{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الروم:40] {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم:41] {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}[الروم:42] {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}[الروم:43] {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[الروم:44] {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[الروم:45]، يبين الله -تبارك وتعالى- من صفاته العليا -سبحانه وتعالى- وأسمائه الحسنى، وأنه -سبحانه وتعالى- الذي بيده الأمر كله وأن الذي يُعبَد من دونه لا يملك شيء؛ ليس لهم من دونه شيء يملكونه، قال -جل وعلا- {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ}، الله؛ لا غيره -سبحانه وتعالى-، الله؛ إسم عَلَم على ذات الرب -تبارك وتعالى-، يعرفه الجميع بهذا الإسم، أنه إذا أطلق إسم الله فالذي يتبادر إلى ذهن كل أحد من الأمم أنه المنسوب له -سبحانه وتعالى- خلق السماوات والأرض، الإله الذي في السماء؛ الذي خلق كل هذا الوجود -سبحانه وتعالى-، والذي الوجود كله منسوب إليه -سبحانه وتعالى-؛ فهو خالقه والمتَصرِّف فيه -جل وعلا-، الله الذي خلقكم؛ أيها العباد، خلقكم؛ أخرجكم من العدم، وخلقكم؛ سوَّاكم بما أنتم عليه، كل إنسان بما هو عليه من هذه البِنيَة، من داخل خليته الصغيرة إلى هذا البناء كله؛ الله هو الذي سوَّاه، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6] {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7] {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8]، فهو الذي اختار لكل إنسان صورته وخَلقَهُ -سبحانه وتعالى-.
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ}، هو الذي خلقكم ثم رزقكم، رزق وهو الإنسان مازال في بطن أمه، يرزقه -سبحانه وتعالى- من حيث لا يدري، ومن حيث لم يكن هذا الإنسان يعرف كيف يرزق، يرزقه بهذا الحبل السُّري من أمه ويُرزَق فيه، هذا رِزقُه يأتيه؛ هذا الدم، هذا شريان الحياة الذي به يتكون، ثم عندما يدفعه الرحم إلى الخارج يبدأ الله -تبارك وتعالى- يرزقه، يُدِر هذا الحليب في ثدي أمه ويُعلِّم هذا الطفل الطريق إلى الثديين ليلتقم منهم ويُرزَق، ثم بعد ذلك يشب فيرزق الله -تبارك وتعالى- الآباء والأمهات بما يُعطيهم الله -سبحانه وتعالى- ويُرزَق هذا، {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}[الإسراء:31]، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يرزق الجميع، رِزقه -سبحانه وتعالى- بهذا المطر النازل منه -سبحانه وتعالى- الذي يحيي به الزرع، ثم يوزِّع الله -تبارك وتعالى- هذه الأرزاق على عباده، يوسِّع على مَن يشاء ويُضيِّق على من يشاء ابتلاءً منه -سبحانه وتعالى- بالخير والشر، فهذا الرزق وتوزيع هذا الرزق الذي يقوم به الإنسان، رزق الله -تبارك وتعالى- الذي به يقوم هذا الإنسان، من كوب الماء الذي يشربه إلى الطعام الذي يأكله، إلى اللباس الذي يلبسه كله من عند الله -تبارك وتعالى-، كل هذا من خلق الله -تبارك وتعالى- ومن عنده، وبتيسيره -سبحانه وتعالى- أن يُيَسِّر الناس إلى أن يسيروا في مناكب هذه الأرض، {........ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]، {فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}[عبس:24] {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا}[عبس:25] {ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا}[عبس:26] {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا}[عبس:27] {وَعِنَبًا وَقَضْبًا}[عبس:28] {وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا}[عبس:29] {وَحَدَائِقَ غُلْبًا}[عبس:30] {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا}[عبس:31] {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[عبس:32]، فهذا فعل الله -تبارك وتعالى-، فهو رازق عباده -سبحانه وتعالى-، والعباد كلهم بل أهل السموات والأرض لو اجتمعوا على أن يخلقوا حبة أرز واحدة، حبة قمح واحدة، ما استطاعوا، لا يمكن لهم هذا، لا يكن لهم أن يخلقوا ويُوجِدوا من العدم حبة واحدة من أرز يأكلونه أو من طعام يأكلونه، فهذا الله -تبارك وتعالى- هو خالق هذا الخَلق كله، خالق هذه الأرزاق وهو موزِّعها على عباده -سبحانه وتعالى-، على النحو الذي إقتضى بها حكمته وفضله وإحسانه -سبحانه وتعالى-.
