{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}[السجدة:18] {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:19] {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[السجدة:20] {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[السجدة:21] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة:22]، بعد أن ذكَر الله -تبارك وتعالى- حال أهل الكفران وحال أهل الإيمان إذا ذكِّروا بآيات الله -تبارك وتعالى-، فالكافر جاحد بآيات الله -تبارك وتعالى- ومُعاند لها، ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- كيف سيكون حاله يوم القيامة، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ}[السجدة:12]، قال -جل وعلا- {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة:13] {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[السجدة:14]، هذا حال هؤلاء الكفار في الدنيا؛ كِبرًا وعنادًا، وفي الآخر ذلًا وصَغارًا وإلقاءً في النار وتركًا لهم؛ ترك سرمدي أبدي لا ينقطع.
أما حال أهل الإيمان فقال -جل وعلا- {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}[السجدة:15] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[السجدة:16]، فهذا حالهم في الدنيا؛ خوف من الله -تبارك وتعالى- وخشية له، واستجابة لأمره؛ فبمجرد أن تتلى عليهم آيات الله -تبارك وتعالى- يخرون للأرض ساجدين لله -تبارك وتعالى-، فهم في الدنيا ذليلون لربهم، خاضعون له -سبحانه وتعالى-، خائفون من عقوبته، طامعون في جنته، ثم انظر بعد ذلك ما ادَّخره الله -تبارك وتعالى- لهم في الآخرة، قال -جل وعلا- {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:17]، هذا حالهم في الآخرة، حالهم في الآخرة السرور البالغ والعطيَّة، ينتظرهم عطايا أخفاها الله -تبارك وتعالى- ولم يطلع عليها أحدًا من خلْقه، هذي غير الجنة، غير الجنة، والحور، والقصور، والدور، كل هذا قد أعلم الله -تبارك وتعالى- به عباده المؤمنين وواعدهم به، لكن لهم مفاجأة ما يُطَّلَع عليها إلا في هذا اليوم، الله يقول هذي لهم يوم القيامة، ثم قال -جل وعلا- {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}[السجدة:18]، لا يمكن عند الله -تبارك وتعالى- في الميزان أن هذا المؤمن الذي كان هذا حاله في الدنيا؛ الخوف من الله -تبارك وتعالى-، وسجودًا له، وإنفاقًا من ماله في سبيل الله -تبارك وتعالى-، أن يكون كهذا المجرم؛ الذي كان يشمَخ بأنفه ويتعالى، ويستبعد أن يُعيده الله -تبارك وتعالى-، ولا يرجوا أن يلتقي مع الله -تبارك وتعالى- وأن يُحاسَب على عمل، ما كان يرجوا هذا ولم يجعل لله وقارًا، كيف يكون هذا مثل هذا؟ قال -جل وعلا- {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا ........}[السجدة:18]، خارج عن طاعة الرب، {لا يَسْتَوُونَ}.
ثم بعد ذلك ذكَر الله -تبارك وتعالى- مصير هذا وهذا، قال {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:19]، {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، هذا للكل، ذاك للطائفة العليا؛ اللي هم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[السجدة:16] {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ........}[السجدة:17]، لكن عموم أهل الإيمان {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، والله -تبارك وتعالى- دائمًا يقرن بين الإيمان والعمل الصالح للجزاء، لا جزاء عنده -سبحانه وتعالى- إلا باقتران الإيمان مع العمل الصالح، الإيمان عمل القلب، تصديق القلب وعمله؛ من مخافة الله -تبارك وتعالى- وتقواه، ثم العمل الصالح؛ عمل الجوارح، الذي يظهر على الجوارح؛ من قيام وقعود لله -تبارك وتعالى-، ونفقة، وحج، ها دي أعمال الجوارح، {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى ........}[السجدة:19]، جنات؛ بساتين، المأوى؛ المأوى الحقيقي، المكان الذي يُئوى إليه ويُرتاح فيه، وخلاص يُلقي المؤمن هناك بقى عصا التسيار، وهذا مكان الذي يأوي إليه ويرتاح فيه، جنات المأوى؛ جنات عند الله -تبارك وتعالى-، جنات عرضها السماوات والأرض، {الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، نُزُلًا؛ ضيافة، نُزُل الله -تبارك وتعالى- يُقدِّمها له، النُزُل هو ما يُقدَّم للضيف لينزل فيه وليتمتَّع به؛ وهذه أمر الله -تبارك وتعالى-، نُزُلًا قال -جل وعلا- {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، بسبب عملهم الصالح، بأسباب عملهم الصالح فإن الله -تبارك وتعالى- أنزَلهُم هذا المنزِل، وجعل لهم هذه الجنات؛ هذه البساتين، يأوون إليها ويمكثون فيها.
