الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (542) - سورة يس 34-49

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس:33-40]. بعد أن قص الله -تبارك وتعالى- وضرب مثلًا للمكذبين بالقوم بالقرية التي أرسل الله -تبارك وتعالى- لها ثلاثة من الرسل, ثم كذبوهم, ثم قام مؤمن واحد ودعاهم إلى الله -تبارك وتعالى- فقاموا عليه فقتلوه, وأن هذا المؤمن لما قيل له ادخل الجنة جنة الله -تبارك وتعالى- {........ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }[يس:26-27], وأن الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك أنزل ملك فأزال هذه القرية من الوجود قال -جل وعلا-: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[يس:28], ثم قال -جل وعلا-: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[يس:30], ثم شرع الله -تبارك وتعالى- في بيان الأدلة على أنه الإله الحق الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- وأن هذا خلقه وأن البعث كائن, وهذه أدلة الأدلة التي القائمة على قدرة الله -تبارك وتعالى- على بعث العباد ليقوموا للحساب بين يدي ربهم سبحانه وتعالى قال -جل وعلا-: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ}[يس:31] فسيكونون مثل هذه القرون وسينتهوا وأنه أجلهم الموت {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}[يس:32] كل هذه القرون ستجمع عند الله -تبارك وتعالى- ثم قال -جل وعلا-:  وَآيَةٌ لَهُمُ: على هذا على أن الله -تبارك وتعالى- هو القادر على خلقه على هذا النحو أنه سيجمعهم جميعا ليوم القيامة, الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا: جلدة جافة لا حياة فيها لا نبت فيها فيحييها الله -تبارك وتعالى- حياة في ذات الأرض وحياة بما يخرجه من هذا النبات الحي {........ وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}[يس:33] وجعلنا فيها جنات بساتين من نخيل, انظر هذه كيف هذا التحول من أرض يابسة إلى أن تنتج هذا النخيل وأعناب, وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ: من ثمار هذه البساتين, وهذه الجنات ثمار من النخيل وثمار الأعناب وثمار هذه البساتين, ثم وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ : أي أنه يسر الله -تبارك وتعالى- لهم كذلك, وأرشدهم إلى أن يعملوا من هذه أنواع من الأطعمة والحلويات, من التمر يعملون من الأعناب يصنعون, فيصنعون ما يصنعون من صنوف الأطعمة التي تعملها أيديهم ويأكلونها, وكلها من إحياء الله -تبارك وتعالى- لهذه الأرض الميتة فانظر ماذا كان فيها بعد ذلك من البركات والخيرات من الحياة التي كان فيها هذه البركات والخيرات, أَفَلا يَشْكُرُونَ أفلا يشكرون ربهم -سبحانه وتعالى- ويعلمون أن هذا أولًا هذا قدرته -سبحانه وتعالى- ليس بحولهم ولا قوتهم, ولا يستطيعون هذا لا يستطيع أحد من الخلق أن يصنع هذا الصنيع أن يحي الأرض الميتة, وأن يخرج فيها ما يخرج من هذه الألوان من الثمار والطعام وهذه البهجة وهذا المتاع, لا يمكن لأحد من الخلق أن يفعل ذلك, وهذا من رحمة الله -تبارك وتعالى- بهم هذا دليل قدرة ودليل إنعام وإفضال أفضال من الله -تبارك وتعالى- أَفَلا يَشْكُرُونَ ربهم -سبحانه وتعالى- يقومون بحق شكره فيذكرون هذه النعم ويتوجهون بالشكر إلى الله -تبارك وتعالى-.

