الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (528) - سورة سبأ 20-27

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده والرسول الأمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[سبأ:20] {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}[سبأ:21] {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22] {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن قوم سبأ بأن إبليس قد صدَّق عليهم ظنَّه، قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ........}[سبأ:20]، يعني أصبح ظن إبليس فيهم واقعًا، وظن إبليس في أنه يستطيع أن يغوي بني آدم؛ ويصرفهم عن طريق الرب -تبارك وتعالى-، وأنهم لن يكونوا شاكرين لأنعُم الله -تبارك وتعالى-، كما قال لله -تبارك وتعالى- {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62]، فقد ظن أنه يستطيع أن يجُر عامة بني آدم خلفه، لأحتنكنَّ ذرِّيته؛ يعني أُلبسهم الحنَكَة، والحنَكَة هي الخَدَمَة التي تُلبَس في عنق الدابة لتُقاد بها، يعني أنهم كالبهائم سأقودهم خلفي، {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}، وقال أيضًا للرب -تبارك وتعالى- {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]، لن تجد أكثر هؤلاء بني آدم شاكرين لك؛ فهذا الذي حصل.

الله -تبارك وتعالى- يخبر أن سبأ كانوا من هؤلاء الأقوام الذي صدق فيهم ظن إبليس، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- أنعم عليهم بنِعَم عظيمة من نِعَم الدنيا، فقال -جل وعلا- {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ}، عن يمين السد وعن شمال السد، {........ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ}[سبأ:15]، بلدة طيبة؛ جنة من جِنان الأرض وبعد ذلك رب غفور، ترحلون من هذه الجنة إلى جنة السماوات والأرض، لكنهم أعرضوا عن شكر الله -تبارك وتعالى- على ما أنعم عليهم في الدنيا، قال -جل وعلا- {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ ........}[سبأ:16]، من هذه شجر الآراك ونحوه، وأثل؛ طرفاء، {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ}، السِدر الذي فيه ثمر أو شيء طيب فكان هو قليل، قال -جل وعلا- {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:17]، قال {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}[سبأ:18]، فكانوا ينتقلون من قرية إلى قرية، إلى مدينة، إلى مدينة ...، في سفرهم متعة؛ من مدينة حافلة إلى مدينة حافلة، لكنهم ملُّوا الراحة وملُّوا النعمة، وبدلًا من أن يشكروا نعمة الله -تبارك وتعالى- والعيش هذا المرفَّه الطيب الذي يعيشوا فيه؛ تمنوا الشر، الله -تبارك وتعالى- يقول –جل وعلا- {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ ........}[سبأ:19]، جعلنا مآسيهم وتشتتهم في الأرض، منهم ناس ذهبوا إلى عُمان، ومنهم ناس ذهبوا إلى المدينة؛ يثرب، ومنهم ناس ذهبوا إلى الشام؛ بنوا جَفنَة، فمزَّقهم الله -تبارك وتعالى- وجعل قصصهم قصص تُحكى وتُروى، {........ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[سبأ:19]، ثم قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ........}[سبأ:20]، أصبح ظن إبليس الذي ظنَّه في بني آدم ظاهرًا صادقًا في هؤلاء الذين أُنعِم عليهم بهذه النعم، أنعَم الله -عز وجل- عليهم بهذه النِعَم فلم يشكروها؛ وإنما كفروها، فاتَّبَعوه؛ اتَّبعوا الشيطان، {إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فريق منهم من المؤمنين بالله -تبارك وتعالى- والمؤمنين باليوم الآخر؛ الشاكرين لله -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}[سبأ:21]، وما كان له؛ لإبليس، عليهم؛ يعني على هؤلاء الجاحدين نِعَم الله -تبارك وتعالى- والكافرين به، من سلطان؛ قوة قاهرة، السلطان؛ القوة القاهرة التي يُجبِرهم بها ويدفعهم بها إلى الكفر والعناد، ولكن فقط هو وسواس الشيطان، قال -جل وعلا- عن الشيطان أنه يقول يوم القيامة {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ........