الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}[السجدة:4] {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[السجدة:5] {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[السجدة:6] {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ}[السجدة:7] {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[السجدة:8] {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[السجدة:9]، هذا تعليم من الله -تبارك وتعالى- وتعريف لهم بربهم وإلههم وخالقهم؛ الله -سبحانه وتعالى-، بعد أن ذكَّر الله -تبارك وتعالى- خلْقَه في مطلع هذه السورة؛ مطلع سورة السجدة، بأن هذا الكتاب تنزيل منه -سبحانه وتعالى-، قال {الم}[السجدة:1] {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[السجدة:2] {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- لِما أنزَل الكتاب، قال {........ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}[السجدة:3]، فالكتاب مُنزَل من الله -تبارك وتعالى- ليكون نذارة إلى قوم لم يأتهم نذير قبل هذا النبي -صلوات الله والسلام عليه-، لعلهم يهتدون؛ يتخذون طريق الهداية إلى الله –تبارك وتعالى-.
ثم عرَّف الله -تبارك وتعالى- العباد بنفسه -جل وعلا-، قال {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، وهذا أمر عظيم، فإن السماوات لا يُحيط عِلمًا بسعتها وقوتها وشدتها إلا الله -تبارك وتعالى-، وهذه الأرض مع صِغرها بالنسبة إلى السماوات إلا أنها فيها من عظيم صنع الله أمر عظيم جدًا؛ الماء، واليابسة، وما بثَّ الله -تبارك وتعالى- فيها من كل دابة، وكيف أقامها الله -تبارك وتعالى- فيما أقامها فيه، وأن معاييش الأرض فيها، وأنه نظَّم فيها كل هذه الأمور لحياة البشر عليها، فهذا أمر خلْق عظيم؛ الذي خلق السماوات والأرض، ثم أخبر -سبحانه وتعالى- بأن هذا كان في ستة أيام، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، فهو الرب -سبحانه وتعالى- المستوي على العرش، عرشه سقف مخلوقاته، فإذن هذا الإله المُهيمن الذي له المُلك كله، وهو الذي أحاط بهذا المُلك كله، وهو المستوي على عرشه -سبحانه وتعالى-، {مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ}، ليس لكم ولي غير الله -تبارك وتعالى-، لا أحد يواليكم من دونه، أن يكون لك ولي يواليك على الله؛ ينصرك عليه، ويُفلتك من قبضته، أو يحميك من عقوبته، أو يُنيلك من رحمته، دون أن يكون الرب -تبارك وتعالى- مُريدًا لذلك، هذا ما لك ولي دون الله -تبارك وتعالى-، {وَلا شَفِيعٍ}، يشفع لك عنده فيرفع عنك عذابًا، أو يُدخلك جنة، أو يُنيلك خيرًا، أو يدفع عنك أي ضُر، لا شفيع من دونه -سبحانه وتعالى-، {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}، أفلا تتذكَّرون ربكم الذي هذه صفته؛ هو الذي أنزَل هذا الكتاب، وهو الذي يخاطبكم.
