامدة ميت، الشجرة تكون خضراء يانعة حية نامية ثم تسلب حياتها فتموت، عشب الأرض المزهر الجميل؛ هذه النباتات ببهجتها وزهورها وحياتها، ثم تسلب حياتها فتذبل وتنتهي وتضمحل، {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ........}[الروم:19]، يحي الأرض بعد موتها؛ الأرض تكون ميتة لا حياة فيها، جافة، جلدة، خاشعة، ثم إذا أنزل الله -تبارك وتعالى- عليها الماء إهتزت وربت؛ حيت الأرض، قال -جل وعلا- {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}، كهذا هذه الصورة؛ صورة الحياة، بعد الموت تخرجون؛ تخرجكم من قبوركم على هذا النحو، تكونون موتى في القبور فيخرجكم الله -تبارك وتعالى-، كما أنتم تشاهدون الحياة والموت أمامكم في كل وقت وفي كل حين على ظهر هذه الأرض، {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}، يعني وكذلك؛ كهذا الإخراج من الموت إلى الحياة، يخرجكم الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة.

ثم قال -جل وعلا- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم:20]، هذه صورة يعلمها الجميع، ويعلمون انظر كيف خلق الله -تبارك وتعالى- من هذه الموات خلق الحياة، {وَمِنْ آيَاتِهِ}، آياته؛ علاماته الدالة على عظمته وقدرته -سبحانه وتعالى- وأنه الذي لا يعجزه شيء، {أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ}، خلقكم؛ الخطاب هنا لبني البشر، وأبوهم خلقه الله -تبارك وتعالى- من تراب هذه الأرض؛ كما أخبرهم الله -تبارك وتعالى- بهذا، كما قامت الأدلة كذلك غير الأدلة السمعية بالأدلة المادية على أن أصل الإنسان من تراب، لأنه في النهاية يعود إلى عناصره الأولى؛ عندما يتحلل الجسم يعود إلى هذا التراب، خلق من تراب أبانا -عليه السلام-؛ آدم خلقه الله من تراب هذه الأرض، تراب خلط بماء، عجن؛ أصبح طين، ثم أصبح حمأ مسنون، ثم سواه الله -تبارك وتعالى- من صلصال كالفخار، نفخ فيه -سبحانه وتعالى- من روحه فكان بشرًا سويًا، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم:20]، ثم إذا؛ بعد ذلك، إذا أنتم بشر؛ بشر هو هذا البشر، سموا بشر؛ يقال أن الإنسان سموا بشر لظهور بشرته، بخلاف الحيوانات والطيور؛ فإن بشرة الطير يخطيها الريش وبشرة الحيوان يغطيها الشعر، وأما الإنسان فإن الله -تبارك وتعالى- أظهر بشرته، بشر تنتشرون؛ تنتشرون في أصقاع هذه الأرض، في سهولها وجبالها وتركبون بحارها؛ تنتشرون، قدرة عجيبة جدًا، قدرة عظيمة للرب –تبارك وتعالى-؛ من طين هذه الأرض يخرج الله -تبارك وتعالى- هذه الحياة، انظر هذه الآلاف المؤلفة من البشر الذين ينتشرون في هذه الأرض، أصلهم من طين هذه الأرض؛ من تراب هذه الأرض، والله قال من تراب لأن التراب كمان أقل من الطين درجة في أنه لا حياة فيه، الماء حياة؛ الماء لمَّا يوضع على التراب يصير فيه نوع حياة، من التراب؛ فمن تراب هذه الأرض خلق الله -تبارك وتعالى- هذه البشرية، التي يعقب بعضها جيلًا بعد جيل هذا أصل خِلقَتها، فانظر قدرة الرب -سبحانه وتعالى- أن خلقنا من هذا الموات ثم جعلنا بهذه الحياة، ومن آياته الدالة على قدرته -سبحانه وتعالى- وأن أعادة الخلق لا تعجزه، إعادة الخلق لا تعجزه لأنه بدأ الخلق من التراب فممكن أن يعيده كذلك من التراب، عندما يتحول الناس إلى التراب في قبورهم فيعيدهم الله -تبارك وتعالى-، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}[الروم:20]، إذا الفجائية؛ ما مضى وقت إلا أصبحم بشر ينتشرون في هذه الأرض.

