الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:13-27] ضرب الله -تبارك وتعالى- مثلا للمكذبين الذين أتاهم هذا النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- المرسل على صراط مستقيم من الله -تبارك وتعالى- بهذا الذكر الحكيم ضرب لهم الله -تبارك وتعالى- مثل لحال من سبقهم قال يا قبلهم كذبت الرسل وانظروا كيف كان المصير, وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن هذه القرية ذكر الله -تبارك وتعالى- هذه القرية لم يذكر أين كانت هذه القرية في أي مكان من الأرض ولم يبين النبي -صلوات الله والسلام عليه- ولذلك كل ما قيل في تحديد وتعيين هذه القرية إنما هو ضرب من الظنون والتخمين وليس عليه دليل, والعبرة قائمة بما قصه الله -تبارك وتعالى- من خبر هذه القرية, إذا جاءها المرسلون الذين أرسلهم الله -تبارك وتعالى- منه إليهم إذا أرسلنا إليهم اثنين في أول الأمر رسولين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ: تقوية قوينا الاثنين برسول ثالث, كذلك وكلها إلى قرية واحدة ليصدق بعضهم بعضا ويكون هذا أدعى إلى تصديق الخبر وأنهم مرسلون من الله -تبارك وتعالى- فقالوا لكن هؤلاء الأقوام المعاندين إن وقالوا أي هؤلاء الرسل قالوا فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ إنا بالتأكيد مرسلون من الله قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا قال هؤلاء المعاندين المكذبين من القوم ما أنتم لما يختاركم الله -تبارك وتعالى- وأنتم بشر مثلنا فلماذا كان هذا التفضيل واختياركم وما أنزل الرحمن من شيء فنفوا نزول شيء من الله -تبارك وتعالى- إليهم ونفوا نزول شيء قط على كل الرسالات إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ وحصروهم في الكذب ما أنتم كذبة تكذبون علينا, فقالت الرسل قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ قسموا منهم بالله -تبارك وتعالى- الذي يعلم حالهم إنهم مرسلون إليهم قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ: اعلموا أننا مكلفون فقط بالبلاغ المبين أن نبلغكم رسالة الله -تبارك وتعالى- بلاغًا بينًا واضحًا لا شبهة فيه, أيكون قد أدينا المهمة وأخلينا المسئولية أمام الله -تبارك وتعالى- وتبقى مسئوليتكم أنتم فيما جاءكم من البلاغ, وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وهذا تحذير منهم وإنذار بقومهم أن يعلموا أن الرسل إنما هم مكلفون بإيصال الرسالة والبلاغ المبين لهم, قالوا انظر ظلمة القلوب قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ: تشاءمنا أصل الطير التشاؤم فيدل انظر هؤلاء يحملون رسالة الله الرسل هؤلاء إلى القوم يحملون رسالة الله -تبارك وتعالى- ورسالة الله فيها البشارة فيها النذارة من العذاب ليتقوه, فيها البشارة بما عند الله -تبارك وتعالى- من الجنة والخير والنعيم, فيها البشارة بما هو ثمرة الإيمان بالله -تبارك وتعالى- في الدنيا لكنهم ملجأ هذا الشؤم والشر.
