{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3] {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيد الأولين والآخرين؛ نبينا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فاطر:1] {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر:2] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر:3] {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[فاطر:4] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر:5] {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6]، هذه سورة فاطر؛ أو سورة الملائكة، من القرآن المكي، بدأ الله -تبارك وتعالى- بحمْد نفسه -سبحانه وتعالى-؛ قال {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، الثناء عليه -سبحانه وتعالى-؛ لأسمائه، وصفاته، وأفعاله -سبحانه وتعالى-، فالله -تبارك وتعالى- هو الله الذي تقدَّسَت أسمائه وتعالَت صفاته -سبحانه وتعالى-، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع، البصير، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولَد، ولم يكن له كفوًا أحد، الرحمن، الرحيم، مالك يوم الدين -سبحانه وتعالى-، خالق الخلْق أجمعين، رب العالمين -جل وعلا-، يُثنى على الله -تبارك وتعالى- ويُحمَد لأسمائه، وصفاته، وأفعاله -سبحانه وتعالى-، ولا يُحصي أحدًا ثناءً عليه كما أثنى على نفسه -سبحانه وتعالى-، فإنه لا يعلم الله على الحقيقة إلا الله -سبحانه وتعالى-، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ}، وهذا من أفعاله -سبحانه وتعالى-؛ {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، فاطرها؛ هو الذي بدأ خلْقَها -سبحانه وتعالى-، فلم يكن هناك مثال سابق أخذه الله -تبارك وتعالى-، أو أن شق هذه الأرض، وشق هذه السماوات، وبناء هذا الكون؛ كان لأحد غيره -سبحانه وتعالى-، بل هو فاطر السماوات والأرض؛ هو الذي بدأ خلْقَها، «عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال ما علِمت فاطر إلا عندما تخاصَم عِندي أعرابيان في بئر، فقال أحدهما أنا الذي فطرتها»، أنا الذي فطرتها يعني أنا الذي شققت هذه البئر أول مرة في مكانها؛ في الصحراء، فبالتالي أنا صاحبها، فالله فاطر السماوات والأرض، هو الذي خلَق هذه الكتلة؛ مادة هذه السماوات والأرض هو خالقها، وهو الذي شقَّها على هذا النحو ووضع كل سماء في مكانها -سبحانه وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[فصلت:9] {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}[فصلت:10]، يومين ويومين، {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11] {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}، أصبحت ست أيام، {........ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[فصلت:12]، وقال -جل وعلا- {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30].
فالله فاطر السماوات السبع العُلا، وهو فاطر الأرض -سبحانه وتعالى-؛ هو الذي شقَّها، وأجرى فيها أنهارها، ووضع فيها رواسيها -سبحانه وتعالى-، فيُحمَد لهذا؛ حمْد الله -تبارك وتعالى-، وماذا في السماوات والأرض؛ من عظيم الخلْق، وبديع الصنع، ومن آيات الله -تبارك وتعالى- التي لا يمكن أن يجمعها كتاب وأن يُحصيها عد؛ كيف؟ ولو جمع الناس كل ذرَّة من ذرَّاتها؛ ما في هذه الذرَّة من الأسرار ومن عظيم الصنع، لاستغرق هذا عشرات الكتب في كل ذرَّة من هذه الذرَّات، فكيف بهذه السماوات، وكيف بما زخر الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض؛ من العوالِم المختلفة والمخلوقات أمر يفوق الوصف، فيُحمَد الله -تبارك وتعالى-؛ الله يُحمَد لأنه -سبحانه وتعالى- هو خالق السماوات والأرض -جل وعلا-، {فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}.