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21]، من آياته؛ كذلك دلائل قدرته وعظمته ورحمته -سبحانه وتعالى-، {أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}، خلق تقدير وخلق إيجاد من العدم، من أنفسكم؛ جعلها من أنفسكم، وذلك أن أصل المرأة من الرجل؛ خلقها الله -تبارك وتعالى-، فأول إمرأة خلقها الله -تبارك وتعالى- زوج لتكون لزوجها صاحبة ومؤنسة؛ حواء -عليها السلام-، أمنا؛ أم البشرية جميعًا، خلقها الله -تبارك وتعالى- من آدم؛ من ضلع من أضلاعه، ألقى الله -تبارك وتعالى- النوم على آدم، ثم أخذ الله -تبارك وتعالى- إستل ضلعًا من أضلاعه؛ فخلق له هذه الزوجة، فقام من النوم فوجدها عن يمينه، الرب الإله الخالق -سبحانه وتعالى- من ضلع من هذه الأضلاع؛ من لحم هذه، خلقت منه ولذلك هي بَضعَةٌ منه؛ المرأة بَضعَةٌ منه ولذلك إإتنس بها، إإتنس بها وأصبحت منه؛ أصبحت جزء منه فآنسته، والله -تبارك وتعالى- قال {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، ما جعل الله الأنثى وقضية التكاثر بين الناس ليكون من جنس أخر؛ مخلوق أخر مثلًا، يصبح يستوحشه الإنسان، يصبح إنسان ومخلوق؛ خلق الله -تبارك وتعالى- له مخلوق، ممكن يتزاوج معه وممكون ييجي نسل بعد ذلك... لا، الله -تبارك وتعالى- الرحمن الرحيم -سبحانه وتعالى- خلق للإنسان زوجة منه ليأنس إليها، قال {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، السكون أنها من جنسه؛ نفس الخلق ونفس هذا العقل، العينين، فيأنس بها أنها جزء منه فيكون هناك السكن، السكن هنا تسكنوا إليها؛ هي مكان الراحة والطمأنينة وأمنه وسعادته، وما فيه من جعل الله -تبارك وتعالى- من الشوق والمحبة والمودة، من الرجل إلى المرأة ومن المرأة إلى الرجل.

قال -جل وعلا- قال {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، جعل بينكم؛ بين الأزواج، مودة؛ المودة المحبة، ورحمة؛ رحمة كذلك يرحمها، فالرجل يرحم المرأة والمرأة ترحم الرجل؛ يتراحمون، المودة والرحمة من أرقى أنواع الشعور وأعمال القلوب؛ شعور عظيم متنامي، انظر هذا أصله خَلق من التراب، الإنسان مخلوق من تراب ولكن الله -سبحانه وتعالى- رقَّاه هذه الترقية، جعله إنسان على هذا النحو في هذه الحياة، ثم نشأت في هذه الحياة؛ قام بالإنسان مشاعر عظيمة جدًا، مشاعر عظيمة ليست حسية وإنما مشاعر تقوم، أمر موجود؛ المودة والرحمة بين الزوج والزوجة، بين الرجل والمرأة، أمر عظيم جدًا هذا من خلق الله -تبارك وتعالى-، أن يخلق الله -تبارك وتعالى- هذا الإنسان ويجعل فيه هذه المشاعر الرقيقة العظيمة السامية، {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، قال -جل وعلا- {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، فيها آيات عظيمة، دلالات أولًا على قدرة الرب -تبارك وتعالى-، أن يخلق الله -تبارك وتعالى- هذه المشاعر في هذا الإنسان الذي أصله من التراب، ثم من لحم ودم وعظام وعروق وأعصاب يخلق فيه هذه المشاعر؛ تقوم فيه هذه المشاعر، هذا نوع الخلق عظيم؛ يعني أمر عظيم جدًا أن يخلق الله -تبارك وتعالى- هذا، يعني انظر مثلًا ما يخلقه الإنسان، الإنسان ممكن يخلق شيء مثلًا، قِنينَة، سيارة، بيت، أي شيء يخلقه الإنسان، الإنسان الآن أصبح يخلق ما يسمى بالريموت؛ شيء على شكل إنسان يتحرك، يحمل هذا ويعمل هذا ويطبع ويقوم بالأعمال العضلية الكثيرة، وقد يقوم بالأعمال الفكرية، آلة تقوم بالأعمال الفكرية؛ الحساب وكذا كالكمبيوتر مثلًا، لكن يستحيل أن يضع الإنسان فيه مشاعر، مشاعر يعني حب، بغض، رحمة... لا، هذا أمر عظيم جدًا، فانظر كيف أن الله -تبارك وتعالى- خلق هذا الإنسان من التراب، ورقَّاه في الخلق بعد ذلك فخلقه من هذا الكيان؛ من لحم وعظم وعصب، ثم أوجد الله -تبارك وتعالى- فيه هذه المشاعر؛ مشاعر المودة والرحمة، أن تكون من هذا الإنسان وهذا الإنسان أصله من الطين، انظر قدرة الرب -تبارك وتعالى-.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، لكنها تحتاج إلى إعمال فكر؛ يعني أن القوم الذين يتفكرون، أما الذين لا يتفكرون؛ اللي يشوف الأمر على هذا النحو ولا يدري كيف كان هذا الأمر، هذا الأنسان كيف خلق؟ كذا... لا، هذا حال الإنسان الكافر الأعمى الذي ينظر إلى الأمر دون تفكر ودون عِظة ويأخذا هذا، نعم قد يمارس الحب ويمارس المودة ويمارس ما يمارس من المشاعر ويمارس ما يمارس من الخلق، لكنه أعمى عن أن يتذكر ويتفكر كيف أن الله -تبارك وتعالى- خالق هذا الإنسان خلقه بهذه الصورة، وركَّب فيه هذه الأمور، وأقام فيه هذه الصفات وهذه الأخلاق وهذه الميول وهذه الإتجاهات وهذه المشاعر، لا فكرة عنده في هذا، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، ثم من هذه الآيات أن نؤمن بأن هذه آية على رحمة الرب -تبارك وتعالى-، وعلى عظيم عنايته بهذا الإنسان، وعلى أنه رحمه على هذا النحو وخلق له هذا الخلق، وخلقه في هذه الصورة وفي هذا الكيان.

