الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (519) - سورة الأحزاب 45-48

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الأحزاب:45] {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب:46] {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب:47] {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب:48]، هذا خطاب للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، ونداء له من الله -تبارك وتعالى-، وإخبار منه -جل وعلا- أنه هو الذي أرسله حال كونه شاهدًا على قومه -صل الله عليه وسلم-، مُبَشِرًا مَن أطاعه بالجنة، ونذيرًا مَن عصاه بالنار، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب:46]، وقد جائت هذه الإشادة من الله -تبارك وتعالى- برسوله بعد أمر الله -تبارك وتعالى- للمؤمنين بأن يذكُروه ذِكرًا كثيرًا، قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب:41] {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب:42] {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:43] {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا}[الأحزاب:44].

قول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، نداء ودعاء من الله -تبارك وتعالى- لرسوله -صل الله عليه وسلم-، ودائمًا الله -تبارك وتعالى- يُخاطب رسوله محمدًا -صل الله عليه وسلم- بالوصف؛ بوصف كونه النبي وكونه الرسول -صلوات الله والسلام عليه-، وليس في القرآن كله نداء للنبي بإسمه المجرد؛ يا محمد، كما في قول الله -تبارك وتعالى- {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، أو {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}[طه:17] {قَالَ هِيَ عَصَايَ}، {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ........}[هود:48]، {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ........}[هود:76]، فكل الرسل والأنبياء خاطبهم الله -تبارك وتعالى- بأسمائهم، وأمَّا النبي محمد -صل الله عليه وسلم- فإن الله -تبارك وتعالى- خاطبه في القرآن بوصفه؛ يعني يا أيها النبي ويا أيها الرسول، وهذا فيه من معاني التكريم للنبي -صل الله عليه وسلم- معنى عظيم جدًا، أن يُخاطَب النبي -صل الله عليه وسلم- بوصفه؛ كونه نبي الله وكونه رسول الله -صلوات الله والسلام عليه-، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا}، الله -سبحانه وتعالى-؛ تأكيد منه -سبحانه وتعالى- على أنه الله -جل وعلا-، {........ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الأحزاب:45]، فإرساله من الله -تبارك وتعالى-، أرسلناك؛ وقد أرسله الله -تبارك وتعالى- رسول منه إلى الناس كافَّة، إلى كل العالمين -صلوات الله والسلام عليه-، وهذه منزِله وميزة؛ مُيِّز به النبي وفُضِّل بها النبي على كل الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى-، أن أرسله الله -عز وجل- إلى الناس كافة، إنَّا أرسلناك حال كونك شاهدًا، شاهد؛ مقبول الشهادة عند الله -تبارك وتعالى-، وذلك أن الرسول دائمًا شاهد على أمته؛ على مَن حَضَره من أمته، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ........}[النساء:41]، أي رسولها الذي يشهد عليها، {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ}، مُخَاطبين مع النبي -صل الله عليه وسلم- {شَهِيدًا}، {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء:42].

فالنبي قد أرسله الله -تبارك وتعالى- شاهد، وإخبار النبي بهذا؛ يجب أن يُعظِّم الناس الرسول -صل الله عليه وسلم- لأنه هو الشاهد عليهم، فمَن شهِد له أن من اتباعه، ومن أهل الإيمان، وأنه كان معه، وأنه جاهد معه، وأنه، وأنه ...، كانت هذه شهادة مقبولة عند الله -تبارك وتعالى-؛ شهادة النبي مقبولة عند الله -تبارك وتعالى-، وكذلك مَن شهِد عليه بالكفر؛ الله يقول {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ}، أن هؤلاء شهِد النبي عليهم أنهم عصوه، وأنه آذوه، وسبُّوه، وشتموه، {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء:42]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الأحزاب:45]، مُبشِّر من الله؛ البشارة هي الإخبار بما يسُر، وقد أتى النبي -صل الله عليه وسلم- بهذه الأخبار السارة العظيمة لأهل الإيمان، يُبشِّرهم برحمة الله -تبارك وتعالى- وفضله وإحسانه في الدنيا والآخرة، فيُبشِّرهم بأن دينهم سينتصر، وأنه سيعلوا على كل دين، وأنه ستُفتَح عليهم بركات هذه الأرض وخيراتها، وأن الله -تبارك وتعالى- مؤيدهم، وأنه ناصرهم، وأنه مُثبِّتهم، وأن الإيمان يعني الهداية، ويعني التوفيق، ويعني الثنا والرِفعة في الدنيا والآخرة، مُبشِّرات عظيمة بشَّر الله -تبارك وتعالى- بها عباده المؤمنين على لسان هذا النبي الكريم -صلوات الله والسلام عليه-، ومُبشِّرهم بالفضل الأعظم؛ وهو فضل الله -تبارك وتعالى- في الجنة، والرضوان، والسرور، والحبور في جنة الخُلد، فالنبي جاء يُبشِّر عباد الله -تبارك وتعالى- المؤمنين بهذه البشارات العظيمة، جاء النبي بهذه البشارات العظيمة من الله لعباد الله المؤمنين.

