الخميس 19 رمضان 1445 . 28 مارس 2024

الحلقة (5) - مقدمة

تفسير الشيخ المسجل في تلفزيون دولة الكويت

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله الرسول الأمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

درسنا في هذا اليوم حول معاني الاستعاذة والبسملة، الاستعاذة "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، والبسملة "بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ".

معنى الاستعاذة؛ أصل العوذ هو اللجوء والاحتماء، طلب الحماية وطلب اللجوء، العبد عندما يقول أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بمعنى ألتجئ وأحتمي بالله –سبحانه وتعالى- من الشيطان الرجيم، الله –سبحانه وتعالى- الذي يطلب العبد اللجوء (اللجوء) إليه واللياذة به.

 أولًا اسم الله –سبحانه وتعالى هو اسم الله الأعظم،  الله له أسماء كثيرة، كما قال –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»، "الله" أعظم هذه الأسماء وأكثرها .. يعني نزولًا في القرآن ليس هناك في القرآن اسم قد تكرر كلفظة "الله" –تبارك وتعالى-، وهو الاسم الذي لم يُسم به غير الرّب –تبارك وتعالى- وهو الذي تعرفه كل الأمم وكل الشعوب تعرف الله –تبارك وتعالى- بهذا الاسم، وهو اسمٌ عربي، وهو اسم مشتق لأنه هو الإله، هو الله .. هو الإله لكن حذفت الهمزة التي في وسط الإله وأدغمت اللام في اللام فأصبحت "الله"، مشتق من أله يأله بمعنى عَبَدَ يَعبُد، فهو الإله بمعنى المعبود.

الله هو الإله الحق –سبحانه وتعالى- الذي لا إله إلا هو، وكل ادعاء الألوهية لغيره والعبادة لغيره فباطل، قد تسمي العرب كل ما يعبد إله مهما كان، كتسميتهم الأصنام التي صنعوها آلهة وإطلاق لفظ "الآلهة" على الشمس فيقول عنها الإلهة وذلك أنها تعبد، كانوا يعبدونها، وقالوا عن أصنامهم ... أجعل الآلهة  إلهًا واحدا إن هذا لشيءٍ عجاب!،( {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:5] )، وقال: {...الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]، فهم عندهم سموها آلهة، ولكنه اسم بلا حقيقة للألوهية كما قال –تبارك وتعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ...}[يوسف:40] أسماء سميتموها آلهة وهى ليست آلهة –على الحقيقة-، فالله هو الإله حقيقة الإله على الحقيقة هو الله –سبحانه وتعالى- والله اسم علم يقع على ذات الرّب –سبحانه وتعالى- اسمه الأعظم.

"أَعُوذُ بِاللَّهِ" اللياذ به –سبحانه وتعالى- مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، الشيطان أصل الشيطان في لغة العرب هو المتمرد، العرب تسمي كل متمرد شيطان، سواءً كان من الإنس أو من الجن أو من الحيوان، والمقصود هنا الشيطان شياطين الجن، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ هو إبليس وذريته، وذلك أن إبليس رأس هذه الشياطين، وسمي "رجيم" وذلك أن الله –تبارك وتعالى- قد طرده من رحمته والرجيم بمعنى "المرجوم"، والرجم هذا فعل حقيقي أنه يرجم في النار، كما قال له الله –تبارك وتعالى-: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)}[ص:77-78]، وقال له: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ...}[الأعراف:18]، فأخرجه الله –تبارك وتعالى- بامتناعه عن السجود لآدم من رحمته ومن جنته، وكتب عليه الشقوة أبدا، وإن كان قد كتب له الخلود في الدنيا لمّا طلبه ليتمم المهمة التي تكفل بها والتي انتهض إليها كما قال لله –تبارك وتعالى- عن الإنسان: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62]، {أَرَأَيْتَكَ هَذَا} يقول الله –جل وعلا_ مشيرًا إلى آدم الذي كرمت عليّ فأمرتني -وهو عند نفسه أعظم من آدم وأجل وأكرم- ، {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} أي بأن أسجد له وأنا خير منه {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي  لم تحكم عليّ بالموت {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}، ومعنى "لَأَحْتَنِكَنَّ" الحنكة هي ما يوضع في رأس الدابة وفي حنكها لتقاد به، كما الشأن في الحصان أو في الحمار أو في البقرة، فإن الشيطان شبه نسل آدم بأنهم سيكونون معه كشأن الإنسان مع الحيوان يجره، {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} ذرية هذا الذي كرمت عليّ وهو آدم {إِلَّا قَلِيلًا} "إِلَّا قليلًا" أي من أهل الإيمان؛ فقال له الله –تبارك وتعالى-:  {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ........}[الإسراء:63-65]، إِنَّ عِبَادِي الذي هم عباد الله من أهل الإيمان لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، قوة قاهرة وكذلك فعل قوي لا  تستطيع أن تضلهم به فهم برآء وأنجياء من غوايتك.