ثم قال -جل وعلا-: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ........}[يس:36]: الله فرد واحد أحد, وكل ما سواه خلقه الله -تبارك وتعالى- أزواج كل جنس, وكل عالم خلقه الله -تبارك وتعالى- أصبح له أمثال كثيرة من أمثاله كثير فلم يخلق ملكًا واحدًا لا نظير له بل من الملائكة الجم الغفير يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت المعمور يدخله في اليوم سبعون ألف ملك, ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة مرة واحدة يصدرون سبعون ألف ملك كل يوم كل يوم كل يوم الجن, الإنس الإنس انظر ما خلق الله -تبارك وتعالى- من الإنس من الأعداد الهائلة وكلهم متماثل في الخلق وكذلك ما لا يوجد شئ مما خلقه الله -تبارك وتعالى- وإلا له مثله وأمثاله فالله -تبارك وتعالى- خلق الأزواج التي هي أشكال كلها مما تنبت الأرض أزواج, فالنبات أزواج هائلة من كل نوع من النبات أفراد لا تحصى, ثم أجناس وألوان وأشكال وكلها أزواج ومن أنفسهم, من أنفسهم من البشر أمم وشعوب, وخلق مثلك هذه الملايين كل هذه أنت لست فردًا واحدًا إنسان, ملك مثيل لا أمثاله كثيرون ومما لا يعلمون من الخلق كذلك جعله الله -تبارك وتعالى- أزواج فالله هو خالق الأزواج كلها خالق خلقه -سبحانه وتعالى- متعدد وأما الله فهو واحد الواحد الأحد فقط الذي لا نظير له ولا شبيه له ولا مثيل له, فالله خالق كل شيء, وكل الأشياء قد خلقها الله -تبارك وتعالى- بهذه الأعداد الكثيرة وكل نوع له كل فرد له نظير من جنسه ما في فرد إلا وله نظير من جنسه, وقد يتعدد هؤلاء النظراء إلى الملايين الملايين آلاف آلاف الآلاف {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ}[يس:36] فإذن فليعملوا أن الله -تبارك وتعالى- خالق كل الخلق كل هذا الخلق الذي يرونه الله خالقه, وهو متعدد والله -تبارك وتعالى- هو الواحد الأحد وحده -سبحانه وتعالى-.

 آية أخرى قال: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}[يس:37] الليل يكون قد غطى هذا الليل يأتي ويسلخ منه النهار بمعنى أن النهار يذهب وكأنه كالشاة الذي كأنه لباس لبس, ثم يخرج فإذا هم مظلمون إذا الظلمة تغطيهم فإذا هم مظلمون داخلين في الظلمة المظلم الذي داخل في الظلمة, نهار يسحب هكذا ويجر وكأنه شيء يسلخ, وإذا الناس داخلون في الظلمة, وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا: هذه الشمس التي آية النهار تجري لمستقر لها ليوم تستقر فيه وتنتهي فيه {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[يس:38] فمستقرها الوقت الذي يشاء الله -تبارك وتعالى- فيه بأن يوقفها عن الحركة وعن السكون ولها عمل يومي فيه لها مستقر يومي, ولها كذلك في مستقر حالة تتغير فيها فالمستقر اليومي أنها تسجد كل يوم تحت عرش ربها -سبحانه وتعالى- كل يوم لها سجود كما قال -تبارك وتعالى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ........}[الحج:18], وأنها تذهب في لها سجود تحت عرش الله -تبارك وتعالى- وفي يوم يقال لها ارجعي من حيث أتيت فترجع تشرق مرة ثانية, وهذه الآية الكبرى التي لا يقبل الله -تبارك وتعالى- إيمان العبد بعدها {........ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}[الأنعام:158] هذه الآية الكبرى خروج الشمس من مغربها وهذه آية إذا خرجت مغربها يراها الناس, الناس أجمعون فيؤمن الناس كلهم وهذا وقت لا ينفع فيه الإيمان, ثم المستقر النهائي وهي أن تجتمع هي والقمر بعد ذلك وهذا عندما يشاء الله -تبارك وتعالى- بنهاية هذا الكون كما قال -سبحانه وتعالى-: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ }[التكوير:1-2]: كورت تلف ويذهب ضوئها لف بعضها على بعض وتداخل بعضها في بعض, وتكور كالكرة الواحدة ويذهب ضوئها وقال -تبارك وتعالى- {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ }[القيامة:7-10].