ونذيرًا؛ النذارة هي الإخبار بما يسوء والتهديد بالشر، وقد جاء النبي -صل الله عليه وسلم- نذير للعالمين كلهم، يُنذرهم بالشر؛ بالعقوبة الشديدة إن هم تنكَّبوا طريق الله -تبارك وتعالى- وتركوه، فقد جاء النبي مُهدِّدهم بالعذاب الأليم، كما قال لقريش في أول لقاء ودعوة لهم إني {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، أنا مُخوِّف، ويقول النبي للعالمين «إني أنا النذير العريان»، يعني إحذروا، يقول «إن مثَلي ومثَلكم كمثَل رجل رأى العدو، ثم أتى فقال يا قوم إن العدو مُصبِّحَكم؛ لقد رأيته بعيني»، أنا شوفت العدو وإنه مُصبِّحكم؛ يعني إذا مكثتم هنا، «وإني أنا النذير العريان، يقول فأطاعه قومٌ فأدلجوا؛ فنجوا، وكذَّبه قوم فصبَّحهم العدو»، يقول هذا النبي أنا مثَلي ومثَلكم على هذا النحو، رجل رأى أعداء يُريدون أن يغيروا على قومه، فجاء لقومه وهو مُشفِق عليهم يقول لهم يا جماعة أن شوفت العدو، العدو موجود، سيأتيكم، سيأتي في الصباح، سيكون هنا، يقول فقوم صدَّقوه فألجوا؛ خروجوا وابتعدوا عن العدو، وقوم كذَّبوه؛ قالوا ما عندك سالفة، ما في عدو، فبقوا في مكانهم فصبَّحهم العدو فاستأصلهم، يقول النبي «إني أنا النذير العريان»، على عادة العرب؛ كان مَن يُريد أن يُنذِر قومه إذا إحتد في النذارة وتحمَّس لها كان يكشف ثيابه ليُصدِّقوه في هذا، وكان منهم من يجدع أنفه ويفعل في نفسه ما يفعل حتى يُصدِّقه قومه، فالنبي نذير؛ أكبر نذير، نذير بلَّغَ النذارة؛ خوَّف الناس من عقوبة الله -تبارك وتعالى-، يقول أنس ابن مالك ((كان رسول الله إذا خَطَب وذكَرَ النار علا صوته، واشتد غضبه، واحمر وجهه، كأنه منذر جيش يقول صبَّحكم ومسَّاكم))، يعني العدو سيصبِّحكم، أو العدو في إثركم سيُمسي في دياركم، فكان النبي يغضب أشد الغضب، ويحمَّر وجهه، ويعلوا صوته لينذر الناس من عقوبة الله -تبارك وتعالى-.

