الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (516) - سورة الأحزاب 35

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

يقول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:35]، هذه الآية الجامعة جائت في ختام هذا الفاصل من سورة الأحزاب، والتي بدأ الله -تبارك وتعالى- بتوجيه خطابه -جل وعلا- إلى نساء النبي، وأمرهُنَّ -سبحانه وتعالى- بمجوعة من الأوامر العظيمة ليؤهلهُنَّ ليكُنَّ المنارة المشرقة لأمة الإسلام، بدءًا من قول الله -تبارك وتعالى- لهُنَّ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[الأحزاب:30] {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}[الأحزاب:31] {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[الأحزاب:32] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33] {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}[الأحزاب:34]، ختم الله -تبارك وتعالى- هذه الآية التي جمع الله -تبارك وتعالى- فيها عشر صفات من صفات أهل الإيمان؛ جمعت شُعَب الإيمان تقريبًا كلها، ونص الله -تبارك وتعالى- على الرجال والنساء فيها، ثم ختمها بقوله {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ}، أي للجميع؛ رجالًا ونساءً، {مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}، ذكور وإناث، وإن كان لفظ الجمع للمُذكَّر يدخل فيه المؤنَّث، لكن ذِكر الله -تبارك وتعالى- للمؤنَّث بعد ذلك لتخصيص المعنى وذِكره، وإن كان مذكور في الأمر الذي يدخُلنَّ فيه؛ العام، لكن هنا ذكرهُنَّ كذلك بالإسم الظاهر ليكون هذا معلوم؛ أن الرجال والنساء بالإسم الظاهر كذلك داخلين في هذا الأمر، وإلا فإن جماعة النساء تدخل مع جماعة الرجال في الخطاب الواحد؛ إذا خُوطِب الرجال يدخل فيه النساء، كما في قول الله -تبارك وتعالى- عن الملكة بلقيس {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}، لم يقل كافرات، وقال عن مريم –عليها السلام- {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}، القانتين؛ جمع مُذكَّر سالم، من القانتين ما قال من القانتات لأن المؤنَّث يدخل في جموع التذكير، لكن هنا ذكر الله -تبارك وتعالى- جموع التذكير والتأنيث لتأكيد هذا الأمر وبيانه، وخاصة أن هذا في ختام خطاب الله -تبارك وتعالى- لنساء النبي -صل الله عليه وسلم-، أول وصف؛ اللي هو المسلمين والمسلمات، الإسلام بمعنى الاستسلام والانقياد، {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}، يعني المُنقادين من الرجال والنساء لله -تبارك وتعالى-، الانقياد؛ الاستسلام لله -تبارك وتعالى-، الاستسلام هو انقياد لله -تبارك وتعالى-، وهو إسلام القلب {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}، وإسلام الجوارح لله، وبداية الإسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأركان الإسلام هي القيام بهذه الأركان التي بُنيَ عليه الإسلام حتى يكون الإنسان مسلمًا، وهي عمل ظاهر؛ من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمَن استطاع إليه سبيلًا، هذا وصف الإسلام.

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، إذا اجتمع الإسلام والإيمان في الذِكر فالإيمان يختص بأعمال القلوب، والإسلام يختص بالأعمال الظاهرية، الإيمان درجة ثانية في سُلَّم الدين من الإسلام، والإيمان يُطلَق على تصديق القلب وإقراره، وعمل القلب؛ عمل القلب بالتصديق، والعمل بمُقتضى هذا التصديق، فإذا صدَّق القلب بأن الله -تبارك وتعالى- هو رب العالمين وخالق الخلْق أجمعين، يحصل بهذا التصديق أولًا التعظيم لهذا الرب؛ الذي هذا خلْقه -سبحانه وتعالى-، وتلك صفاته العُلا -جل وعلا-، والخوف منه لأنه يؤاخذ بالذنب ويُعاقِب به، يأمر ليُطاع، ويؤاخذ بالذنب ويُعاقِب به -سبحانه وتعالى-؛ وعقوبته شديدة، وكذلك رجاء ما عنده -سبحانه وتعالى-، فإنه الرب العظيم الذي يُعطي العطاء الجزيل، ويُثيب مَن أطاعه -سبحانه وتعالى- بكل أنواع الثواب؛ ما عُلِم وما لم يُعلَم، «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، هذا في الآخرة، فثوابه وجزائه عظيم -سبحانه وتعالى-؛ فيُرجى، كذلك يُحَب؛ لأنه يُحَب لذاته، ولصفاته، لأفعاله، ولإفضاله، ولإنعامه -سبحانه وتعالى-، كل هذا من معاني الإيمان، وهذا من أعمال القلب؛ والقلب له أعمال كثير، ثم ما يظهر كذلك من أعمال الجوارح؛ كلها نابعة من الإيمان ومُقتضى الإيمان، {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، الذكور والإناث.

{وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، القنوت هو الطاعة، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، خاضعين، خاشعين لله -تبارك وتعالى-، وسُمِّي الدعاء الذي يكون في الصلاة دعاء القنوت، لأنه دعاء طلب من الله -تبارك وتعالى-، وتوَفُّر على الله -عز وجل-، وتوّفُّر بمعنى جمع الحواس والقلب إلى الله -تبارك وتعالى-؛ في أنه هو الذي يُعطي ويمنح -سبحانه وتعالى-، فالقانتين؛ القنوت لله -تبارك وتعالى- بمعنى الخضوع له، والخشوع له -سبحانه وتعالى-، واجتماع القلب والجوارح عليه وإليه -سبحانه وتعالى-، وعدم مشاركة شيء يُبعِد عن طريق الرب وعن طاعة الرب -تبارك وتعالى-، فالتوّفُّر على عبادة الرب -جل وعلا-، {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ}، صدق مع الله وصدق مع الناس، وقول الصدق هو القول الموافق للحق، وكذلك يُطلَق الصدق على القيام بالحق، مَن قام بالحق وعَمِل به فهو صادق، يَعِد فيوفي، يلتزم أي التزام فيقوم به، فهذا الصادق؛ سمَّى الله -تبارك وتعالى- الذين يقومون بتكاليف الإيمان قال {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، أي في دعواهم الإيمان وفي صدقهم ما عاهدوا الله -تبارك وتعالى- عليه، قال -جل وعلا- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2] {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[الأنفال:3] {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال:4]، وقال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات:15].

فالصادق في الإيمان هو الذي طبَّق الإيمان، عندما قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وعَمِل بمُقتضى هذه الشهادة؛ من اليقين بالله -تبارك وتعالى-، وعدم الشك فيه، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، هذا الصادق؛ صدق في دعواه الإيمان، فالصدق مع الله -تبارك وتعالى-؛ أن يقوم بواجبات الإيمان، أو بلوازم الإيمان، أو بمُقتضى الإيمان، فالصدق فيه، والصدق مع العباد؛ ألا يقول قولًا إلا بصدق، سواءً كان إخبار بما يوافق الحق وبما يظنه الإنسان أنه حق، فإن أخطأ في هذا؛ يعني تكلَّم عن الحق ولكن كان الذي في الخارج بخلاف ما أخبَر، هو صادق في هذا ولكن هذا الذي إخبار بما أخبَر اجتهاد منه لا ينافي أن يكون قد قال الصدق في هذا، وإن كان في لغة العرب لمَن أخبَر بخلاف الواقع حتى وإن كان هو مُريد للصدق؛ يُقال أنه كذَب في هذا من باب أخطأ، قد يكون الكذب أحيانًا على الخطأ، لكن الصحيح أن الصدق هو الإخبار بما هو الواقع، أو بما يظنُّه المُخبِر بأنه هو الواقع؛ فهذا الصادق، فالصادقون؛ الذي صدقوا مع الله -تبارك وتعالى-، صدقوا دينهم لله -تبارك وتعالى-، كل ما شَهِدوا به قاموا به، فشَهِدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وهذا يؤدي إلى تكاليف الإيمان؛ قاموا به، قاموا به كما أمرهم الله -عز وجل-، وكذلك يقولون الصدق في ما يُدلون به ويُخبِرون به، وقد أخبَر النبي بأن الصدق رأس الأخلاق؛ رأس الأخلاق الفاضلة، رأس الخُلُق الفاضل هو الصدق، كما قال النبي «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يُكتَب عند الله صدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذَّابًا»، فالصدق رأس الخير، الإنسان الصادق هذا رأس الخير؛ الذي يهديه الله -تبارك وتعالى- بصدقه هذا إلى الخير، كما أن الكذب هو رأس الفجور، فقال -جل وعلا- {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ}، هذا بعد أن ذكَرَ الله الإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق.