}[إبراهيم:22]، قال -جل وعلا- {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ}، نفى الرب -تبارك وتعالى- أن يكون للشيطان سلطان قاهر عليهم؛ يُجبِرهم على الشرك والكفر بالله -تبارك وتعالى-، لكن قال -جل وعلا- {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ}، يعني هذا تسليط من الله -تبارك وتعالى- للشيطان عليهم، ليعلم الله -تبارك وتعالى- مَن يؤمن بالآخرة ممَن هو في شك، حتى يبتلي الله -تبارك وتعالى- عباده فيظهر المؤمن بالآخرة؛ بالله -تبارك وتعالى- وبالدار الآخرة من الذي يشك في الأخرة، وهذا أمر من الوضوح والبيان وقيام البرهان مما لا يدع مَن عنده ذرَّة عقل أن يشك في أن هناك يوم قيامة؛ يقف فيه العباد بين يدي ربهم -سبحانه وتعالى، ولكن الناس اتَّبعوا ظن الشيطان، اتَّبعوا وهم الشيطان، اتَّبعوا تسويله لهم وتسويفه الكفر الذي ألقاه عليهم، وتركوا البرهان الساطع من الله -تبارك وتعالى-، البراهين القائمة من الله تركوها وذهبوا وراء هذا الضلال؛ فها ابتلاء لهم من الله، {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ}، نعلم علم يقوم عليه هنا في هذه الدنيا؛ يقوم عليه حساب يوم القيامة، {........ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}[سبأ:21]، ربك؛ يا محمد -صلوات الله والسلام على نبينا-، ربك الإله العظيم -سبحانه وتعالى-، على كل شيء حفيظ؛ يعني مُستحفِظ على كل شيء، لا يفعل واحد شيء إلا بإذنه ومشيئته وأمره -سبحانه وتعالى-، فهو المُستحفَظ وهو الحفيظ على كل عباده -جل وعلا-، لا يخرج شيء عن أمره الكوني القدري -سبحانه وتعالى-، وكذلك هو حافظ وعليم -سبحانه وتعالى- بكل أعمال عباده -سبحانه وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا- {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22] {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، قُل لهم؛ لهؤلاء الكفار، المُعاندين، المشركين؛ من العرب وغيرهم، {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، ادعوا الآلهة الذين زعمتهم أنهم آلهة مع الله -تبارك وتعالى-؛ يستحقون العبادة مع الله، أو أن لهم من الأمر والنهي شيء مع الله -تبارك وتعالى-؛ ادعوهم، قُل ادعوا الذي زعمتهم، يعني قُلتم قولًا باطلًا من دون الله، قال -جل وعلا- {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}، هؤلاء الآلهة الذين تدعونهم من دون الله ما يملك أحد منهم مثقال ذرَّة؛ وزن ذرَّة في السماوات ولا في الأرض، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- هو خالق كل شيء، وهو ربه، وهو مليكه -سبحانه وتعالى-، وكل هؤلاء الذين عُبِدوا من دونه هم مُلكُه، هم سمَّاهم المشركون آلهة وليسوا بآلهة، وإنما هم عبيد الله -تبارك وتعالى-؛ في مُلكِه وقهره -جل وعلا-، كل مَن عُبِد وما عُبِد من دون الله -تبارك وتعالى- فلا يملك أحد منهم ذرَّة في السماوات والأرض، مُلك حقيقي؛ أنه يملك مُلك حقيقي، يملك مُلك عاري؛ ملَّكه الله -تبارك وتعالى- إياه وإن كان ما كان، فالذي يملكه والذي بين يديه إنما الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملكه؛ وهذا عاريًا، أما أن يملك أحد غير الله -تبارك وتعالى- يملك شيء مُلك حقيقي هو الذي يملكه... لا، لا يوجد غير الله -تبارك وتعالى- مَن يملك شيئًا مُلكًا حقيقيًا، فكل هذه الآلهة المُدَّعاة؛ التي ادُّعيَت لها الألوهية من دون الله -تبارك وتعالى-، لا أحد منها يملك ذرَّة في السماوات ولا في الأرض.

{وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ}، يعني لا يستقيل بالمُلك له، ولا هو مُشارِك لله -تبارك وتعالى-؛ ليس شريكًا مع الله -تبارك وتعالى- في هذا المُلك، وذلك أنه ما أحد عاون الله ولا شاركه -سبحانه وتعالى- في خلْق شيء، ولا في شأن شيء، ولا في تصريف شيء، ما له أي شيء فيه، وما لهم؛ لهذه الآلهة المُدَّعاة، فيهما؛ في السماوات والأرض، من شِرك؛ أي شِرك، أي شركة مع الله؛ يعني يملك مع الله -تبارك وتعالى- شيء، فلا هو مستقل بمُلك شيء؛ ذرَّة يستقل بها عن الله، ولا هو مُشارِك للرب -سبحانه وتعالى- في مُلك شيء، {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}، وما له؛ لله -سبحانه وتعالى-، منهم؛ من هذه الآلهة التي تدعونها، من ظهير؛ من مُعين، مجرد أن يُعين الله -تبارك وتعالى- في خلْق شيء؛ أنه أعان الله، فنفى الله -تبارك وتعالى- عنهم هذه الأمور الثلاثة؛ التي هي أي نوع من المشاركة، فلا يوجد من الآلهة المُدَّعاة مَن يملك مُلكًا خاصًا؛ يملك ذرَّة، مثقال ذرَّة في السماوات ولا في الأرض؛ يملكها وحده، ولا كذلك يُشارِك الرب -تبارك وتعالى- في مثقال هذه الذرَّة، ولا أعان الله -تبارك وتعالى- في خلْق ذرَّة، ما أعان الله -تبارك وتعالى- ولا استعان به الله -تبارك وتعالى- في أن يوجِدَ معه ذرَّة من هذا الوجود، إذن كيف يكون هؤلاء آلهة مع الله؟ يستحقون أن يُعبَدوا مع الله -سبحانه وتعالى-؟.

ثم الأمر الرابع {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، لا تنفع الشفاعة عنده؛ عند الله، الشفاعة هي رجاء إلى الله -تبارك وتعالى- للمشفعوع فيه، فالشافِع يرجوا ويطلب من الله -تبارك وتعالى-؛ إما جلب خير للمشفوع فيه، وإما دفع ضُر عنه، ما أحد تنفع شفاعته عند الله -تبارك وتعالى- إلا لمَن أذِن له، إلا مَن يأذَن الله -تبارك وتعالى- له أن يشفَع عنده، فملائكة الرب، والرُسُل، والأنبياء، والمُكرَّمون منه؛ ما أحد منهم يستطيع أن يشفَع عند الله -تبارك وتعالى- إلا إذا أذِنَ الله للشافِع، كما جاء في حديث الشفاعة عن النبي -صلوات الله والسلام عليه-، أنه عندما يفزَع إليه الناس بعد أن يردَّهُم كل الأنبياء؛ من آدم إلى عيسى -عليه السلام-، يقولون لهم اشفع لنا عند الله -تبارك وتعالى-، فيقول نفسي، نفسي، نفسي ...، وكلٌ يعتذر ويقول اذهبوا إلى غيري حتى يذهبوا إلى النبي محمد -صل الله عليه وسلم-، فعند ذلك يقول النبي محمد أنا لها، هذا المقام المحمود الذي وعَدَه الله -تبارك وتعالى- به، يقول «فأقوم فأسجد تحت عرش ربي، ويُلهمُني الله –تبارك وتعالى- من تسبيحه وتحميده أشياء لا أعلمها الآن»، يقول النبي أُلهَم من تحميد الله وتسبيحه بفتح ربَّاني، يفتح الله -جل وعلا- عليه من الحمد والسبيح لله أشياء؛ يقول النبي ما أعلمها الآن، وإنما تُفتَح عليَّ في هذا السجود بين يدي الرب -تبارك وتعالى- في ذلك الوقت، «ثم يُقال يا محمد ارفع رأسك، وسل تُعطى، واشفع تُشفَّع، فأقول ربي أمتي أمتي، فيحُد لي ربي حدًا فأُدخِلهم الجنة»، فلا يشفع النبي، النبي يسجد، ويحمَد الله، ويُسبِّح، لا يشفع إلا بعد أن يأتيه الإذن الإلهي والأمر الإلهي، «يُقال يا محمد ارفع رأسك، وسل تُعطى، واسفع تُشفَّع»، فعندما يأتيه الإذن بالشفاعة يشفع، وهذا هو أعظم خلْق الله -تبارك وتعالى- جاهًا عند الله؛ وجاهة عند الله -تبارك وتعالى- وشفاعة.