فالله أرسله نذير؛ وقد أراه الله وأطلعه الله -تبارك وتعالى- على ما ينتظر المكذِّبين به، رأى النار رأي العين؛ شاهدها النبي -صل الله عليه وسلم- غير مرة، شاهدها في جدار المسجد الذي يصلي فيه، «يُقال ما رأيتك اليوم من الخير والشر، رأيت النار دون هذا الجدار»، وتأخر النبي -صل الله عليه وسلم-؛ خاف منها، فقالوا يا رسول الله رأيناك قد صنعت شيئًا لم تكن قد تصنع؛ كان هذا في صلاة الكسوف، فقال «ما رأيت اليوم في الخير والشر كاليوم»، يقول «عُرضَت عليَّ الجنة دون هذا الجدار، وتقدَّمت لآخذ لكم قِطفًا منها، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وعُرضت عليَّ النار دون هذا الجدار»، النبي رأى كل هذا رأي العين، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم:12] {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13] {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[النجم:14] {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}[النجم:15] {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}[النجم:16] {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}[النجم:17]، ما زاغ بصر الرسول وما طغى، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم:18]، وكان النبي -صل الله عليه وسلم- يذكُر ما رآه ويقول للمؤمنين «والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتهم كثيرًا»، فهو نذير؛ أرسله الله -تبارك وتعالى- نذيرًا للعالمين، بهذا القرآن الذي ذكَر الله -تبارك وتعالى-، وبدأ فيه القول وأعاده، ولوَّن الخطاب تلوين عظيم، صرَّف الخطاب تصريف عظيم؛ مرة مشاهد من النار، ومرة صور العذاب، ومرة كيف يكون الحال هنا، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}، فهذا النبي -صل الله عليه وسلم- أُرسِل نذيرًا للعالمين بهذا القرآن الكريم، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان:1]، مُخوِّق للعالمين جميعًا من عذاب الرب وعقوبة الرب -تبارك وتعالى-، فالله يُخبِره بأنه هو الذي أرسله، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا}، على الناس كلهم؛ على كل مَن شاهدهم النبي في وقته وزمانه، {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، ومُبشِّرًا مَن أطاعه -صل الله عليه وسلم- بالجنة، بكل البشارات؛ بشارات الدنيا والآخرة، ونذيرًا للعالمين يُنذرهم؛ يُخوِّفهم عقوبة الله -تبارك وتعالى-.

{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ........}[الأحزاب:46]، هذه مهمة النبي -صل الله عليه وسلم-؛ داعي إلى الله، يدعوا إلى الله، كما قال له الله -عز وجل- {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ}، فهو يدعوا إلى الله؛ إلى عبادته، إلى الإيمان به، إلى خشيته -سبحانه وتعالى-، إلى كل معاني الإيمان بالله -تبارك وتعالى-؛ التصديق بما أخبر به، والقيام بمقتضيات هذا التصديق؛ من مخافة الرب -تبارك وتعالى-، والخشوع له، والذُّل له، وتعظيمه -سبحانه وتعالى-، والسير في طريقه، فهو يدعوا إلى الله؛ يعني في كل بنود الدعوة إنما هي دعوة إلى الله، فلمَّا يُدعى حتى إلى أدنى شُعبة من شُعَب الإيمان وهي إماطة الأذى عن الطريق لله؛ فالمؤمن يفعل هذا لله، «الإيمان بضع وستون شعبة؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياة شعبة من الإيمان»، كل هذا الشُعَب هي دعوة إلى الله؛ كلها دعوة إلى الله، لأن لا إله إلا الله هذي دعوة إلى الله، شهادة بأنه لا إله حقًا وصدقًا إلا الله -سبحانه وتعالى-، وشهادة أن محمد رسول الله؛ هذا محمد ابن عبد الله هو رسول الله حقًا وصدقًا، ثم بعد ذلك يأتي الشُعَب؛ من صلاة لله، صيام لله، زكاة لله، الحج لله، {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}،  بر الوالدين لله؛ لأن الله أمرنا بهذا، صدق الحديث، الأمانة، الكرم، الشجاعة، كل سائر الأخلاق إلى إماطة الأذى عن الطريق؛ فهذا من شُعَب الإيمان وهي لله، فعندما يأمر النبي ويُحث العباد على أن يُزيلوا الأذى عن طريق المسلمين وأن مَن فعل هذا له كذا وكذا من الأجر، كما قال -صل الله عليه وسلم- «بينما رجل يمشي إذ رأى غصن من الشوك مُعترِض، فقال لقد آذى هذا المسلمين؛ فنزَل فنحَّاه»، نزَل من دابته؛ مركوبه الذي يركبه، وأخذ هذا الغصن من الشوك نحَّاه عن طريق المسلمين، قال لأُنحيَّن هذا عن طريق المسلمين، قال النبي «فشكر الله له؛ فغفر له»، عندما يُخبِر النبي بهذا؛ دعوة إلى الله، هذا من دعوات النبي إلى الله -تبارك وتعالى- لأن هذا الذي فعل هذا فعله لله؛ ليرفع أذىً عن طريق المسلمين.