ثم قال -جل وعلا- {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}، ذكَرَ بعد الصدق الصبر، والصبر فضيلة، وأصل الصبر هو حبس النفس على المكروه؛ دون تذمُّر، ودون تشكِّي، ودون جذَع، أن يحبس الإنسان نفسه على المكروه؛ الأمر المكروه، والصبر المطلوب من المؤمن في مواطن كثيرة، أول شيء موطِن الطاعة؛ يصبر على ما أمر الله -تبارك وتعالى- به من الطاعة، فيقوم بالطاعة حتى ولو كان فيها مشقَّة، فالصوم من الصبر لأنه امتناع عن الطعام والشراب والشهوة، لابد أن يحبس الإنسان نفسه عن شهوته؛ عن طعامه وشرابه، يحبس نفسه على هذا في وقت الصوم؛ فالصوم من الصبر، الصلاة تحتاج صبر لأنها مداومة على طاعة مُعيَّنة في أوقات مخصوصة، وقد تأتي الصلاة أحيانًا في أوقات الراحة، صلاة الفجر بعد النوم وصلاة العصر بعد نوم الظهيرة، وصلاة في وقت الشغل؛ لابد من الصبر، لذلك قال الله عن الصلاة {........ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:45] {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة:46]، فالصبر على الطاعة؛ الصبر على الصلاة، الصبر على الصوم، الصبر على الجهاد في سبيل الله، الصبر على الحج وما ينتاب الإنسان في من المشقات، الطاعة تحتاج صبر.

وكذلك الصبر عن المعصية؛ فإن المعصية يحتاج البعد عنها إلى صبر، وقد تكون بعض هذه المعاصي مما تدعوا إليه شهوات النفوس؛ كالزنا، وشهوة المال، وغيرها، والكسب غير المشروع، فشهوة الإنسان في هذا؛ فإذا يُسِّر له شيء من هذا الأمر وامتنع عليه وحبس نفسه على الطاعة وعن المعصية يحتاج إلى جَلَد وإلى صبر، هذا من الصبر الواجب كذلك؛ الصبر عن معاصي الله -تبارك وتعالى-، ثم الصبر على الأحداث، فإن الله -تبارك وتعالى- يبتلي عباده المؤمنين بما شاء -سبحانه وتعالى-؛ يبتليهم بالخير ويبتليهم بالشر، فالذي يبتلى بالشر هذا حدُّه وواجبه الصبر، الصبر على فراق الأهل والأوطان في سبيل الله، على فقد الأحبة، على المرض، على الجوع، مما يبتلي الله -تبارك وتعالى- به مَن شاء من عباده، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة:155] {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة:156] {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة:157]، «وأشد الناس بلاءًا الأنبياء، ثم الأمثَل فالأمثَل، يُبتلى المرء على قدر دينه، فمَن كان في دينه شدة زيد له في البلاء»، فالصبر من صفات أهل الإيمان، من هذه الصفات الحسنة التي يُحبها الله -تبارك وتعالى-؛ وضده الجذَع والخَوَر، {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}[المعارج:19] {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}[المعارج:20]{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}[المعارج:21] {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[المعارج:22]، {وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ}، الخشوع هو الخضوع والذُّل، والمؤمن خاشع لله -سبحانه وتعالى-؛ بمعنى أنه خاضع له، ذليلٌ له، غير متكبر على أمر الله ومُتعالي، وكذلك بالنسبة لعباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين هو متواضع مع المؤمنين، لا يشمخ بأنفه عليهم، ولا يتعالى عليهم، ولا يرتفع عليهم، لأن الكِبْر ممقوت عند الله -تبارك وتعالى-، الكِبْر عن أمر الله كفر، والكِبْر والتعالي على الناس معصية كبيرة، «العظمة إزَّاري والكبرياء ردائي، فمَن نازعني واحدة منهما ألقيته في النار ولا أُبالي»، «لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرَّة من كِبْر»، فالخشوع وهو الذُّل لله -تبارك وتعالى- والخضوع له مطلوب، وأعلى هذا الخشوع ينبغي أن يكون في الصلاة، عندما يكون الإنسان بين يدي ربه -تبارك وتعالى- ينبغي أن يكون خاشعًا، خاشعًا؛ خاضعًا لله -تبارك وتعالى-، فالخشوع محِله الأول الصلاة لأنها قيام بين يدي الله -تبارك وتعالى-.