الشاهد أن الشيطان الرجيم هو إبليس - عليه لعنة الله-  وسمي شيطان لأنه تمرد وعصى الله –تبارك وتعالى- وعصى بغير توبة، بعكس معصية آدم التي كانت معصية ثم تلتها توبة وندم، {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ........}[الأعراف:23] هذا ما قالت آدم وحواء، {........ وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:23]، بعد أن عصيا  الله –تبارك وتعالى- في الأكل من الشجرة، نهاهم الله –تبارك وتعالى-، أما إبليس فإنه أُمر بالسجود فلم يسجد، ثم قيل له: لما، {........ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ........}[ص:75-76]، فاعتز بمعصيته ورأى أنَّ فعلهُ هو الحق، وكأن أمر الله –تبارك وتعالى- له بالسجود هو الباطل، وأنه مخالف للحكمة والمنطق، فكيف يسجد في زعمه الفاضل للمفضول، فيرى أنه فاضل عن آدم ولا يسجد لمن هو دونه في الخلقة، قال ما كنت لأسجد لمن خلقت طينا، قال أأسجد لمن خلقت طينا، {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[ص:76]، فاعتز بقياسه الفاسد وهو قياس لا شك أنه فاسد، وكذلك بمعصيته وتعاليه، ثم انتهض بعد ذلك لإضلال بني آدم، وقدأمده الله –تبارك وتعالى- واقتضت مشيئته أن يعطيه الإمكانية للإضلال {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ ........}[الإسراء:63] أي من هؤلاء الذين قد انتهضت لإضلالهم {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ........}[الإسراء:63-65] استثنى الله –تبارك وتعالى- من أولاد آدم الذين لا يضرهم الشيطان عباد الله –تبارك وتعالى-، ومن هنا جاءت الاستعاذة.

 الاستعاذة بالله –تبارك وتعالى- من الشيطان الرجيم، وذلك أنه المعركة القائمة بين الإنسان والشيطان الأطراف فيها غير متكافئة، الشيطان طرف قوي فأولًا هو أقدر وأعلم، وهو عنده من الخبث والحيل والدهاء والمكر والأساليب –أساليب الغواية- ما لا يبلغه الإنسان، بل إنه استطاع أن يغوِيَ آدم –عليه السلام- بحيلته ومكره، كما قال –تبارك وتعالى- عنه: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى}[طه:120]، فقد دخل لآدم من هذا الباب قال هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ يعني التي لا تموت بعد أن تأكل منها وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ، وقال –تبارك وتعالى-: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف:21]، قَاسَمَهُمَا يعني أقسم لهما، أقسم الشيطان لآدم ولحواء إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، قال –جل وعلا-: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ........}[الأعراف:22] دَلَّاهُمَا استنزلهما من الطاعة إلى المعصية بِغُرُورٍ بتغرير، وذلك أنه غررهم في أن الأكل من هذه الشجرة  هو أنفع لهم بل إنهما سيكونان في خلود دائم لا موت، وكذلك في ملك ونشوة ولذة لا توصف، قال –جل وعلا-: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ........}[الأعراف:22]، فالشاهد قدرة الشيطان ولولا أن آدم –طبعا- رجع إلى الله –تبارك وتعالى- هو وزوجه وتلقى الله قال {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:37] لكان له شأن آخر، فلا شك أن قدرة الشيطان على الإغواء وقدرة الإنسان على الاستقامة على أمر الله لا تكافؤ فيها، الشيطان متمرد وعنده من القدرات ما ليس عند الإنسان.