وكذلك كل ما نهى عنه النبي -صل الله عليه وسلم- من شُعَب الكفر، بدءًا من الجحود، والنكران، وسب الله، وسب رسوله، إلى آخر شعبة من شُعَب الكفر؛ غمزة ولمزة، هذه كلها المعاصي شُعَب من الكفر، نهي النبي عنها إنما هو دعوة إلى الله -تبارك وتعالى-؛ لأن هذه أمور يكرهها الله، ويُبغِضها، ويُعاقِب عليها؛ على الصغير والكبير منها، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه}[الزلزلة:7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}[الزلزلة:8]، فالنهي عن هذه إنما هي دعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، فالنبي بكل ما يأمر به وبكل ما ينهى عنه إنما هو داعٍ إلى الله -تبارك وتعالى-، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ........}[الأحزاب:46]، بإذن الله؛ هو الذي أذِن له في هذا وهو الذي وجَّه، ولذلك كل ما يتكلم به النبي من عند الله -تبارك وتعالى-، فالأمر والنهي ما هو من عند الرسول وإنما عند عند الله -تبارك وتعالى-، أذِن الله -تبارك وتعالى- له أن يقول هذا القول، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3] {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:4]، فهو الذي أذِن له وهو الذي شرَعَ له -سبحانه وتعالى-، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب:46]، السراج اللي هو الضوء الذي يُضيء، فهذه الشمس سمَّاها الله -تبارك وتعالى- سراج، {........ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}[نوح:16]، مثل هذا الجهاز أو الآلة التي نُسرِجها بالفتيلة وبالزيت وبالزجاجة التي تُصفِّي الضوء؛ هذا سراج، فالشمس سراج الله -تبارك وتعالى- جعله نور مُشتعِل يُضيء في جنبات هذا الكون، النبي -صل الله عليه وسلم- سراج منير، جعله الله -تبارك وتعالى- وأرسله الله -تبارك وتعالى- سراج للعالمين، وتشبيهه بالسراج أعظم تشبيه وهو في مكانه، وذلك أن العالم كله كان ظلمة العالم كله كان ظلمة لا سراج فيه؛ ما فيه ضوء، كل العالم كانوا قد أطبقوا على الشرك والكفر بالله -تبارك وتعالى-، النصارى ضالُّون؛ ضلوا عن طريق الله -تبارك وتعالى-، وعَبَدوا مع الله غيره، وزعموا أن عيسى ابن الله، وبقوا في الشرك والجهالة والضلال.

