{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد فيقول الله -تبارك وتعالى- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}[سبأ:43] {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}[سبأ:44] {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[سبأ:45] {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ:46]، يخبر -سبحانه وتعالى- عن هؤلاء المشركين المُكذِّبين؛ هذه مقالتهم في النبي -صل الله عليه وسلم- وفي القرآن المُنزَل عليه، قال -جل وعلا- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ}، تُتلى؛ تُقرأ، عليهم آياتنا؛ آيات الله المُنزَلة من عنده -سبحانه وتعالى-، كلامه، القرآن وهو آيات لأن كل جزء منه إنما هو شاهِد على أنه من عند الله -تبارك وتعالى-؛ وهو مُتحدً به أن يأتوا بكلامٍ مثله، فهي آيات؛ براهين في ذاتها على أنه كلام الله -تبارك وتعالى- المُفارِق لكلام البشر، والله نسَب هذه الآيات إلى نفسه -سبحانه وتعالى- لتعظيم هذا الأمر؛ وأنها كلامه -سبحانه وتعالى-، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ}، واضحات، بيِّنة أنها من الله -تبارك وتعالى-، وأنه لا يمكن للبشر أن يقولوا هذا الكلام المُنزَل من عند الله -تبارك وتعالى-، {قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ}، فتكون مقالة هؤلاء المجرمين المُكذِّبين أنهم حصروا، {قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ}، ما هذا؛ يعنون النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ}، وماذا في هذا؟ ماذا لو صدَّهم عما كان يعبُد آباؤهم؟ وهم كانوا يعبدون أوثان وأصنام؛ لا عقول لهم، ولا فقه لهم، ولا فَهْم لهم، فإذا صدَّهم عن هذا الباطل؛ فهل هذه جريمة؟ ولكن إن هذا أمر كبير عندهم؛ هم مُعتزُّون بما كان عليه الآباء والأجداد ولو كانوا ما كانوا، فلذلك يعتبر هذا في نظرهم أن هذا جريمة كبرى؛ أن يأتي رجل ويصدَّهم عن تراث الآباء والأجداد، {قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ}، الصد هو المنع.
{عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى}، انظر الوقاحة والإغراق في الكفر، ما هذا؛ أي القرآن، إلا إفك؛ يعني كذب مقلوب، كذب، والإفك؛ المقلوب، يعني كلام مقلوب، مُفترى؛ قد انتُحِل، وقد افتراه النبي -صلوات الله عليه وسلم-، نسبوا الافتراء إلى النبي؛ أنه انتحله واختلقه من عند نفسه كذبًا على الله -تبارك وتعالى-، انظر جريمتهم ومقالتهم البالغة مبلغها في الكفر والعناد، {........ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}[سبأ:43]، كذلك {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، الله -تبارك وتعالى- قال كفروا؛ وذلك أنهم يعلمون الحق، ويعلمون أن النبي لا يكذب -صلوات الله عليه وسلم-، ما كذب عليهم قبل أن تأتيه الرسالة؛ فكيف يكذب على الله -تبارك وتعالى-؟ يعلمون صِدقه وأمانته لكنهم كفروا، هم كفار؛ عرفوا الحق وستروه وغطوه، وقالوا هذه المقالة وهم يعلمون أنهم كاذبون في ما قالوا، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ}، لهذا الحق؛ القرآن المُنزَل من الله -تبارك وتعالى-، وما جاء به النبي -صلوات الله والسلام عليه-، لمَّا جائهم هذا وعُرِضَ عليهم وقُرِئ عليهم قالوا {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}، إن هذا؛ القرآن، إلا سحرٌ مُبين؛ وذلك أنه يسحَر الإنسان، بمعنى أنه يجعله يرى ما ليس له حقيقة؛ له حقيقة، ويجعله يتصوَّر الأمر على غير صورته، وقد قيل إن من البيان لسِحرًا؛ إنه بيان سحر يُغيِّر صورة الأشياء، ويقلب أفهام الناس، ويجعل الشخص يُفارِق أمه، ويُفارِق أباه، ويُفارِق أخاه، كما قال الوليد ابن المُغيرة لمَّا قال "لكن قولوا أتى بسحر يفرِق به بين الأخ وأخيه، والابن وأبيه، والزوجة وزوجها"؛ أنه يُفرِّق بين الناس، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا}، يعني القرآن، {إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}، بيِّن، واضح، لا خفاء فيه.