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ تشاءمنا من وجودكم وأنكم شؤم علينا إما أن يكون تشاءوم بهم وبدعوتهم وأنه يتوجسون منهم الشر, أو أنهم رأوا أنه لا يحل الرسل بمكان, ثم فيمن سبق, ثم تكون دعوة الرسل, ثم يكون التكذيب إلا وجاء الهلاك بهم وهذا عليهم للكفرة يكون الشؤم هنا على الكافر وليس الشؤم من دعوة الرسل, فإن دعوة الرسل إنما دعوة إلى الخير قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ وأصل التطير في لغة العرب هو أن العربي القديم الجاهل كان إذا أراد أن يعرف بخته ونصيبه وحظه من أمر يقدم عليه في المستقبل, فإنه يأتي إلى الطير يكون واقف على الأرض كالغراب أو حدأة أو نحو ذلك, ثم يزجره يأخذ حجر ويزجر الطير فإذا طار عن يمينه يتفاءل وإذا طار الطير عن يساره يقوم يتشاءم, فالتشاؤم والتطير هو معرفة الشر في زعمهم مستقبل عن طريق زجر الطير قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ: أي تشاءمنا من وجودكم عندنا ومن مجيئكم ومن دعوتكم لنا لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ: أي عن دعوتكم وأنكم رسل الله دعوتكم إلى هذا الطريق الذي تدعون إليه لنرجمنكم واختاروا أسوأ الميتات وهي الموت بأن يضربوهم بالحجارة حتى الموت الرجم هو الضرب بالحجارة للموت لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قبل الرجم, أي سنعذبكم عذاب أليم بهذا, وعذاب أليم بعد ذلك بالرجم, وهذا منتهى الإجرام ومنتهى مقابلة الإحسان بالإساءة جماعة محسنون رسل مرسلون من الله -تبارك وتعالى- من خالق السماوات والأرض إلى القوم يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- يبينوا لهم الطريق وأمر واضح ولكن يقابلون بهذه الصلف وهذا الكبر وهذا الإساءة تشاؤم من حالهم وأنهم إن لم ينتهوا عن حديثهم هذا فإنهم سيرجمونهم وكذلك سيوقعوا بهم, أي بأسهم وبطشهم وعذابهم الأليم قالوا أي الرسل قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ: أي تشاؤمكم هذا إنما هو بسببكم وليس بسبب مجئ الرسل, فإن كفرتم لا شك أنه سيأتيكم ما تتشاءمون منه من العذاب والنكال من الله -تبارك وتعالى- طائركم معكم فبختكم وحظكم ونصيبكم معكم بأن إذا اتبعتم الحق والخير كان اليمن والسعادة والبركة, وإن اتخذتم طريق التكذيب وطريق الكفر فابشروا بالعذاب وابشروا بهذا التشاؤم الذي تشاءمتموه سيقع عليكم أئن ذكرتم أئن ذكرتم بالله -تبارك وتعالى- وبرسالته وبما ينتظركم من جنة وخلد ونعيم إذا اتبعتم طريقه وكذلك ما ينتظركم من عذاب إذا تمكنتم طريقه أئن ذكرتم بهذه الذكرى يقوم تقوم علينا على هذا النحو وتكفروا بالله -تبارك وتعالى- وتهددون وتقولون نرجمكم أئن ذكرتم أئن ذكرتم بالله فيكون هذا ردكم على هذا التذكير بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ: بل الحقيقة والواقع أنتم قوم مسرفون مجاوزون الحد الإسراف مجاوزة كل الحدود, فقد جاوزتم الحد في التكذيب تكذيب وما وقفوا عند التكذيب بل التهديد والوعيد لهؤلاء الرسل و إنذارهم بأنهم سيقتلونهم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ متجاوزون كل الحدود في العناد والتكذيب ورد الحق.