كذلك الأمر في الملائكة؛ فإن الله -تبارك وتعالى- بأنهم لا يشفعون إلا لمَن ارتضى، قال -جل وعلا- عن الكفار {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ........}[الأنبياء:26]، اللي هم الملائكة؛ هذا اعتقاد الكفار، قال -جل وعلا- {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}، ليسوا بنات له، {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ........}[الأنبياء:27]، يعني لا يقولون حتى يقول الرب -تبارك وتعالى-، {........ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[الأنبياء:27] {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}، يعني كل علومهم وكل ما يعملوه هو معلوم للرب -تبارك وتعالى-، ما يعملون أعمال لا يعلمها الله -عز وجل-، {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ}، ثم قال -جل وعلا- {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}، لا يشفعون؛ الملائكة لا تشفع، إلا لمَن ارتضى؛ إلا لمَن يرضى الله -تبارك وتعالى- عنه، {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، هم؛ الملائكة، من خشيته؛ من خوف الله وتعظيمه، مُشفِقون؛ الإشفاق هو نهاية الخوف، يعني الخوف عندهم من الله -تبارك وتعالى- بالغ حدَّه، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:29]، فهذا حال الملائكة مع الله -تبارك وتعالى-، فالله يقول {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}، ثم ذكَرَ الله الملائكة، قال {........ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23]، {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}، الملائكة؛ فإنهم عندما يتكلَّم الله -تبارك وتعالى- يُصعَقون، كما جاء في حديث الإمام البخاري «عن أبي هُريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صل الله عليه وسلم- قال إذا قضى الله -تبارك وتعالى- في السماء ضربت الملائكة الأجنحة خُضعانًا لقوله، ثم كجر سلسلة على صفوان فيُصعَقون، فيكون أول من يَفيق جبريل، فيسأله الملائكة؛ ماذا قال ربك يا جبريل؟ فيقول قال الحق وهو العلي الكبير»، فالله يقول {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}، يعني ذهب الفزَع والخوف عن قلوبهم، {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}، يعني يسألون عن ما قاله الله -تبارك وتعالى-، وقد سمعوا كلام الله لكن صُعِقوا له، لم يُطيقوا سماع كلام الرب -تبارك وتعالى-، هؤلاء الملائكة لا يُطيقون سماع كلام الرب -تبارك وتعالى-؛ هم في غاية الخوف منه، وفي غاية الخشية لربهم -سبحانه وتعالى-، وأول مَن يَفيق جبريل الذي يُخبِرهم بما قال الرب -تبارك وتعالى-، فهذا حال الملائكة مع الرب، كما قال -جل وعلا- هنا في هذه الآية {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، وقال -سبحانه وتعالى- عنهم {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[النحل:50]، فهم يخافون الله -تبارك وتعالى- من فوقهم؛ الذي فوق السماوات العُلا، فوق عرشه وهم بأمره يعملون -جل وعلا-.