قال -جل وعلا- {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا}، يعني أنهم جُهَّال، ويستندون إلى الجهل، وليس عندهم كتاب مُنير من الله -تبارك وتعالى- يستندون إليه، ولا عندهم عِلم؛ ولا آثارة عِلم، {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}[سبأ:44]، فهم في جاهلية جهلاء، ما توارثوا عِلمًا؛ حتى عِلم قبل هذا ما توارثوه، وإنما انطلقوا في هذه المقالات كلها التي قالوها من جهلهم، {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا}، حتى قراءة؛ فقد كان الذين يعرفون القراءة والكتابة فيهم قليلون، قيل أن الجزيرة كلها لم يكن فيها إلا بِضعة وعشرين شخص يعرفون القراءة والكتابة، {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}[سبأ:44]، ليُنذِرهم.
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}[سبأ:45]، هنا الله -تبارك وتعالى- يُذكِّرهم مصارع الغابرين، يقول لهم قد كان أسلافكم من المُكذِّبين كذَّبوا، {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، من الأمم العظيمة الكبيرة التي أهلكها الله -تبارك وتعالى-، {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ}، وما بلغوا؛ يعني هؤلاء المشركين من العرب، مِعشار ما آتيناهم؛ أي في الدنيا، عُشره وأقل من العُشر في الدنيا، فأولئك كانوا أهل ثروات، وأهل غِنى، وأهل بناء، وأهل عِمارة، وأهل علوم هائلة جدًا، ومع ذلك دمَّرهم الله -تبارك وتعالى-، {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي}، يعني السابقين، كذَّبوا الرُسل الذين أرسلهم الله –تبارك وتعالى-، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، نكيري، كيف كان نكير الله -تبارك وتعالى-؟ إنكار الله -عز وجل- عليهم لمَّا كذَّبوا الرُسل، سؤال ويُراد به التهويل والتعظيم، والجواب معروف؛ وهو أنه قد كان والله نكيرًا عظيمًا، فإن الله -تبارك وتعالى- قد أنزَل بهم بطشه وعقوبته التي لا تُرَد، انظر ما فعله الله -تبارك وتعالى- بقوم نوح الذي أغرقهم عن بكرَة أبيهم؛ إلا مَن آمن مع نوح، وقوم فرعون الذين أهلكهم الله -تبارك وتعالى- واستأصلهم، وعاد، وثمود، وأصحاب الآيكة، وكل هذه كانت أمم عظيمة؛ متمكِّنة في الأرض، لها قوة، ولها قُدرة، وهم أكثر من العرب؛ عُمرانًا، وبناءً، وأموالًا، وعلومًا، والله -تبارك وتعالى- دمَّرهم بكفرهم بالرُسل، {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا}، أي هؤلاء العرب، {مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي}، السابقين، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، أي فاعتبروا بمصارع الغابرين قبلكم.