ثم قال -جل وعلا- {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ}، الأمور كلها؛ كل الأمر الكوني القدري، أي حركة، أي سكون، إنما هي بأمره -جل وعلا-، يُدبِّر الأمر من السماء؛ حيث الرب -سبحانه وتعالى-، إلى الأرض؛ حيث البشر الذي أُنزِل إليهم هذا، {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}، كل مقادير وكل كتابة وكل أعمال الخلْق تُرفَع إلى الله -تبارك وتعالى-، يعرج إليه؛ تعرج الملائكة إليه -سبحانه وتعالى-، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}، أيام الله هذه، هذه أيام الله -تبارك وتعالى-، {ذَلِكَ}، هذا الذي يخبركم هذا؛ إشارة إلى الله، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}، الله عالم الغيب؛ كل ما غاب عنكم يعلمه، كل ما غاب عنَّا؛ والذي يغيب عنَّا أكثر من الذي نشاهده، الذي يغيب عنَّا من هذه السماوات، من هذه الأرض، بل من أنفسنا التي هي أنفسنا لا نعلم منها إلا المعلوم لنا، المعلوم لنا منها القليل، والغيب الذي يغيب عنَّا من أسرار الله -تبارك وتعالى- فيها الكثير، فكل ما غاب عنكم في السماوات والأرض يعمله -سبحانه وتعالى-، ولا غيب عليه؛ ما في غيب على الله -تبارك وتعالى-، كل شيء عند الله -تبارك وتعالى- شهادة، فلا تغيب عنه مثقال ذرَّة من خلْقه -جل وعلا-، من كل خلْقه لا يغيب عنه ولا يعزُب عنه ويغرُب عنه -سبحانه وتعالى- عن علمه مثقال ذرَّة مما في السماوات والأرض، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}، يعني ما تُشاهدونه، الشهادة بالنسبة إليكم، كل شيء بالنسبة إلى الله شهادة، لكن بالنسبة للمُخاطبين في شيء شهادة؛ ما يشاهدونه، ما يقع تحت حسِّهم، وأمَّا ما لا يقع تحت حسِّهم وتحت نظرهم فهذا غيب، فالله عالم الغيب؛ ما غاب عنكم، والشهادة؛ الذي تشاهدونه، كله الله -تبارك وتعالى- يعلمه، فلا تظنوا أن الله -تبارك وتعالى- غافل وغائب عنه شيء من مخلوقاته -جل وعلا-.
{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}[السجدة:6]، العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه شيء، كل خلْقه -سبحانه وتعالى- في قبضته؛ وتحت أمره وقهره، فهو الغالب لكل شيء ولا غالب له -سبحانه وتعالى-، الرحيم -سبحانه وتعالى- بعباده المؤمنين، هذه صفة رحمة في الله -تبارك وتعالى-، فالعزَّة هنا في مقابل الذي يظن أنه يُفلت من الله -تبارك وتعالى-، وأنه ينتصر عليه، وأنه لو وليٌّ من دونه، يعلم أن الله عزيز غالب؛ لا يغلبه أحدًا -سبحانه وتعالى-، والرحيم هذه صفة يُبشِّر الله -تبارك وتعالى- بها عباده المؤمنين؛ وأنه هو الذي يرحمهم -سبحانه وتعالى-، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:49] {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:50]، فالله هو العزيز الرحيم.
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}، هذا أيضًا من تعليم وتعريف الرب -تبارك وتعالى- عباده بذاته العليَّة وصفاته -سبحانه وتعالى-، فهو الذي أحسن كل شيء خلَقه؛ كل شيء خلَقه الله -تبارك وتعالى- قد أحسنه، من الذرَّة الصغيرة قد أحسن الله -تبارك وتعالى- خلْقها، النملة الصغيرة هذه لا شك أنها في تمام الخلْق بالنسبة إليها، الله خلَقها؛ ما في شيء هش ضعيف، كما يصنع الإنسان مرة صناعته وهي على قدر حال الإنسان، يصنع يجيء شيء حسن ويجيء شيء ثاني يطلع خَلَل في الصنعة، الله -تبارك وتعالى- لا خَلَل عنده في صنعة، بل كل شيء خلَقه إنما هو في تمام الخلْق، {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}، ومن هذا خلْق الإنسان؛ الذي خُلِق في أحسن تقويم بالنسبة إلى غيره من المخلوقات، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:4]، أحسن تقويم؛ يعني صورة من صور الخلْق، فهو أفضل من الطير، ومن الزواحف، ومن الحيوانات، أجمل صورة صوَّر الله -تبارك وتعالى- بها مخلوق صورة الإنسان، وكل مخلوق خلَقه الله -تبارك وتعالى- حتى وإن كان صورة نُسمَّيه صوره؛ لكنه في تمام الخلْق، صورة قد تكون صورة قبيحة؛ كالكلب، كالخنزير، كالنملة، كغيرها، كذوات المنقار، ذوات الريش، الزواحف، لكن كل شيء قد خلَقه الله -تبارك وتعالى- قد أتقن صنعه وأحسن صنعه –سبحانه وتعالى-.