 ثم إنه كذلك أوتي أمرا أعظم من الإنسان سواء قدراته وإمكانياته الموجودة في الخلق، وكذلك أنه مستتر، عدو في استتار، وأما الإنسان ظاهر له، وإذا كان هناك عدوان  عدو يستطيع أن يستتر عن عدوه ويأتيه من أي مكان والآخر لا يراه فلا شك أن الذي يملك القدرة على الاستتار والاختباء يكون أقدر على عدوه ممن لا يملك هذه القدرة، ولذلك الشيطان يأتي الإنسان من بين يديه قال: {... لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، وهو يستطيع أن يخترق هذا الإنسان إلى قلبه بل إلى مجرى دمه، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا أو شرًا" فهو وسواس، فالشيطان له قدرات هائلة لا يملكها الإنسان، ولذلك الإنسان وحده لا شك أنه لا يستطيع بنفسه وبقدراته وبإمكانياته أن يتغلب على الشيطان.

 إذن لابد من العياذ واللياذ بقوة كبرى تحمي الإنسان من هذا الشيطان، هذه القوة الكبرى هي قوة الله –تبارك وتعالى- الله، فأمرنا أن نلوذ بالله لأن الله هو الملجأ والملاذ، حصن العبد المؤمن، كيف يتحصن من هذا الشيطان ويهرب منه إنما هو بالله، إذا حصنك الله –تبارك وتعالى- فإنه يصبح كيد الشيطان ضعيفا وبعيدا، وأما إذا لم يلذ الإنسان بالله –تبارك وتعالى- فإنه يصبح نهبا لهذا الشيطان، كما قال –تبارك وتعالى-: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل:99-100] ف سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ.

 وطبعا تسليط الله –تبارك وتعالى- للشيطان على الإنسان يكون بمعصيته وغفلته، كما قال –جل وعلا-: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:36-37]، وقال -جل وعلا-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا}[مريم:83] تَؤُزُّهُمْ تحركهم تحريكًا إلى المعاصي، فلا نجاة للعبد من الشيطان إِلَّا بالاعتصام بالله –تبارك وتعالى- واللياذ به، ولذلك أمرنا باللياذ به وخاصةً عند كل عمل من أعمال الطاعة لأنه واقف للإنسان، هو للإنسان بالمرصاد، هو متصدٍ للإنسان دائمًا على أبواب الطاعة، فخطوات الشيطان هكذا، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:168-169].

 وهو جالس للمؤمن عند كل طاعة، فمن هذه الطاعات العظيمة قراءة القرآن، تصدى للإنسان قد يشككه في آياته يصرفه عن تدبر معانيه يدخل في قلبه شيء من الريب والشك في القرآن، وبالتالي له مداخله إن كان العبد قد أتى إلى هذا القرآن مخلصًا لله –تبارك وتعالى- دينه قد يصرفه إلى معنى آخر من تعجل القرآن فيطلب به الدنيا لا يطلب به الآخرة له أمور عظيمة، فلذلك أمرنا عند قراءة القرآن أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ........}[النحل:99-100]، فالاستعاذة بالله –تبارك وتعالى- من الشيطان الرجيم فرضٌ عند قراءة القرآن.

وهذه خلاصة معنى الاستعاذة؛ أنها التجاءٌ إلى الله –تبارك وتعالى- الذي ليس غيرهُ يمكن أن يحمي الإنسان من شره.