واليهود ضلوا عن طريق الرب -تبارك وتعالى-، وشبَّهوا الله -تبارك وتعالى- بخلْقه، وقالوا على الله أقوال عظيمة، وقالوا على رسوله عيسى ابن مريم وهو آخر نبي قبل نبينا -صل الله عليه وسلم-؛ قالوا عليه مقالات عظيمة، وبكفرهم وبقولهم على مريم بُهتانًا عظيمًا، {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ}، ومشركوا العرب كانوا على ضلال عظيم جدًا، أوهام؛ فقد زعموا أن الله ملِك السماوات والأرض وخالقها لكنه له نسَب بالجن، {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}، تزوَّج من الجن، وأن الجن عندما وَلَدوا لله -تبارك وتعالى- وَلَدوا الملائكة وكلهم إناث، اختار الله -تبارك وتعالى- أن تكون كل ملائكته إناث، وأن هؤلاء الملائكة يُعبَدون، لا يملكون مع الله شيء لكنهم يُعبَدون لأن شفاعتهم تُرتجى، تلك الغرانيق العُلا وإن شفاعتهُنَّ لتُرتجى، فاعتقدوا أنهم بنات الله وأنهم إذا عبَدوهم شفعوا لهم عند الله -تبارك وتعالى-، إلى آخر كذبهم وترَّهاتهم ووصفهم الله -تبارك وتعالى- بما لا يليق به بالأوصاف، بل بما يكرهونه لأنفسهم، فهم يكرهوا لأنفسهم أن تكون ذُرِّيتهم من الإناث، ولكنه رضوا هذا لله -تبارك وتعالى-، وبكَّتهم الله -تبارك وتعالى-، قال لهم شوفتوهم، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ........}[الزخرف:19]، قال -جل وعلا- {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، ثم شرَّعوا بعد ذلك لأنفسهم ما شرَّعوا، واعتقدوا أن لا آخرة وأن هذا الرب يُعطيهم في الدنيا فقط؛ يَعبدونه لينالوا منه في هذه الدنيا، بعد الآخرة ما يستطيع أن يُعيد أجسامهم مرة ثانية، يحجون، يصومون، يفعلون لكن للدنيا فقط، يحج أحدهم ويُسافر من أقصى الجزيرة إلى أقصاها في مكة، ثم إذا أتم حجَّه قال اللهم إني أتيت إليك من مكان بعيد، وقفت بعرفة، ونزلت بالمُزدلِفة، ورميت الجِمار، وفعلت كذا، وفعلت كذا ...، هب لي زوجة جميلة، وهب لي أولاد، وهب لي إبل، وهب لي، وهب لي ...، مما يطلب من هذه الدنيا ولا أمل له في الآخرة، {........ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}[البقرة:200]، هذا صنيع هؤلاء الكفار.

ثم ملأوا الأرض كلها شر بالتشريعات الباطلة الظالمة التي شرَّعوها، ففسقهم، وفجورهم، وشربهم الخمر، وإتيانهم أنواع من الزنا بصور فاجرة مُذِلة؛ كنكاح الاستبضاع، ونكاح اللاواتي يدخل عليهِنَّ فقط مجموعة من الرجال، والعاهرات اللاتي يرفعنَّ الرايات في الطرق والأسواق، أمور عظيمة جدًا ديَّت، ثم تشريعات باطلة من قتل الإناث ومن ترك الذكور، {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:58] {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ ........}[النحل:59]، هل يُبقيها حية ويظل عُرضة للسخرية والاستهزاء من قومه، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}، ثم تقاتلهم وصراعهم بعضهم مع بعض، ونهشهم لحوم البعض، وأخذهم أموال الأخرين، والإغارة بين بعضهم البعض، الأرض قد مُلِئَت شرورًا وفسادً وكفرًا، وكما وصف النبي -صل الله عليه وسلم- «إن الله نظر إلى أهل الأرض قبل أن يبعثني فمقتهم؛ عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب»، ما بقي إلا بقايا قليلة، كام راهب مُتناثرين في صوامع بعيدة عن الناس؛ مُعتزلين الناس، يعبدون الله -تبارك وتعالى- في انتظار أن يأتي النبي الخاتم، أن يأتي السراج المنير الذي يُضيء الكون، والعالم كله في ظُلمة مُظلِمة كاملة، فأرسل الله -تبارك وتعالى- هذا السراج المنير الذي ضوئه أعظم وأعظم وأعظم من ضوء الشمس؛ سراج السماء، هذا سراج محمد ابن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه-، سراج في الأرض والسماء -صل الله عليه وسلم-، فالله أرسله سراجًا منيرًا؛ حال كونه سراجًا منيرًا، دعى إلى الله -تبارك وتعالى- وإلى توحيد الله، عرَّف الخلْق بربهم وإلههم ومولاهم -سبحانه وتعالى-، وشرَّع الله -تبارك وتعالى- على لسانه الطريق؛ الصراط المستقيم الموصِّلة إلى الله -تبارك وتعالى-، وأزاح الله -تبارك وتعالى- طرق الغواية وطرق الشيطان وبقي هذا، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:153]، هؤلاء السالكون الذي سلكوا طرق الشيطان؛ خلاص انتهت هذه الطريق، وتحوَّل الناس إلى طريق الرب -تبارك وتعالى-، وأشرق نور الله -تبارك وتعالى- وضوئه بهذا السراج المنير؛ بمحمد ابن عبد الله -صل الله عليه وسلم- في الأرض كلها، لا يزال هذا النور يعلوا، ويعلوا، ويعلوا، ويعلوا ...، وينتشر حتى عمَّ الأرض كلها -صلوات الله والسلام عليه-، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[الفتح:28]، وقد كان؛ فالله -تبارك وتعالى- جعل هذا النور يعلوا على كل الظلمات الموجودة في الأرض.