{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ}، {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا}، الفسْق؛ الخروج عن الطاعة، الذين خرجوا عن طاعة الله -تبارك وتعالى- فمأواهم النار، مأواهم؛ مُستَقرهم، وإلا فالنار لا يمكن أن يأوي إليها الإنسان ليرتاح فيها، إنما هي خلاص مُستقَر؛ ده سجن، لكن هو مأواه بمعنى أنه مُستقَر ومكانه الذي يبقى فيه، ويُحبس فيه، ويُقفَل عليه، {فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}، كلما أرادوا أن يخرجوا منها؛ بأي إرادة، يخرجوا منها بالاستغاثة ويدعوا الله -تبارك وتعالى-؛ ما في فائدة، يُقال لهم إنكم ماكثون، بالبحث عن مخرج؛ منفَث، يصعدون؛ جاء أنهم يصعدون إلى جبال في النار -عياذًا بالله-، ثم إذا صعدوا ليستشرفوا شيء يأتيهم الملَك، فيضربهم بالمقرعة؛ يُقرَع على رأسه، كما قال -جل وعلا- {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}[الحج:21] {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا ........}[الحج:22]، الغم الذي يغمُّهم، والضيق الذي يأخذ بتلابيبهم؛ كونهم في النار، يحاول الخروج فيأتيه المقمع على رأسه، فيُعاد إلى حيث كان في قعر النار -عياذًا بالله-، {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا}، يُرجَعون مرة ثانية، ويُترَك لهم هذه الفرصة للمحاولة واليأس، والمحاولة واليأس، وهكذا ...، ليكون هذا أشد لعذابهم -عياذًا بالله-، {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}، تقول لهم الملائكة؛ ملائكة النار، تُقرِّعهم وتُبكِّتهم، ذوقوا عذاب النار؛ قاسوها، قاسوا حرَّها، وهم سيذوقوا عذاب النار بكل كيانهم؛ كل شعرة في بدنهم، وكل خلية في جسدهم، فالنار تشتعل في كل أجسادهم، {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، وكذلك النار في بطونهم؛ بطونهم تغلي كغلي الحميم، والنار في كل ذلك، {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ}، يعني تُعذَّبون بالنار في كل جزئية من جزئياتها؛ قاوسوه، {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}، هذا عذاب النار هو الذي كنتم به؛ كنتم بهذا العذاب تُكذَّبون، تقولوا ما نُعَذَّب؛ كُبرًا ، وعلوًا، واستكبارًا، أو استباعدًا؛ أن هذا لا يمكن أن يكون، فيقول لهم هذا هو العذاب الذي كنتم تُكذِّبون به؛ ذوقوه، ذوقوا حرَّه بسبب تكذيبكم لهذا العذاب، وتكذيب؛ جائكم الخبر الإلهي من الله -تبارك وتعالى-، خطاب يخاطبكم به، ويحذِّركم، ويُنذركم، ويُقيم لكم آلاف الأدلة والبراهين على أن هذا حق، ولكنكم استكبرتم عن هذا، وتركتموه، وشمختم به؛ فذوقوه الآن هذا هو.
ثم قال -جل وعلا- {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[السجدة:21]، ولنُذيقنَّهم؛ تأكيد هذا، باللام وبالنون؛ نون التوكيد، {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى}، الآن، العذاب الأدنى؛ الأقرب، دون العذاب الأكبر؛ عذاب يوم القيامة، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، يخبر -سبحانه وتعالى- أنه سيُذيق هؤلاء المكذِّبين؛ بالبعث، والنشور، والحساب، سيُذيقهم عذابًا دون ذلك العذاب الأكبر؛ عذاب في الدنيا، أمراض، أسقام، زلازل، براكين، آفة تأتيهم، ليعلموا قدرة الرب -تبارك وتعالى- عليهم، وأنهم هم ليسوا آلهة هذا الكون، وهم أربابه، وهم آلهة هذه الأرض، بل إنهم خلْق ضعيف مخلوق، وأن هناك رب؛ أكبر منهم، وأقوى منهم، وهو خالقهم، وهو بارئهم -سبحانه وتعالى-، فإذا رأوا شيئًا من العقوبة عادوا ربما إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، واستجابوا له، وتراجعوا عن ذنوبهم، وآمنوا به -سبحانه وتعالى-، ورجعوا إليه، فهذه حكمة منه -سبحانه وتعالى- ورحمة، يعني رحمة من رحماته؛ أن يُصيبهم ببعض هذا العذاب القليل في هذه الدنيا، بما كسبت أيديهم من جهة ولعل هذا أن يُذكِّرهم بالله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {........ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[الأعراف:94]، لعلهم يضَّرَّعون إلى ربهم -سبحانه وتعالى-، ويرجعوا إليه، ويُقْلوا عن ذنوبهم هذه وعن كِبرهم وعنادهم.