 والشيطان عندما يُذكر الله –عز وجل- يهرب ويخرس، فهو وسواس ولكنه خناس، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ "، فهو دائمًا ذكر الله –تبارك وتعالى- يجعله يهرب، ولكن نسيان الرب –تبارك وتعالى- يجعله يقترب، فأمرنا بالاستعاذة بالله –سبحانه وتعالى- من شر الشيطان وخاصة في هذا الموطن؛ موطن قراءة القرآن.

أما "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فهذه أولًا في اللغة إما أن تكون مبتدأ خبره محذوف، أو خبر لمبتدأ، إذا كانت خبرا لمبتدأ يكون قراءتي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" أو أقرأ ... أو ابتدائي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" أو يكون مبتدأ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" قراءتي أو ابتدائي.

 "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" الباء هنا للاستعانة واسم الله –سبحانه وتعالى- الله –تبارك وتعالى- له الأسماء الحسنى، كل أسماء الله –تبارك وتعالى- حسنى، وكل اسم له معنى والمعنى ثابت لله –تبارك وتعالى- من معاني أسمائه مما يليق به –سبحانه وتعالى- لائق به، فالسميع من السمع، والعليم من العلم، والبصير من البصر، والرحمن من الرحمة، والكبير لأنه الكبير –سبحانه وتعالى- من الكبر، والعظيم من العظمة وهكذا، فهي أسماء مشتقة وكل اسم من هذه الأسماء له معنى، وهذه المعاني ثابتة لله –تبارك وتعالى-، والله يقول: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ........}[الأعراف:180]، وقد قال النبي –صلوات الله وسلامه عليه-: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"،  أحصاها ليس العد  وإنما يعني العد مع العلم مع الإيمان بها، فإذا عرف أسماء الله –تبارك وتعالى- معنًى واعتقدها في قلبه وكذلك عمل بمقتضى هذه الأسماء فهذا يكون قد آمن بالله –تبارك وتعالى-، وهذا معناه أنه كان من أهل الإيمان فهذا يستحق دخول الجنة.

"بِسْمِ اللَّهِ"  هذا أعظم الأسماء، وقد بيّنا شيئًا من هذا المعنى بأنه الإله المألوه الإله الحق الذي لا إله إلا هو، ومن معاني الإله أنه الذي يستحق العبادة هو الذي يملك عابده، فالعبد الذي أخرجه من العدم إلى الوجود هو الله –سبحانه وتعالى-، الإله الحق هو الذي يملك لمن يقوم بعبادته يملك حياته وموته ورزقه ونشره، وهو المتفضل عليه بكل أنواع التفضل فهذا الذي يستحق العبادة.

 أما إذا لم يكن كذلك فلا يستحق العبادة، فالشمس مثلًا والقمر أو البقر أو الشجر كل ما يعبد من دون الله –عز وجل- هذه مخلوقات في ذاتها لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا فضلًا عن أن تملكه لغيرها؛ فإذن عبادتها باطلة، فمن عبد الشمس أو القمر أو النجوم أو الكواكب أو إنسانا أو رسولا أو ملكا أو صليبا أو صنما أو غير ذلك إنما عبد باطلًا، هذه المعبودات لا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا فضلَا عن أن تملكه لغيرها، فكيف تكون هيَ معبودة؟

أما الله –تبارك وتعالى- فهو الإله الحق لأنه هو الذي خلق يحيي وميت ويرزق وهو الذي يحاسب عباده –سبحانه وتعالى- والذي يشرع لهم ويبيِّن لهم الطريق وبالتالي هو المتفضل عليهم بكل نعمة، ما من نعمةٍ في مخلوق إلا من  الله –تبارك وتعالى- {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ........}[النحل:53]، فإذن هو وحده الذي يستحق العبادة، فهذا الله الذي لا إله إلا هو –سبحانه وتعالى-.