 {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}[يس:38]هذا جريان الشمس على هذا النحو إلى يوم المستقر, الله يقول ذلك تقدير ذلك الجريان تقدير العزيز العليم لأنه بقدر وبحساب العزيز الغالب الذي لا يغلبه أحد, ومن عزته -سبحانه وتعالى- أن غلب هذه الشمس وأن قهرها وأن وضعها في مسارها ومدارها طائعة خاضعة لربها -سبحانه وتعالى- فهي ذليلة خاضعة لله -تبارك وتعالى- هي طوعت {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11]: طائعين لله -تبارك وتعالى- فهي مطيعة لله -تبارك وتعالى- ذلك تقدير العزيز العليم هذا من علمه, وقد علم البشر شيء من هذا العلم الآن في أن الشمس موضوعة في مكانها الصحيح تماما والأرض بالنسبة للشمس موضوعة في مكانها الصحيح تمامًا, وأنها لو تقدمت شيئًا عن مكانها فكان مدارها حول هذه الشمس في مكان متقدم  لكان معظم ما على الأرض خراب يباب, الحرارة كانت تزيد زيادة هائلة جددا بحيث لا يطيقها البشر وتشتعل الحرائق لأن أسباب وكانت الأرض كلها خراب, ثم لو كانت قد تأخرت كذلك قليلًا تأخرت الأرض في مدار بعيد شيئًا عن الشمس بعيد عن مدراها الحالي الذي هي فيه لكانت كذلك معظم الأرض خراب يباب لأنها ستكون باردة جامدة تنتشر البرودة فيها, ويكون معظم بحار الأرض كلها بحار متجمدة, فوضع وضع الأرض في المكان الذي هي فيه موضوعة في المكان السليم تمامًا, وهذا لا يقدر عليه إلا الله -سبحانه وتعالى- وهذا بعلم الله -تبارك وتعالى- العليم بكل شيء -سبحانه وتعالى- ذلك كون الشمس تجري بهذا والليل والنهار في مساره تقدير العزيز العليم, وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ: القمر قدرناه من التقدير ووضع كل شيء بقدر منازل يسير فيها, ففي كل ليلة يراه الناس في منزلة غير المنزلة الثانية بحسب الإبصار بحسب إبصارهم يبدأ في أول الشهر هلال صغير كالخيط الدقيق في أول ليلة, ثم ثاني ليلة يكون في مكان مرتفع إلى مكانة يرتفع إلى أن يكون في اليوم السابع في ربع السماء هو ربع السماء, ثم بعد ذلك يأتي منزلة منزلة منزلة إلى أن يأتي في وقت الغروب في وسط الشهر في الرابع عشر منه يكون بدر تام, ثم بعد ذلك يتأخر منازله وترى قصده ضوءه إلى أن يكون في الربيع الثاني.