قال -جل وعلا-: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ: انظر هذا المؤمن الوحيد وهذا الرجل سمع مقالة الرسل فجاء من أقصا المدينة إلى قومه الذين يجادلون هؤلاء الرسل, وهذا فيه إيمان وفيه سعي بهذا الإيمان وتكلف له لأنه جاء من أقصى المدينة من أبعد مكان فيها رجل منهم يسعى والسعي هو الاشتداد في المشي يمشي مشيًا حثيثًا سعيًا قال لقومه يا قوم اتبعوا المرسلون نادى قومه يا قومي يا جماعتي يا أهلي اتبعوا المرسلين يأمرهم بإتباع المرسلين من الله -تبارك وتعالى- اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ: أي ما العيب في هذا هؤلاء ناس لا يسألونكم أجر على هذه على إبلاغ هذه الرسالة وبالتالي لا مانع لا حجة عندكم ولا مانع يمنعكم من إتباع هذا ما هو فيه تكلفة أنكم ستدفعون يقولك أحنا نبلغهم بهذه البلاغ ونخبركم بهذا الخبر العظيم مقابل أجر لا إنما يعطونكم مجانا بدون شئ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ هم أهل هداية أنهم على الهدى وعلى النور ليسوا قوما أهل ضلالة ولا يدعون إلى ضلالة بل يدعون إلى الهدى على توحيد الله -تبارك وتعالى- وعبادته اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ثم بين إن دعوتهم هداية وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: أي ما الذي في هذا ما الذي في هذا دعوة الرسل الذين يدعونكم إلى أن تعبدوا ربكم وخالقكم وإلهكم, فهم قد دعوكم إلى إلهكم وربكم وخالقكم وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي: ما الذي يمنع من هذا بل هذا الحق والواجب الذي فطرني أنشأني أول مرة خلقني ف شلون ما أبعده كيف لا أبعده كيف لا أقوم بحق شكره كيف لا أذل له؟ ولا أخضع له, العبادة ذل وخضوع وطاعة كيف لا أؤمن بمن خلقني وهو يدعوني إلى هؤلاء يدعوننا إلى من خلقنا من فطرنا, وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: وأن مرجعنا إليه سيحاسبنا, فما أخاف كيف ما أعبد هذا كيف ما أعبد الرب الذي هذا شأنه هو خلقني ثم مرجعي إليه بعد ذلك ما الذي ما المانع من هذا ما الذي منعني هذا, بل هذا هو الأمر المتحتم الواجب عند كل ذي عقل وعند كل بصيرة أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ: يقول أذهب أعبد آلهة معبودات غير الله -تبارك وتعالى- إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا: لو أراد الله -تبارك وتعالى- الرحمن خالقي وخالق هذه السماوات أراد ضري ما تنفعني هذه الآلهة التي أعبدها لا تفيدني شيئًا لا شفاعتهم عند ربي -سبحانه وتعالى- فأنا أكون ضال إن أتمسك وأعبد آلهة من دون الله لا تنفع لا تنفعني إن أراد الله -تبارك وتعالى- عقوبتي فلا تنفعني شيئًا أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً: سؤال للاستنكار وأن هذا أمر جدا منكر أن أتخذ اله ما يحميني من غضب الله -تبارك وتعالى- ومن عقوبته لأن الله هو مالك الملك الذي بيده ملكوت كل شيء, أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ: ينقذوني من عذابه ما يقدروا ينقذوني إذا عذبني الله -تبارك وتعالى- أي إله أعبده من دون الله ولو كان ملائكته ملائكة الرب -تبارك وتعالى- أصنام, شمس, قمر كل هذه لا يمكن أن تنقذني من عذاب الله -تبارك وتعالى- إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ لو أني عبدت آلها غير الله -تبارك وتعالى- أكون ضالًا ضلالًا بينًا واضحًا لا شك فيه أني أعبد ما لا يفيدني شيئًا ولا يدفع عني من عقوبة الله شيئا, ثم تشجع وتقوى, وقال: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ: إني للتأكيد يتكلم هذا الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ويؤازر رسل ويعلن إيمانه وهنا قال بربكم الذي هو خالقكم ورازقكم ومتولي شئونكم وفي هذا بيان أنهم ما يقدروا يفعلوا شيء لأنهم في قبضة ربهم, في قبضة خالقهم ومولاهم ومؤمن بربهم برب الجميع -سبحانه وتعالى- إني آمنت بربكم فاسمعون ليسمعني الكل كلكم اسمعوني أنا أعلن إيماني بالله -تبارك وتعالى- وأظهره وأبينه ما كان من هؤلاء المجرمين الذين سمعوا هذا, انظر الحجة البينة الواضحة التي قدمها هذا المؤمن والتي أعلن في نهايتها أنه مؤمن بالله -تبارك وتعالى- فقاموا عليه فقتلوه هذه النتيجة انظر الكفر والجحود وقاموا على هذا أصبح هذا عبد الله والذي قام لله الشخص الوحيد الذي آمن من القرية ونسب إلى الله -تبارك وتعالى- فقاموا عليه فاعتدوا عليه, هنا وقع عليهم الإثم والغضب قال أول شيء قال إني آمنت بربكم فاسمعون فقتلوه أول ما قتلوه قال الله -تبارك وتعالى- مباشرة.