ثم {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ}، الحمد لله؛ فهذا خلْقه -سبحانه وتعالى-، جاعِل؛ مُصيِّر وخالق، الملائكة؛ ملائكة الله -تبارك وتعالى-، جُنده الذين خلَقهم من نور، بدأ خلْقهم كذلك؛ الله هو خالقهم -سبحانه وتعالى-، وخلَقهم -سبحانه وتعالى- وجعلهم رُسلًا منه -سبحانه وتعالى-؛ يُرسِلهم في جنَبَات هذا الكون، كلٌ مُكلَّف بمهمة يقوم بها -سبحانه وتعالى-، {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا}، فهم مُطيعون، رُسُل من عنده -سبحانه وتعالى-، {أُولِي أَجْنِحَةٍ}، أُلي؛ أصحاب، كل الملائكة جعلهم الله -تبارك وتعالى- أصحاب أجنحة، وذلك للطيران والسباحة في هذا الكون الفسيح، {مَثْنَى}، ملَك له جناحان، مثنى؛ اثنين، {وَثُلاثَ}، ملَك وله ثلاث أجنحة، {وَرُبَاعَ}، ملَك له أربع أجنحة، {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}، فهذا تفاوت الملائكة في الخلْق، الله -تبارك وتعالى- خلَقهم مُتفاوتين في الخلْق والقدرات، {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}، وقد أخبر النبي -صل الله عليه وسلم- عن جبريل أنه له ستمائة جناح؛ وأنه رآه، محمد -صلوات الله والسلام عليه- رأى جبريل على الصورة التي خلَقَه الله -تبارك وتعالى- عليها مرتين؛ مرة في مكة عند بدء الوحي، في بدء الوحي جائه بصورة رجل، ثم بعد ذلك رآه في الفترة التي كانت فترة الوحي حتى نزلة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر:1]، يقول «ثم نظرت فإذا الملَك الذي جائني في حِراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، كلما نظرت في الأفق رأيته أمامي»، يعني أنه قد سدَّ الأربع جهات حوله؛ رآه أمامه، وأنه أخبره بأنه نبي هذه الأمة، والمرة الثانية التي رآه على صورته؛ رآه في السماء عند سِدرة المُنتهى، قال -جل وعلا- {وَلَقَدْ رَآهُ ........}[النجم:13]، يعني محمد رأى جبريل -عليه السلام-، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13] {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}[النجم:14]، وهي السِدرة التي هي آخر مقام جبريل بين يدي الله -تبارك وتعالى-؛ مقامه عند هذا المكان، وكل ملَك له مقام كما قال الله -تبارك وتعالى- عن الملائكة {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات:164]، مقام يقوم فيه وعمل يؤديه؛ لا يتجاوزه.
{وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[الصافات:164] {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:165] {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}[الصافات:166]، وإنَّا لنحن الملائكة صافُّون بين يدي الله -تبارك وتعالى- للعبادة، كما أن البيت المعمور؛ بيت الملائكة، المعمور بالملائكة، يعبدون الله -تبارك وتعالى- فيه، يدخله في كل يوم سبعون ألف ملَك؛ يُصلون فيه صلاة واحدة، ثم لا يعودون إليه بعد ذلك أبدًا، ما عادوا يعودوا مرة ثانية للصلاة فيه، تأتي نوبَتهم مرة واحدة في كل الدهور؛ مرة واحدة في العمر، سبعون ألف ملَك في كل يوم يأتون للصلاة مرة واحدة في هذا البيت المعمور؛ في السماء، فالملائكة رُسُل؛ الله -تبارك وتعالى- أقامهم رُسُل كلٌ في مهمته، جبريل -عليه السلام- فإنه في المهمة التي كلَّفه الله -تبارك وتعالى- بها، وأنه سفير الله -تبارك وتعالى-؛ من الله -عز وجل- إلى رُسُله ممَن يُرسِلهم الله -تبارك وتعالى- من البشر، فهو النازل بوحي الله -تبارك وتعالى- من الله -تبارك وتعالى- إلى مَن يختارهم الله -تبارك وتعالى- ويُرسِلهم، وكل ملَك في مهمة كما في قول الله -تبارك وتعالى- {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق:4]، مُحصي، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]، {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ........}[السجدة:11]، «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرُج الذي باتوا فيكم فيسألهم ربهم؛ كيف تركتم عبادي؟»، وهو أعلم بهم -سبحانه وتعالى-؛ أعلم بعباده من الملائكة المُرسَلين، «فيقولون ربي أتيناهم وهم يُصلون، وتركناهم وهم يُصلون»، وهذا النبي يُصلي -صلوات الله والسلام عليه-، ثم بعد أن قال "سمِعَ الله لمَن حَمِدَه" يسمع أحد الصحابة يقول ورائه "ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا، طيبًا، مباركًا فيه"، فلمَّا صلَّى النبي قال مَن الذي قال آنفًا؟ هذه المقالة "ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا، طيبًا، مباركًا فيه"، فقال قائلها من الصحابة أنا يا رسول الله؛ ولم أُرِد إلا الخير، فقال النبي -صل الله عليه وسلم- لقد رأيت بِضعة عشر ملَكًا يبتدرونها إلى السماء، ومعنى يبتدرونها يعني كلٌ يُبادِر قبل الأخر أن يُصعِدها إلى الرب –سبحانه وتعالى-، يبتدرونها إلى السماء يعني أيهم يرفعها أولًا إلى الله -تبارك وتعالى-، قال –جل وعلا- {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، إليه؛ إلى الله -تبارك وتعالى-، في السماء، فوق عرشه، يصعد الكلِم الطيب؛ تُصعِده الملائكة، تسمع ما تسمه من البشر ويرفعون هذا إلى الرب -تبارك وتعالى-؛ وهو أعلم بهم.