ثم بدأ الله -تبارك وتعالى- هنا يُقدِّم لهم وقفة؛ موعظة، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}، قُل لهم يا محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}، أعِظكم؛ أُذكِّركم، الوعظ كلام للتذكير، والتحذير، وإنذار الشخص المُقدِم على هلاك إنه يأخذ حذره، أو الذي سيفوته أمر عظيم من النفع أن يشُد عَزْمَه وحَزْمَه، فالوعظ كلام بليغ مُباشِر؛ يقوله الواعِظ ليعِظ الموعوظ في ما ينفعه وفي ما يُفيده، دائمًا الوعظ يصدر من حريص على النفع للأخر، نقول مثلًا أخ يعِظ أخاه في هذا الأمر، أو أبٌ يعِظ أبنائه، مُحِب يعِظ مَن يُحِبهم، مُحذِّر يعِظ مَن يخاف عليهم، قُل لهم إنما أعِظكم؛ أنا أعِظكم، بواحدة؛ يعني بخَصلَة واحدة، شيء واحد أرجوا أن تنظروا إليه وأن تتبيَّنوه، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، أن تقوموا لله؛ قيام لله، ساعة لله، مثنى؛ اثنين، اثنين نجلس مع بعض، أو فُرادى؛ واحد، واحد ويتفكَّر في الأمر، يتفكَّر في هذا الأمر الذي جائكم؛ في الرسالة، في النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وذلك لمَّا يقول لهم مثنى مثنى هذا أدعى إلى أن ينتبهوا؛ حيث ما هي؟ {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}، هذا النبي ليس مجنونًا كما تدَّعون، فلو جسلوا كل واحد لوحده ينظر ويُفكِّر؛ هل هذا النبي بالفعل مجنون؟ هل محمد ابن عبد الله الذي جائنا بهذه الرسالة مجنون كما نقول؟ وأمر نُجريه على ألسنتنا ويقوله كِبار القوم؟ وكذلك لمَّا يجلس اثنين؛ هذا يسأل الأخر، يا فلان هل حقًّا أن النبي مجنون كما ندَّعي؟ لِما لا نُفكِّر في أمره ونُراجِع الأمر؟.
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ}، ويكون قيام لله؛ لله الذي تؤمنون بأنه رب السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، وأن تتجرَّدوا هنا من الهوى؛ لأن الهوى يُعمي ويُصِم، تتجرَّد من الهوى وخلي قيامك لله، فيكون قيامك خالص لله -تبارك وتعالى-، وناظر إلى أن الله -تبارك وتعالى- مُطَّلِع عليك؛ وأنه هو رب السماوات والأرض، ثم تتفكَّروا، {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}، مثنى؛ اثنين، لأن الأمر لمَّا يكون مجموعة كبيرة يختلط الأمر؛ وهذا يقول كلمة من هنا، وهذا يقول كلمة من هنا، ويسري في الجمهور والعموم كلام أهل الحماسة، وأهل المكر، وأهل الخُبث، يسري فيهم؛ ربما يقول كلمة يتَّبِعها الغوغاء والكثرة دون وعي منهم ودون تفكير منهم، لكن لمَّا يكون اثنين مع بعض بروحهم، وواحد بروحه، ثم يتفكَّر كلٌ منهم في الأمر فإنهم قد يصلوا إلى الحق، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}، في أي شيء؟ {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ}، ما بصاحِبكم؛ محمد ابن عبد الله -صلوات الله عليه وسلم- هو صاحِبكم، وقد صحِبتموه؛ عرفتموه منذ ولادته بينكم، وفي كل مراحل حياته عرفتموه، وأنه لم يصدر منه تصرُّف يوشي بتاتًا بأنه مجنون أو خارج العقل، كيف يكون هذا؟ فكيف يكون وتتهمونه أنه مجنون؟ {........ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ:46]، هذه حقيقته، ولو أنكم رجعتم إلى أنفسكم وتفكَّرتم في الأمر ستصلون إلى هذه الحقيقة، إن هو؛ محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، وهذي أعظم مهمة، أعظم مهمة؛ أن يكون النبي قائمًا بالنذارة لهم، يُنذِرهم أنهم قومه وهو يُحِبهم ويُحِب لهم الخير، بي يدي عذاب شديد؛ في عذاب شديد قادم، وهذا الذي قام به النبي -صلوات الله والسلام عليه- خطيبًا فيهم؛ في أول خُطبة كان هذا الموضوع، فإن النبي -صل الله عليه وسلم- خرج إلى جبل الصفا؛ في وسط مكة هذا، ثم ناداهم؛ نادى قريش فخَصَّ وعم، كلهم، ناداهم كلهم، وقال لهم «لو أخبرتكم أن خيلًا وراء هذا الوادي تُريد أن تُغير عليكم؛ أكنتم مُصدِّقي؟»، قال لو أخبرتكم بأن هناك خيول تُريد أن تهجم عليكم؛ عدو يُريد أن يُفاجِئكم الآن ويأتيكم، «أكنتم مُصدِّقي؟ قال ما جربنا عليك كذبًا»، هذه شهادتهم؛ ما جربنا عليك كذبًا قبل ذلك، قال لهم «فإني نذيرٌ لكم؛ بين يدي عذابٍ شديد»، أنا مُنذِر، أنا رسول من الله -تبارك وتعالى-، وقد أرسلني الله لأخبركم أنه ثمَّة عذاب شديد لله -تبارك وتعالى-؛ للمُكذِّب بالله -تبارك وتعالى-، والمُشرِك بالله، فردُّوا عليه ردًّا سيئًا، وكان من الذي ردُّوا عليه عمُّه أبو لهب، وقال له ألِهذا جمعتنا؟ تبًّا لك سائر اليوم، قال له أنت تجمعنا لهذا الأمر؛ يعني أنه أمر سخيف، ومنذ ذلك الوقت بدأ الاتهام للنبي -صلوات الله والسلام عليه-.
فالله يُخبِر بأنهم لو انفردوا بأنفسهم؛ كل واحد انفرد بنفسه، أو كل اثنين انفردوا بأنفسهم وفكَّروا في حقيقة الأمر فإنهم سيصلون إلى هذه الحقيقة؛ أن النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- إن هو إلا نذيرٌ لهم، بين يديه عذاب شديد، والنبي قد كان حريص -صلوات الله والسلام عليه- وضرب مثَل لنفسه ولأمته بهذا، فقال «إنما مثَلي ومثَلكم كمثَل رجل رأى الجيش بعينيه»، رأى جيش يُريد أن يُغير على قومه، فأتاهم مُسرِعًا قبل أن يأتي الجيش وقال لهم «يا قوم؛ إني رأيت الجيش بعيني وإنه مُصبِّحكم»، سيجيء لكم الصبح؛ يكون هنا في ساحتكم، «فأدلِجوا»، اهربوا من هذا المكان لأنه جيش عظيم ما تُطيقونه؛ سيجيئكم إلى أرضكم هذه، قال «فأطاعه قوم؛ فأدلَجوا، فنجوا، وكذَّبه قوم؛ فصبَّحهم العدو، فاستأصلهم»، فهذا مثَل ضربه النبي -صل الله عليه وسلم- لنفسه في نِذارته للناس، قال لهم «يا قوم إنما مثَلي ومثَلكم كمثَل رجل رأي الجيش بعينيه، فأتى قومه فقال يا قوم؛ إني رأيت الجيش بعيني وإنه مُصبِّحكم فأدلِجوا، فصدَّقه قوم فأدلَجوا؛ فنجوا، وكذَّبه أخرون فبقوا»، قالوا أنت ما عندك سأل فكذَّبوه، «فصبَّحهم الجيش؛ فاستأصلهم»، ثم قال النبي «وإني أنا النذير العريان»، أنا أعظم نذير يُنذِر قومه، فهو نذير إلى العالمين -صلوات الله والسلام عليه-، يُنذِر الناس بالعقوبة الشديدة التي تنتظرهم إن هم كذَّبوا بهذه الرسالة؛ التي أرسلها الله -تبارك وتعالى- به.