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ}، الموت هو نهاية كل حي، هذا فعله -سبحانه وتعالى- وأمره، وهذا بحساب دقيق وبأجل، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ........}[الأنعام:2]، لكل مخلوق له أجل؛ يوم، ساعة، يومين، شهر، سنة، يُرَد إلى أرزل العمر؛ مئة، مائتين سنة، لكن له أجل لابد أن ينتهي إليه ويموت، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ}، قال -جل وعلا- {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}، ففاعل هذا هو الذي سيُحيي العباد -سبحانه وتعالى-، يُحييكم مرة ثانية للمثول -سبحانه وتعالى- في الموقف العظيم لتُجزى كل نفس بما تسعى، كل نفس تُجزى بسعيها الذي كان في الدنيا؛ هذا حتمٌ على الله، أخبر الله -تبارك وتعالى- قال {........ كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم:71]، لابد أن هذا الأمر أمر محتوم لابد أن يكون، {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}[يونس:53]، قال {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، {........ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[التغابن:7]، فهذا أمر محتوم؛ هو أن الجميع سيَحيَى مرة ثانية.
قال -جل وعلا- {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}، سؤال لتوبيخ وتقريع وتأنيب هؤلاء المجرمين الكفار؛ الذين إتخذوا لهم إله مع الله -تبارك وتعالى-، يقول لهم هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله -تبارك وتعالى- في أحد منهم فعل شيئًا من هذا، خلقكم، رزقكم، خلق شيء من هذا الخَلق، يُحييكم، يُميتكم، هل شيء من هذا فعله إله من هذه الآلهة؟ ذبابة خلقها إله من هؤلاء الآلهة؟ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73]، يستطيع هؤلاء الآلهة أن يخلقوا للناس حبة بُر واحدة؟ تمرة واحدة يأكلونها؟ ما أحد؛ كل هذه الآلهة ليس في طَوقِها ولا في مُكنَتِها ولا من شأنها أن تخلق شيئًا من هذا ولا أن تفعل شيئًا من هذا، فالله هو هذا {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}، وإذن أنت أيها الإنسان في قبضة الله -تبارك وتعالى- وتحت أمره وقهره، خَلقُك به؛ الله هو الذي خلَقَك، رِزقُك منه، موتك به؛ هو الذي يُميتك، وهو الذي سيُحييك وسيبعثك، وبالتالي سيكون حسابك عند الله -تبارك وتعالى- وأمام الرب -جل وعلا-، {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ}، والله قال شركائهم وذلك أنهم هم الذين إتخذوهم شركاء مع الله -تبارك وتعالى-، هل من شركائكم؛ يعني الذين نسبتموهم شركاء إلى الله -تبارك وتعالى-، وإتخذتموهم آلهة يَشرَكون الله -تبارك وتعالى- في العبادة، أو يُشارِكونه -سبحانه وتعالى- فيما تزعمون من الخَلق أو الرزق، {مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}، من ذلكم؛ من هذه الأشياء، الخلق والرزق والإحياء والإماتة، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، سبحانه؛ تنزيهًا له -سبحانه وتعالى-، وتعالى؛ الله -تبارك وتعالى- عما يشركون، فالذي يُشرِكونه في غاية السُفل والحقارة والله -تبارك وتعالى- هو العلي العظيم -سبحانه وتعالى-، سبحانه وتعالى عمَّا يُشرِكون به؛ أن يكون هناك مع الله -تبارك وتعالى- من يشاركه في شيء من هذا، يخلق معه، يرزق معه، يُحيي معه، يُميت معه، له في هذا الأمر شركة، له معاونة؛ يُعين الله -تبارك وتعالى- في هذا... يستحيل، {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22] {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، يعني عن الذين يُشرِكونهم به -سبحانه وتعالى-.