{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}، يسأل بعضهم البعض، يسألوا جبريل، وكل سماء يسأل مَن فوقهم، {قَالُوا الْحَقَّ}، قال الله -تبارك وتعالى- الحق، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، العلي؛ فوق خلْقه جميعًا -سبحانه وتعالى-، الكبير؛ العظيم، أكبر من كل مخلوقاته؛ كل مخلوقات الله -تبارك وتعالى-، السماوات والأرض ما هي بالنسبة لله إلا كخردلة في يد الإنسان، كما قال ابن عباس ((ما السماوات السبع والأراضين في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم))، وقال -جل وعلا- عن نفسه -جل وعلا- {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67]، وقال {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}، يطوي الله السماء؛ هذه السماء التي لا يعرف البشر أبعادًا لها، والتي وسَّعها الله -تبارك وتعالى- سِعةً يعجَز البشر أن يصلوا إلى حدٍّ لها، يُخبِرهم -تبارك وتعالى- بأنها السماء مثل ورقة، كما يطوي أحدنا ورقة؛ قرطاس، فإن الله يطوي السماء، {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:104]، فهذا الرب الكبير العظيم -سبحانه وتعالى-؛ كيف يُشرَك به؟ كيف يكون له شريك من خلْقه -سبحانه وتعالى-؟ كيف يدعوا المُشرِك إله له مع الله الذي هذه صفته -سبحانه وتعالى-؟ {........ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23].

ثم بعد هذا وجَّه الله -تبارك وتعالى- كلامه إلى هؤلاء المُكذِّبين، قال {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، قُل لهم مَن يرزقكم من السماوات والأرض؟ يرزقنا من السماوات بإنزال هذا المطر؛ فهذا فِعله وصنيعه، مَن الذي يصنع هذا غير الرب -سبحانه وتعالى-؟! والأرض؛ مَن الذي يُنبِت هذا الزرع الذي به حياتنا؟ هذه الفواكه، هذه الحبوب، هذه البقول، كل هذه المملكة النباتية بملايين الملايين من الأنواع، وما يعيش على هذه الممملكة من الحيوانات الكثيرة؛ التي نأكل منها، نشرب من ألبانها، ونأكل من لحومها، فهذا الرزق؛ الماء النازِل من السماء رزقنا وشرابنا، والنبات النابت في هذه الأرض؛ الذي هو رزقنا وحياتنا، {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ}، قُل الله وهم يُقِرون بهذا؛ العرب المشركون كانوا يُقِرون بهذا، ويعلمون بأن هذا صنعه وهذا خلْقه -سبحانه وتعالى-، ثم {........ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[سبأ:24]، هذه القِسمة يُراد بها إرجاعهم إلى العقل والمنطق، وإنَّا أو إياكم؛ واحد منَّا، طبعًا الدعوتان مُختلفتان؛ دعوة الله -تبارك وتعالى-؛ دعوة رسوله -صل الله عليه وسلم- إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن هناك حساب؛ وهناك جنة، وهناك نار، وهنا صراط للرب –تبارك وتعالى-، ودعوة هؤلاء الكفار المُعاندين المُكذَّبين؛ يقولون لا حكومة، لا بعث، لا نشور، لا جنة، لا نار، حياتنا في الدنيا فقط؛ نفعل فيها ما نشاء، ثم الموت؛ لا بعث بعد ذلك، لا شك أن هذان دينان مُختلفان كل الاختلاف ومتضادان كل التضاد من البداية للنهاية، فالكفار يعبدون غير الله ويشركون به، وقد زعموا أن الملائكة بنات الله؛ وأن لهم شفاعة عند الله، وأن حياتهم هي الدنيا ولا حياة في الآخرة، والنبي -صل الله عليه وسلم- جاء يقول الله -تبارك وتعالى- هو الإله وحده -سبحانه وتعالى-، كل ما سوى الله -سبحانه وتعالى- إنما هم خلْقه وهم مربوبون له، والله ذو السلطان العظيم؛ لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، أنزل كتبه، وأرسل رسله، في شريعة لله، في دين لله، لابد أن تعبدوه وحده لا شريك له، في جنة، في نار، في بعث، فهذا طريقان مُختلفان؛ إذن واحد منَّا على ضلال، وواحد منَّا على هُدى.