ثم قال -تبارك وتعالى- مُبيِّن حتى لا يقول قائل شنو تُعذِّبهم هذا العذاب؟ ولِما تجعل لهم هذا الخلود على هذا النحو؟ قال -جل وعلا- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}[السجدة:22]، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ........}[السجدة:22]، سؤال يُراد به التقرير، أيُّ المخلوقات أظلم ممَن ذُكِّر بآيات ربه؟ جائته آياتنا تُذكِّره ثم أعرض عنها، آيات مَن؟ آيات ربه، آيات خالقه، رازقه، اللي خلَقه، اللي سوَّاه، اللي رزَقه، الذي كل مصيره وأموره بيده -سبحانه وتعالى-، ثم هو يُكذِّبه، ويكفر به، ويُعرِض عنها، يأتيه رسالة الرب؛ الله -تبارك وتعالى- يرسل له رسالته وكلامه، يقول له تذكَّر، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}[الانفطار:6] {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}[الانفطار:7] {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}[الانفطار:8]، {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:6]، إعلم هذا، يُذكِّره هذا التذكير، ويقول {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21] {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22]، مَن أكبر إجرام وظلم؟ من إنسان تأتيه هذه الآيات تُذكِّره بالله -تبارك وتعالى-، بربه وخالقه، ويقول لا؛ ما أقبل، ولا يرضى بهذا، فيه أكبر من هذا؟ فقال -جل وعلا- {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}، إنَّا؛ الله -سبحانه وتعالى-، من المجرمين؛ صانعوا الإجرام، ما في إجرام أكبر من هذا، {مُنتَقِمُونَ}، الانتقام؛ العقوبة، العقوبة التي تأتي عقب هذا الذنب؛ فالله ينتقم منه، فهذا الذي جائته آيات الله -تبارك وتعالى-، وقُدِّمَت له على هذا النحو، ودُعيَّ إلى ربه -سبحانه وتعالى- فلم يستجيب، واستكبر، وعاند، ورفض، فهذا لابد أن تأتيه عقوبة الرب -تبارك وتعالى-، {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}.
ثم قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}[السجدة:23] {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:24]، هذه مواساة للنبي محمد -صلوات الله السلام عليه-، والذي كان ينزل عليه هذا القرآن، ويقرأه على الناس، ويدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى-، ويُقابَل بالجحود وبالنكران وبالتكذيب، الله يواسيه، ويُعزِّيه -سبحانه وتعالى-، ويُبيِّن له أنه كشأن إخوانه من الأنبياء والمرسلين، قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}، لقد آتينا موسى الكتاب؛ فالله -تبارك وتعالى- هو الذي آتى موسى الكتاب، الكتاب؛ اللي هو التوراة، ومثل هذا أنزَل الله -تبارك وتعالى- كتابه القرآن على محمد -صلوات الله والسلام عليه-؛ فليس بدعًا من الرُسُل كما ادَّعوا، {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ........}[الأحقاف:9]، أنا لست رسولًا لم يكن هناك في الأرض رسولًا إلا أنا... لا، إنما أنا رسول كشأن من سبقني من المرسلين، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}، قال -جل وعلا- {........ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}[السجدة:23]، فلا تكن؛ يا محمد، في مِرية؛ في شك، من لقائه؛ قيل من لقائه من لقاء موسى، أنه يلتقي به هو الأنبياء؛ يلتقون عند الله -تبارك وتعالى-، وجعلناه؛ أي الكتاب هُدىً لبني إسرائيل، أو قالوا لا تكن في مِرية من لقائه؛ من لقاء الكتاب، يعني أن الله -تبارك وتعالى- مُنزِل كتابه على رسوله محمد -صل الله عليه وسلم-، كما أنزَل الكتاب من قبل؛ وهي التوراة على موسى -عليه السلام-، {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ}، أي التوراة هُدىً لبني إسرائيل.
