الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 . 22 نوفمبر 2024

الحلقة (543) - سورة يس 50-67

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2], {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3], {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4], والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا ونبينا محمد, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[يس:48-54], يخبر -سبحانه وتعالى- عن تكذيب الكفار بالبعث وأنهم يسألون النبي ويسألون المؤمنين سؤال عناد وتكذيب مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ويعنوا بالوعد يوم القيامة, إن كنتم صادقين فيما تدعون بأن يوم قيامة سيقوم قال -جل وعلا-:  مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً: وهي النفخة الأولى في الصور تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ:  تقتلهم, وَهُمْ يَخِصِّمُونَ: أي حال كونهم يختصمون فيما بينهم ويتناقشون في هذا الأمر ويكذبون به فيأخذهم وهم على هذه الحال, غافلين عن يوم القيامة الذي يوعدون به فلا يستطيعون توصية أنه يفاجأهم الموت والصعق فجأة فلا يستطيعون أن يكتبوا وصية لمن بعدهم ولا على أهلهم يرجعون, ولا يستطيع شخص إذا فاجأته الصيحة فإنه لا يستطيع أن يرجع على أهله مرة ثانية وإلى مسكنه وإنما تأخذه في مكانه, ثم قال -جل وعلا-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ: هذه النفخة الثانية, وعبر الله -تبارك وتعالى- عنها بالفعل الماضي نفخ في الصور, ما قال ينفخ في الصور؛ لأن هذا أمر متحقق الوقوع فما كان أمرا متحقق الوقوع أخبر الله -تبارك وتعالى- بالفعل الماضي أنه انتهى الأمر ونفخ في الصور فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ فإذا الفجائية هم هؤلاء المكذبين من الأجداث, الأجداث جمع جدث والجدث هو القبر يقال في اللغة جدث, وجدف من إبدال الثاء بالفاء الأجداث من أجداثهم من قبورهم من مراقدهم إلى ربهم ينسلون إلى الله لا إلى غيره -سبحانه وتعالى- ينسلون: أي يسيرون, النسلان هو الهرولة, أي يركضون حيث يدعوهم الداعي إلى المحشر قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا: لما يخرجوا على هذا النحو وقد تبدلت الأرض غير الأرض والسموات, فيقول يا ويلنا يدعون بالويل وهو الهلاك على أنفسهم من بعثنا من مرقدنا وقد كانوا يكذبون بأن هناك يوم بعث فما الذي بعثهم وأخرجهم من قبورهم مرة ثانية, مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا فيجابون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون هذا خروجكم للحساب هو الذي وعد به الرحمن -سبحانه وتعالى- عباده في أنه لا بد يوم قيامة كائن أن الخلق جميعًا لابد أن يجتمعون ليحاسبوهم الله -تبارك وتعالى- هذا ما وعد الرحمن وجاء هنا الرحمن لبيان بهذا الإثم لله -تبارك وتعالى-وذلك أن رحمة الله -تبارك وتعالى- قد وسعت الخلق كلهم ومن رحمته -سبحانه وتعالى- البعث من رحمته -جل وعلا- أن يبعث الخلائق هذا جزء من الرحمة لينال من يستحق رحمته في الآخرة فيأخذها -سبحانه وتعالى- وذلك الذين آمنوا به وقاموا بالتكليف الذي كلفهم الله -تبارك وتعالى- به لابد أن يأخذوا أجورهم من ربهم الرحمن -سبحانه وتعالى- في هذا اليوم هذا ما وعد الرحمن عباده وصدق المرسلون فإن المرسلين قد كانوا صادقين فيما دعوا الناس إليه من أن هناك يوم قيامة يقفون فيه بين يدي ربهم -سبحانه وتعالى-, ثم قال -جل وعلا-: مبينًا أن هذا الأمر هين عليه -سبحانه وتعالى-.