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ: قتلت في سبيل الله -تبارك وتعالى- شهيدًا ادخل الجنة فانظر الجزاء أول شيء مباشرة وذلك أن من يقتل في سبيل الله لله -تبارك وتعالى- قام بكلمة حق لله فقتله المجرمون فإنه يدخل الجنة رأسًا يدخل الجنة قبل يوم الحساب يدخله الله -تبارك وتعالى- كما قال -جل وعلا-: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169], {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[آل عمران:170], فهم في نعيم ويبشرون من ورائهم أنهم في نعيم قيل ادخل الجنة فأيضًا انظر مع إن قومه قتلوه لكن تحسر على قومه {........قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:26-27] يا ليت قومي طبعًا أصبح في غيب وهم ما زال هؤلاء المجرمون في إجرامهم ويظنون أنهم فعلوا ما يحملون عليه وأنهم انتصروا على هذا الذي خرج منهم وأعلن كفره بدينهم وهو الآن أصبح في جنة الله -تبارك وتعالى- ورضوانه لكن لم يحمله الحقد على أن يخفي هذا بل قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي, يا ليت تمني يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين لأن الله غفر لي ما سبق من الشرك والكفر السابق وجعلني من المكرمين الذين يكرمهم الله -تبارك وتعالى- وأدخلهم جنته أراد أن يوصل رسالة أراد أن يوصل رسالة تمني تمنى أن يرسل رسالة وهو في نعيم مقيم إلى قومه يتمنى أن توصل لهم هذه الرسالة حتى يغيروا موقفهم ويتركوا كفرهم ويتحولوا إلى الإيمان, فإن هذا مآل أهل الإيمان فانظر قلبه الطيب لا إله إلا الله قلب المؤمن الطيب لم يحمل حقده وحسده لهم إلى الآخرة واتركهم على عماهم حتى يقابلوا عذاب بل تمنى أن يعرفوا الحقيقة تمنى أن يعرفوا الحقيقة والمآل الذي آل إليه وهو من جنة الله -تبارك وتعالى- لعلهم يتركوا ما هم فيه من الكفر والشرك والعناد, ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- ما مصير هؤلاء المجرمين الذين تحدوا رسل الله على هذا النحو واعتدوا على عبد الله, على هذا النحو الذي لم يحمل لهم إلا دعوة يدعوهم فيها إلى الله -تبارك وتعالى- دعوة مخلصة ما سبهم ولا شتمهم ولا قام ضدهم بعصي ولا بعقوبة وإنما دعاهم إلى الله -تبارك وتعالى- قال: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ هذا كل الذي قاله من دعوته قومه إلى الله -تبارك وتعالى- لكن قتلوه طيب هذا اعتداء اعتدوا كذبوا الرسل واعتدوا على عبد الله -تبارك وتعالى-.