 ثم بعد ذلك يبدأ في التناقص في التناقص في التناقص إلى أني يأتي إلى المحاق وهو الليلة التي لا يكون فيها قمر, ثم الليلة التي بعدها يأتي القمر بعد ذلك هلال في هذه الدورة التي هي تسع وعشرين يوم وبضع ساعات في كل دورة حول الأرض وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ: قدره الله -تبارك وتعالى- منازل حول الأرض على هذا النحو, {........ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}[يس:39] بدأ بالهلال الخيط الدقيق هذا, ثم عاد في الدورة النهائية كالعرجون, العرجون الأذي هو هذا العزق مقدمة عزق النخل عرجون التي هي هذه الخشبة اللينة التي تكون في معصم التي يلتصق فيها الشماريخ والشماريخ يلتصق فيها ثمار القديم الذي مر عليه سنة فإنه يتقوس أنه يقوس وكأنه في شكله كأنه العرجون القديم, فهذا كله تقدير الرب -تبارك وتعالى- أمر لا يستطيعه إلا الله -سبحانه وتعالى-, {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس:39]: انظر هذا النظام الدقيق المحكم الذي لا يمكن, فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر فتلتحق به وتلتصق به وإنما هذا في مدارها الشمس في مدارها ومسارها والقمر في مداره ومساره, ولا الليل سابق النهار يغلبه بمعنى أنه يغطي يأخذ وقته ويسبقه ويغلبه ويبقى ليل فقط لا بل الليل في مداره بالثانية والساعة والدقيقة محددة في كل يوم وليلة كل وقت محدد وللنهار محدد كل منهم لا يتعدى وقته ولا بجزء صغير من الثانية, ولا الليل سابق النهار وكل أي من الليل والنهار والشمس والقمر في فلك الفلك هو المدار الدائري يسبحون سباحة وأعظم وصف هنا وصف السباحة لحال القمر والشمس كأنها سابحة في هذا الفضاء الذي تسير فيه وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ كل هذا فعل الله -تبارك وتعالى-, فالرب الذي له القدرة على أن يخلق هذا الخلق وعلى أن يحكمه هذا الأحكام, ويضبطه هذا الضبط ويقدره هذا التقدير قادر على أن يحيي الأجساد -سبحانه وتعالى- وعلى أن يعيد الأجساد مرة ثانية إلى الحياة وأن يحاسب كلا من عباده -جل وعلا-.

 ثم آية أخرى يقول -تبارك وتعالى- {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}[يس:41] آية من آيات الله -تبارك وتعالى- أن حملنا ذريتهم الصحيح ذرية هؤلاء المخاطبين في الفلك المشحون الفلك السفن المشحونة بصنوف البضائع وهذا آية من آيات الله -تبارك وتعالى- ما كان الناس يعلمونها على هذا النحو, وما كانوا يتصورون إن الإنسان سيكون له من هذه السفن العظيمة التي تحمل الآن آلاف الآلاف من الأطنان, كان الناس يعرفون في ذلك الوقت وقت نزول القران السفن الشراعية التي تسير بالشراع وكانت تحمل ما تحمل لكن هذه السفن العظيمة الآن التي تمتد مئات الأمتار, وعرضها بمئات الأمتار, وتحمل هذا الحمل الهائل العظيم, ما كان الناس يعرفون هذا وآية لهم أنا حملنا وقول الله -تبارك وتعالى- حملنا بالإخبار بالماضي تحقيقا لمستقبل لأنه واقع لا محالة فالأمر الإخبار بمستقبل إذا كان واقعًا لا محالة يعبر عنه بالمال ذريتهم ذرية هؤلاء المخاطبين أولاد أولادهم في الفلك المشحون, المشحون بصنوف ما يشحن به ويجمع مشحون الذي شحنه هو نقل الأمتعة ومتاع الإنسان وبضائعه فيه ثم قال -جل وعلا-: وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وخلقنا لهم خلقنا لهذه الذرية ممن مثله ما يركبون من مثل الفلك ما يركبون وخلق الله -تبارك وتعالى- لنا مثله خلق هذه الطائرات العظيمة التي هي كالفلك, والتي تشحن كذلك بآلاف الأطنان من البضائع ومن الناس ومن البشر وتسير بها, فهي فلك طائرة وكذلك القطارات, وكذلك هذه السيارات العظيمة بهذه المقطورات التي تقطرها حولها وتجرها فهذه أمور أيضًا  كانت ما كانت معلومة وقت نزول هذا القرآن, لكن الله -تبارك وتعالى- أخبر بأنها ستكون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون من مثل هذه الفلك ما يركبون والتعبير هنا يأتي على هذا النحو بما لا يحدث عند وقت نزوله نوع من التكذيب لأنه لو قيل لهم إنه ستكون سفن مثل هذه السفن وتطير في الهواء, وتكون مشحونة لكذب بها الناس وقالوا ما هذا؟ هذا أمر لا يدركه العقل, ولا يستحيل النبي يتكلم كيف يكون سفينة من الحديد الضخم, وتشحن بالبضائع وتشحن بالناس ثم تطير في الهواء من مكان لمكان لو قال هذا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ونزل القران بهذا أول ما نزل على العرب لاعتدوا لجعلوا هذا نوع من التخريف, ولكان هذا أكبر حامل لهم على التكذيب لكن الله -تبارك وتعالى- أتى به بهذه العبارة التي تبين ما سيكون دون أن تكون من الظهور للمخاطبين بحيث أنهم يرفضون هذا ويكذبونه {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ }[يس:41-42].