فالله يقول لهم إن هو؛ أي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، {إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ}، نذير؛ مُخوِّف، بين يدي عذابٍ شديد؛ قبل مجيء العذاب، والعذاب هذا عذاب في الدنيا وعذاب في الآخرة للمُكذِّبين، وقد أتى العذاب الدنيوي لمَن كذَّب النبي -صل الله عليه وسلم-؛ كما أتاهم عذاب القتل في بدر، وينتظرهم العذاب الأُخروي وقد قال النبي لقتلى بدر «يا فلان، يا فلان، يا فلان ...، ناداهم بأسمائهم، هل رأيتم ما وعَدَ ربكم حقًّا؟ فإني قد رأيت ما وعَدَني ربي حقًّا»، هذا هو؛ هذا موعود الله -تبارك وتعالى-، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، عذاب الآخرة.
ثم {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[سبأ:47]، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}، أنا لم أسألكم أجر على هذه؛ تبليغي لهذه الرسالة، وقيامي بها، ونُصحي لكم، وتعليمي إياكم هذا الدين كله، لا أطلب منكم أجرًا على هذا، عِلمًا بأنه قد أتى بأعظم نفع، وأعظم مهمة، وأعظم دلالة على الخير، وأعظم تحذير عن أكبر شر، ويستحق لو أعطاه كل أحد ما يملِكه لمَا وفَّاه حقَّه -صل الله عليه وسلم-، ولكن النبي جاء بهذه الرسالة وفيها كل هذا النفع دون أن يطلب من أحد أجر على هذا، وأن يقول لهم أعطوني أجر على هذا البلاغ، وهذه النِذارة، وهذا التعليم، وهذه الرسالة، وهذا الخير الذي قد أتيت به إليكم، وهذا الضُّر الذي سيُدفَع عنكم إذا أنتم سِرتم في هذا الطريق؛ ما طلب النبي أجرًا على هذا، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}، يعني كل أجر تنالونه أو تدفعونه لكم، لو تدفع أي شيء ما تدفع للنبي -صل الله عليه وسلم-، النبي ما طلب أجرًا، وإنما كل عمل تعمله سيعود لك، تُنفِق في سبيل الله لو بالفَلس؛ فإنه سيعود لكم، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ........}[سبأ:47]، أنا لا أطلب أجرًا على قيامي بهذه الدعوة وبهذه الرسالة إلا من الله -تبارك وتعالى-، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، تخويف عظيم؛ شاهِد عليَّ وعليكم، إن كنت قد كذبت عليه؛ لا شك أن الله مُشاهِد -سبحانه وتعالى-، لا يمكن أن يُخلِّيني وأن يتركني، كيف يُكذَب على الله -تبارك وتعالى- ويُخلِّي الله الكاذب عليه ويتركه؟ وكذلك شاهِد عليكم؛ أنتم كذَّبتم هذا الحق، وتعلمون أنه حق، وتعلمون أنه من الله -تبارك وتعالى-، فاعلموا أن الله شهيد؛ حاضر، وهو مُطَّلِع عليكم، وبالتالي فاعلموا أنه سيُجازي كل أحد بما يستحق؛ بالذي يستحقه، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، تخزيف عظيم ونِذارة عظيمة من الله -تبارك وتعالى- لهؤلاء المُكذِّبين المُعاندين.