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ}[السجدة:7]، بداية خلْق الإنسان كانت من الطين، هذا أبوهم أصل الإنسان؛ آدم -عليه السلام-، خلَقه الله -تبارك وتعالى- من طين هذه الأرض، تراب الأرض الذي أتى به جبريل رفَعه إلى الله -تبارك وتعالى- في السماء، عُجِن هذا الطين وخُمِّر حتى أصبح حمأ مسنون، سوَّاه الله -تبارك وتعالى- بيديه صورة الإنسان، نفخ الله -تبارك وتعالى- من روحه، كان آدم -عليه السلام- الذي خلَقه الله -تبارك وتعالى- هذا الخلْق المستقل، خلْق مستقل مو متدرج ما يقول الجاهلون؛ من أن خلْق الإنسان آدم متدرج، من الخلية الواحدة، إلى الحيوان الذي له عِدَّة خلايا، إلى الأسماك، إلى الفقاريات، إلى البرمائيات، إلى، إلى، إلى ...، إلى القرد، إلى الإنسان، تدرُّج في هذا الخلْق... لا، بل خلَق الله -تبارك وتعالى- الإنسان خلْق مستقل بدءًا بآدم -عليه السلام- الذي خلَقه الله؛ مادته من هذه الأرض، وقد صنعه الله -تبارك وتعالى- في السماء، خلَقه الله -تبارك وتعالى- بيديه في السماء، كما قال -تبارك وتعالى- للملائكة {........ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ}[ص:71] {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[ص:72] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}[ص:73] {إِلَّا إِبْلِيسَ}، فالله سوَّاه، قال -جل وعلا- {وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ}، جنس الإنسان، من طين؛ طين هذه الأرض وهو معروف، الطين هو التراب الذي يُخلَط بالماء فيكون طينًا.
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[السجدة:8]، جعل الله -تبارك وتعالى- نسل هذا الإنسان وهو تكاثره ينسل؛ يتكاثر منه، {........ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[السجدة:8]، السلالة؛ اللي هي الحلقة والسلسلة، تبدأ من الماء المهين؛ وهو ماء النُطَف، ماء النُطَف يحوِّله الله -تبارك وتعالى- إلى سلسلة في الخلْق حتى يكون إنسان، كما أخبر -سبحانه وتعالى- بأنه يكون نُطفة، فعَلَقَة، فمُضغَة، المُضغَة هذه تكون غير مُخلَّقة، ثم مُضغَة مُخلَّقة، ثم يُنشئه الله طفلًا عظام، تُكسى العظام باللحم، ثم ينشئه الله -تبارك وتعالى- نشئًا أخر، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، فهو سلالة؛ سلسلة مُتعاقبة من طور إلى طور، يُطوِّره الله -تبارك وتعالى- بدءًا من الماء المهين إلى أن يكون إنسان كامل الخلْق سوي، ويولد على هذا النحو طفل كامل الخلْق، وهذه قدرة عظيمة جدًا؛ قدرة الرب -تبارك وتعالى- أنه يُحوِّل هذا الإنسان، وفي هذه المدة البسيطة؛ تسعة أشهر، من الماء المهين؛ هذا ماء النُطَف، إلى أن يصبح خلْق أخر؛ إنسان، له إدراك، سمع، وبصر، وحياة، وقدرة، ثم يشِب إلى أن تكون فيه هذه القدرات، وقد غُرِست فيه هذه الملَكَات العظيمة؛ ملَكَة التعلُّم والعلم، وملَكَة تخزين هذه المعلومات، وملَكَة القدرة والإبداع والتخيُّل، كلها ملَكَات، في ملَكَة النطق؛ ينطق، فالإنسان بعد ذلك مختلف تمامًا عمَّا كان في بداية الخلْق، {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}[السجدة:8].