ثم قال -جل وعلا- {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم:41]، هنا يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- أمر من سُنَّته، وأنه يُعاقب -سبحانه وتعالى- عباده بأنواع من العقوبات على كفرهم وعلى شركهم، والحكمة في هذا لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله -تبارك وتعالى-، {ظَهَرَ الْفَسَادُ}، الفساد هنا في هذه الآية هو بمعنى الآفة؛ يعني الآفة التي تُصيب بعض المخلوقات، كالزلزال، بركان، حريق، طاعون، أمراض تنتشر، مَحق، آفة، قحط، كل هذه آفات تظهر في هذه الأرض، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}، والدنيا يابسة وماء؛ فظهر هنا وهنا، حتى البحر كذلك يظهر فيه فساد؛ من آفة تُصيب سكانه من الحيتان والأسماك، يُصيبه شيء من هذا؛ إضطراب، أمر من أمور الآفات، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}، قال -جل وعلا- {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، يعني كل هذه أمور الفساد هذه عقوبات يُعاقب الله -تبارك وتعالى- بها العباد بما كسبت أيديهم؛ بذنوبهم التي اقترفوها، فبما كسبت أيديهم يظهر هذا، {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، ليُذيقهم الله -تبارك وتعالى- بعض العقوبات لبعض أعمالهم الخسيسة الفاجرة؛ بعض ذنوبهم، وأعلى هذه الأعمال الشرك بالله -تبارك وتعالى-، {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، فُقلِعون عن فسادهم، عن شركهم، عن ذنوبهم، ويتوجَّهون إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، فهذا من سُنَّته الجارية في الخَلق، أنه -سبحانه وتعالى- وتعالى- يُعاقب عباده في هذه الدنيا بعض هذه العقوبات الجزئية بسبب ذنوبهم، وأن من حكمته -سبحانه وتعالى- في ذلك أن لعل هذا أن يحملهم إلى الرجوع إلى ربهم وإلى مولاهم وإلى خالقهم -سبحانه وتعالى-.
قال -جل وعلا- {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}[الروم:42]، فهذا كذلك من أنواع العقوبات التي يجعلها الله -تبارك وتعالى- في الأرض؛ استئصال الكفار، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ}، امشوا فيها، {فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ}، انظروا كيف كان عاقبتهم؛ نهايتهم، لأن العاقبة هي النهاية، خذوا من عَقِب الإنسان؛ اللي هو مؤَّخِره، إيش آخر الأمر؟ ما آخر المطاف للمجرمين؟ {........ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}[الروم:42]، كان أكثرهم مشركين فهؤلاء استئصلهم الله -تبارك وتعالى-، مثل قوم نوح؛ فإن الله أبادهم من الأرض، أغرقهم جميعًا بشركهم، لأنهم أصرُّوا على الشرك والكفر بعد أن أرسل لهم الله -تبارك وتعالى- رسولهم يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ولكنهم قالوا بلسانهم {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}[نوح:23]، أصرُّوا على الشرك واستكبروا استكبارًا على هذا فأغرهم الله -تبارك وتعالى-، وكذلك أهلك أمم بعدهم؛ كعاد، وثمود، وقوم فرعون، وقرى لوط، والمؤتفكات، ورسل بعد ذلك كما قال -جل وعلا- {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا}، تترا؛ كثيرين، {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا}، فأتبعنا بعضهم بعضًا؛ بالهلاك، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}، وجعلناهم أحاديث؛ في النهاية لا يبقى منهم إلا الذكرى، تبقى قصصهم وما كانوا عليه تُنقَل بعد ذلك إلى مَن بعدهم، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}[الروم:42]، عاقبتهم قصَّها الله -تبارك وتعالى- وهي أمر معروف، كان أكثرهم مشركين فعاقبهم الله -تبارك وتعالى-، إذن بعد هذا لم يبق للكافر حُجَّة ولا مُستمسَك، الكافر خارج عن العقل، عن المنطق، عن الفهم، وهذه عاقبته، هذا الذي ينتظره في الدنيا وذاك الذي ينتظره في الآخرة من البوار والهلاك، إذن ما له طريق، الكافر لا طريق له، طريقه مغلق وفقط مفتوح إلى النار، طريقه للهداية وللصلاح وللسعادة طريق مغلق هذا، وإنما لا طريق له إلا طريق جهنم، فهذا إذن ما على العاقل أن يتوجَّه إليه؟ يتوجَّه إلى الله بعد ذلك.