كما أخبر النبي -صلاة الله وسلامه عليه- أنه لا يجتمع قوم يذكُرون الله -تبارك وتعالى- في الأرض إلا حفَّتهم الملائكة، وغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وأن عندما يرفع الملائكة عمل وذِكر هؤلاء البشر إلى الرب -تبارك وتعالى- يسألهم؛ ماذا كان عبادي هؤلاء يفعلون؟ يقولوا ربي يسبِّحونك، ويُمجِّدونك، ويُحمِّدونك، ويسألونك الجنة، فيقول لهم الله -تبارك وتعالى- هل رأوها؟ يعني هل رأى هؤلاء الجنة؟ فيقولوا لا يا رب، قال كيف لو رأوها؟ يعني كيف لو رأوا جنتي على الحقيقة؟ هؤلاء الذين يدعون الله -تبارك وتعالى- الجنة، فيقولون يا رب إذن يكونون أكثر طلبًا لها، يقولون يجتهدون في الطلب لها، قالوا يا ربي ويدعونك أن تُجنِّبهم النار؛ يستعيذون بك من النار، فيقول هل رأوها؟ هل رأوا النار هؤلاء الذي يستعيذون منها؟ فيقولون لا يا رب، فيقول كيف لو رأوها؟ كيف لو رأوا النار على الحقيقة؟ فيقولون إذن يكونون أشد منها هربًا، فيقول الرب -تبارك وتعالى- أُشهِدكم أني قد أعطيتهم سُئلَهم، فالله -تبارك وتعالى- يُشهِد ملائكته هؤلاء الذين أرسلهم فيما أرسلهم فيه؛ من استماع ذِكر العباد، ومن معرفة ما يقولون وما يدعون به ورفع هذا إلى الرب -تبارك وتعالى-، فيقول الله -تبارك وتعالى- أُشهِدكم أن هؤلاء العباد الذي جلسوا هذا المجلس قد أعطيتهم سُئلهم، فيقول ملَك أي ربي فيهم فلان؛ رجل خطَّاء، ليس منهم، إن فيهم فلان هذا يدل على أن الملائكة يعلمون القوم الذين جلسوا، فيقولون فيهم فلان خطَّاء، ما هو من هؤلاء الجماعة الذين جلسوا لهذا؛ أتى لأمر أخر، فيقول الله -تبارك وتعالى- هم القوم؛ لا يشقى بهم جليسهم، هم القوم الحقيقي؛ قوم الله -سبحانه وتعالى-، يقومون بذِكره، لا يشقى جليسهم، يعني أن الجائزة النازلة من الله -تبارك وتعالى- إليهم لا تُخطئ مَن جلس معهم، فالجالس معهم هذا كذلك تناله جائزة الرب -تبارك وتعالى-.
هؤلاء الملائكة؛ الملائكة الذين هم في طاعة الله -تبارك وتعالى-، كما قال -جل وعلا- {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، فقول الله {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا}، رُسُلاً منه -سبحانه وتعالى- في ما يُرسِلهم فيه من المهام، وقد أخبر -سبحانه وتعالى- أنه بالدقة لا يُرسَل الملَك إلى بالأمر الإلهي، ويسير بالأمر الإلهي ما يتأخر ثانية، ليس مُختارًا أن يذهب كما يشاء، {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ}، وما نتنزَّل؛ الملائكة، {........ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم:64]، {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}، في خلْق الملائكة يزيد الله -تبارك وتعالى- فيها ما يشاء، وقد أخبر النبي -صل الله عليه وسلم- قال «أُذِن لي أن أُحدِّث»، أُذِن لي؛ والذي يأذن له الله -تبارك وتعالى-، «أن أُحدِّث عن ملَك من حملة العرش، ما بين شحمة أُذنِه إلى عاتقه تخفق الطير خمسمائة عام»، هذا المكان في هذا الملَك؛ من شحمة الأُذن إلى العاتِق، وهي عندنا ما تتعدى بِضعة سنتيمترات، أقل من شبر في الإنسان؛ بشبر الإنسان وفِترِه، ولكن في هذا الملَك تخفق الطير؛ لو أن طير تسير بسرعتها، كالصقر مثلًا الذي يسير بسرعة نحو خمسة وأربعين كيلو متر في الساعة، فإنه يمكث خمسمائة عام لا يقطع هذه المسافة من ملَك واحد؛ من حملة عرش الرب -تبارك وتعالى-، فالله يزيد في خلْق الملائكة ما يشاء، كما زاد في خلْق جبريل -عليه السلام- من جملة الملائكة؛ وكان له ستمائة جَنَاح.