ثم من صفته أنه هو "الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ" الرحمن والرحيم صفتان من الرحمة، ومعاني الرحمة عظيمة، وكل ما هو ضد الفساد والعذاب هو من الرحمة فمن رحمة الله فما من رحمة إلا من الله –تبارك وتعالى-.

 أول رحمة علينا الخلق الإيجاد التربية النعم التي يتقلب فيها، الرحمن كل ما يتراحم العباد به من رحمة فمن الله –تبارك وتعالى-، "فإن لله مائة رحمة" يعني خلق واحدة فيتراحم بها العباد والخلق كلهم، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- "منها ما ترفع الفرس به رجلها عن ابنها"، الفرس بهيمة ولكنها إذا وضعت يعني حافرها على ابنها فإنها سرعان ما ترفع الحافر رحمة بالابن، هذا جزء من الرحمة التي خلقها الله –تبارك وتعالى- في هذه المخلوقات، انظر الطائر مخلوق ضعيف بعقل وتدبير في حدوده التي خلقه الله لها، لكن انظر يشقى ويتعب ويذهب فيأتي بطعامه ويطعمه فراخه، تجد أحيانا الأم أم في هذه الحيوانات تضر نفسها من أجل صغارها، الأرنب تنتف شعرها حتى تمهد به المهد والفراش لصغارها، تنتف شعرها نتفا حتى تصبح قليلة الشعر جدًا لتمهد لهم المهد الذي يكونون فيه، هذه رحمة خلقها الله –تبارك وتعالى- هذا من آثار ما يتصف به الرّب –تبارك وتعالى- الله هو "الْرَّحمَنِ" الذي وسعت رحمته كل شيء، فكل ما في الخلق من معاني الرحمة هي منه –سبحانه وتعالى-، وقد ادخر تسعة وتسعين ليوم القيامة، فهو "الْرَّحمَنِ" والرحمن بهذا الوزن فعلان يسمونه في اللغة صيغة مبالغة من الرَّاحِمْ فهو رَحمَن الذي وسعت رحمته كل شيء –سبحانه وتعالى- الذي امتلأ رحمة.

ثم هو " الْرَّحَيمِ" –سبحانه وتعالى- بعباده فهو رحمن ورحيم، فعندما أقول: "بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ" أقولها ابتداءً وأقولها تبركًا بهذه الأسماء الكريمة لله –تبارك وتعالى- فـ"بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ" اذكر ثلاثة أسماء لله –تبارك وتعالى- أولًا الله الذي هو أعظم الأسماء، والْرَّحمَنِ الذي اختص فالله مختص بهذا المعنى دون غيره بأنه أولًا الإله الذي لا إله إلا هو، ثم هو الْرَّحمَنِ على الحقيقة هو كل ذي رحمة بعده فإنما منه -سبحانه وتعالى-، فهو الرحمن وحده –سبحانه وتعالى- المتصف بالرحمة الكاملة الشاملة التي تحدها حدود، والذي لا رحمة في الخلق إلا منه –جل وعلا-، فعندما يقرأ القرآن فيقال "بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ" فقد أمرنا أن نقرأ بها تبركًا وابتداءً،  واسم الله –تبارك وتعالى- مبارك.

"بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ" لا شك أنها على الصحيح آية من السبع المثاني في فاتحة الكتاب، ثم إنها آية فاصلة في كل سورة من سور القرآن إلا سورة "براءة"، فإنها قد كتبت بدون البسملة والحكمة في هذا أنها جاءت بقطع العهود وهي على نسق أسلوب العرب في الكتاب الذي يرسلونه لقطع عهد من العهود فإنه لم يكونوا يستفتحونه بـ"بسمك اللهم" وسيأتي الحكمة في رفع "بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ" من أول سورة براءة عندما نأتي إلى تفسيرها إن شاء الله.

هذه خلاصة لمعاني الاستعاذة والبسملة أسأل الله أن ينفع بها استغفر الله لي ولكم من كل ذنب وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله محمد.