الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}[يس:60]: يخبر -سبحانه وتعالى- أنه سيبكت الكفار يوم القيامة ويقول لهم أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ: قد عهدت لكم على ألسنة الرسل ألا تعبدوا الشيطان عبادة هنا مباشرة, كمن يعبده عبادة فيجعله إله من دون الله يعبده حتى ولو لاتقاء شره, عند من يعبده من عبدة الشيطان وكذلك يعبده بطريق غير مباشر عندما يأمرهم الشيطان بأن يعبدوا غير الله -تبارك وتعالى- فيطيعوه وكان الشيطان يدخل في الأصنام ويكلمهم منها, ويعبدون الشيطان من خلال عبادتهم لهذه الأصنام والأوثان كعباد الشمس الذين يتمثل لهم الشيطان فإذا سجدوا للشمس كان الشيطان بينهم وبين الشمس, أو عبادتهم طاعتهم لهذا الشيطان وانسياقهم وراءه وتركهم طريق الرب -سبحانه وتعالى-, وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ: هذا عهد الله -تبارك وتعالى- وأمره للعباد بأن يعبدوه وحده لا شريك له كأول أمر هنا في القرآن قول الله -تبارك وتعالى- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[البقرة:21]: فهذا هذا أمر الله -تبارك وتعالى- لكل أنبياءه ورسله أن يدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له, فهو الرب الإله المستحق للعبادة وحده لأنه ربهم وخالقهم وخالق كل ما يرون وما لا يرون ولا رب لهم سواه ولا بالتالي لا إله لهم غيره -سبحانه وتعالى- وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم قد أوضح الله -تبارك وتعالى- الطريق إليه على كل ألسنة الرسل, {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}[يس:62] فتتعظوا بمصارع من كان قبلكم وبالمآل الذي آلوا إليه بطاعتهم للشيطان, {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }[يس:63-64] هذه عقوبتهم عند الله -تبارك وتعالى- ثم قال -جل وعلا-: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:65] فأعضاء الكافر تشهد عليه بما عمل يوم القيامة, لأنه يكذب الكفار يوم سيكذبوا يقولوا ما أشركنا ولا عبدنا من دون الله -تبارك وتعالى- من شيء, ثم لم تكن حجتهم إلا أن قالوا ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قال -جل وعلا-: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ ........}[الأنعام:24] فيكذبون فعند ذلك يأمر الله -تبارك وتعالى- أعضاء الكافر أن تشهد فتشهد عليه تشهد اليد قال -جل وعلا-: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فيتكلم باللسان {........ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قال -جل وعلا-: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ ........}[يس:66] هنا في الدنيا {........ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ}[يس:66] عقوبة لهم هنا في الدنيا لو نشاء الله -تبارك وتعالى- أن يعاقبهم بالعقوبة بعقوبته في الدنيا على هذا النحو لفعل, {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ........}[يس:67] المسخ هو تحويل أن يكون على هذا النحو يمسخ حجر يمسخ على صورته على صورة خنزير أو صورة غيره, ثم يبقيه الله -تبارك وتعالى- في مكانه لا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ}[يس:67], ثم قال -جل وعلا-: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ}[يس:68]: أي ألا يعقل الإنسان أن له نهاية ينتهي إليها وأنه سيبلغ أن الإنسان يبلغ تمام الخلق, فالقوى العقلية والقوى البدنية ثم يبدأ ينهار ويتناقص به هذا الأمر تناقص قواه العقلية وقواه البدنية إلى أن يصبح بعد ذلك لا يعلم بعد علم شيئا, إن هذه نهاية وأنه ليس باق ومخلد أبدًا بقواه البدنية والعقلية بل أن أمره إلى زوال وإلى نهاية وإلى تردي على هذا النحو, {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ}[يس:68] فيتخذ بعد ذلك طريقه إلى الله -تبارك وتعالى- واعلم أنه ليس خالدًا في هذه الدنيا وأنه سيموت وأنه بعد هذا الموت سيكون بعث ويوقف على أعماله بين يدي الرب -تبارك