آية أخرى من آيات الله -تبارك وتعالى-، قال {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}[الروم:22]، ومن آياته؛ دلائل قدرته وعظمته -سبحانه وتعالى- وحكمته وعلمه الشامل بمخلوقاته، {خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، الله، هذه السماوات التي لا نعرف لها لليوم بعدًا، إيش هي نهاية لها؟ لا نعرف لها لليوم إتساعًا، أمر من السعة والعظمة والشدة والإحكام والنظام بما لا يعلمه على الحقيقة إلا خالقه -سبحانه وتعالى-، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[الذاريات:47]، وهذه الأرض بما عليها، أرض هذه، كرة؛ هذه كرة صغيرة بالنسبة للسماوات، ولكن الله -تبارك وتعالى- انظر كيف زخرها بما زخرها فيه، خلَق هذا الخلق كذلك المحكم  بمحيطاتها، وبحارها، وجبالها، وسهولها، وما زخر عليها -سبحانه وتعالى- من ألوان النباتات، الحياة النباتية التي هي بملايين الملايين؛ نعرف بعضها ولا نعرفها كلها، وبألوان ما بثَّ الله -تبارك وتعالى- فيها من كل دابة ونشرها، وبهذه الحياة وبهذه البهجة وبهذا النظام الذي لا تحيد عنه، هذا أمر لا تسعه المجلدات لبيان عظمة الله وآيات الله -تبارك وتعالى- في كل جزئية من جزئيات هذا الخلق، أمر يستحيل أن يحيط الإنسان به علم، لا يمكن أن يحيط علمًا به فهذي آيات عظيمة.

{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ........}[الروم:22]، خلقنا نحن هذه المملكة البشرية العظيمة؛ عالم البشر، وأن يخلقه الله -تبارك وتعالى- على هذا الخلق، خلق واحد لكن متفاوت تفاوت عيظم في الألوان، بدءًا بالأبيض الناصح إلى الأسود الغامق، ثم تمر بهذي ألوان كثيرة؛ من السمرة، والصُفرة، والدُكنَة، ألوان عظيمة إختلاف ديَّت الألوان، إختلاف الألسن؛ أن الله -تبارك وتعالى- خلق لهذا الإنسان لغات شتى، آلاف اللغات التي يتكلم بها البشر، كل مجموعة من البشر إتخذت لهم لغة، بدءًا من قد تجد إثنين ما لهم لغة إلا لغة بس هما اللذان يفهمانها، كما هناك الذين يعيشون في بعض الجزر النائية أندونسيا وغيرها، وجد أنه رجل وإمرأة يتكلمون لغة لا يعلمها إلا هما فقط، بس هما الإثنين اللي بيعرفوا هذه اللغة، وفي لغة تعرفها قبيلة واحدة من الناس هي التي تتعارف بهذه اللغة، وفي لغة يعرفها شعب؛ مجموعة من القبائل، وفي لغة لأمة من الأمم... وهكذا، الهند فيها أكثر من ثلاثمائة وخمسين لغة، ولغات مكتوبة تكتب، ولغات لا تكتب، فهذي إختلاف الألسن آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، آية من آيات الله؛ أولًا قدرته على الخلق، وقدرته على التعداد؛ هذا التعدد على هذا النحو، أن يلِّون الناس هذا التلوين وهذا الاختلاف ليتم التعارف، لأنه لولا هذا الاختلاف لَمَا تعارفنا، لو خلق الله -تبارك وتعالى- كل البشر بصورة واحدة، بلون واحد، بلسان واحد، يصبح الأمر صعوبة، يصبح فيه صعوبة في التعرف؛ بأن نتعرف على بعضنا بعض، كما نشاهد مثلًا في التوائم، فإنه عندما يكون التوأم متشابهان في الجسم؛ في كل شيء وفي الصوت، يصبح التعرف عليهما أمر صعب، فكيف إذا كان ها دول التوائم مثلًا سبعة مثلًا، بشكل واحد، بلون واحد، بلسان واحد، فإذا كان الناس كلهم توأم واحد لا إختلاف بينهم عند ذلك تنهار الحضارة ولا يقوم للناس قائمة.