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، إن الله؛ تأكيد الله -سبحانه وتعالى-، على كل شيء؛ من هذا الخلْق ومن حِفظه، يعني هذا الخلْق العظيم الذي لا يمكن لعقل أن يُحيط به، والذي لا يُعرَف أبعاده ولا مقداره، لا يقْدُر هذا الخلْق العظيم إلا الله؛ إلا الذي خلَقَه -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، لا يُعجِزه شيء -سبحانه وتعالى-، والذي خلَق هذه السماوات، ورفعها وهي هذه السماوات العِظام، انظر إلى هذه الأجرام العظيمة، كتلة الشمس التي هي قدْر الأرض بعِدَّة ملايين من المرات، انظر كيف قهرها الله -تبارك وتعالى-؛ وألزمها مكانها، ومسارها، ومدارها، {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5]، بالحساب الدقيق؛ لا تتعداه، كيف بالسماوات السبع التي هي فوق ذلك؟ وكيف بكل هذه النجوم؟ إنما هي شموس ونجوم قليلة قد زيَّن الله -تبارك وتعالى- بها السماء الدنيا، قال {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}[الصافات:6] {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}[الصافات:7] {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}[الصافات:8] {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:9]، فهذه صناعة الرب -سبحانه وتعالى-، صنعة الرب العظيم التي يُحمَد لها، حمْد الله؛ حمِدَ الله -تبارك وتعالى- نفسه على هذا الخلْق العظيم الذي خلَقَه، {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فاطر:1].
ثم كذلك مما يُحمَد الله -تبارك وتعالى- عليه، قال -جل وعلا- {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا}، الله هو الذي بيده الخير كله، وإذا فتح رحمة لبعض عباده؛ لعبد من عباده، أو أكثر من عباده، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا}، لا يستطيع أحد أن يمنع رحمة الله -تبارك وتعالى- عمَّن يشاء الله -تبارك وتعالى- أن يرحمه، من رحمة؛ رحمة من رحمات الدنيا والآخرة، رحمة في الخلْق، في الرزق، في أي نعمة من النِعَم، في الهداية، في الرسالة، إذا أراد الله -تبارك وتعالى- أن يرحم الناس فإنه لا يستطيع أحدٌ أن يحجُب رحمة الله -تبارك وتعالى- عن مسارها ومكانها، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا}، ومن أعظم رحمات الله -تبارك وتعالى- رحمته بإرسال النبي -صل الله عليه وسلم-؛ أعظم الرحمات، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]، فهذه الرحمة التي للبشر كلهم؛ مَن يستطيع أن يُمسِكها؟ مَن يستطيع أن يمنع هذه الرحمة؟ وأن يُزيلها؟ وأن يجعلها لا تسير في سبيلها الذي أراده الله -تبارك وتعالى-؟ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر:2]، وما يُمسك؛ عن العباد من رحمة من رحماته -سبحانه وتعالى-، {فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}، ما أحد يستطيع أن يفُك هذا، وأن يجعل هذه الرحمة التي أمسكها الله -تبارك وتعالى- تسير، فإذا أمسك الله -تبارك وتعالى- المطر مثلًا عن بعض عِباده ما يستطيع أحد أن يصنع هذا، أو أن يُمسِك الله -تبارك وتعالى- عليهم أي صورة من صور ما يُريده الله -تبارك وتعالى-؛ صورة من صور الرحمة، فإنه لا يستطيع أحد أن يحول بين عذاب الله -تبارك وتعالى- وبين إمساكه رحمته عن عِباده -سبحانه وتعالى-، ما أحد يستطيع أن يُمرر هذه الرحمة وأن يُرسِلها والله -تبارك وتعالى- أراد أن يُمسِكها، {وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ}، الغالب، العِزَّة؛ الغلَبة، والعرب تقول مَن عزَّ بز؛ يعني مَن غلَبَ استلب، يعني مَن غلَب يستلِب، فالله هو العزيز؛ الغالب، الذي لا يغلبه أحد -سبحانه وتعالى-، لا أحد يغلب الله -تبارك وتعالى-، بل الله هو الغالب لكل خلْقه -سبحانه وتعالى-، كل خلْقه في قهره؛ وتحت أمره، وتحت مشيئته -سبحانه وتعالى-، {الْحَكِيمُ}، غالب وحكيم؛ يضع كل أمر في نِصابه -سبحانه وتعالى-، فلا يخرج شيء عن مُقتضى حِكمته -جل وعلا-، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