ثم يأَّسهم الله -تبارك وتعالى- من الطريق الذي يسيرون فيه؛ طريق الباطل، قال لهم {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[سبأ:48]، قل لهم {........ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[سبأ:48]، يقذف بالحق؛ يعني يأتي به -سبحانه وتعالى-، ويضعه الآن في أوساطكم، ويخبركم به، وهو علَّام الغيوب -سبحانه وتعالى-؛ كل المستقبل هذا والغيب الذي سيأتي يعلمه -سبحانه وتعالى-، فإذا أخبركم بأنه سيكون هذا الأمر فسيكون؛ لأنه من الله -تبارك وتعالى- علَّام الغيوب، ما هذا الحق الذي يأتي؟ {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ:49]، قُل لهم خلاص؛ انتهى الكفر، وانتهى الدين الذي أنتم عليه، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ}، دين الله -تبارك وتعالى- لأنه حقٌ ثابت، {........ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ:49]، انتهى، مات، الباطل مات؛ انتهى، لا يُبدئ ولا يُعيد لأن الميت لا يُبدئ ولا يُعيد، ما يبدأ فعل ثاني ولا يُعيد فعلًا كان يفعله في السابق، لا يُعيده ولا يشرَع في فعل أخر؛ فقُل لهم هذا، وهذا تيئيس لهم من الطريق الذي ساروا فيه؛ طريق الكفر، والعِناد، ومُعاداة النبي -صل الله عليه وسلم-، وأن باطلهم مُضمحِل ومُنتهي، ليس سيضمحِل بل قد مات؛ انتهى خلاص، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}[سبأ:49].
{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}[سبأ:50]، هذا كذلك تنزُّل معهم في الخِطاب، وبيان أن شأن النبي -صلوات الله والسلام عليه- إنما كل عمله عائدٌ إليه، {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ}، على قولكم؛ أنه قد ضلَّ عن الهُدى، وأنه افترى، وكذَب، {فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي}، يعني نتيجة هذا الضلال الذي تزعمونه إنما هي على نفسي، وذلك أن الله -تبارك وتعالى- لن يُخلِّي مَن يكذب عليه ويتركه، بل إنه لابد أن يُعاقِبه، فما عليكم؛ يعني ليس عليكم هذا وإنما على نفسي، {........ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}[سبأ:50]، وإن كنت مُهتديًا؛ والحال أنه هو المُهتدي -صلوات الله والسلام عليه-، {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي}، ما هو من عندي كذلك الهِداية، وإنما هذه الهِداية هِداية الله -تبارك وتعالى-، فبما يوحيه إلي؛ الوحي هو الإعلام الخفي، والنبي كان يأتيه هذا الإعلام الخفي من الله -تبارك وتعالى- عن طريق جبريل -عليه السلام-، {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي}، يُخبِرني هذا الوحي بهذا العِلم من عنده -سبحانه وتعالى-، وربي؛ هنا أضاف النبي نفسه إلى الله -تبارك وتعالى- وهذه إضافة رحمة، وأنه ربُّه -سبحانه وتعالى-، وأنه لن يُخلِّيه، وأن هذه الهداية منه -سبحانه وتعالى-، {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}، إنه؛ الله -سبحانه وتعالى-، سميع؛ لكل الأصوات، لا يغيب عنه شيء -سبحانه وتعالى-، قريب؛ من كل خلْقه -سبحانه وتعالى-، يسمعهم، يُبصِرهم، فهو قريب معهم كما قال -تبارك وتعالى- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[المجادلة:7]، فالله -تبارك وتعالى- فالله -تبارك وتعالى- مع كل أحد؛ بسمعه، وبصره -سبحانه وتعالى-، وعِلمه، لا يفوته شيء {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ}.