فمن آيات الله -تبارك وتعالى- أن خلق بين البشر هكذا، دليل على قدرته -سبحانه وتعالى- في العلم والتوسع، لأن كونه يخلق كل إنسان خلق مستقل، كل إنسان نسيج وحده، ما في نسيج يوافق النسيج، نسيج وحده، الخلطات كلها بدءًا بخلطة العرق الذي يعرقه، إلى بصمات الأصبع، إلى تكوين دمه، تكوين أعصابه، تكوين جلده، تكوين شعره، إلى بصمته الوراثية، البصمة الوراثية التي له في داخل كل جينة من جيناته، لكل إنسان شفرة خاصة؛ رقم خاص معلوم لا يمكن أن يتحد ويتساوى مع إنسان أخر قط، فالإنسان من ذرته؛ الذرة اللي هي البصمة الوراثية، التي هي جزء صغير جدًا من الخلية الواحدة في الجسم، والإنسان فيه أكثر من ست مليارات خلية، الخلية هذه التي هي عبارة عن كرة أرضية كاملة، كون كامل بالمحتويات الداخلة فيه، من هذه المحتويات شفرة الإنسان الوراثية، التي هي موجودة بإسم هذا الإنسان بطابعه في كل خلية من خلاياه، فهذا الرب -سبحانه وتعالى- الذي خلق الإنسان على هذا النحو، ولم يجعل إنسان مماثل للأخر مماثلة تامة في كل شيء، بل كل إنسان مغاير عن الإنسان الأخر في كل ذرة من ذراته، لا يمكن أن تجد بصمة وراثية تشابه بصمة وراثية أخرى لأي إنسان في هذه البشرية من بدايتها إلى نهايتها؛ دليل عظمة الخالق -سبحانه وتعالى-، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ........}[الروم:22]، اختلاف الألسنة والألوان ويشمل هذا اختلاف كل إنسان عن كل إنسان في كل شيء من ذرات حياته، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}، إن في ذلك؛ في هذا الخلق، في هذا التنوع، آيات؛ دلالات واضحات، ثم قال الله -تبارك وتعالى- {لِلْعَالِمِينَ}، للعالِمِين؛ أهل العلم، فهذا أمر لا يبلغه إلا العلم، يعني بالعلم يبلغ الإنسان معرفة آيات الله -تبارك وتعالى- في تنوع الخلق على هذا النحو.

ثم قال -جل وعلا- {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}[الروم:23]، ومن آياته؛ آيات الرب -تبارك وتعالى-، دلالات عظمته وقدرته ورحمته -سبحانه وتعالى-، منامكم بالليل والنهار؛ نوم الإنسان بالليل والنهار، النوم حاجة فطرية غريزية لا غنى عنها لهذا الإنسان، لأن بها يستريح هذا الجسم؛ يتجدد، تستريح كل قواه؛ قوى الإنسان العقلية، قوى الإنسان البدنية، كلها تستريح فيه، وكل الأجهزة العاملة فيه تجد في وقت النوم راحة، القلب تخف دقاته فيرتاح من ضخ الدم الدائم، الذي يحتاجه الجسم في وقت النشاط والحركة، ففي وقت خمود الجسم يرتاح القلب، يرتاح التنفس كمان؛ يقل التنفس، ترتاح بقية ديَّت، المعدة تشتغل ولكن عملها يكون عمل أقل من وقت الصحة والنشاط، كل خلايا الجسم تبدأ بالراحة والسكون في هذا، وهذا وقت الراحة ترتاح هذه ليتجدد عملها ونشاطها بعد ذلك، كل القوى حتى القوى العقلية للإنسان الذي يشتغل ويجد بعقله ويكدح، يحتاج إلى وقت يرتاح فيه إعمال الفكر وإعمال العقل ليقوم بعد ذلك فيتجدد عمله ونشاطه، فمنامكم بالليل والنهار؛ يعني كذلك النوم في النهار، وإن كانت قليلة فإنها تعمل على تجديد قوى ونشاط الإنسان، فهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- أن خلق الإنسان خلقه بهذه ديَّت؛ فترات للقيام والنشاط وفترات للراحة والسكون.