ثم قال -جل وعلا- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، بعد هذه المُقدِّمة للسورة وبيان خلْق الله -تبارك وتعالى- وشيئًا من صفاته؛ وأنه المحمود -سبحانه وتعالى- على هذا، نادى الله -تبارك وتعالى- العِباد ودعاهم إليه -سبحانه وتعالى-، فقال {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، خِطاب منه -سبحانه وتعالى- مُباشِر إلى كل أحد من البشر، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، اذكُروها؛ استحضروها، تُستحضَر في الذهن وفي العقل، {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، نعمة الله هنا مُفرَد مُضاف إلى الله -تبارك وتعالى- فتعُم؛ يعني نِعَم الله -تبارك وتعالى-، والتي لا يمكن للعِباد أن يُحصوها، نعمة خلْقِكم، نعمة رزقكم، نعمة ما يسَّر لكم من هذه النِعَم التي تلُفوكم من كل جوانبكم؛ وأن الله -تبارك وتعالى- هو مُسديها، وهو خالقها، وهو فاعلها -سبحانه وتعالى-، فاذكروا هذا؛ استحضروا هذا، {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}، سؤال يُراد به التقرير، هل مِن خالق؛ موجِد، الخلْق؛ إخراج الشيء من العدَم إلى الوجود، غير الله؛ في هناك إله خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض، يرزقكم من السماء بإنزال هذا المطر، ورزقه من الأرض بما يُخرَج من الزرع، يُخرِج من الزرع ما تعيشون عليه؛ تعيش عليه أنعامكم التي تأكلونها، كل ما تأكلونه وما تلبسونه كله رزق، والرزق هو كل ما يُنتفَع به من هذه، هل هناك إله غير الله -تبارك وتعالى- خَلَقَ شيئًا من هذا الرزق؟ ما الذي يُعبَد من دون الله؟ الشمس، القمر، النجوم، الكواكب، الأشجار، بعض البشر كعيسى ابن مريم -عليه السلام-؛ الذي أُدُعيَت له الألوهية، الملائكة، مَن هناك إله خلَقَ شيئًا من هذا؟ ويستطيع أن يخلُق شيء من هذا؟ يخلق حبَّة قمح واحدة؛ بُرَّة، قطرة ماء واحدة؛ يستطيع أن يخلقها؟ الله يقول بهذا السؤال {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}.
قال -جل وعلا- {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، لا إله إلا هو؛ لا إله يستحق العبادة إلا هو -سبحانه وتعالى-، فهو الإله وحده لأنه هو الخالق وحده، هو فاطر السماوات والأرض، هو خالق هذا الخلْق، هو الرازِق وحده -سبحانه وتعالى-، إذن هو الذي يستحق أن تألهوه؛ وأن تعبدوه وحده لا شريك له، أما أن يُعبَد غيره؛ فلِما يُعبَد؟ وعلى أي أساس يُعبَد وهو ليس بخالق ذرَّة من هذه؛ وهو لا يملك لنفسه نفع ولا ضر فضلًا عن أن يملِك نفعًا لغيره أو ضُرًّا لغيره، فكيف يُعبَد من دون الله؟ لا إله إلا هو؛ لا إله على الحقيقة إلا هو -سبحانه وتعالى-، أما أن يُتخَذ من دونه آلهة باطلة، {لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}، فنعم هذه آلهة؛ تُسمَّى آلهة، يُطلِق الناس عليها آلهة، لكنها في الحقيقة لا يُمكن أن تكون آلهة، الإله لابد أن يكون مالِك للنفع والضُّر بالنسبة لمَن يعبده، هو مُتفضِّل؛ يُنعِم على مَن يعبده، وعند ذلك يؤله، أما أن يؤله وهو لا يملك لعابده نفعًا ولا ضرًا؛ كيف يكون هذا؟ {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، قال -جل وعلا- {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، أنَّى؛ كيف، أنَّى هنا بمعنى كيف، وأنَّى تأتي بمعنى كيف وتأتي بمعنى حيث، كما أقول أنَّى تذهب أذهب معك، وهنا أنَّى؛ كيف، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، الإفك هو القلب؛ يعني تُقلَبون هكذا، تُقلَب قلوبكم، تُقلَب رؤوسكم فلا تفقهون، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، تُقلَبون عن هذا المعنى الواضح البيِّن، إنه أمر في غاية الوضوح والظهور؛ أوضح من الشمس، أن الله -تبارك وتعالى- هو خالق كل شيء، وأنه هو مالِك رزق العباد وهو مالِكهم -سبحانه وتعالى-، إذن هو الإله وحده؛ وأنه لا يوجد هناك مع الله -تبارك وتعالى- خالق غيره، ولا رازق للعباد غيره، إذن لا تجوز عبادتهم، فأنَّى تؤفَكون وتُصرَفون عن طاعة الله -تبارك وتعالى-، وتُشرِكون هذه الآلهة الباطلة؛ التي تعبدونها مع الله.
