{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}[الروم:33] {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الروم:34] {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الروم:35] {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[الروم:36] {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الروم:37]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن حال الإنسان الكافر، وأنه -سبحانه وتعالى- الرب الخلَّاق العليم، المتصرف في شئون خلقه، الإله وحده -سبحانه وتعالى- وأن كل ما يدعون من دونه باطل، يقول -جل وعلا- {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ}، والمس؛ مجرد أن يصلهم وأن يمسهم، بمجرد وصول هذا الضر إليهم، {دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}، التجأوا إلى الله -تبارك وتعالى-، ودعوه؛ طلبوا منه، ربهم؛ ربهم الحق، إله السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، منيبين إليه؛ راجعين إليه، مستغفرين إياه من ذنوبهم، طالبين منه أن يكشف هذا الضر عنهم، {........ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}[الروم:33]، إذا أذاقهم الله -تبارك وتعالى- منه رحمة؛ بمعنى كشف هذا الضر عنهم، وأبدلهم بهذه الضراء سراء، إذا فريق؛ من هؤلاء الناس الذين دعوا ربهم بالأمس عندما كان الضر وأصابهم الضر، يشركون بالله -تبارك وتعالى-، يشركون به؛ ينسبون ما كشف عنهم إلى غير الله -تبارك وتعالى-، يحمدون غير الله -تبارك وتعالى- من آلهة باطلة، أو جاعلين هذا إنما هو من حظهم ونصيبهم، نسوا الله -تبارك وتعالى- الذي دعوه بالأمس ليكشف الضر عنهم.
قال -جل وعلا- {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ........}[الروم:34]، ليكون هذا كفر بنعمة الله -تبارك وتعالى- التي جائتهم؛ عندما كشف الضر عنهم، قال -جل وعلا- {........ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الروم:34]، فتمتعوا؛ أمر يراد به التحقير، تحقيرهم وإستصغار ما هم فيه، وأن الذي أنتم فيه متعة قليلة؛ بقاؤهم في هذه الدنيا، فسوف تعلمون؛ نتيجة هذا العمل، نتيجة كفرهم وجحودهم لربهم -سبحانه وتعالى-، ودعوتهم إياه حال الشدة ثم كفرهم به حال الرخاء -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الروم:35]، هذا سؤال يراد به تقريعهم، وتوبيخهم، وإظهار قلة عقولهم، وكفرهم، وعنادهم، {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا}، يعني هل نزل عليهم سلطان؟ سلطان؛ السلطان هو الحجة القاهرة والبرهان العظيم، {........ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الروم:35]، يعني يأمرهم بهذا الشرك؛ يتكلم بهذا ويدعوهم إلى هذا الشرك، والحال أن الله -تبارك وتعالى- لم يُنزِل من عِنده ولا أمر عباده -سبحانه وتعالى- أن يتخذوا إلهًا معه، فإن الله -تبارك وتعالى- لم يأمر العباد إلا بأن يعبدوه وحده -سبحانه وتعالى-، ومن عبادته أن يعتقدوا أن ما بهم من خير إنما هو من الله -تبارك وتعالى- وحده لا سِواه، فالله -تبارك وتعالى- هو مُجرِي النِّعَم ومُسديها، وهو كاشف الضر وكاشف الغَّم -سبحانه وتعالى-، لا يكشف هذا إلا هو -سبحانه وتعالى-، ونِسبة أي شيء من هذا لغير الله -تبارك وتعالى- شِركٌ به –جل وعلا-، فهل أخبرهم الله -تبارك وتعالى- أن هناك إله معه -سبحانه وتعالى- له في الأمر شيء؟ هل أمر الله -تبارك وتعالى- بأن يعبدوا الملائكة؟ بأن يعبدوا الرسل؟ بأن يعبدوا الأنبياء؟.