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:24]، {وَجَعَلْنَا}، الجعل؛ التصيير، منهم؛ من بني إسرائيل، أئمَّة؛ قادة، الأئمَّة جمع إمام، والإمام هو الفرد المُقتدى به، يعني قادة يُقتدى بهم في الخير والهدى، {يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، يهدون؛ يُرشِدون، يُرشِدون الناس بأمر الله -تبارك وتعالى-، بأمرنا؛ بأمرنا لهم بهذا، أو بأمرنا؛ بأوامرنا التي يُنزِلها الله -تبارك وتعالى-، فيهدون الناس إلى اتِّباع هذه الأوامر، {لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، عندما صبروا على ما أوذوا به؛ على المِّحَن الشديدة التي لاقوها، {وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، وكانوا؛ أي هؤلاء الأئمَّة من بني إسرائيل الذين اختارهم الله -تبارك وتعالى-، كانوا بآيات الله -تبارك وتعالى- يوقنون؛ يؤمنون إيمان لا يُداخله شك، فاليقين هو نهاية التصديق، التصديق الحقيقي يُصبح فيه الأمر الغيبي كأنه شهادة يوقن بها، فهم موقنون بلقاء الله -تبارك وتعالى-، وبجنته، وبرضوانه، وبجزائه -سبحانه وتعالى-، ويوقنون بغيبه، فهذه الآيات تأسية وعزاء للنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-.
ثم قال -جل وعلا- {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[السجدة:25]، إن ربك؛ يا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-، هو؛ تأكيد بالضمير حتى لا يدخل الأمر هذا فيه شك، وأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي سيتولَّى حساب عباده بنفسه -سبحانه وتعالى-؛ ولن يوكِّل أحدًا غيره ليقوم بذلك، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[السجدة:25]، {هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ}، الفصل هو الحُكم، يفصل بينهم؛ يحكم بينهم، بين كل خلْقه -سبحانه وتعالى-؛ بين كل المختلفين، كل المختلفين؛ الرسل وأهل الإيمان من جهة، ومَن عاندوا الرسل وكفروا به من جهة، وكل الذين اختلفوا بعد ذلك؛ من المؤمنين الذين اختلفوا بعد رسلهم، فإن كل هؤلاء الله -تبارك وتعالى- هو الذي سيفصل في كل هذه الخصومات وفي كل هذه الخلافات والاختلافات، الله -تبارك وتعالى- هو الذي يحكم فيها؛ ويُعطي كل ذي حقٍ حقَّه، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ........}[السجدة:25]، يوم القيامة؛ اليوم الذي أعدَّه الله -تبارك وتعالى- لهذا الفصل، اللي هو يوم الفصل، وسُمِّي يوم القيامة لأن الناس فيه يقومون بين يدي ربهم -سبحانه وتعالى-، فيما كانوا فيه يختلفون؛ في كل الذي كانوا يختلفون فيه، كل ما كان يختلف فيه البشر؛ سواء كان هذا الاختلاف في حقيقة الرب -تبارك وتعالى-، في توحيده، فيما يجب له، فيما يمتنع عليه، أو في شِرعته ومِنهاجه، أو في أي خلاف؛ حتى الخلاف بين مؤمن ومؤمن، كل هذا الخلاف في النهاية الحُكم فيه لله -تبارك وتعالى-، الله الذي سيحكم بين عباده في الصغير والكبير، ما في أمر اختلفوا فيه إلا والحُكم فيه بعد ذلك لله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[السجدة:25].