وتعالى- ثم قال -جل وعلا-: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ النبي محمد -صلوات الله والسلام عليه- الضمير يعود هنا إلى النبي ما علمناه الشعر كما يدَّعون, فليس شاعرا ولن يقول شعرًا قبل أن ينزل عليه هذا القرآن, وهذا القرآن ليس بالشعر وذلك لسد باب الذريعة التي يمكن أن والشبهة التي يمكن أن تقع للكفار, لو كان النبي شاعرًا وكان يقول الشعر ثم أوحى الله -تبارك وتعالى- إليه هذا الوحي فقالوا إن هذا من جنس هذا أنه برع كان يقول شعرا, ثم برع في هذا الشعر فآتى بأسلوب بياني أكبر أو مثل هذا الشعر ويضمون القرآن إلى مطلق الشعر, فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقول شعرًا -صلوات الله والسلام عليه- قال {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ........}[يس:69] وذلك أن هذه صناعة الشاعر لا تصلح إلا مع أناس أولاً أهل كذب فأكثر الشعر وكانت العرب تمارسه وتستعذب الكذب منه الشعر الكذاب منه الذي فيه المبالغات يقولون أعذبه أكذبه أعذب الشعر هو الكذب, ثم لابد أن يكون الشاعر قائلا في كل الميادين سواء منها ما يفعله وما لا يفعله يقول في في الشجاعة وهو غير أهل الشجاعة ويتكلم عن نفسه بالكرم ويفتخر, وكذلك يقول في الممدوحين ما ليس فيهم ويذمهم من يذمهم مما ليس فيهم ويتكلم في فنون أخرى كانوا يرون أن الكلام فيها جزء من الشعر كالوصف والغزل والخمريات, فهذا حال الشعراء حال مزري, وإن كان الناس تسمع لأقوالهم لكن هم كذلك هم منزلتهم في منزلة منحطة {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ}[الشعراء:225], {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ}[الشعراء:226], فلا يمكن لأن يختار الله -تبارك وتعالى- رسولا يكون من أهل الشعر ويكون أخلاقه أخلاق الشعراء هذا الله يقول: وَمَا يَنْبَغِي لَهُ: ما ينبغي للرسول أن يكون شاعرًا {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ........}[يس:69] إن هو الذي هذا النازل من الله -تبارك وتعالى- القرآن ذكر تذكير فيخلتف عن الشعر تمامًا الشعر وصف وخيال ومبالغات وكذب وأما هذا ذكر هذا ذكر يذكر بالله -تبارك وتعالى- ويذكر بالآخرة ويذكر بغيب الله -تبارك وتعالى- ويذكر الإنسان بمبدأه ومآله ويذكره بما يستقبله من الأمور العظيمة من يوم القيامة ومن الجنة ومن النار فيتذكر هذا ويعيه ويعرف كيف الطريق إلى الله -تبارك وتعالى- {........ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}[يس:69] قرآن بين واضح يبين الطريق الرب -تبارك وتعالى- أشرف علم وأفضله لأنه العلم بالله نزل بالعلم بالله -تبارك وتعالى- والعلم بآلائه وبغيبه -سبحانه وتعالى- والعلم بالصراط والطريق إليه والعلم بكل ما في هذه الأرض من خير وشر ليتخذ الإنسان طريق الخير ويبتعد عن طريق الشر هذا أمر عظيم جدًا.
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا: أي هذا القرآن النازل على رسول الله -صلوات الله والسلام عليه- رسول الله المبرأ من الكذب الذي ليس بشاعر لينذر هذا القرى لينذر الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن من كان حياً حي القلب حي يستفيد بهذه الإمكانات التي أعطاه الله إياها فقه قلبه ونظر عينيه وسمعه, فهذا الحي الذي حيا وعرف الحق فهذا هو الذي يستفيد بها, فالإيمان حياة والكفر موت وذلك أن الكافر عطل هذه المنافذ المعرفة ومقامات المعرفة يعطل قلبه ويعطل نظره وسمعه {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179], فالكافر غافل ميت ومن كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان فهذا الذي آمن صدق كلام الله -تبارك وتعالى- وآمن بهذا الصدق النازل من عند الله -تبارك وتعالى- {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}[يس:70], يحق القول يصبح القول حقا على الكافرين القول قول الله -تبارك وتعالى- وهو أن الله -تبارك وتعالى- قد توعد بالنار من كفر قال: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا}[طه:74].