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ}، سوَّاه؛ آدم -عليه السلام-، {........ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[السجدة:9]، سوَّاه؛ التسوية هو تعديله على الصورة التي هو عليها، هذا كان في آدم ونفخ الله فيه من روحه، وكذلك كل نفس يسوِّيها الله -تبارك وتعالى- في رحم أمه، كما قال -تبارك وتعالى- {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ........}[آل عمران:6]، فالله يصوِّر؛ يخلُق الإنسان في الرحم كيف يشاء، فيُعطيه كل صفاته والله هو المصوِّر -سبحانه وتعالى-، فهو الذي يصوِّر كل إنسان منَّا وهو في رحم أمه، {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}، في هذه الظلمة يسوِّيك الله -تبارك وتعالى- إنسان، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6] {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7] {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8]، في أي صورة يشيئها الله -تبارك وتعالى- يُركِّبك في هذه الصورة، أقنَّى الأنف، مستقيم الأنف، أفطسه، العيون، ألوان العيون، كل شيء في صورة؛ الله -تبارك وتعالى- يُعطي كل إنسان صورته -سبحانه وتعالى- ولون جسمه، بل يُعطيه خلْق لا يمكن أن يتماثل مع خلْق الأخر في ذرَّة من ذرَّاته، أي ذرَّة من ذرَّات هذا الكيان لإنسان ما لا يمكن أن تتطابق مع أي ذرَّة من ذرَّات كيان أخر؛ يستحيل، الخلية هنا؛ مضمون هذه الخلية وداخلها، وشفرته الوراثية، تختلف عن كل خلية لإنسان أخر، هذا أمر عظيم ما يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى- خالق كل شيء.
{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[السجدة:9]، جعل؛ هنا الجعل بمعنى خلَق، خلَق الله -تبارك وتعالى- وصيَّر لكم بعد أن كنتم في بداية الخلْق ما لكم سمع ولا بصر، فالإنسان يُخلَق أول ما يُخلَق من هذه النُطفة؛ لا سمع له، ولا بصر له، ثم يجعل الله -تبارك وتعالى-؛ يُصيِّر الله -تبارك وتعالى- له هذه الأعضاء العظيمة، السمع بدأ الله -تبارك وتعالى- به لأنه أعظم وسيلة لنفع الإنسان، أفضل من كل شيء، أعظم شيء يتعلم به الإنسان هو السمع، والأبصار كذلك بعد السمع، والأفئدة؛ القلوب، {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، فالسمع والبصر هي منافذ المعرفة، والقلب هو موضع العقل والتفكير، قال -جل وعلا- {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، يعني لا تشكرون الله -تبارك وتعالى- إلا قليلًا، هذي النِعَم العظيمة، أنت يا إنسان ماذا كنت؟ كنت هذه النُطفة التي لم تكن شيء، نُطفة قذرة لا يقوم لها شيء، ثم إذا بها الله -تبارك وتعالى- يُرقِّيك هكذا، ويُنشئك هذه النشأة، ويُعطيك هذه الأمور العظيمة، هذه المقوِّمات العظيمة لك؛ سمعك، وبصرك، وقلبك، تكون إنسان أخر بهذه المقوِّمات العظيمة، ومع ذلك لا تشكر ربك -تبارك وتعالى-، {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، قليلًا منكم مَن يشكر الله -تبارك وتعالى-، أو قليلًا ما يحصل منكم الشكر لله -تبارك وتعالى-؛ فشكركم لله قليل، إن الذين يشكرون قِلَّة وهذا نعم، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، أو شكر الله -تبارك وتعالى- ممَن يشكر قليل كذلك بجوار هذه النِّعَم؛ التي هي نِعَم عظيمة، قليلًا ما تشكرون ربكم -سبحانه وتعالى-، وأصل الشكر هو الزيادة، والمقصود هنا بالشكر يعني اعترافكم بنعمة الله -تبارك وتعالى-؛ هذا شكْر القلب، وكذلك شكْر اللسان، ثم شكْر الأعمال، شكْر الأعمال؛ القيام بحق الرب -تبارك وتعالى- لِما أنعم به من هذه النِّعَم، {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}.