 قال: إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ: إن كانت الأمر إلا صيحة واحدة لم يكن هذا الجمع وهذا البعث الجديد بشيء مستعظم معجز لله -تبارك وتعالى- وإنما كانت صيحة واحدة من ملك من ملائكة الله -تبارك وتعالى-وهو إسرافيل ينفخ في الصور نفخة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون إذا هم فجاءة كل الخلق منذ آدم -عليه السلام- وإلى أخر نسبه إذا هم جميع لدينا محضرون كلهم جميع لدينا عند الله -تبارك وتعالى- محضرون تحشرهم وتجمعهم الملائكة في هذا المكان الذي تقام فيه القيامة يقام فيه ساحة الحساب, أي بعثهم من قبورهم إنما كان الأمر الإلهي بفعل صيحة واحدة لملك واحد من ملائكة الله -تبارك وتعالى-, ثم يقول -جل وعلا-: فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ, فاليوم هذا اليوم يوم القيامة لا تظلم نفس شيئًا ذلك أن الله -تبارك وتعالى- ليس بظلام للعبيد لا يظلم الله -تبارك وتعالى- أحد فيحمله عذابا لا يستحقه أو يعاقبه بعقوبة لا يستحقها أو يزيد في العقوبة دون استحقاق بل كل سيأخذ جزاءه دون أن يظلم, وكذلك لا يظلم هذا بالنسبة للكفار وبالنسبة للعبد المؤمن كذلك فإنه يأخذ جزاءه وافيًا عند الله -تبارك وتعالى- وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ: ولا تجزون أيها الخلق أيها الناس الجزاء الذي تأخذونه إنما هو مساوي تماما لعملكم.

 ثم بيَّن الله -تبارك وتعالى- جزاء أهل الجنة فقال: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}[يس:55]: هذا إخبار من الله -تبارك وتعالى- وأكده الله -تبارك وتعالى- ب إن المؤكدة إن أصحاب الجنة وهم المؤمنون سموا أصحاب الجنة لأنهم يصاحبون لها هذه صحبة أبدية لا تنتهي والصحبة هي الملازمة الطويلة أو أنهم أصحاب الجنة ملاكها صاحب الشيء مالكه وذلك أن الله -تبارك وتعالى- يورثهم الجنة يقال لهم هذه الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون, والوراثة أعظم أسباب الملك فأخذوها ملكا توريث لهم من الله -تبارك وتعالى- هذا يوم النشور والبعث في شغل فاكهون شغل ما يشغل الإنسان ما يشتغل به وأخبر -سبحانه وتعالى- أن هذا الشغل إنما هو قال فاكهون {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}[يس:56]: هذا شغلهم أولًا فاكهون جمع فكه والفكه هو الفرح المسرور خفيف الروح الذي لا يشغله شيء فهذا الفكه فكهون, أي أنهم في غاية السرور والحبور هم وأزواجهم زوجاتهم في ظلال, ظلال البساتين التي هم فيها على الآرائك الأريكة هي السرير المعد للجلوس والاضطجاع المزين بصنوف الزينات وصنوف الطنافس على الآرائك متكئون الاتكاء معلوم على جانب هنا وعلى جانبه هنا أو على ظهره فهم متكئون هم وأزواجهم في ظلال على الآرائك متكئون, لا شغل لهم إلا هذا كما قال بعض أهل العلم هنا تفسيرا لهذه الآيات قال يفتضون الأبكار تحت ظلال الأشجار على مجاري الأنهار, فهذا شغلهم لا شغل لهم إلا هذا والأبكار وذلك أن نساء الجنة إنما هن أبكار طيلة الأبد, ما هم أبكار أبدا كلما طمست عادت بكرًا مرة ثانية, {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ }[الواقعة:35-38], دائما فهي في تربها وفي سنها لا تغادر سنها إنما هي في هذه السن التي لا تغادرها كما أن رجال الجنة كذلك في سنة واحد عند ثلاثين سنة خمس وثلاثين, لا يغادرون هذا السن إنما هم في هذا السن مطلقا فهم لا يشيبون ولا يهرمون, فهذا شغل أهل الجنة بملذاتهم ولهوهم وسرورهم وحبورهم وزوجاتهم في شغلهم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الآرائك متكئون لهم فيها فاكهة لهم لأهل الجنة فيها فاكهة ولهم ما يدعون ,فاكهة قد أخبر الله -تبارك وتعالى- أنها من كل أنواع الفاكهة مما علموا مثله في الدنيا ومما لا يعلمون فمما علموا مثله في الدنيا يقول الله -تبارك وتعالى-: وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ, كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ومما كذلك الله يقول من كل فاكهة فهي من كل أنواع الفاكهة ما علموا مثلها في الدنيا وما لم أوجده الله -تبارك وتعالى-لهم ثمارا في الآخرة لكن ليس في الآخرة من مسمى هذه الفاكهة إلا الأسماء وإلا في الطعوم والحقائق مختلفة, {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}[يس:56], {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ}[يس:57], يدعون يقترحون الدعوة هو أن يدعي الإنسان ما يدعيه وإن كان غير موجود وغير معهود فهو يدعي هذا لو كان الأمر على هذا النحو فيكون فكل ما يدعوه ويطلبوه وإن كان أمرا متخيلاً فإنه يقع الأمر كما طلبوه وكما تمنوه وكما ادعوه.