قال -جل وعلا-: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[يس:28-29] وما أنزلنا الرب يذكر الله -تبارك وتعالى- يخبر أنه ما أنزل على قومه من بعده من جند جنود من السماء الملائكة لتقهرهم لأنهم لا يستحقون من البشر من هم؟ ليقوموا بمعاندة الرب -تبارك وتعالى- قدرة الله -تبارك وتعالى- عليهم عظيمة أن هلاكهم إنما يكون على شيء يسير لا يحتاجون إلى إنزال جنود عظيمة من السماء لتقهرهم وتعاقبهم قال -جل وعلا-: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ قوم هذا المؤمن من جند من السماء ليقهروهم ويعاقبوهم وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ لأن أمرهم ليس هكذا بعزيز على الله -تبارك وتعالى- لا يستحق هذا إن كانت إلا صيحة واحدة صحية واحدة من ملك واحد أرسل الله -تبارك وتعالى- ملك بصوت واحد صاح فيهم صيحة واحدة فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ إذا الفجائية أي بمجرد ما صاح فيهم الصيحة فإذا هم كلهم خامدون على الأرض خمود الهمود وذهاب الموت على الأرض فإذا هم خامدون فأنتم يا من تعاندون الله -تبارك وتعالى- وتكذبون الرسل ما أنتم؟ أي اعلموا قدرة الرب -تبارك وتعالى- عليكم وأنكم لستم على الله تبارك وتعالى ليس بعزيز على الرب تبارك وتعالى أن يعاقبكم بأي عقوبة أن يهلككم بأدنى الأسباب, فهذا سبب يسير من الأسباب صوت ملك من ملائكة الله -تبارك وتعالى- صاح فيهم هذه الصيحة فأخمدهم الأرض, ثم قال -جل وعلا-: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[يس:30]: أي فليتحسر المتحسرون على العباد عباد الله -تبارك وتعالى- حال هؤلاء الناس تستدعي أن يتحسر عليهم ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون, وبالتالي يأتيهم هلاك الرب -تبارك وتعالى- وعقوبته فالناس في كل عصورهم وكل دهورهم كان هذا حالهم ما يأتيهم من رسول أي رسول يأتيهم إلا كانوا به يستهزئون, والحال أنه رسول الرب هذا رسول الإله رسول الله -سبحانه وتعالى- يأتيه من الله اختاره وأرسله فيها ويستهزئ به, وكل رسول أرسله الله -تبارك وتعالى- لم يقابل من قومه ومن الملأ من قومه إلا بالاستهزاء والسخرية بدءا من نوح -عليه السلام- {........ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ}[هود:27], ثم رسول إثر رسول إثر رسول إلى أكمل الرسل وأشرفهم وأعلاهم منزلة محمد بن عبد الله -صلوات الله والسلام عليه- الذي لم يكن به عيب قط لا في خلقه ولا في أخلاقه ومع ذلك وجد من قومه أنهم كانوا يقولون {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي ........}[الأنبياء:36] أهذا الذي بعث رسولا رسالة استهزاء به كذلك يضل عن ألهتنا لولا أن صبرنا عليه فالاستهزاء به, ما هذا شأن كل العباد كل الأمم التي أرسل الله -تبارك وتعالى- إليها رسله لم يقابل الرسول إلا بالاستهزاء.
ثم قال -جل وعلا-: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ}[يس:31]: هذا تذكير من الله -تبارك وتعالى- لهذه الأدلة البينات والمثلات التي سارت فيمن قبلهم ألا يحملهم هذا على الاتعاظ والاعتبار {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ ........}[يس:31] كم أهلكنا قبلهم من القرون كم التكثيرية العددية أي قرونا كثيرة والقرن هو الناس المجموعون في قرن واحد مجتمعين بعضهم مع بعض أهلكهم الله من قرن من قرون كثيرة أنهم إليهم لا يرجعون أنهم لا يعودون مرة ثانية إلى الدنيا شوفوا الآن سبقت ثمود أهلكت هل عاد أحد منهم, عاد أهلكها الله -تبارك وتعالى- قرى لوط قوم فرعون قوم نوح كل هذه أمم أهلكها الله -تبارك وتعالى- وما آباؤهم وأجدادهم ولا أحد يرجع إليهم لا أحد يرجع إلى الدنيا مرة ثانية, فهذا ما يكون لهم عظة واعتبار أنها فرصة واحدة وأن الجميع قد انتقلوا إلى الله -تبارك وتعالى- وأنه سيحاسب بين يديه -جل وعلا- أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ: وبالكاد أنهم سيلحقون هؤلاء الذين ذهبوا ويعودون إلى الله -تبارك وتعالى-, {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس:32] إن كل يبين الله -تبارك وتعالى- بأن كل هذه القرون سيجمعون عنده ويحضرون عنده وإن كل أي من القرون التي أهلكها الله -تبارك وتعالى- لما جميع كلهم جميعهم لدينا عند الله -تبارك وتعالى- محضرون, والمحضر هو الذي تحضره الملائكة وذلك أنها تجمعهم وتحشرهم وتأتي بهم بمجرد أن ينشق عنه القبر فإنه يساق فإنه يساق أمامك, يوم يتبعون الداعي لا عوج له يتبعون الداعي من الملائكة الذي يدعوهم أخرج سر إلى هذا المكان فيسير لا عوج له ما يعوج منهم أحد لا يمينا ولا شمالاً, أمة شرع الله -تبارك وتعالى- يبين الآيات العينية البيانية التي تدل على قدرته على الخلق.