بعد أن عرَّف الله -تبارك وتعالى- العباد بنفسه على هذا النحو العظيم البديع؛ أنه ربهم، رب السماوات والأرض، الذي يُدبِّر الأمر من السماء إلى الأرض، وأن كل شيء من خلْقه إنما هو مُحكَم في قبضته، وأنه هو الذي أحسن كل شيء خلَقه، وبدأ خلْق الإنسان من طين وأنه هو صنعنا هذه الصناعة وأحيانا هذا الإحياء، قال -جل وعلا- مُبيِّنًا ضلال الكافر {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ........}[السجدة:10]، يعني عندما يكون الأمر على هذا النحو؛ من تعريف الله -تبارك وتعالى- بذاته العليَّة، وصفاته، وخَلْقه لهم على هذا النحو، ثم يأتي بعد ذلك الجحود والنكران من الإنسان الكافر، واستعظام أن يُعيده الله -تبارك وتعالى- مرة ثانية بعد أن يموت، يبقى الأمر بشع جدًا؛ هذا صدوره من الكافر في غاية البشاعة وفي غاية الفظاعة، وقالوا؛ أي الكفار، {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ}، ضللنا فيها؛ بمعنى اختفت وضاعت ذرَّاتنا في هذه الأرض، فالإنسان إذا مات تحلَّل بدنه، وتحلَّل جسمه، واختلطت ذرَّاته بهذه الأرض وضلَّت فيها، كما تقول العرب ((ضلَّ السمن في الطعام))، يعني السمن عندما يوضع في الطعام فإنه بعد ذلك لا يبقى مجموعًا كتلة واحدة، وإنما تتحرَّك أجزائه ويتناثر ويختلط في كل مكان في الطعام؛ فلا يكون ظاهر، فهم قالوا {أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ}، يعني اختلطت بالأرض لحومنا، وشحومنا، وشعورنا، وعظامنا، وأصبحنا خلاص ضعنا فيها، وأصبحنا لا شيء مجموع في مكان واحد.
{أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، سؤال من عندم للاستنكار والاستبعاد، يعني كيف يُعيدنا الله مرة ثانية ونكون في خلْق جديد؟ نُخلَق مرة ثانية خلْق جديد غير هذا الخلْق الأول، يقولون هذا استعظامًا على الرب، والحال أنهم لو علموا أن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلَقهم، وهو الذي أنشأهم، وخلَقهم من العدم، ما استعظموا مثل هذا ولكن هذا حال الإنسان الكافر المعاند؛ الذي يرى الآيات البيِّنات الواضحات، وأن هذا ليس بمُستعظَم على الله، وتأتيه أخبار الله -تبارك وتعالى- ويُكذِّب بكل ذلك، قال -جل وعلا- {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}، بل هم بلقاء ربهم كافرون وهذا دمغ للباطل، بل؛ إضراب لقولهم، {هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}، يعني أنهم كافرون بلقاء الله؛ بلقاء ربهم، ربهم هو الذي خلَقهم؛ كيف تكفر بربك الذي خلَقك؟ هو الذي خلَقك فكيف تستبعد هذا؛ أن يُعيدك لتلتقي به -سبحانه وتعالى-، فهذي مصيبتهم؛ أنهم بلقاء ربهم كافرون، والحال أنه لا يمكن للمخلوق أن يكفر بلقاء ربه، لمَّا يُقال له أنت ستلتقي بربك كان يجب أن يُزعِن لهذا، لأن هو ربي، هو الذي خلَقني، فإذن هو الذي يستطيع أن يُعيدني -سبحانه وتعالى-، والله يخبرهم بأنني سأُعيدكم وستُحاسَبون أمامي؛ ولكنهم مُنكِرون لهذا، قال {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ}.