ثم بعد ذلك مواعظ من الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المُكذِّبين في هذه السورة، يقول لهم الله -تبارك وتعالى- {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ}[السجدة:26]، {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}، يعني يُرشِدهم ويُبيِّن لهم الحق، {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ}، يعني إهلاك هذه القرون السابقة ألا يكون نذيرًا لهم، هداية لهم إلى طريق الله -تبارك وتعالى-، فإن في إهلاك هذه القرون؛ إهلاك الله -تبارك وتعالى- لها، يجب أن يكون موعظة وذِكرى وهداية للمتأخرين منهم، يقولوا شوف انظر؛ كيف فعل الله -تبارك وتعالى- في هؤلاء المُكذِّبين؟ لا ينبغي أن نكون مثلهم حتى لا يُعاقِبنا الله -تبارك وتعالى- عقوبتهم، فينبغي أن تكون هذه موعظة؛ ذِكرى لهم، هُدى لهم، أمر من الأمور العظيمة يهديهم إلى طريق الحق، {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ}، قال -جل وعلا- {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}، يعني ماهو هذه القرون مُغيَّبة؛ هم، وأرضهم، ومساكنهم، مُغيَّبة بالكل، ما شافوها وإنما فقط سمعوا عنها، بل هم يرون آثارهم، الله يقول {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ}، مشي؛ تمشي في مساكنهم، كما يمشون في الأرض التي أهلك الله -تبارك وتعالى- فيها ثمود؛ الحِجر، والأرض التي أهلك الله -تبارك وتعالى- فيها عاد؛ الأحقاف، والأرض التي أهلك الله -تبارك وتعالى- فيها قوم فرعون؛ في مصر، والله التي أهلك الله -تبارك وتعالى- فيها قوم شُعيب أصحاب الأيكة؛ في الأردن، فهذه أراضي موجودة وبعض مساكن القوم مازالت قائمة وشاهدة وموجودة، فرؤيتهم لهذه الأمور ما تكون لهم سبب للهداية إلى طريق الرب -تبارك وتعالى-، وأن يتعظوا ويرجعوا إلى عقولهم وإلى فهمهم، وأن يعلموا أن الله -تبارك وتعالى- الذي أهلك هذه القرون هو قادر على إهلاكهم -سبحانه وتعالى- إذا فعلوا مثلهم؛ وأنه الحساب واحد، فمادامت الجريمة واحدة فلابد أن تكون العقوبة واحدة، فكيف يسيرون سير هؤلاء المُكذِّبين؟! ألا يخافوا أن يُنزِل الله -تبارك وتعالى- بهم العقوبة كما أنزلها بهؤلاء السابقين؟.
{أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ........}[السجدة:26]، علامات ودلالات واضحات، إن في ذلك؛ يعني في إهلاك الله -تبارك وتعالى- لهذه القرون وبقاء هذه الآثار، آيات؛ آيات أولًا على أن سُنَّة الله -تبارك وتعالى- جارية في خلْقه، على قدرة الله -تبارك وتعالى- على الخلْق، على إنزَال الله -تبارك وتعالى- العقوبة في مَن يشاء، على إنجاء الله -تبارك وتعالى- مَن أنجى من أهل الإيمان، كل هذه آيات ودلالات واضحات على هذا الأمر؛ على صراط الله -تبارك وتعالى-، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ}، أليس لهم سمْع؟! إن هذي كلام الله -تبارك وتعالى-، سؤال للتعجُّب؛ للتعجيب من حال هؤلاء المُكذِّبين، أفلا يسمعون؛ أليس عندهم سمْع؟! يسمعون كلام الله -تبارك وتعالى- ويتذكَّرون هذا.
ثم قال -جل وعلا- {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ}[السجدة:27]، هذي آية كذلك من آيات الخلْق وقدرة الرب -تبارك وتعالى-، أولم يروا؛ قد رأوا، أنَّا نسوق الماء؛ بالسحاب يسوقه الله -تبارك وتعالى-، رياح تُثير السحاب، يُصعِده الله -تبارك وتعالى- في طبقات الجو، يدفعه الله -تبارك وتعالى- بالرياح إلى حيث يشاء، فيُساق السحاب يحمل ملايين الملايين من أطنان الماء، فيسوقه الله -تبارك وتعالى- ويُنزِله الله -تبارك وتعالى- مطرًا على الأرض، {إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ}، الجُرُز؛ الجافة، الجلدة، التي لا نبْت فيها، {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ}، عندما ينزل المطر على هذه الأرض الجُرُز يُخرج الله -تبارك وتعالى- منها زرع، تأكل منهم أنعامهم؛ بهيمة الأنعام، اللي هي الثمانية أزواج المعروفة؛ من الإبل، والبقر، والغنم، {تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ}، وأكل الأنعام فيه ما فيه من الخير بعد ذلك؛ من الدَّر، واللحم، والصوف، والوبر، والشعر، وأنفسهم؛ هم يأكلون كذلك من هذا، وهذي فيه آيات عظيمة؛ أول شيء على قدرة الله -تبارك وتعالى- على تسيير هذه المخلوفات العظيمة على هذا النحو، قدرته على إنشاء السحاب، وعلى رفعه في السماء، وعلى تيسيره في الأرض، وعلى إنزَاله بهذه الطريقة الحكيمة؛ قطرات تنزل، ثم على أن يُحوِّل هذه الأرض الجُرُز؛ من أرض جافة جلدة ميتة إلى أرض حية، تُخرِج هذا الزرع الذي تعيش عليه هذه الممالك كلها؛ المملكة الحيوانية، والإنسان يعيش به، فحياة تُحيي عالم وعالم؛ عالم النبات، وعالم الحيوان، وعالم الإنسان، فأليس هذا واعظًا لهم ومُذكِّرًا لهم على قدرة الرب –سبحانه وتعالى-؟! وأن الذي يصنع هذا الصنيع لا يمكن له أن يُعيد الأجساد مرة ثانية وأن يُحيي الموات -سبحانه وتعالى-؟! قال –جل وعلا- {أَفَلا يُبْصِرُونَ}، يعني هذه الآيات الموجودة على هذا النحو، أفلا يُبصرونها؟ سؤال كذلك للحض وللتعجيب من حال هذا الكافر؛ الذي يعمه هذا العمَه، {أَفَلا يُبْصِرُونَ}.