{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ}، الصدقة؛ إخراج المال في سبيل الله، يُريد به صاحبه ما عند الله -تبارك وتعالى- من الأجر والمثوبة، وسُمِّي صدقه لأنه من التصديق بأمر الله –تبارك وتعالى- وموعوده، وكذلك من الصدق مع الله؛ فالصادق مع الله -تبارك وتعالى- يُنفق كما أمره الله لأن هذا من الصدق، وكذلك هو من التصديق؛ مُصدِّق لوَعْد الله -تبارك وتعالى-، يُعطي وقد وعَدَه الله -تبارك وتعالى- بالجزاء عنده؛ فيُعطي مُصدَّقًا له، فسُمِّيَت الصدقة صدقة من هذا، إخراج المال في سبيل الله سُمِّي صدقة من هذا، لأنه من الصدق؛ صدق صاحبها، صدق فاعلها، وكذلك من تصديقه موعود الله -تبارك وتعالى-، {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ}، الله -تبارك وتعالى- قد جعل الصدقة في كل ما هو في قدْر الإمكان ويقبله الله -تبارك وتعالى-؛ ولو مثقال الذرَّة، والنبي يقول «فاتقوا النار ولو بشِق تمرة»، والصدقة أفضلها ما كان عن ظهر غِنى، لكن لو تصدَّق الإنسان بما هو في أشد الحاجة إليه فهو محبوب عند الله -تبارك وتعالى-، كما قال -تبارك وتعالى- عن الأنصار؛ مدحهم الله، قال {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، خًصاصَة؛ شدة حاجة، يعني هذا الأمر من خصوصياتهم؛ من الأمر الخاص بهم جدًا، كالطعام الذي لا طعام عندهم لأنفسهم سواه؛ فيتصدَّقون به، فمدَحَ الله -تبارك وتعالى- قال {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان:8] {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}[الإنسان:9].

وكما فعله الأنصاري الذي آثر ضيف رسول الله -صل الله عليه وسلم- على نفسه وزوجه وأولاده؛ طعام الصِبية، يقول لامرأته هل عندكي شيء؛ معي ضيف رسول الله، أنا معي ضيف وهذا الضيف ضيف رسول الله يسأل الاستضافة، ولكن لم يجد في كل بيوت النبي طعامًا له، فخرج به النبي إلى المسجد وقال مَن يُضيف ضيف رسول الله؟ فأخذه هذا الأنصاري قال أنا يا رسول الله؛ أنا آخذه أُضيِّفه، فأخذه الأنصاري إلى بيته وقال لزوجته أنا معي ضيف رسول الله؛ هل عندكي من طعام؟ قالت والله ما عندي إلا طعام الصِبية؛ ما عندي إلى طعام أولادي فقط، يعني حتى لها ولزوجها ما في، فقال لها نيِّميهم وضعي الطعام، وتظاهري بأنكي تُصلِحي السراج فأطفئيه؛ أطفئي السراج وقت الطعام، حتى يجلسوا مع الضيف فيأكل الضيف وهم لا يأكلون، فيشبع الضيف لأن الطعام الذي عنده لا يُشبِعهم، فوضعت الطعام ثم بعد ذلك دخلت فتظاهرت أنها تُصلِح السراج وأطفأته، فجلس يأكل؛ يأكل الضيف وهو يظن أن مَن معه يأكل معه، إلى أن شَبِع ورجع والنبي في صلاة الصبح يقول لذلك الأنصاري «لقد عَجِب الله من صنيعكما البارحة بضيفكم»، عَجِب الله -سبحانه وتعالى- من صنيع هذا الأنصاري بضيفه، كيف يُعطي هذا الضيف طعام أولاده؟! ويبيت هو وزوجه والأولاد طاويين ويؤثِروا هذا؛ فأمر عظيم، على كل حال الصدقة محبوبة عند الله -تبارك وتعالى- لكل مَن نوى بها وجه الله -تبارك وتعالى-، سواءً كانت عن ظهر غِنى؛ وهو غني يتصدَّق، {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}، أو كانت مما الإنسان في خصوصية له ويؤثِر غيره بها؛ فهذا كذلك محبوب وأفضل، هذا لا شك أنه أعلى درجة وأعظم منزِلة الذي يؤثِر على هذا النحو، {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}، هذه أيضًا صفة من هذه الصفات العشر؛ صفات الخير، الصائمين؛ والصوم الشرعي معروف، الذي كتبه الله -تبارك وتعالى- على أهل الإسلام، وهو الإمتناع عن هذه الأربعة أشياء؛ الطعام، والشراب، والشهوة، والاستِخائه، في وقت النهار فقط وليس في الليل، كما قال الله -تبارك وتعالى- {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، بدءًا من الفجر، قال {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، هذه البداية؛ بداية الإمساك، {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، يُتَم الصيام بعد ذلك إلى الليل، وقد بيَّن النبي الليل بأنه سقوط قرص الشمس عن الأفق وظهور بداية الظلام من جهة الشرق، قال «إذا أدبر النهار من ها هنا»، من جهة الغرب، «وأقبَل الليل من ها هنا»، من جهة الشرق، «فقد أفطر الصائم»، خلاص انتهى الوقت وقد أفطر الصائم، فهذا الوقت؛ هذا وقت الصوم، فهذا الصوم؛ سواء الصوم الواجب المفروض الذي فرضه الله -تبارك وتعالى- على كل قادر من المسلمين وهو شهر رمضان، قال {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وكذلك الصوم المُستحَب، بعد رمضان ما أوجب الله -تبارك وتعالى- على المسلمين أيام أخرى واجبة، ولكنه حبَّبَّ إليهم أن يصوموا أيام بذاتها وإما صيام مُطلَق، فالأيام التي حبَّبَّ الله -تبارك وتعالى- للعبد المؤمن أن يصومها يوم عرفة؛ أفضل يوم عند الله -تبارك وتعالى-، خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة، هذا أفضل يوم عند الله -عز وجل- فصيامه عظيم، وقد أخبَر النبي أنه مَن صامه مُحتَسِبًا كفَّر الله عنه السنة الماضية والباقية؛ كفَّر السنتين، صيام يوم عاشوراء وهو العاشر من شهر مُحرَّم، يوم عظيم من أيام الله -تبارك وتعالى-، والنبي قال «يُحتسَب على الله أن يُكفَّر به السنة الماضية».