 {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}[يس:58]: وهذا قمة سعادتهم وسرورهم وحبورهم أن الله -سبحانه وتعالى- الله رب السموات والأرض رب العرش العظيم -سبحانه وتعالى- خالق الخلق أجمعين والذي بيده ملكوت كل شيء الله الذي لا إله إلا هو -سبحانه وتعالى- الرب الرحيم يسلم عليهم , فهذا سلام ينالهم ويأتيهم قولاً يأتيهم حال كونه قولًا أن الله يقوله قولا -سبحانه وتعالى- من رب رحيم -سبحانه وتعالى- أنه رحم هؤلاء وتفضل -سبحانه وتعالى- بالسلام عليهم وهم في سرورهم وفي متعهم وفي شغلهم بكل أنواع اللذائذ والمشتهيات التي هم فيها, هذا ثوبا أهل الجنة ثم عقب الله -تبارك وتعالى-بعقوبة أهل النار قال -جل وعلا -وامتازا اليوم أيها المجرمون امتازوا انحازوا وابتعدوا فيفرقهم الله -تبارك وتعالى-عن طريق أهل الجنة أيها المجرمون يبعدهم الله -تبارك وتعالى- كما قال -تبارك وتعالى- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ}[الروم:14], يتفرقون فأهل اليمين أهل الجنة أهل اليمين يذهبون في طريقهم إلى الجنة وأهل النار أهل الشمال يذهبون في طريقهم إلى النار -عياذا بالله- وامتازوا اليوم أيها المجرمون ابتعدوا عن طريقهم ويخرجوا من طريق الجنة إلى النار -عياذا بالله- ثم يقال لهم تبكيت|ًا وتأنيبا دول أهل النار {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:60] ألم أعهد إليكم كلام الله -تبارك وتعالى-لهؤلاء المجرمين الكفار يبكتهم الله -تبارك وتعالى-ويؤنبهم على ما كان فيهم في الدنيا ليس لعتبهم وإنما لزيادة غمهم وحزنهم {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:60] وهذا في عهده -سبحانه وتعالى- لكل أبناء آدم فإن الله -تبارك وتعالى- أنذرهم على ألسنة رسله إياكم والشيطان فإنه من البداية قد أخبر الله -تبارك وتعالى- آدم وقال إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى وعندما أهبط أراد الله -تبارك وتعالى- اهباطهم {........ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[البقرة:36]-تبارك وتعالى- على كل لسان رسول ينذر الكل رسول ينذر قومه إياكم والشيطان عدو وهذه عهد الله -تبارك وتعالى- لهذه الأمم التي بعث إليها النبي -صلوات الله والسلام عليه- فإن نبينا بعث إلى الناس جميعًا هذا القرآن ملئ من تحذير الله -تبارك وتعالى- عباده أن يتبعوا الشيطان كقوله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:50], وقوله -تبارك وتعالي- {......... إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[لقمان:33] إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير فهذا تحذير الله -تبارك وتعالى-تحذيره -سبحانه وتعالى- الدائم ونازل في قرآنه الذي أنزله نذيرا للعالمين محذرا من طاعة الشيطان ومن اتباعه.