بعد هذا الحق الدامغ؛ الذي يدمغ الباطل هذا الدمغ، والذي لا يترك شُبهة في الأمر، قال -جل وعلا- مُسليًا عبده ورسوله محمد -صلوات الله والسلام عليه- {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[فاطر:4]، {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}، الخِطاب إلى النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وقد كذَّبه الأمم؛ كذَّبه العرب أول ما قام بأمره -صل الله عليه وسلم-، فإنهم كذَّبوه وقالوا له ألِهذا جمعتنا؟ كما قول تبًا لك سائر اليوم، وكذَّبوه، وقالوا عنه كذَّاب، وكاهن، إلى سائر مقالتهم، قال -جل وعلا- {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}، يعني المجرمون من الأمم السابقة، الكفار والمجرمون كذَّبوا إخوانك من الرُسُل قبلك، {........ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[فاطر:4]، إلى الله؛ لا إلى غيره -سبحانه وتعالى-، تُرجَع أمور الخلْق ليفصِل فيها -سبحانه وتعالى-، فالحُكم عنده -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، هذه تسلية للنبي محمد -صلوات الله والسلام عليه-، وأن تكذيبه ليس شيئًا مُبتدَعًا لم يحصل إلا له وحده، بل إن هذه سُنَّة السابقين من المجرمين؛ فقد كذَّبوا الرُسُل كذلك، وكان مرَد الأمر كله إلى الله -تبارك وتعالى-، وقد حكَمَ الله -تبارك وتعالى- حُكمَه فيهم في هذه الدنيا، وسترجع الأمور كلها إليه -سبحانه وتعالى- ليحكُم فيهم بحُكمِه في الآخرة.
ثم شرَعَ الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك يُخاطِب الناس خِطاب موعِظة وخطاب رحمة، يدعوهم إليه -سبحانه وتعالى- بموعِظة من أعظم مواعِظ القرآن، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر:5]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، خطاب منه ونداء منه -سبحانه وتعالى- إلى الناس جميعًا، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، وَعْده بيوم القيامة، وبجنته، وبناره، هذا حق ثابت، وهو وعد الله؛ نسب الله هذا الوعْد إليه، وبالتالي لا يمكن أن يُخلِف الله -تبارك وتعالى- عهده ووعده -سبحانه وتعالى-، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}، تحذير منه -سبحانه وتعالى- أن لا تغُرَّك الدنيا؛ تعيش فيها وتأخذك، وتسلب لُبَّك وقلبك، وتنسى هذا الوعد، تنسى النار، وتنسى الجنة، تنسى موعود الله -تبارك وتعالى- وقيامك بين يديه للحساب، لا تغُرَّنك هذه الدنيا، {........ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[فاطر:5]، لا يغُرَّنكم بالله الغَرور؛ الشيطان، يُغرَّركم؛ يُعطيكم معاني أخرى، وكلمات معسولة أخرى، الباطل يُزيِّنه بصورة الحق، إياك أن يُغرِّرك الشيطان وأن يأخذك عن طريق الحق، موعظة عظيمة والعودة إليها -إن شاء الله- في الحلقة الآتية، استغفر الله لي ولكم من كل ذنب، وصل الله وسلم على عبده ورسوله محمد.