ثانيًا -سبحانه وتعالى- قال: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}[يس:33]: هذه آية لهم علامة على أن الله -تبارك وتعالى- قادر على أن يحيي الموتى وآية لهم الأرض الميتة الجافة الجلدة التي لا حياة فيها في نفس الأرض ولا نبات فيها, والنبات حياة أحييناها المطر ينزل عليها المطر فإذا بهذا الأرض الجافة الجلدة الخاشعة تهتز وتربو فتحيا باطن الأرض نفسه يحيا وتكون في حركة حركة حياة ثم ينبت هذه الحياة النباتية بكل ما فيها من الزينة والزخرف والجمال والألوان والبهاء حياة كاملة انظر حياة الزهرة والزرع النضير والثمرة الناضجة والشجرة المورقة المثمرة, أخرجنا من هذه الأرض التي كانت ميتة في يوم من الأيام بعد أن حيت حب من كل الحبوب من القمح والشعير والأرز وغير ذلك فمنه من هذه الحبوب يأكلون جعل الله -تبارك وتعالى- من هذه الأرض الجافة الجلدة جعل منها حب يؤكل وهذا الحب وما فيه من فوائده ومنافعه وطعومه منها يأكلون هم يأكلون منها شيء طيب خارج من باطن هذه الأرض فانظر قدرة الرب -تبارك وتعالى- هذا أمر معجز هذا أمر الخلق على هذا النحو أمر معجز فإحياء الأرض التي كانت ميتة على هذا النحو إحياؤها بالنبات على هذا النحو وإخراج منها هذه الثمار على هذا النحو, أمور كلها معجزة أمر معجز خارق ليعني للعادة من كيف خرج النبات الحي من الأرض الجافة الجلدة من تراب {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ}[يس:34], وجعلنا في هذه الأرض فيها جنات بساتين من نخيل قدم النخيل لأنها أشرف وأفضل أنواع الأشجار لما فيها الثمار النخيل هو معدود في الفاكهة مع الفواكه وفي الطعام مع الأطعمة وفي الشراب مع الأشربة وفي الدواء مع الأدوية, ففي كل المنافع التي في الطعام من نخيل وأعناب جمع عنب وهي مشتركة الأعناب كذلك مختلفة الطعوم والألوان والأشكال وجاءت بعده كذلك لشرف هذه الفاكهة وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ فجرنا في هذه الأرض ينفجر الماء من العيون عيون الماء الجارية وهذا أمر من أدلة قدرة الرب -تبارك وتعالى- في إخراج النخيل والأعناب من الأرض الميتة, وتفجير الماء منها كل هذا من دلائل قدرته وعظمته -سبحانه وتعالى- وأنه عندما يخبر عباده بأنه سيحيي الموتى هذه القدرة فانظروا هذا لتعلموا هذا.
نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.