 فالله -تبارك وتعالى- يقول لهم {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ........}[يس:60] وعبادتهم للشيطان إما عبادة بأن يجعلوه ربا فيعبدوه وهذا قد وجد طوائف كثيرة اتخذت الشيطان لهم رب واله من دون الله -تبارك وتعالى- تعبده, ولو قالوا إنهم للاتقاء شره عبادة له سجدوا له قدموا له القرابين أطاعوه وكذلك من العبادة ما هو طاعة له طاعة له فيما يأمرهم به والطاعة عبادة فلما أطاعوه وانحازوا إليه واتخذوه وليا له وتركوا طريق الله -تبارك وتعالى- فأصبحت هذه عبادتهم للشيطان ومنهم من كان الشيطان يدخل إلى الأصنام ويعبدوه من داخل هذا, ومنهم من جعل الشيطان نفسه إلها لهم عن طريق عبادتهم لبعض هذه الموجودات, فالذين يعبدون الشمس الشيطان يتمثل لهم أمام الشمس حتى إذا سجدوا للشمس كان الشيطان أمامهم, فقد عبدوا الشيطان بصور كثيرة من صور العبادة إما عبادة مباشرة له وإما عبادة غير مباشرة له إما في دخول الشيطان في هذه الأصنام أو بتعرضه عند من يعبد الشمس أو عبادة له بأن أطاعوه واتخذوا طريقه وتركوا طريق الرب -تبارك وتعالى- {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:60] تأكيد من الله -تبارك وتعالى-وتحذير أنه أي الشيطان لكم أيها الناس عدو مبين بين العداوة ومن عداوته أنه لا يترك الإنسان يبدأ عداوته من حيث ينزل الإنسان بطن أمه فيستهل صارخا من طعنة الشيطان في بطنه إلى أن يموت لا يتركه وهو يغرغر يظل الشيطان معه يوسوس له ولا يتركه لا في سفره ولا في إقامته, يسافر من مكان يكون شيطانه معه يمكث يكون معه ينام يأتيه الشيطان والحلم يقول النبي الحلم من الشيطان والرؤيا من الله,  فلا يتركه لا نوما ولا يقظة ولا سفرا ولا حضرا ولا صغيرا ولا كبيرا ما يتركه ولا يتركه إذا اهتدى وكان في عبادته يأتيه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشيطان إذا سمع الآذان ولى وله ضراط فإذا انتهى الآذان آتى في يثوب للصلاة» أي الإقامة ولى ثم إذا انتهى تثويب رجع يخطر بين الإنسان وقلبه يقول له اذكر كذا اذكر كذا لما كان لا يذكره حتى يصلي فلا يدري صلى ثلاثا أو أربعاً فهذا فعل الشيطان قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا فليسجد سجدة السهو فالشاهد أن الشيطان لا يترك الإنسان لا يتركه عند عباده ولا يتركه ما يتركه بتاتا هذا عدو بكل معاني العداوة ولا مقصد له ولا هدف له إلا أن يأخذ هذا الإنسان يدخله النار فقط, هذا هدفه في النهاية ويستخدم كل وسائله في الإغواء وفي التغرير وفي الكذب وفي تمويه له حتى يضل هذا الإنسان ويأخذه عن طريق الرب -تبارك وتعالى- هذه مهمته وقد أخذها على نفسه عهد أن يفعل هذا قال لله -تبارك وتعالى-: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }[ص:82-83] {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:62], وحذر الله -تبارك وتعالى-العباد من هذا العدو الذي اتخذ عداوته دينا له ومنهجًا وطريقًا وطلب من الله -تبارك وتعالى-أن يعمر إلى البعث قال إبليس: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الحجر:36], قال الله -تبارك وتعالى- {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}[الحجر:37], {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}[الحجر:38], وكل هذا للإضلال حسدًا منه لهذا الإنسان ومحاولة منه أن يدخل في النار من ذرية آدم أكبر قدر يستطيعه ويدخله النار فلن يتوانى واجتهد بكل جهده لهذا الأمر والله -تبارك وتعالى- قد حذر العباد من هذا العدو, قال لهم هذا عدوكم إياكم أن تطيعوه وأن تسيروا خلفه وقال لهم: {........ إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:6] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:5-6]:أي كل همه وكل دعوته لحزبه ولأنصاره أن يكون من أصحاب السعير وإذا وصلوا إلى السعير وكان الشيطان معهم فإنه يستهزئ بهم ويقول لهم {........ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم:22], فهذه خطبته في اتباعه في النار يوم القيامة عندما يحشر هو وهم ويدخلون النار يبكتهم الشيطان بهذا, فالله -سبحانه وتعالى- يذكر هؤلاء العباد الضالين الذين دخلوا النار مع الشيطان ويخبرهم بأن الله -تبارك وتعالى-قد عهد إليهم عدهم وهو أمره -سبحانه وتعالى- وتحذيره وان لا تطيعوا الشيطان أطيعوني تسلموا {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }[يس:60] وأن اعبدوني اعبدوا الله -تبارك وتعالى- الله الذي يستحق العبادة فهذا الطريق وإن يعبدوني والعبادة هي الذل والخضوع والطاعة لأمر الله -تبارك وتعالى- هذا صراط مستقيم بينت لكم الطريق إلى الله -تبارك وتعالى- قد أبانه وأوضحه تمام الإيضاح وضع كل معالمه فلا يحتاج الإنسان إلى بيان أكثر من هذا البيان بيان مبين بيان ظاهر بكل معاني الظهور وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ثم قال -جل وعلا–: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:62]: أي قد ضل الشيطان منكم جبلا خلقا كثيرا قبلكم فأمم كثيرة أضلها الشيطان وأخذها إلى الهلاك والدمار {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:62]: أفلم تكن لكم عقول كهذه الأجيال التي جاءت وجاءتها رسلها وأنذروها وحذروها وقال لهم  انظروا مصارع الغابرين الذين ساروا خلف الشيطان ماذا كان مآلهم ونهايتهم, هذه جهنم السجن الأكبر التي كنتم توعدون في الدنيا يهدد بها الله -تبارك وتعالى- ويوعد بها العصاة واتباع الشيطان الذين يكفرون به ويتركون سبيله ويتركون يقول لهم هذه جهنم التي كنتم توعدون في الدنيا أصلوها اليوم بما كنتم تكفرون, أصلوها ذوقوا حرها الصلي الشوي يقول صليت الشاة شويت على النار أصلوها اليوم ادخلوها تشويكم, بما كنتم تكفرون اليوم هذا اليوم الذيهو يوم القيامة بما كنتم تكفرون بكفركم لأنهم كفرتم بالله -تبارك وتعالى- فهذا جزاءكم عند الله -تبارك وتعالى- {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:64] اليوم نختم على أفواههم هذا التي كانت تقول الكذب في الدنيا والشرك والكفر يختم عليها فلا تتكلم ليتكلم بعد ذلك سائر الأعضاء وتشهد على صاحبها بما كان يفعله من الكفر والشرك والمعاصي, الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ اليد تتكلم وتقول فعلت كذا وكذا في يوم كذا وكذا والرجل تتكلم وتقول مشيت إلى المكان الفلاني وفعلت كذا وكذا في يوم كذا وكذا وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون بالذي كانوا يكسبونه والكسب هو  ما يفعله الإنسان سواء يكون نتيجته سيئة أو حسنة يكسب الخير ويكسب الشر, ثم قال -جل وعلا- مبينًا قدرته -سبحانه وتعالى- على خلقه في الدنيا وفي الآخرة فيقول: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ}[يس:66]: هنا في الدنيا والطمس هو إذهاب العين بأن تجعل ممسوحة تمسح العين ويطمسها اللحم تغطيها فتطمس لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون فاستبقوا كل منهم يسابق الآخر إلى الصراط إلى الطريق فأنى يبصرون إذا طمس الله -تبارك وتعالى- إبصارهم فلله القدرة على هذا -سبحانه وتعالى- {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ}[يس:67]: أي لو شاء الله -تبارك وتعالى- أن يمسخهم كحجارة في نفس المكان لا يستطيع أن يتقدم ولا يستطيع أن يتأخر, فالله قادر على هذا -سبحانه وتعالى- فما استطاعوا مضيا في طريقهم ولا يرجعون كذلك إلى طريق آخر بل يمسخون على مكانتهم لله -تبارك وتعالى- القدرة -سبحانه وتعالى- على أن يصنع بهم هذا الصنيع, ثم بين -سبحانه وتعالى- إن هذه قال{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ}[يس:68] ومن نعمره من الخلق ينكسه الله -تبارك وتعالى- في الخلق مرة ثانية أن الإنسان يبدأ نطفة فعلقة فطور إلى أن يشب إلى الاستواء إكمال الخلق, ثم بعد ذلك يعود أدراجه نازلا نازلا إلى أن يصبح بعد ذلك كبدء الخلق لا يعلم شيئا تذهب القوى {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ}[يس:68].

نقف هنا, ونعود إن شاء الله إلى هذه الآية في حلقة آتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-