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}[السجدة:11]، قُل لهم؛ ردًّا على استنكارهم، واستقباحهم؛ أن يُعيدهم الله مرة ثانية، قُل؛ لهم، {يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}، الوفاة والتوفية هي أخذ الشيء وافيًا، يتوفاكم يعني يقبِض أرواحكم ويأخذكم كاملين؛ يأخذ الروح كاملة، ما يترك لكم شيء، ملَك الموت؛ وهذا ملَك قد وكَّله الله -تبارك وتعالى-، هذا إخبار عن أن هناك ملَك وكَّله الله -تبارك وتعالى- بقبض أرواح العباد، {الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ}، وُكِّلَ؛ وكَّله الله -تبارك وتعالى- بكم، هنا الفعل مبني لِما لم يُسمَّى فاعله؛ والله -تبارك وتعالى- هو الذي وكَّله، {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}، ثم إذا قُبِضَت أرواحكم فترجعون إلى الله -تبارك وتعالى-، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- في بيان هذه الحقيقة؛ بيَّنها بالتفصيل في آيات أخرى من كتاب الله، هنا الأمر مُجمَل وقد فصَّله الله -تبارك وتعالى-، قال {........ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام:61] {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[الأنعام:62]، وقال {........ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:34]، يعني أن ملَك الموت إذا حان أجل هذا الإنسان؛ الذي كتَبَه الله وحدَّده الله -تبارك وتعالى-، وأن هذا لكل شيء حد، فإنه يأتي وليس هنا تفريط في قبض روح هذا العبد، لا تفريط؛ لا بإمهاله وقت ولا بأخذه قبل وقته، بل يقبِض روحه في الوقت الذي قدَّره الله -تبارك وتعالى- تمامًا؛ دون زيادة ودون نقص.
وقال -جل وعلا- {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}، وقد فصَّل النبي -صل الله عليه وسلم- رحلة هذه الرجعة إلى الله -تبارك وتعالى- للمؤمن والكافر، فقال -صل الله عليه وسلم- «إذا كان العبد المؤمن في إقبال من الآخرة وإدبار من الدنيا»، إقبال من الآخرة؛ خلاص مُقبِل على الآخرة، إدبار من الدنيا؛ آخر الدنيا، يعني آخر الدقائق واللحظات في حياته، «أتاه ملَك الموت فجلس عند رأسه، وأتته ملائكة معهم حنوط من الجنة وكفن من الجنة فجلسوا منه مدَّ بصره»، فهذا الوقت الذي يرى في الإنسان هؤلاء الملائكة ولا يستطيع أن يتكلم، خلاص يُحبَس لسانه لأنه خلاص مُقبِل؛ هذا في الاحتضار، «فيقول ملَك الموت لوحه أُخرجي أيتها الروح الطيبة التي كانت تسكن في الجسد الطيب؛ فتخرج»، يقول النبي «تفيض كما تفيض القطرة من فَيَّ السِقاء»، يعني كما تنزل قطرة الماء من فم القِربة، السِقاء؛ القِربة، يعني بسهولة ويُسْر، «فلا يدعونها في يده طَرفَة عين»، يعني ملائكة الرحمة وهو ينتزعها ما يتركوها طَرفَة عين؛ يأخذوا هذه الروح، «فيُحنِّطوها بهذا الحنوط»، هذه الرائحة الطيبة، «ويُكفِنوها بهذا الكفن»، الذي معهم من الجنة، «ثم يصعدون بها إلى السماء، كلما مرُّوا على ملأ من الملائكة؛ قالوا روح مَن هذا الطيب؟»، تَشُم الملائكة رائحة من أعظم ومن أجمل ما شُمَّ في الأرض، يقول النبي «فيجدون له من الريح كأجمل ريح مسك وجِدَ على ظهر الأرض، فيقولون روح مَن هذا الطيب؟ فيقولون روح فلان ابن فلان، بأطيب أسمائه التي يُسمَّى بها في الدنيا، ثم كلما استفتحوا سماء فُتِحَت لهم إلى السماء التي فيها الله، فيقول الله -تبارك وتعالى- ردُّوا روح عبدي إليه، فإني منها خلَقتهم، وفيها أُعيدهم، ومنها أُخرجهم تارة أخرة»، ثم تُرَد روحه إلى قبره فيأتياه ملَكان فيجلسانه، ويقولون له مَن ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في هذا الرجل؟ فيقول ربي الله، وديني الإسلام، وأقول أن هذا الرجل آتانا بالهدى من ربنا فآمنا وصدَّقناه، فيُنادي منادٍ من السماء أن قد صدق عبدي، صدق عبدي؛ هذا الكلام الذي قاله هذا المؤمن، وهذا من تثبيت الله -تبارك وتعالى-، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:27]، ثم يُفتَح له باب وهو في قبره إلى الجنة، يُقال له هذا مقامك يوم يبعثك الله؛ فيرى مقامه في الجنة، يقول ربي أقم الساعة حتى أرجع إلى ما لي؛ إلى أهلي ومالي، فيُقال له نم نومة العروس التي لا يوقظها إلا أحب أهلها إليها، فهذه رحلة روح المؤمن بعد الموت.