كما قال -جل وعلا- {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}[آل عمران:79] {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:80]، ولا يأمركم؛ يعني أن الله -تبارك وتعالى- لا يأمر عباده أن يتخذوا الملائكة؛ ملائكته، والنبيين أربابًا لهم من دون الله، ثم قال -جل وعلا- {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، يستحيل، الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يأمر أحدًا من عباده أن يتخذ ملائكته أو عباده الصالحين؛ من الرسل والمقرَّبين إليه، أن يتخذوهم أرباب لهم؛ سواءً كانوا أرباب مشرعين أو سادة مُعظَّمين، تعالى الله عن ذلك، وكذلك الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن يؤتي بشر الكتاب والحكم والنبوة، ثم يأتي هذا الرسول والنبي إلى الناس ويقول لهم اعبدوني من دون الله؛ هذا إفتئآت، ولا يمكن أن يقع هذا من نبي ولا رسول من رسل الله، ولذلك يُبكِّت الله -تبارك وتعالى- الذين عبدوا عيسى وعبدوا أمه يوم القيامة أمام الملأ كله، أمام الحشد العظيم؛ كل الناس يوم القيامة، {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:116] {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[المائدة:117] {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة:118] {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، فهذا عيسى -عليه السلام- يقول أبدًا، أنا ما قلت للناس إتخذوني وأمي إلهين من دون الله؛ يعني معبودين نُعبَد من دون الله، بس أنا ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله ربي وربكم، فهذه مقالة كل نبي؛ ليس عيسى وحده -عليه السلام-، بل كل رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- دعى الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولم يأمر الناس بعبادته ولا عبادة أحد من خاصته، بل كلهم دعوا إلى عبادة الله -تبارك وتعالى-.
فالله يُبكِّت هؤلاء المشركين، يقول هل نَزَل لهم؟ هل أنزلنا عليهم سلطان؟ جائهم سلطان من الله؟ سلطان؛ كتاب مُنزَل من الله -تبارك وتعالى-، أو وحي، أو عِلم، يأمرهم بهذا الشرك الذي هم عليه، {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ ........}[الروم:35]، أي هذا السلطان؛ هذا الكتاب، {بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}، والحال أنه ليس هناك شيء من ذلك، إن هؤلاء كذَّابون، مفترون، فعندما افتروا هذا ونسبوا ما خروجوا فيه إلى عبادتهم للملائكة، أو عبادتهم للرسل، أو عبادتهم للشمس، أو عبادتهم للقمر، أو عبادتهم لِما عبدوه من دون الله -تبارك وتعالى-، كذب ما عندهم سلطان بهذا، المشرك الذي إتخذ إلهًا غير الله -تبارك وتعالى-، ونسب له؛ نسب لهذا الإله شيء من التصريف، من كشف الضر عنه، من إيصال الخير له، من أنه يمكن أن يشفع عند الله -تبارك وتعالى- في خير من خير الدنيا والآخرة، كذَّاب؛ هذا المشرك كذَّاب، مفتري، إنما فعل هذا بظنه، وبتخييله، ومن عند نفسه، وبافترائه، أما أن يكون الله -تبارك وتعالى- قد أمر أحدًا من عباده بهذا، أو أن هؤلاء المشركون عندهم سلطان؛ عندهم كتاب بهذا، لا شك أنه ليس عندهم شيء، ليس عندهم إلا الظنون الكاذبة، الظنون الكاذبة؛ كذب وظن، افتروا شيء وظنوه وتخيلوه ثم أثبتوه واتبعوه، دون أن يكون عندهم أي علم بذلك، {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الروم:35].
ثم قال -جل وعلا- {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[الروم:36]، هذا حال أخر من حال الإنسان مع الله -تبارك وتعالى-؛ حال الإنسان الكافر، أنه أيضًا غائب عن سُنَّة الله -تبارك وتعالى- في تربية عباده -سبحانه وتعالى-، واختبارهم وامتحانهم -سبحانه وتعالى-، وأن الله –تبارك وتعالى- الخلَّاق العليم من شأنه أن يبتلي عباده -سبحانه وتعالى- بالخير والشر، فيجعل هذا وهذا يتعَاوَر عليهم؛ يأتيهم الخير تارة ويأتيهم الشر تارة، ليحصل لهم فضيلة الصبر والشكر؛ الشكر لله -تبارك وتعالى- على حال النعماء والصبر على حال الضراء، لكن الإنسان المشرك والكافر غير هذا؛ فإنه في حال الرحمة يفرح بها، فرح بها وحده والمسألة تقف عند حد الفرح بها، لا يقوم بحق شكر ذلك وإنما فرحان أن هذا حظه ونصيبه، وأنه قد جائه وهذا هو منتهى أمله في هذه الدنيا، {وَإِذَا أَذَقْنَا}، والله هو الذي يذيقهم، {النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا}، وكان المفروض إذا أذاقهم الله -تبارك وتعالى- الرحمة أن يشكروه، أن يعرفوا أن هذا فضله ونعمته وإحسانه -سبحانه وتعالى-، لكن لا؛ هذا فرح بهذه النعمة، وعمي عند مُسديها وعن مُعطيها؛ ربه -سبحانه وتعالى-، {........ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}[الروم:36]، إن تُصِبهُم سيئة؛ تصبهم بالبناء لِما لم يسمى فاعله، ولا شك أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي يُعاوِرُ هذا؛ يعني يأتي هذا بعد هذا، سيئة؛ عقوبة، أمر يسوء، والله يقول {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، لأن الله -تبارك وتعالى- لا يُنزِل الشر ابتلاءًا، وإنما لابد أن يكون كل شر يقع إنما هو بسبب ذنب، كما قال -تبارك وتعالى- لرسوله {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[النساء:79]، فهؤلاء إذا أصابهم الله -تبارك وتعالى- بسيئة؛ تربيهم، تُذكِّرهم بإلههم وخالقهم ومولاهم، ولا تأتيهم السيئة إلا بما قدَّمت أيديهم؛ أي من ذنب، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، إذا؛ كذلك الفجائية، {هُمْ يَقْنَطُونَ}، يقنطون؛ ييئسون من رحمة الله -تبارك وتعالى-، فينقطع أملهم ورجاؤهم في الله -تبارك وتعالى-، والحال لا؛ أن الله -تبارك وتعالى- إنما يُغيِّر ما بالإنسان من خير وشر بسنن إلهية، تربية لعباده -سبحانه وتعالى- وتذكيرًا لهم؛ بربهم إلههم وخالقهم -سبحانه وتعالى-، وقدرته -جل وعلا- عليهم ليعرفوا قدرته -سبحانه وتعالى- عليهم، وأنه يفعل هذا ويفعل هذا بهم وهو ربهم -سبحانه وتعالى-، فإذا وقع بهم الشر هذا؛ ينبغي أن يقع منهم الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-، والاستغفار، والتوبة إليه -سبحانه وتعالى- وطلب هذا، ويعلمون بيقين أن هذا سيذهب عنهم بلجوئهم إلى الله -تبارك وتعالى-، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:5] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشرح:6]، فلابد أن يكون بعد العسر يسر، وبعد الشدة لابد أن يأتي الفرج، فارجع إلى الله -تبارك وتعالى-.
قال -جل وعلا- {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الروم:37]، فهذه سنَّتهُ -سبحانه وتعالى-، {أَوَلَمْ يَرَوْا}، يعني يعلموا، {أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}، فهذا فعله، البسط؛ السِعَة، {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ}، الرزق؛ كل ما ينتفع به من خير هذه الدنيا، إذا كان طعامًا، أو شرابًا، أو لِباسًا، كله هذا رزق؛ كل ما ينتفع به الإنسان في هذه الدنيا، وأعظم هذا الرزق المطر النازل من السماء الذي تعتمد عليه كل هذه الحياة، فهذا الرزق العظيم؛ المطر، المطر النازل من السماء الذي تقوم عليه هذه الزروع، الزروع يعني الممملكة النباتية وما تقوم عليها من الخيرات والأرزاق، يقوم عليها كذلك الحيوان والإنسان يأكل الحيوان، ثم بعد ذلك الإنسان يعيش على هذا، فأرزاق الناس ومعايشهم مرتبطة بهذا المطر الذي يُنزِله الله -تبارك وتعالى- من السماء ويجعل به كل شيء حي، فالله -تبارك وتعالى- هذه الأرزاق إنما هي منه -سبحانه وتعالى-، يبسط الرزق؛ يوسِّع لمن يشاء، ويقدِر؛ يُضيِّق على من يشاء -سبحانه وتعالى-، وهذا قد لا يتعلق التوسعة والتضييق بحال الإيمان فقط وبحال الكفر فقط؛ بل هذا وهذا، هذا وهذا بحِكَم عظيمة منه -سبحانه وتعالى-؛ تربية لعباده، تربية لعباده وتذكير لهم، تذكير لهم في حال الرحمة والسِعة بأن هذا ربهم -سبحانه وتعالى- أنقذهم، أنزل عليهم المطر، أنبت لهم الزرع، رزقهم، وسَّع أرزاقهم على هذا النحو، عندما يشِّح المطر كذلك يكون هذا وقت اللجء إلى الله والتوبة والاستغفار، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}[نوح:10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}[نوح:11] {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:12]، طريق اللجء إلى الله -تبارك وتعالى- والاستغفار، فهذه سُنَّة الله -تبارك وتعالى- في أن يتابع على عباده الخير والشر، {........ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:35].