ثم قال -جل وعلا- {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[السجدة:28]، هذا آخر ما عندهم، عندما يُذَكَّرون بكل هذه الآيات يستبعدون وقوع يوم القيامة؛ وهذا البعث، وهذا النشور، وهذا الفصل بين الناس على هذا النحو، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ ........}[السجدة:28]، الفتح؛ الحُكم، متى يحكم الله -تبارك وتعالى- هذا الحُكم؟ ويُحوِّل الناس هكذا؛ ناس إلى الجنة وناس إلى النار كما تدَّعون، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، يقولون هذا للنبي -صل الله عليه وسلم-، يعني إن كنت صادقًا فمتى يكون هذا؟ يعني الذي تُحدِّثنا عنه وتُخبرنا به؛ من يوم القيامة، وناس تدخل الجنة، وناس تدخل النار، و، و، و ...، قال -جل وعلا- {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ ........}[السجدة:29]، قُل لهم يوم الفتح هذا، يوم الحُكم؛ الذي يحكم الله -تبارك وتعالى- فيه بين العباد، الذين كفروا لا ينفعهم الإيمان، هتؤمنوا في هذا اليوم بالله لكن لا ينفعكم إيمانكم، {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ ........}[السجدة:29]، في هذا اليوم، {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}، ولا هم يُنظَرون؛ يُمهَلون، وإنما يؤخذون رأسًا إلى النار، فما في مهلة؛ يعني لا مهلة لهم، يعني لا يُعطَوا مهلة وإنذار؛ سنة، سنتين، ألف، ألفين، يراجعوا فيه النفس، ارجعوا فيه إلى الله، توبوا فيه إلى الله، ما في مهلة، {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}، يعني يُمهَلون، بل إنه من البعث إلى الموقف والحشر إلى الدز إلى النار -عياذًا بالله-، فلا مهلة لهم وإنما يُساقون سوقًا إلى النار -عياذًا بالله-.
ثم قال -جل وعلا- بعد ذلك {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ}[السجدة:30]، فأعرض عنهم؛ اتركهم، الإعراض؛ إعطائهم العرض، لأن هؤلاء المُكذِّبين على هذا النحو؛ الذين تُساق لهم الآيات، ويُذَكَّرون بالله -تبارك وتعالى- هذا التذكير، ولا يؤمنون اتركهم؛ ارتكهم بعد هذه المقالة {........ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[السجدة:28]، عندما يقولون هذا استبعادًا واستكبارًا، قال -جل وعلا- {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ ........}[السجدة:30]، فتْح الله -تبارك وتعالى-، وحُكم الله -تبارك وتعالى-؛ الذي سيحكم به بين العباد، {إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ}، رغمًا عنهم فهم مُنتَظِرون، {إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ}، مو فقط انتظار تَوَقُّع من أن يقَع يوم القيامة... لا، وإنما هم أصلًا قاطعين الأمل وقاطعين الرجاء في أن يكون هناك يوم قيامة، لكن هم مُنتَظِرون رغمًا عنهم، هم سيبقون وسيأتيهم الفتْح، ولكن يوم الفتْح كما قال الله -تبارك وتعالى- {لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ}، ما هينفعهم الإيمان في هذا اليوم.
بهذا تنتهي هذه السورة العظيمة؛ سورة السجدَّة، وقد ذكَرنا أن النبي كان يقرأها في كل فجر يوم جمعة؛ كل فجر جمعة كان يقرأها في الركعة الأولى، ويقرأ في الركعة الثانية الإنسان، وقعد علِمنا ما في هذه السورة من المواعظ العظيمة البليغة، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما فيها، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.