ثم أخبر النبي برحلة روح الكافر والمنافق بعد الموت، قال «وإن العبد المنافق والكافر إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة أتاه ملَك الموت فجلس عند رأسه، وأتاه ملائكة معهم حنوط من النار وكفن من النار فجلسوا منه مدَّ بصره، سود الوجوه»، يخبر النبي يصف هؤلاء الملائكة ويقول سود الوجوه، معهم حنوط من النار، حنوط؛ رائحة من رائحة النار -عياذًا بالله-، وكفن من النار، وجلسوا منه مدَّ بصره، «فيقول ملَك الموت لروحه أُخرجي أيتها الروح الخبيثة، كانت تسكن في الجسد الخبيث، فتتفرق في بدنه»، تخاف منه وتَفْرُق وتتفرَّق في بدنه، قال النبي «فينتزعها كما يُنتزَع السَّفود من الصوف المُبتَل»، يعني ينتزعها بشدة مثل ما تنزِع السَّفود؛ اللي هو سيخ اللحم إذا كان في صوف مُبتَل، الصوف إذا إبتل فإنه تتمدَّد فتائله وتشتد، فينتزعها بهذه الشدة من أعضائه، ثم يقول النبي -صل الله عليه وسلم- «فلا يدعونها»، يعني لا تدع ملائكة العذاب هذه الروح في يده طرفة عين، «حتى يحنِّطوها بهذا الحنوط، ويُكفنونها بهذا الكفون، ثم يصعدون بها إلى السماء، كلما مرُّوا بها على ملأ من الملائكة شمُّوا كأنتن رائحة جيفة وجِدَت على ظهر الأرض، فيقولوا روح مَن هذا الخبيث؟ فيقولون هذه روح فلان ابن فلان، بأخبث أسمائه التي يُسمَّى بها في الدنيا، ثم إذا أتوا به إلى السماء الدنيا قُفِلَت السماء في وجوههم»، وتلى النبي قول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ}[الأعراف:40]، فعند ذلك يُلقيها؛ يعني الملائكة يُلقوا روح هذا العبد إلقاءً من السماء للأرض، وتلى النبي قول الله -تبارك وتعالى- {........ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}[الحج:31]، «ثم تُرَد روحه إلى قبره فيُجلَس وتسأله الملائكة، مَن ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في هذا الرجل؟ فيقول ها ها؛ لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقولته،فيُقال أن كذَب عبدي، فأفرشوا له فراشًا من النار، وافتحوا له بابًا من النار، يُقال له هذا مكانك»، يرى مكان في النار؛ الذي سيكون فيه يوم القيامة، «ويقولوا له هذا مكانك يوم يبعثك الله، فيقول ربي لا تُقِم الساعة، ربي لا تُقِم الساعة»، فهذه رحلة هذه الأرواح إلى الله -تبارك وتعالى-، {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}[السجدة:11]، هذا رجوع الأرواح، ثم يكون رجوع الأجساد والأرواح كاملة بعد ذلك في يوم القيامة إلى الله -تبارك وتعالى-.
نقف هنا والحمد لله رب العالمين، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.