فهذا في باب الرزق، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[الروم:37]، آيات بهذا، آيات أولًا أن الله -تبارك وتعالى- هو مالك المُلك -سبحانه وتعالى-، وأنه كل شيء بيده؛ فنفع العباد بيده وضُرهم بيده -سبحانه وتعالى-، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:26] {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:27]، كل هذا المُلك لله، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الملك:1]، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ........}[الملك:2]، فهذي أول هذه الآيات، الآية الثانية قدرة الله -تبارك وتعالى- على هذا وهذا؛ على نفع العباد وعلى ضُرهم -سبحانه وتعالى-، الأمر الثالث أن هذا المتَصرِّف هو الله وحد -سبحانه وتعالى-، ليس هناك مُتَصرِّف في هذا الكون إلى الله -تبارك وتعالى-؛ هذا من آيات الله -تبارك وتعالى-، فإن بسط الرزق وتضييقه من أعظم آيات الله -تبارك وتعالى-، فإننا قد نرى الأقل ذكاءً والأقل مقدرة لكنه قد يوسِّع رزقه، ونجد الحاذق، القوي، البليغ في كل أمر، لكنه قد يُضيِّق رزقه، فالرزق لا يَتبَع مستوى الذكاء ومستوى القوة البدنية... لا، إنما قد يكون البُهم، العالة، رِعاع الناس، ترزقون الأموال فيتطاولون في البنيان، كما قال النبي -صل الله عليه وسلم- «من علامات الساعة أن ترى العُراة الحُفاة العالة رُعاء الشاه يتطاولون في البنيان»، فكيف لهؤلاء؟ كيف لهؤلاء الذين كانوا بُهم؟ يقول النبي البُهم، العالة، رُعاء الشاه، ما عندهم إلا هذه، يتطاولون في البنيان؛ رزق هذا، هذا رزق وسَّعَه الله -تبارك وتعالى- عليهم؛ توسعة رزق، كما قال النبي –صل الله عليه وسلم- «إن أخوَّف ما أخاف عليكم أن يفتح الله لكم من بركات هذه الأرض»، بركات هذه الأرض؛ وهذه بركات هذه الأرض قد تكون لمَن ليسوا على جانب عظيم من الحِذق والمهارة، ما هم الذين أثاروا الأرض، وما هم الذين فعلوا هذا، فهذه قضية توسعة الرزق وتضييقه إنما هي راجعة إلى فعل الرب -تبارك وتعالى- وحده، لا يشاركه أحدٌ -سبحانه وتعالى- في هذا الأمر، إذن لماذا لا يرجعون إليه -سبحانه وتعالى-؟ ولا يوحدونه هو -جل وعلا-؟ فهو صاحب التصريف؛ التصريف كله بيده -سبحانه وتعالى-.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ........}[الروم:37]، لكن {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، هذه الآيات إنما يفقهها ويعلمها أهل الإيمان، وأما الكافر فإنه ينسب ذلك إلى أسباب ليست حقيقية، إما سبب مباشر فيعمى؛ يقول أنا بذكائي هذا فعلت وفعلت، طيب وذكائك هذا من أين لك؟ جحود وكفر، وإما أن يقول هذا بحظي ونصيبي، هذا جائني بالحظ، حظي هكذا ونصيبي، هذا الحظ والنصيب مَن قسَمَه لك؟ وإذا أصابه الضُّر يعمه ويقنط وييئس، ولا كأن هناك رب يلجأ إليه، ويستغفره، ويعود إليه، ويطلب منه، بل خلاص تُقفَل أبواب الرحمة في وجهه، ويُبلس وييئس من رحمة الله –تبارك وتعالى-، والحال أنه لو عَلِمَ أن ربه -سبحانه وتعالى- هو الذي ابتلاه بذلك لكان عرف الحق، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يبسط الرزق لمَن يشاء ويقدِر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