قال -جل وعلا- {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}، إذن أقم وجهك، أقمه؛ يعني إجعله مستقيم، للدين القيِّم؛ الدين القويم هذا، القيِّم أيضًا؛ القيِّم ذو القيمة، هذا الذي له قيمة حقيقية هذا الدين؛ دين الله -تبارك وتعالى-، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}[الروم:43]، فهذا تحذير من الله -تبارك وتعالى- ودعاء من الله -عز وجل- لعباده المؤمنين، والخطاب موجَّه إلى رسوله -صلوات الله والسلام عليه-؛ إلحق، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ ........}[الروم:43]، سارع لهذا؛ يوم لا مردَّ له فيه، يوم؛ يوم القيامة، ولا مردَّ له؛ ما أحد يستطيع يردُّه، ما أحد يستطيع يوَقِّف هذا اليوم؛ يوَقِّف مجيء هذا اليوم، إما مثلًا باسترجاء الله واستعطافه؛ لا والله أخِّره، خليه مرة ثانية، رجِّعنا إلى الحياة مرة ثانية، فلنرجع مرة ثانية، نعمل دورة ثانية لهذه الدنيا، واختبرنا يا رب فيها مرة ثانية... لا، هذا يوم لا مردَّ له، لا مردَّ لهذا اليوم من الله، ما أحد يستطيع أن يَرُدَّ هذا اليوم، أن يُجبِر الرب -تبارك وتعالى-، أو أن يستعطفه ويسترضيه أنه يمنع مجيء هذا اليوم... يستحيل، يوم أخبر الله أنه سيأتي يأتي، وعِلمه عند الله وحده لم يطلع الله -عز وجل- غيره، وسيأتي في وقته الذي وقَّتَهُ الله سيأتي، {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}[الروم:43]، الجميع، ويصَّدَّعون؛ أصل الصَدع هو الشق، يعني خلاص يتفرقون، ينشق الناس بضعهم عن بعض، كلٌ يذهب إلى ناحية، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}، كل هذه المجموعة؛ الناس اللي كانوا مجموعين في الدينا، كلٌ يذهب إلى سبيل غير السبيل الأخر، هذا سبيل إلى الجنة وهذا سبيل إلى النار، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}، وجاء هنا يصَّدَّعون بالتضعيف يدل على أن تفرق، تفرق ...، يعني أن كل مجموعة لابد أن تتفرق، فالأرب يُنزَع من أبنائه، والأخ عن أخيه، والزوجة عن زوجها، والحبيب عن حبيبه، والقريب عن قريبه، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون:101]، ما في أنساب، فقد يكون من كانوا لهم خُلَّة أعظم الخُلَّة في الدنيا، الخُلَّة؛ اللي هي أعظم المحبة، لكن خلاص إنتهى، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}، {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}[المعارج:10] {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ}[المعارج:11] {وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ}[المعارج:12] {وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ}[المعارج:13]، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:37]، فالناس خلاص تتفرق؛ ما أحد يبقى مع أحد، {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}[الزخرف:67]، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}.
{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}، فمَن كفر من الناس في هذه الدنيا فعليه كفره، ما يضُر أحد، لا يضُر إلا نفسه، الله -تبارك وتعالى- لا يُصيبه ضرر، لا ضُر من كفر الكافر، ماذا لو كفر؟ ماذا لو كفر كل مَن في الأرض؟ ما ضرَّ الله -تبارك وتعالى- هذا شيء، فهذا لا يضر الله -تبارك وتعالى- ولا يُصيب الله -تبارك وتعالى- أدنى ضرر من هذا الأمر، وإنما على صاحبه؛ الكافر كفره عليه، {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ}، من كفر فعليه كفره؛ أي عاقبة كفره وإثم كفره، {........ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[الروم:44]، وكذلك الذي يعمل صالح بيمهد لنفسه، هذا يٌمهد لنفسه، التمهيد هو الفرش ووضع ما يُريح لنفسه، مثل ما تقول مهَّدت الأرض؛ يعني أصلحتها، ومهَّدت الفراش هذا المهد هو تسوية الفراش لينام عليه الطفل الصغير نسميه المهد، مهده يعني فراشه الوثير؛ الذي يُصلح ويُرتَب ويُصَف حتى لا يُصيب جسم الطفل الصغير بأذى وبأي ضرر، فهو بيمهِّد لنفسه، الله يقول الذي يعمل صالح إنما يُمهِّد لنفسه؛ يُصلِح لنفسه، وذلك أنه هذا هو طريقه إلى جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه حيث النعيم المُقيم، لنفسه كذلك والله -تبارك وتعالى- لا تنفعه طاعة الطائعين، كما جاء في حديث البراء ابن عازب الطويل؛ الحديث القدسي، «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني»، ما أحد من العباد سيبلغ أن يضُر الله -تبارك وتعالى- مهما كان، لو ملَك كل القوى في الأرض لكنه لن يضُر الله -تبارك وتعالى- شيء، «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسَّكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسَّكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في مُلكي شيئًا»، فهذا الرب -سبحانه وتعالى- لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا يضرُّه -سبحانه وتعالى- معصية العاصين، {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}[الروم:44].