{........ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[سبأ:24]، أحدنا ضال والأخر مُهتدي، وإنَّا أو إياكم؛ نحن يا أنتم، {لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}، فهذه قِسمة لا نهاية لها، وهنا القول {........ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[سبأ:24]، ليس شك وإنما هذا فقط لينظروا إلى أنفسهم؛ مَن المُهتدي ومَن الضال؟ أي العقيدتين وأي الدينين هو دين الهُدى وأيهم دين الضلال؟ فلا شك أن الكفار المشركين؛ الذين كفروا بالله -تبارك وتعالى-، وأشركوا به، وزعموا أن هناك آلهة مع الله؛ هم الضَّالون، وأن النبي -صل الله عليه وسلم- وما دعى به إنما هو صاحب الهداية وعلى الصراط المستقيم، {........ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[سبأ:24]، لكن عُرِضَ الأمر بهذه القِسمة لينظروا في أنفسهم وليتفكَّروا؛ أيُّنا مُهتدي نحن أم محمد؟ أيُّنا على الهدى وأيُّنا على الضلال؟ عُرِضَ هذا العرض لعلهم أن يرعَوه وأن يرجِعوا إلى عقولهم ونفوسهم فيعلموا أنه نعم، إن هذا الطريق الذي دعى إليه محمد -صلوات الله والسلام عليه- هو طريق الهُدى؛ الذي لا طريق للهُدى غيره.

ثم قال لهم {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ:25]، هذا بعد تنزُّل معهم في الخِطاب لعلهم يرعَوه، {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ........}[سبأ:25]، على زعمكم؛ أننا مجرمون، وأننا خارِجون عن دين الرب، وسنُسمي النبي محمد؛ محمد والصبِئة، وأنهم خرجوا عن الدين، وقطعوا الرحم، وأتوا بدين لا يُعرَف، وأن هذا خارج العقل، وأن هذا سحر، كهانة، جنون، مثل ما ذكَرَ الله -تبارك وتعالى- عنهم في هذه السورة {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}[سبأ:7] {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}، فكانوا يرون أن هذا إضحوكة، وأن هذا أُعجوبة، أن هذا رجل جاء يُخبِركم هذا الخبر العجيب الغريب؛ أن في بعث يوم القيامة، يقولوا هل هذا مُفتري على الله -تبارك وتعالى- أم مجنون؟ فعلى قولهم أن هذا النبي محمد إنما هو فاعل الإجرام؛ وخارج عن العقل، وخارج عن المنطق، {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ........}[سبأ:25]، على زعمكم، ما ستُسألوا يوم القيامة عن جريمتنا؛ هذا نحن الذي سنُسأل، كل إنسان سيُسأل عن عمله، {وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، وأنتم على زعمكم أنكم تعملون العمل الصالح وأنكم على الطريق القويم؛ كذلك لن نُسأل عنكم، والحال أن المجرم هم هؤلاء الكفار، وأن الذي عملوا العمل الصالح الذي يُثابون عليه هم أهل الإيمان، {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[سبأ:25]، لكن هذا التنزُّل معهم في الخِطاب على هذا النحو لعلهم أن ينتبهوا، أن يرجِعوا إلى عقولهم وأن يُقدِّروا الأمر؛ مَن هو المجرم على الحقيقة؟ ومَن هو المُهتدي على الحقيقة؟.