ثم قال -جل وعلا- {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الروم:38]، هنا وجَّه الله -تبارك وتعالى- العباد المؤمنين إلى كيف يفعلوا بهذا المال، عندما يوسِّع الله -تبارك وتعالى- الأرزاق عليهم ليكون هذا فيه نوع من الابتلاء والاختبار؛ بأن يُعطي حق هؤلاء الفقراء والمساكين، إذن {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الروم:38]، فعندما ذَكَر الله -تبارك وتعالى- بسط الرزق لمَن يشاء بيَّن أنه من حكمته -سبحانه وتعالى-، أنه كلَّف هذا الذي بسط الله -تبارك وتعالى- له الرزق أن يُخرِج منه حقه لذوي القربى، {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}، من المال الذي أعطاك الله -تبارك وتعالى-، أن هذي عطية الله؛ فهو الذي يوسِّع عليك وهو الذي أعطاك، ذا القربى؛ طبعًا أقرب الأقارب، الأم؛ أرحم الرُحِم، لأن الإنسان وجد في رَحِمِهَا، الرحم منبِت الولد، منبِت الولد؛ فالولد مولود من رَحِم أمه، أرحم الرَحِم الأم، ثم الأب، ثم الإخوة؛ كل من يشتركون في رَحِم واحدة هؤلاء، ثم الأقرب فالأقرب، {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}، كل أصحاب القرابة آتيهم حقوقهم التي عليك، فطبعًا الأصولي اللي هي الأم وإن علت، الأب وإن علت، والفروع كذلك، {وَالْمِسْكِينَ}، المسكين هو الذي افتقر وأصابه السكون والمسكنة؛ الذل لفقره، فهو فقير مُتعَفف، سُمي مسكين لسكونه أو لمسكنته؛ ذله من الفقر، {وَابْنَ السَّبِيلِ}، وابن السبيل؛ المسافر الذي انقطعت نفقته وهو غريب، بعيد عن وطنه وأهله ولا يستطيع أن يصل إلى ماله سواء له مال في وطنه أم ليس له مال، فهذا الغريب المنقطع الذي لا نفقة عنده تمكنه، هذا محتاج، هذا تُلجِئُهُ الحاجة، فذا القربى، المسكين، وإبن السبيل، قال -جل وعلا- {........ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الروم:38]، فهذا إخراج؛ أن تُخرِج حق هؤلاء من مالك الذي أعطاكه الله -تبارك وتعالى- هذا خير، خير يعني أخيَّر، وهذا للذين يريدون وجه الله، يعني إذا فعلوا هذا يريدون بذلك وجه الله -تبارك وتعالى-، لا يريدون بذلك مثلًا المَّن ولا المنحة ولا غير ذلك، لأن الصدقة لا تُقبَل وإعطاء هذه الحقوق لا يُقبَل إلا من كان مُريدًا بذلك وجه الله -تبارك وتعالى-، {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}، أنهم فعلوا هذا لله -تبارك وتعالى-؛ من أجل الله –تبارك وتعالى-، {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، إشادة؛ هذه إشادة بهم، يُشيد الله -تبارك وتعالى- بهم ويقول {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، بالجملة الإسمية المتمكنة في الخبرية؛ فهم المفلحون على الحقيقة، والمُفلِح هو الذي فاز بمطلوبة الأكبر، فهذا هو المُفلِح؛ الذي آتاه الله -تبارك وتعالى- مال فعرف حق الله -تبارك وتعالى- في هذا المال، وأعطى مَن حولَه حقه من هؤلاء؛ بدءًا بذوي القربى، {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ ........}[الروم:38]، هذا أفضل شيء، {........ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الروم:38]، الذين فازوا بمطلوبهم الأكبر، والمطلوب الأكبر؛ جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه والنجاة من عقوبته، هذا الذين فازوا بمطلوبهم الأكبر.