قال -جل وعلا- {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[الروم:45]، ولكن البعث يوم القيامة والحساب والجزاء لهذا، لأن الله -تبارك وتعالى- لا يمكن أن إنسان يعمل صالح ويتركه ويُخلِّيه؛ لابد يجزيه، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ........}[الروم:45]، فالبعث يوم القيامة والوقوف بين يدي الله -تبارك وتعالى- ليكون أولًا دول ناس لهم حق عند الله -تبارك وتعالى-؛ أحقَّه الله -عز وجل- على نفسه، أنه من عمل صالح في هذه الدنيا أنه سيؤتيه أجره يوم القيامة، سبحانك يا رب، لا إله إلا أنت، المؤمن أخذ أجره في هذه الدنيا وكل الطاعات لا تساوي نعمة من نعم الله -تبارك وتعالى-، ما تساوي نعمة العين، ولا نعمة السمع، ولا نعمة الصحة، ولا نعمة الوجود، ولا البصر، ولا هذه المتع التي يمتِّع الله -تبارك تعالى- العبد بها في هذه الدنيا، هذه أكبر من طاعته؛ أكبر من طاعة العبد، لكن الله -سبحانه وتعالى- الرب الكريم الرحمن الرحيم قال هذا العبد الذي قام بطاعتي أنا سأجزيه؛ أُعطيه عطاء، ليس ثم لهذه الطاعة التي أطاعها؛ مو ثمن هو، ما هي معاوضة ثمن... لا، إن هذا فضل وإحسان منه -سبحانه وتعالى-، فهذا فضل له إدَّخره، فالله -تبارك وتعالى- يخبر بأنه سيُقيم القيامة لأجل هذا، لأجل أن هذا المؤمن الذي قام بهذا الإيمان له حِسبة عند الله -تبارك وتعالى-؛ له عطاء عند الله لابد أن يناله، ثم هذا الكافر الذي كفر بالله -تبارك وتعالى- له العقوبة، الله لا يمكن يُخلِّيه كذلك، هذا مجرم كفر بنعم الله -تبارك وتعالى- وأشرك به؛ لابد يأخذ عقوبته، لابد أن ينال عقوبته.