ثم شرَعَ الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك يُبيِّن حال هؤلاء المُكذِّبين يوم القيامة، ونقل الله -تبارك وتعالى- لنا الصورة التي سيكونون عليها في يوم القيامة، قال {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}[سبأ:51]، {وَلَوْ تَرَى}، خطاب للنبي -صلوات الله والسلام عليه-، أي حال هؤلاء المُكذِّبين، المعاندين، المستكبرين الآن، الشامخين بأنوفهم، المبتعدين عن الحق، لو ترى حالهم إذ فَزِعوا؛ عندما نزل عليهم العذاب، {فَلا فَوْتَ}، ما في فوت وإنما خلاص؛ يؤخذون بكلُيَّتهم ولا يُغَادَر منهم أحد، {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}، وأُخذوا؛ أهلكهم الله -تبارك وتعالى-، من مكان قريب؛ المكان الذي هو فيه عندما ينزل عليهم العذاب، لن يهربوا بعيدًا حتى يُقبَض عليهم، وإنما يؤخذون من مكانهم، {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}، {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ}، وقالوا عندما نزل عليهم العذاب على هذا النحو؛ وأحاط بهم من كل مكان، آمنا به؛ رجعوا للإيمان، آمنا به؛ بالنبي، بالقرآن المُنزَل من الله -تبارك وتعالى-، قال -جل وعلا- {........ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:52]، أنَّى؛ كيف، يعني هذا بعيد، كيف الاستبعادية، {........ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:52]، والتناوش بمعنى التناول، والتناوش هو التناول من قريب، {........ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:52]، يعني خلاص أصبح الإيمان بعيد عنهم، لأنهم الآن في حال الأخذ؛ بحال الأخذ بالهلاك في الدنيا، أو بحال يوم القيامة، ويوم القيامة خلاص؛ أصبح الإيمان بعيد، لأن الإيمان كان مقبولًا منهم عندما كانوا في الحياة الدنيا؛ قبل الموت، أما الآن بعد أن ماتوا وعندما بُعِثوا أصبح بينهم وبين الإيمان مسافة طويلة؛ وين يأخذوه مرة ثانية؟ وين يتلقَونَه؟ ولا يُقبَل منهم؛ ما عاد يُقبَل منهم مرة ثانية، {........ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:52]، فصوَّر الله -تبارك وتعالى- حالتهم بهذه الصورة التمثيلية؛ كمَن يُريد أن يتناول شيء هو في الشمس، عند الشمس ويُريد أن يأخذها بيده؛ ما عاد هناك مجال، لا مجال لأنهم خلاص؛ ابتعد عنهم الإيمان ولا يُقبَل منهم، فإذا قالوا آمنا؛ وياربي آمنا، وصدَّقنا، وأرجِعنا، فإن هذا كله لا يُقبَل، {........ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:52].
{وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}، من قبل؛ عندما كانوا يُدعَون إلى هذا الإيمان وهم أحياء في الدنيا كفروا به ولم يقبلوه، {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:53]، كانوا يقذفون بالغيب؛ يقولون لن يكون هناك يوم قيامة، ولن يكون، ولن يكون، ولن يكون ...، وهم في مكان بعيد، يتكلمون بالغيب وكأنهم يرون هذا الغيب بأبصارهم، {........ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:53]، ثم قال -جل وعلا- {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}، حِيل؛ وقعت الحِوالة، {بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}، في الدنيا كانوا عايشين مُربَعين في قصورهم، وبساتينهم، ولهوهم، ولعبهم، فهذا الذي كانوا يشتهونه من هذه الحياة الدنيا خلاص؛ لما أُخِذوا بالعذاب، وأصبحم خلاص؛ في قبضة الملائكة، والنار أمامه خلاص؛ حيل بينهم وبين ما يشتهون أي في الحياة الدنيا، {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}، مثل ما فعل الله -تبارك وتعالى- بأشياعهم؛ بنُظرائهم، وأشكالهم من قبل؛ من قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم فرعون، كلهم كانوا على هذا النحو، لكن لمَّا أحاطهم العذاب راحت عنهم قصورهم، ودورهم، وزوجاتهم، وحياتهم التي كانوا فيها كلها راحت، {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ}، قال -جل وعلا- {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}، إنهم كانوا؛ في الدنيا، في هذه الحياة، في شك؛ من يوم القيامة، مُريب؛ ريب، يعني ملأهم الريب والشك في أنه سيكون يوم قيامة؛ فربنا أراهم إياها رأي العين، وشاهَدوها، ووقعوا فيها.
لا حول ولا قوة إلا بالله، نستغفر الله ونتوب إليه، بهذا تنتهي هذه السورة العظيمة؛ سورة سبأ، اسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا بما فيها من العلم والهُدى، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، والحمد لله رب العالمين.