ثم قال -جل وعلا- {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}[الروم:39]، هذا قسم ثاني من الذين وسَّع الله -تبارك وتعالى- عليهم، القسم الأول؛ هذا الذي أعطى هذه الحقوق، هذا المُفلِح، القسم الأخر وهو الذي يأخذ المال لينميه في مال الناس؛ يعني يجذب به مال الناس إليه، فيكون المال الذي يعطيه الله -تبارك وتعالى- ويرزقه الله مثل طُعم يضعه ليصطاد به أموال الناس إلى ماله، قال {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}، رِبَّا تدفعه ليربوا في أموال الناس، وهذا على أمرين أو على وجهين؛ إما المداينة ليأخذ الزيادة على الدين وهذا الرِبَّا، أو الهدية التي يُرَاد أن يُهدى لصاحبها أكبر مما أهدى، يعني أن يدفع مال للأخرين بصورة الهدية وهو يعلم أن هذا الذي سيعطيه هذه الهدية سيُهديه أضعاف ما أهدى، فهنا دفعه للمال للغير ليس عن باب التطوع والصدقة وإنما عن باب المعاوضة، لكن إما معاوضة حقيقة بالرِبَّا؛ يعطيه مائة ليعطيه مائتين أو مائة وعشرة أو أكثر أو أقل في الزيادة، فهذا مُربي؛ يعطي الرِبَّا ليأخذ من أموال الناس ما لا حق له، والحال أن الدَّين لا يجوز أن ...، يعني كل نفع على الدَّين فهو رِبَّا، كل قرض جرَّ نفعًا فهو رِبَّا، وكذلك إذا لم يكن في صورة الدَّين وإنما كان في صورة الهدية، يعطي هدية ونيته أنه يريد أن يُهدى له بعد ذلك هدية أكبر، فهذا كذلك وجه من أوجه الرِبَّا، {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ}، والرِبَّا هو الزيادة؛ يعني ليزيد لك هذا المال الذي دفعته في أموال الناس من أموال الناس، {فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ}، هذا لا يُضاعفه الله -تبارك وتعالى- ولا يربوا عنده، بل يمحقه الله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ........}[البقرة:276].
فالذي يربوا عند الله يربوا؛ يزيد ويُنمَّى، هو الصدقة، قال {........ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}[الروم:39]، أما إذا أتيت من زكاة؛ يعني لهذا الفقير أو القريب أو المسكين، فهذا هو المُضعِف؛ يعني الذي يأخذ أضعاف ما أعطى، أضعاف ما أعطى حسابًا، وأما جزاءً فجزاء الجنة، والجنة لا ثمن لها؛ ما لها ثمن، ولكن من تصدَّق بصدقة فإن الله -تبارك وتعالى- يُنمِّيها له، كما قال النبي «مَن تصدَّق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يأخذها بيده ويٌنمِّيها له كما يُنمِّي أحدكم فَلوَه»، يُنمِّيها له؛ يعني يزيدها، مثل ما الإنسان يعتني بالفَلو، والفَلو هو المُهر الصغير، وهذا المُهر أعظم الحيوانات عناية من الإنسان لَما يرجى من ثمرتها وغنائها، فمعروف أن الخيل هي أعظم الحيوانات علوًا في الأسعار؛ أعظم استثمار، فالنبي شبَّه عناية الرب بصدقة المؤمن وأنه يٌنمِّيها له كعناية الإنسان في تربية فَلوه، ولا شك أن صدقة في يد الله -تبارك وتعالى- والله يُنمِّيها ويُنمِّيها ويُنمِّيها ...، لا شك تكون التمرة كما جاء في الحديث «حتى تكون التمرة كالجبال»، تصبح مثل الجبال عند يوم القيامة، تصدَّق هو في الدنيا بتمرة واحدة فإذا بها في يوم الحساب؛ في يوم الآخرة، بعد أن نمَت ونمَت ونمَت أصبحت كالجبال من التمر، ثم يحاسبه الله -تبارك وتعالى- على هذا، يحاسبه الله -تبارك وتعالى- على هذا كأنه تصدَّق في هذه الدنيا بهذا الجبل من التمر، فيأخذ ثوابًا في مقابل هذا في الآخرة، فالله يقول هذا هو المُضعِف؛ الذي أعطى الزكاة هو الذي يُضاعف له، ديناره يكون بسبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:261]، يضاعف أضعاف أخرى أكبر من هذه، {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ........}[البقرة:245]، فهذا الذي إدخر ماله على الحقيقة، وإدخره وين؟ إدخره عند الله -تبارك وتعالى-، فبقي الدينار سبعمائة ضعف إلى آلاف الأضعاف؛ أضعاف لا يعلمها إلا الله –تبارك وتعالى-، الله يقول هذا هو المُضعِف، إذن هذا في المقابل ليس هذا الذي أعطى ماله للأخرين مُداينة ليأخذ الرِبَّا، أو هدية ليُهدى له أكبر من هذا، هو المُفلِح وهو المُضعِف... لا، بل هذا هو الخاسر، هذا هو الخاسر، وأما الذي أعطى ماله لذوي القربى يريد وجه الله، وللفقير وللمسكين ولابن السبيل يريد وجه الله -تبارك وتعالى- هؤلاء هم المُضعِفون؛ فهم المُفلِحون وهم المُضعِفون، الذين تتضاعف أموالهم أضعافًا كثيرة عند الله -تبارك وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الروم:40]، نعود إلى هذه الآية -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.