صيام يوم الإثنين والنبي كان يُحِب أن يصومه، ويقول «إنه يوم وُلِدت فيه، وأوحي إلي فيه، وأُحب أن أصومه»، وقال «إنه يوم تُرفَع فيه الأعمال إلى الله، وأُحب أن يُرفَع عملي إلى الله -تبارك وتعالى- وأنا صائم»، هذا اليوم يوم رفع الأعمال إلى الرب -تبارك وتعالى-؛ يوم الإثنين من كل أسبوع، وكذلك صيام ثلاث أيام من كل شهر، ثلاث أيام من كل شهر أحبها النبي؛ الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، الليالي التي يكون في القمر في أوجِه، أوج الليالي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر؛ هذه كذلك من الصيام المُستحَب، ثم بعد ذلك الصيام ما شاء، والنبي ما كان يترك شهرًا يمضي دون أن يصوم منه -صلوات الله والسلام عليه-، وينتهي الصوم المُستحَب إلى أن يصوم يوم ويفطِر يوم، كما قال النبي «خير الصيام صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطِر يومًا ولا يفِر إذا لاقى»، يعني قوته معه ويُقاتِل العدو؛ لا يفِر من العدو لضعفه، لأن الصوم يُضعِف قوى البدن، فإذا الإنسان سرَد الصوم ممكن يضعف بدنه، وبالتالي هذا الضعيف في المعارك ربما يفِر من أمام العدو، لكن صيام يوم وإفطار يوم يجعل صاحبه في وقة وشدة مع حِفاظه على الصوم، ويصبح هنا صام نصف أيامه، لكن مَن صام رمضان وست أيام من شوال كن كصيام الدهر؛ الحسنة بعشر أمثالها، فقول الله -تبارك وتعالى- {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}، يشمل الفرض والنفل؛ يشمل صيام الصائمين فرضًا ونفلًا، {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}، حِفظ الفرج أولًا عن الظهور لِمَن لا يحِل، وحِفظه بعدم الزنا، فحِفظه بعدم كشف العورات، وكذلك حِفظه عن الفاحشة الكبرى التي هي فاحشة الزنا؛ والتي هي من أعظم الفواحش، والتي إذا أُطلِقَت الفاحشة لا ينصرف الذِهن إلا لها، {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}، وجاء الثناء من الله -تبارك وتعالى- على أهل الإيمان وأن هذا صفة من صفاتهم، دائمًا يصف الله -تبارك وتعالى- هنا بأنهم الحافظين فروجهم، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}[المؤمنون:1] {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:2] {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:3] {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[المؤمنون:4] {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}[المؤمنون:5] {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المؤمنون:6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون:7]، وجاء هذا الوصف كذلك في قول الله -تبارك وتعالى- {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}[المعارج:19] {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا}[المعارج:20] {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا}[المعارج:21] {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}[المعارج:22] {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ}[المعارج:23]، ثم ذكَرَ الله صفاتهم إلى أن قال {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}[المعارج:29] {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المعارج:30]، فكذلك هذه من الصفات العشر لعباد الله الصالحين، الذين قال الله في ختام الأمر {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}، {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}.