{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}[سبأ:26]، قُل لهم يا محمد {يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا}، يوم القيامة سيجمع الله -تبارك وتعالى- بيننا وبينكم، {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ}، الفتح؛ الحُكم، يعني سيحكُم الله -تبارك وتعالى- بيننا بالحق، والله -تبارك وتعالى- هو الفتَّاح؛ هو الحكَم -سبحانه وتعالى- الذي يحكُم بالحق، العليم؛ بكل ما صنعه عباده -سبحانه وتعالى-، فإن الله -تبارك وتعالى- لا يخفى عليه شيء، وهذا في النهاية كذلك مع التنزُّل في الخِطاب ومع هذا البيان لكن فيه تخويف؛ فيه تخويف لهم، إن كان لهم عقول يجب أن يخافوا من هذا الأمر، وأن يعلموا أن مرَدَّ الجميع إلى الله -تبارك وتعالى-؛ وأنه سيُحاسِب كل إنسان على عمله، {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا}، يوم القيامة، وأن الله لا يمكن أن يُخلِّي الأمر على هذا النحو، {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ ........}[سبأ:26]، يحكُم بيننا بالحق؛ والله لا يحكُم إلا بالحق -سبحانه وتعالى-، {وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}.

ثم قال -جل وعلا- {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[سبأ:27]، {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ........}[سبأ:27]، أروني؛ وروني، هاتوا هؤلاء، سمُّوا هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء مع الله، {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ........}[سبأ:27]، ملائكته؛ هؤلاء ليسوا شركاء لله -تبارك وتعالى-، وإنما هم عبيد؛ والله يُخبِر أنهم عبيده -سبحانه وتعالى-، وأنهم يعملون بأمره -جل وعلا-، وأنه ليس لهم في الأمر شِرك، وكان العرب كذلك يعتقدون بأنهم بناته؛ ولكن ليس لهم شِرك مع الله، كانوا يقولون لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكًا تملِكَه وما ملَك، هم شركاء لله لكنهم لا يمكلون، والله هو الذي يملِك المُلك كله، هم لا يملِكون لكنهم شركاء لله؛ ويشفعون عند الله -تبارك وتعالى-، فهل هؤلاء شركائه؟ الَّلات، العُزَّى، الشمس التي يعبدونها شريكة لله -تبارك وتعالى-، هذه الأصنام المزعومة التي يعبدونها، وكذلك كل مَن أشرك بالله -تبارك وتعالى- فليُسمِّي إلهه، يُسمِّي إليه وليقُل هذا شريك مع الله، عيسى شريك مع الله؟ عيسى عبْدُه وليس هو ابنه كما يدَّعون، عُزير؟ ما الذي يمكن أن يُسمَّى ويكون شريك مع الله -تبارك وتعالى-؟ والحال أنه ليس لله شريك، {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ ........}[سبأ:27]، حتى إذا سمُّوا هذا؛ وعُرِفَت صفاتهم، وعُرِفَ حالهم، لعلهم بعد ذلك يعقدوا مُقارنة بين هذه الآلهة المُدَّعاة وبين الرب الإله -سبحانه وتعالى-، قال -جل وعلا- {كَلَّا}، لا شريك له -سبحانه وتعالى-، {بَلْ هُوَ اللَّهُ}، الله -سبحانه وتعالى- الإله وحده، الإله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى-، العزيز؛ الغالب، الغالب لكل خلْقه، خلَق الخلْق وهو غالِبهم -سبحانه وتعالى-، لا يغلِبه أحد ممَن خلْق -سبحانه وتعالى-، الحكيم؛ الذي يضع كل أمرٍ في نِصابه، بيان عن عِلمه -سبحانه وتعالى-؛ السابق في عباده، ولعِلمه المُحيط بكل شيء، {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}، فالله هو العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد، الحكيم -سبحانه وتعالى-.

نقف عند هذا، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.