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الأحزاب:45] {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب:46] {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب:47]، بشِّر المؤمنين؛ فهو يعني بشير، وهنا الله -تبارك وتعالى- يقول له وبشِّر المؤمنين؛ أمر من الله -تبارك وتعالى-، {........ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب:47]، هذا أمر عظيم جدًا؛ بُشرى يذفُّها الله -تبارك وتعالى- إلى عباده المؤمنين، على لسان رسوله -صل الله عليه وسلم-، وبهذه الكلمات المُنزَلة من عنده -جل وعلا-، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب:47]، فضل منه وإحسان -سبحانه وتعالى-، {فَضْلًا كَبِيرًا}، وفضل الله -تبارك وتعالى- الكبير في الدنيا والآخرة، فضله الكبير -سبحانه وتعالى- بهدايتهم، بشرح صدورهم، بتمسيكهم بالإيمان، وتزيين هذا الإيمان في قلوبهم، وتمسيكهم بهذا الدين حتى يلقَونه -سبحانه وتعالى-، ثم الكرامة الكبرى منه -سبحانه وتعالى- يوم يلقون الرب -تبارك وتعالى-؛ فيُسلِّم عليهم، يُدخِلهم جنته، ويُعطيهم جائزته -سبحانه وتعالى- التي خبَّأها لهم وادَّخرها لهم، «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»، عندما يُدخِلهم الله -تبارك وتعالى- الجنة، ويُناديهم «يا أهل الجنة هل تُرِيدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون ربي وماذا نُريد وقد أدخلتنا الجنة»، أعطيتنا ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ليس هناك شيئًا أخر يُمكن أن يُفكَّر فيه ويُدَّعى ويُطلَب، فيقول لهم الله -تبارك وتعالى- «أحلل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا»، هذا خلاص بِشارة بأنهم في هذا الرضوان وفي هذه النعمة خالدين فيها خلودًا لا انقطاع له؛ أمر عظيم جدًا، فهذا من فضله -سبحانه وتعالى- وعطائه وإحسانه لأهل طاعته، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب:47].

ثم قال -جل وعلا- لرسوله {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب:48]، هذا أيضًا توجيه عظيم من الله -تبارك وتعالى- لرسوله، قال {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}، تُطِعهم في أي أمر يطلبونه منك يخرج به النبي عن دين الله -تبارك وتعالى- وعن أمره، لا تُطِعهم في شيء ولو كان أي شيء يسير، كما أخبر الله -تبارك وتعالى- بأن النبي لو أطاعهم في أي شيء يسير؛ يخرج به عن الحق الذي أُنزِل إليه فإنه يُعاقَب، كما قال له الله -تبارك وتعالى- {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}[الإسراء:74] {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}[الإسراء:75]، وكان الكفار والمنافقون يعملون جهودهم مع النبي -صل الله عليه وسلم-؛ بالتهديد وبالوعيد تارة، وكذلك بالترغيب والتأنيس ومحاولة إدخاله في شيء من دينهم مع إعطائه صنوف الإغراء، فقد أرادوا بالنبي مُلاينة النبي في أول الأمر، تعالى؛ ماذا تُريد؟ إن كنت أن تُريد أن تتسوَّد سوَّدناك علينا؛ لا نقطع أمرًا دونك، تُريد البائة؛ ما كان بك من البائة زوجناك ما تُريد، ترُيد المال؛ جعلناك أغنانا، فكانوا يعرضون على النبي ويُحاولون معه بكل سبيل أن يستميلوه -صلوات الله والسلام عليه-، {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا}[الإسراء:73]، اتخذوك خليل لهم عند ذلك؛ إذا أنت وافقتهم على شيء من هذا، وكذلك بالتهديد؛ فإنهم كذلك حاولوا مع النبي بصنوف التهديد، كما قال -تبارك وتعالى- {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ........}[الإسراء:76]، واستفزازه من الأرض بإزعاجه، وبسبِّه، وشتمه، والاستهزاء به، والتآمر عليه بكل أنواع المؤامرات، وإن كادوا ليستفزونك من الأرض؛ من أرض مكة، {........ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:76]، كان الله -تبارك وتعالى- يستأصلهم لو أنهم عَمَدوا إلى ذلك؛ وأخرجوا النبي قصرًا وقهرًا -صلوات الله والسلام عليه-، فالله نهاه أن يُطيع الكفار مهما بذلوا معه من شأن؛ بترغيبهم، ومحاولتهم جلب النبي إلى طريقهم بكل عروض الدنيا، ولا كذلك بالتهديد والوعيد.

{وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}، المنافق؛ الكافر المعانِد لكنه يُظهِر الإسلام، وكان المنافقين على هذا النحو أيضًا؛ يُشيرون على النبي بما هو الشر ظنًا أنه خير، ويُعطون الرسول -صل الله عليه وسلم- من الكلام الطيب ما يُعطونه رغبة في أن يصرفوه، وكذلك بالدس والكيد من خلف ظهره -صل الله عليه وسلم-، وقد آذوا النبي -صل الله عليه وسلم- أذىً عظيم، أذى المنافقين كان أكبر من أذى الكفار، وفي المدينة تعرَّض النبي -صل الله عليه وسلم- لأذىً عظيم جدًا من أذى المنافقين كالاستهزاء به، فهذا عبد الله ابن سلام رأس المنافقين وهو كافر؛ قبل أن يدخل الإسلام، يومًا يقول له ابعد عنا نتن حمارك، يا هذا لا تغشنا في مجالسنا بما نكره، اجلس في مكانك، مَن أتاك حدِّثه، هذا وهو كافر، ثم بعد بدر دخل إلى الإسلام وقال أرى أن هذا أمرًا قد توجَّه ودخل في الإسلام، لكنه مع كيده للنبي -صل الله عليه وسلم- ومع أذاه فيه، آذى النبي في كل هذا، ففي غزوة المُريسيَّة يقول لئن رجعنا من مِنيةٍ ليُخرِجَنَّ الأعز منها الأزل، إذا روحنا المدينة بطردهم؛ ما أخليهم، الأعز في المدينة هو الذي سيطرد الأذل؛ يعني نفسه ويعني النبي -صل الله عليه وسلم-، هو الذي تولَّى سب أم المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها-، ومنهم مَن كان يقولون على النبي أُذن سمَّاع؛ رجل سمَّاع، كل مَن أتاه بسالِفة أو حديث يسمع منه، ألوان طويلة من الأذى تعرَّض لها النبي -صل الله عليه وسلم- وهو في المدينة من هؤلاء المنافقين، وكان منها أن تآمروا عليه ليقتلوه -صلوات الله وسلامه عليه- وهو راجع من غزوة تبوك، قال الله لرسوله {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ ........}[الأحزاب:48]، دع أذاهم يعني لا تحاول أن تُعاقِب كلًا منهم على ما يلقاك من الأذى في هذا السبيل، {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}، سلِّم أمورك له، فإن الله –تبارك وتعالى- حافظه وناصره، ولابد أن يبلغ دين الله -تبارك وتعالى-، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}، كفى به وكيلًا إذا وُكِّل، يعني الله -تبارك وتعالى- موكَّل بالأمر فإنه يقوم به كله، لا تحتاج مع الله -تبارك وتعالى- إلى غيره.

-إن شاء الله- نعود إلى هذه الآيات مرة ثانية في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.