 ثم قال -جل وعلا-: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ}[يس:43]: إن نشأ إن يشاء الله -تبارك وتعالى- يغرقهم أغرقهم -سبحانه وتعالى- بسفن البحر وبسفن الجو تتحطم الطائرة, وتسقط في البحر فتغرق, فإذا شاء الله -تبارك وتعالى- أن يغرقهم أغرقهم -سبحانه وتعالى- في سفنهم هذه في سفنهم في البحر أو في سفنهم الطائرة في الهواء, الصريخ هو من يجيب صراخ الصارخ ويذهب لنجدته ولا هم ينقذون من عقوبة الرب -تبارك وتعالى- إذا أراد أن ينزل بهم عقوبته -جل وعلا-, ثم قال -جل وعلا-: {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}[يس:44]: وما هذا التسخير والتذليل الذي يذلله الله ويسخره الله -تبارك وتعالى-, وهذا الخلق إلا رحمة منه -سبحانه وتعالى- فهو الذي هدى الإنسان إلى هذا الفعل ويسر له هذا الأمر ووفقه إليه وأعانه -سبحانه وتعالى-, ووضع هذه القوانين قوانين الماء وقوانين الهواء التي تحمل السفن الإنسان ومراكبه ماخرة في العباب أو طائرة فوق السحاب  أو منطلقة على قضبان كالقطرات أو منطلقة على شوارع كالسيارات كل هذا إنما هو من رحمة الله -تبارك وتعالى- بعاده أن خلق لهم هذا الخلق وأن هداهم إلى هذه الصناعات.

 ثم يبين الله -تبارك وتعالى- عناد المعاندين وكفر الكافرين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[يس:45] وإذا قيل لهؤلاء المعاندين المكذبين الجاحدين لنعم الله -تبارك وتعالى- أي اتقوا الله -تبارك وتعالى- واحذروا ما تقدمونه من العمل, وما تؤخرونه من العمل السيئ فإن الله مؤاخذكم على ذلك اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ: أي لعل الله -تبارك وتعالى- إن يرحكم فارحموا أنفسكم, وخذوا الطريق إلى الله -تبارك وتعالى- وآمنوا بالله واعتقدوا بالبعث والنشور وأنكم ماثلون أمام يديه -سبحانه وتعالى- ماثلون بين يديه -سبحانه وتعالى-, هنا الجواب محذوف أي أنهم عاندوا, وتركوا هذا ولم يسمعوا له وكأنهم لم يذكروا بالله -تبارك وتعالى-, وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ: وما تأتي هؤلاء الكفار المعاندين من آية علامة واضحة على قدرة الرب -تبارك وتعالى- وعظمته وإنعامه وإفضاله من آيات ربهم إلا كانوا عنها عن هذه الآيات معرضين, والمعرض هو الذي يعطي عرضه للكلام يولي جهة ثانية إلا كانوا عنها معرضين.