قال -جل وعلا- {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ........}[الروم:45]، من فضله؛ من جُوده وإحسانه وعطائه، مو لأن هو له معاوضة؛ قام بعمل وأصبح له عِوَض لازم له مساوي لهذا العمل... لا، إنما هذا من فضله وإحسانه -سبحانه وتعالى-، وإلا فإن كل عامل في هذه الدنيا قد نال ثواب عمله، بل لا يمكن أن يكون نعمة من نعم الله -تبارك وتعالى- هي مكافِئة لعمل هذا العامل؛ فهذا فضل، إذن الآخرة هي فضل من الله -تبارك وتعالى- وإحسانه، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ........}[الروم:45]، ثم قال –جل وعلا- {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}، كذلك الله لا يحب الكافرين، لذلك لابد أن يُخزيِهم الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة، ما يحبهم لكفرهم هذا، ما قاموا بحق شكر نعمة الله -تبارك وتعالى-، ما اعترفوا بهذا، ما اعترفت قلوبهم بأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلقهم، هو الذي يرزقهم، هو الذي يُحييهم، هو الذي يٌميتهم، هو ربهم، لو فعلوا هذا {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ........}[النساء:147]، ما كان مطلوب من الكافر إلا أن يشكر الله -تبارك وتعالى- ويؤمن به، والإيمان به؛ تصديق بحق، الله هذا خرافة؟ الله هو الحق الذي لا حق أكبر منه -سبحانه وتعالى-، الله خالق هذه السماوات والأرض، الإيمان بالله -تبارك وتعالى- ضرورة يدفع إليها العقل، بل كل جزئية من هذا الكون تدفع إلى الإيمان بالله -تبارك وتعالى-، فإذن هذا مجرم؛ الكافر مجرم، لم يؤمن بالله -تبارك وتعالى-، وكذلك الشكر؛ كل ما أنت فيه أيها الإنسان من الله، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}، كان مطلوب من الكافر فقط أن يعترف بأن هذه نعم الله -تبارك وتعالى-، لذلك الله -تبارك وتعالى- يقول لهؤلاء {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء:147]، شاكرًا عليمًا؛ أن يعطيك جزاء، حتى لو قمت بهذا الشكر -وهو واجب- في مقابل نعم الله -تبارك وتعالى- فأنت تُعطى كذلك، تُعطى أجر على هذا الشكر عِلمًا بأنك قد قمت بواجب في الأساس، بواجب حتم في أن تقوم بشكر من أنعم عليك، قال -جل وعلا- {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}[الروم:45].
ثم قال -جل وعلا- {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الروم:46]، آية أخرى تُبيِّن إنعام الله -تبارك وتعالى- وإفضاله على عباده؛ على الناس في هذه الدنيا، ومن آياته؛ دلائل عظيمة وقدرته وإحسانه وعطفه على عباده -سبحانه وتعالى-، {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}، قبل ما يجيء المطر تأتي الرياح تُبشِّر بقرب مجيئه، ممكن تهُب الريح الأول وهذه الريح معروفة، التي تهُب من الجهة الفلانية إلى الجهة الفلانية يعرفها أهل الخبرة وأهل الناس، أن هذه الريح هبَّت من هذه الجهة؛ أي تأتي قبل المطر، ممكن تجيئ قبل يوم، قبل يومين، قبل ثلاثة أيام، تهُب الرياح فيراها الخبير عندما تهُب من هذه الجهة؛ يقول سيأتي مطر، ممكن يجيء بعد يوم، بعد يومين، مَن الذي يجعل هذه الريح تهُب وتجري في هذا الإتجاه ويعلمها الناس تٌبشِّر بقرب مجيء المطر؟ هذا الله -تبارك وتعالى-، فإنه لو أتينا بأي قوة من القوى لتجعل الرياح تهُب وتجري على هذا النحو، وتحمل ورائها هذه ملايين الملايين من أطنان الماء، تحملها فوقها وتأتي بها إلى هذا المكان لتنزِل هذه الرحمة، هذا لا يستطيعه أحد، هذا فعل الله -تبارك وتعالى- وليس فعل غيره، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}، أي بقرب المطر، {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ}، بالمطر، ذوق من رحمة الله -تبارك وتعالى-، انظر آثار رحمة الله بالمطر؛ غسيل ونظافة لهذا الهواء الذي نستنشقه، طهارة، الماء طهارة للبدن، طهارة للثياب، طهارة لكذا، بركات للزرع، والزرع مملكة عظيمة جدًا من خيرات الله -تبارك وتعالى-، {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ}، لتجري الفلك؛ السفن بأمره -سبحانه وتعالى-، في هذه الأنهار التي تُشَق تجري السفن في صفة هذا الماء النازل من السماء، {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، تذهبوا من هنا إلى هنا تبتغوا من فضل الله -تبارك وتعالى- بالتجارة؛ فتنتقلوا على ظهر هذه السفن، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يعني أن هذا صنيع الله -تبارك وتعالى- بكم، وهو صنيعه وحده ليس صنيع غيره، لعلكم أيها الناس تشكرون ربكم -سبحانه وتعالى- على هذا، فقط هذا المطلوب؛ يعني المطلوب من العباد أن يشكروا الله -تبارك وتعالى- على نعمائه، وأن يعلموا أنه لا يُجري هذه النعم إلا هو -جل وعلا-، ولكن يبقى الكافر هو الكافر؛ يرى آيات الله -تبارك وتعالى- ونعمائه ولا يؤمن ولا يشكر.
نقف هنا، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.