ثم قال -جل وعلا- {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، الصفة العاشرة من هذه الصفات الذاكرين الله كثيرًا، الذِّكر؛ استحضار قلب، واستحضار معاني الألفاظ والكلمات التي يُذكَر بها المذكور، والله -تبارك وتعالى- هو خير مذكور وخير معلوم -سبحانه وتعالى-، لا أشرف من ذِكْر الرب -تبارك وتعالى-، {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، أكبر من كل مذكور، وذِكْر الله -تبارك وتعالى- هو الثناء عليه بالكلام الطيب الذي هو تذكير بصفاته، وأسمائه، وأفعاله -سبحانه وتعالى-، وليس أعلى من القرآن؛ لأن القرآن حديث الرب -سبحانه وتعالى- عن نفسه -جل وعلا-، ما في أعلى من القرآن، القرآن من أوله إلى آخره حديث للرب الإله -سبحانه وتعالى-، ثم بالكلمات الطيبة الباقيات الصالحات؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونحو ذلك من هذه الجُمَل التي فيها معنى الثناء على الله -تبارك وتعالى-، تقديس الله وتنزيهه وتسبيحه وحمده -جل وعلا-، فهذا الذِّكر والذي لا يكون ذِكرًا تامًا إلا إذا خرج باللسان؛ قاله العبد بلسانه، وكان القلب مواطئ لِما في اللسان؛ مع اللسان، مُعتقِد هذه المعاني، ثم كان عاملًا بمُقتضى هذا الذِّكر، يعني ذكَرَ الله بلسان، وكان مُعتقِدًا إياها بقلبه؛ يعني بقلبه ذاكر له، وعامل بمُقتضى هذا من عمل القلب؛ خاشع لله، خائف من الله -تبارك وتعالى-، راجي ما عند الله -تبارك وتعالى-، فإذا ذُكِر الله عظَّمه وأجلَّه -سبحانه وتعالى- وكبَّره، وإذا ذُكِر ما عنده من الفضل كان مُريدًا لهذا، وإذا ذُكِرَ ما عنده من العقوبة كان خائفًا من ذلك، {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}، وقد ندبنا الله -تبارك وتعالى- إلى الذِّكر، جاء في قول الله -عز وجل- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب:41] {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب:42] {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:43].

ههذ الصفات العشر قال الله في ختامها {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ}، لكل هؤلاء؛ للمسلمين والمسلمات، للمؤمنين والمؤمنات، للقانتين والقانتات، إلى آخره، للذاكرين والذاكرات، أعدَّ الله لهم؛ أي جميعًا، مغفرة؛ سترًا لذنوبهم، الغَفْر هو الستر، يعني ذنبوههم يغفرها الله -تبارك وتعالى-، يمحوها الله -تبارك وتعالى- من صحائفهم، وكذلك يُزيلها الله -تبارك وتعالى-، لا يفضحهم الله -تبارك وتعالى- بها، لا يُحاسِبهم الله عليها، لا يُعاقِبهم عليها، هذا كله من معاني مغفرته -سبحانه وتعالى-؛ إزالة وستر وإبعاد هذه الذنوب، وأجر عظيم عنده، والأجر العظيم عند الله -تبارك وتعالى- هو الجنة، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن نكون من هؤلاء.

استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.