 ثم أمر لآخر يدل على قسوة قلوبهم وعلى شدة كفرهم وعنادهم قال -جل وعلا-: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يس:47]: وإذا قيل لهؤلاء المعاندين المكذبين أنفقوا مما رزقكم الله هذا المال الذي بين أيديكم رزقكم الله -تبارك وتعالى- يأمركم الله -تبارك وتعالى- تخرجوا جزء منهم للفقراء والمساكين فأمر من الله الذي رزقكم أن تخرجوا جزء منه للفقراء والمساكين قال الذين كفروا للذين أمنوا رادين لهم لما يذكروا أنفقوا مما رزقكم الله أنطعم من لو يشاء الله أطعمه, أي أنطعم نحن من لو يشاء الله إذا أراد أن يطعمه أطعمه هؤلاء حرمهم الله لم يعطهم في هذه الدنيا فلا نطعمهم؛ لأنهم كأنهم يستحقون ذلك كان يرون أن أخذهم للمال بجدارة, وأن الله أعطاهم لأنهم جديرون لهذا العطاء وأنه حرم هؤلاء لأنهم جديرون بالحرمان, وهذا من ضلال قلوبهم ومن قسوة قلوبهم فلم يعطيهم الله للجدارة؛ لأنهم جديرون بهذا وأنهم يستحقون, وأن هذا حظهم ونصيبهم الذي يستحقونه بل أعطاهم الله -تبارك وتعالى- أي ابتلاء منه واختبارًا -سبحانه وتعالى- هل يقومون بشكر ذلك ويؤدون الحق الذي عليهم في هذا المال أم لا وأولئك كذلك لم يحرمهم الله -تبارك وتعالى- لأنهم جديرون بالحرمان, وأنهم يستحقونه بل لأنه هذا ابتلاء منه -سبحانه وتعالى- واختبار له؛ فالله يختبر هذا الفقير بالغني والأغنياء بالفقراء, وهذا يختبر بالفقر وهذا يختبر بالغنى لكن هؤلاء لظلمة قلوبهم ظنوا أنما هم فيه من المال إنما هم يستحقونه, وبالتالي الله أعطاهم إياه ولا ينبغي لهم أن يتنازلوا عن شيء من هذا المال إلى الفقير والمسكين, أي كأن هذا من تمام كلامهم إن أنتم يا من تأمروننا بأن ننفق في سبيل الله أنتم في ضلال مبين ضلال بين واضح, أو يكون هذا من كلام الله -تبارك وتعالى- تعقيبًا على قولهم إن أنتم إلا في ضلال مبين أيها المكذبون بنعمة الله -تبارك وتعالى- عليكم أيها الجاحدون الذين تؤمرون بأن تنفقوا في سبيل الله ولكنكم تجحدون وتمنعون.

 ثم بين الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك كفرهم بالآخرة والبعث قال: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[يس:48] ويقولون الكفار المكذبون بالبعث متى هذا الوعد سؤال يريدون به الاستبعاد, وأن هذا لا يكون إن كنتم صادقين أي فأخبرونا إن كنتم أيها المؤمنون صادقون في إن الله سيبعثنا وسيحاسبنا فمتى هذا اليوم الذي سيخرجنا فيه وسيحاسبنا فيه قال -جل وعلا-: جوابًا على سؤالهم الذي أتوه للتعجيز والاستهزاء {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}[يس:49]: أي أن هؤلاء المجرمين لا ينتظرون إلا صيحة واحدة صيحة ملك وهي النفخة التي في الصور تأخذهم تهلكهم وهم يخصمون يختصمون فيما بينهم هل هناك بعث ما هناك بعث كذلك يختصمون, أو يختصمون في أمورهم وفي حياتهم فتأخذهم على غفلة منهم وهم غافلون عن يوم القيامة وتأتيهم هذه الصيحة فتأخذهم مثل ما ذكر الله -تبارك وتعالى- هنا في هذه السورة الصيحة التي أخذ الله -تبارك وتعالى- بها القرية التي كذبت المرسلين فقال: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ}[يس:29] فكذلك يخبر -سبحانه وتعالى- {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}[يس:49-50]: لا يستطيع أن يوصي لأنها تأخذه فجارة وهو في فما يقدر يوصي يقول  يا جماعة أنا حموت بعد الموت افعلوا كذا المال كذا, ولا إلى أهلهم يرجعون إذا كانوا خارجين فلا يمهل بأنه سيمرض, أو أنه يرجع إلى أهله فيوصيهم, وإنما تأخذهم في المكان الذي هم فيه.

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.