{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}، وبدأ الله -تبارك وتعالى- لأن نوم الليل هو الذي الإنسان في حاجة إليه أكثر من نوم النهار، ونوم النهار كذلك نوم مفيد في أوقاته، خاصة كما جاء في نوم القيلولة؛ فإنها تجدد نشاط الإنسان، ليبدأ في مساء اليوم نشاطًا أخر بعد نشاطه في أول اليوم، {وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، ابتغاؤكم؛ طلبكم، من فضله؛ بالتجارة، بالزراعة، بالسعي في نواحي الكسب التي شرعها الله -تبارك وتعالى- لكسب المعاش، فإن الله -تبارك وتعالى- خلق الإنسان في هذه الدنيا وجعل طريق بالسعي والكد هكذا غير الجنة، لأن الله -تبارك وتعالى- خلق آدم في الجنة ولمَّا أهبطه الله -تبارك وتعالى- إلى هذه الأرض؛ أهبطه وأخبره -سبحانه وتعالى- أن طعامه بعرق الجبين، الجنة لم يكن فيها عمل ولا شغل، قال الله -تبارك وتعالى- لآدم في الجنة {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى}[طه:118] {وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}[طه:119]، وقال له أن إذا أُخرجت من الجنة ستشقى، قال {........ يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه:117]، تشقى بالتعب، جاء في التوراة ((تأكل طعامك بعرق الجبين))، لابد أن يعرق جبينك لتنال طعامك، فعلشان ينال طعامه لابد يزرع، لابد يصيد، لابد يرعى الماشية والغنم، لابد ينسج ما يلبسه؛ يغزل هذا، فلابد في طعامه وشرابه ولباسه ومركبه لابد من السعي؛ فالسعي في هذه الدنيا، كون الله -تبارك وتعالى- أهَّل الإنسان؛ جعل الإنسان أهل لأن يسعى في هذه الدنيا، وجعل أرزاقه على ذا النحو؛ آية من آيات الله -تبارك وتعالى-.

{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ........}[الروم:23]، ابتغاؤكم من فضله؛ بالسعي في مناكب هذه الأرض، فقال -تبارك وتعالى- {........ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، {وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، من فضل الله -تبارك وتعالى- بالأرزاق، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}، إن في ذلك؛ في تيسير الله -تبارك وتعالى- للإنسان، أن ينام بالليل وأن ينام بالنهار ليستريح، وأن يسعى من فضله بعد قيامه من النوم بالنشاط والتجارة والعمل والزراعة والرعي، كل هذا إنما هو آية من آيات الله -تبارك وتعالى-، ومن آياته أن جعل لكم كما قال -تبارك وتعالى- {........ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[القصص:73]، قال هنا {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}، هذا يحتاج الشخص أن يسمع كلام الله -تبارك وتعالى- ليعرف الآيات في هذا، لأن هذا بالتذكير؛ عندما يذكِّره الله -تبارك وتعالى- بهذا الأمر، وذلك أن هذه الأمور معتادة والأمر المعتاد ينساه الإنسان؛ يظن أنه هكذا، يحتاج أن يُذكَّر به؛ ولذلك ذكَّرنا الله -تبارك وتعالى- به، أن هذا الأمر المعتاد بالنسبة إليك؛ النوم واليقظة والسعي هنا وهنا، إذا ما ذُكِّرت بأن هذا من رحمة الله عليك ومن إفضاله عليك ومن نعمه عليك قد لا تتذكَّر، فمن يسمع كلام الله -تبارك وتعالى- تذكَّر وعلم أن هذا من آياته، ومن لا يسمع كلام الله -تبارك وتعالى- لم يستفد بهذا.

نقف هنا وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد، الحمد لله رب العالمين.