قال الله -تبارك وتعالى- للشيطان: {قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}[الإسراء:63] فهذا قول الله -تبارك وتعالى- ويصبح هذا القول حق على كل من تبع الشيطان أن لابد أن يدخل النار قال الله لإبليس: { اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }[الإسراء:64-66]: فهذا قول الله -تبارك وتعالى- بأن يدخل النار كل من كفر يكون حق هنا يحق قول الله -تبارك وتعالى- بالنار والعذاب على الكافرين المكذبين الذين عرفوا الحق ولكن كفروا وجحدوا ولم يؤمنوا به, بعد هذا عود إلى بيان آيات الله -تبارك وتعالى- وأن ما يشركه المشركون أين الرب -سبحانه وتعالى- الخالق من هذه الآلهة المدعاة التي تعبد من دونه -جل وعلا- فقال -جل وعلا-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ}[يس:71-73]: هذا صنيع الرب -تبارك وتعالى- الذي يدعوكم إلى عبادته -سبحانه وتعالى- يذكر الله -تبارك وتعالى- عبادته بما خلق لهم من هذه النعم في هذه الدنيا ومن نعمه -سبحانه وتعالى- الأنعام أولم يروا يعلموا أنا خلقنا لهم خلق الله -تبارك وتعالى- لهم الخلق الإيجاد والتقدير مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون مما عملت أيدي الله -تبارك وتعالى- أيدينا نعم الله -تبارك وتعالى- الله -جل وعلا- قد أخبر -سبحانه وتعالى- بأنه الإله الحق -سبحانه وتعالى- وأن له يدان كما قال -سبحانه وتعالى- {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ........}[ص:75] وقال للنبي أناس على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين, فهذا هذه صفة من صفات الله -تبارك وتعالى- ويخبر -سبحانه وتعالى- بأنه خلق للعباد قال مما خلقت أيدينا أنعاما, إذا جمعت الأيادي فإنما تأتي اليد بمعنى اليد وتأتي اليد بمعنى النعمة والصنيع تقول لفلان إن يد علي أنه لك له جميل علي ولفلان يد في هذا الأمر أنه له صنيع وله مساعدة في هذا الأمر وهذه آياد كريمة لفلان علينا أنه نعم كثيرة {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ }[يس:71]: فهذه من صناعة الرب -تبارك وتعالى- أنه صنع وسوى هذه الأنعام وخلقها -سبحانه وتعالى- لعباده فهذه الأنعام بهيمة الأنعام التي هي هذه الثمانية أزواج من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضأن اثنين ومن الماعز اثنين ذكر وأنثى هذه من نعم الله -تبارك وتعالى- مما خلقها الله -تبارك وتعالى- وصورها -جل وعلا- فهو الذي يعلم ما في الأرحام وهو الذي خلق هذا -سبحانه وتعالى- وأنزله -جل وعلا-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا: من تفضلنا ونعمنا على الناس أننا خلقنا لهم هذه الأنعام أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ: ملكناها الإنسان يشتري هذه يستبدلها ويشتريها بنقوده له وتصبح هذه منسوبة إلى الإنسان والله -تبارك وتعالى- هو خالقها وهو الذي أقنى وأغنى هذا العبد ليشتري هذا وليكون في خدمته كما قال -تبارك وتعالى- {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}[النجم:48] القنية اقتناها وامتلكها من الله -تبارك وتعالى- هو الذي يسر له هذا فهم لها مالكون وذللناها لهم التذليل غاية أنها خاضعة مسخرة لهم يكون البعير ضخم الكبير الذي هو أقوى من قوة الإنسان البدنية بعشرات المرات ومع ذلك يأخذه الطفل الصغير وينيخه وأحيانًا ينيخه على الأحجار وعلى الشوك ينيخه يقول له ثم يركبه, ثم يأخذه بمقوده ويضربه بعصاه ويسوقه في هذا الطريق وهذا الطريق ثم يسخره ليسير به يسير بالإنسان بهذا العير القوي الشديد يسير به هذه المسافات الطويلة ويحمله هذه الأحمال العظيمة, ثم يأخذه ويقوده أحيانا إلى النحر وينحره ويربطه وينحره وهو في كل هذا مسخر مذلل ولو كان الله -تبارك وتعالى- جعله وحش متوحش وقوي لما قوي عليه الإنسان على هذا النحو ولكن الله -تبارك وتعالى- ذلله هذا التذليل ليسخره الإنسان هذا التسخير في ركوبه وفي عمله الطفل والمرأة تربط لبعير الضخم والثور الكبير تربطه في الساقية وتضربه بالعصا وتجعله يدور الساعات الطويلة في الساقية ليخرج الماء ويأخذ الإنسان ويضع الناف على رقبته ويحرث به الأرض ويشق به الأرض كلها تذليل, وذللناها لهم: جعلناها مطيعة غاية الطوعة في غاية الذل للإنسان مع كبرها ومع قوتها ومع شدتها ولكن لم يجعلها الله -تبارك وتعالى- متوحشة بعيدة بل ذللها لهم قال -جل وعلا-: فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ: يركبها مذللة هذه الأنعام ومنها يأكلون ومن هذه الأنعام يأكلون يذبح ويأكل منها وكذلك يأكل منها من لبنها أين كان للإنسان أن يصنع لنفسه هذا الصنيع بل إن البشر كلهم لو اجتمعوا على خلق أصلا ذبابة فلا يستطيعون, {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ........}[الحج:73]: فهذا انظر إلى هذا الخلق العظيم هذه الأنعام الكثيرة ملايين الملايين مما خلقه الله -تبارك وتعالى- مما نذبحه كل يوم ونأكله ونسخره من أين لو أن الله -تبارك وتعالى- لم يصنع هذا فهذا صنيع الرب -تبارك وتعالى- الله -تبارك وتعالى- يذكر عباده بنعمته -سبحانه وتعالى- {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ}[يس:71], هم لهذه الأنعام {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ}[يس:72] ولهم فيها منافع غير الركوب وغير الطعام ومشارب المشرب هو ما يهواه الإنسان من الاستمتاع بها والزينة فيها, فالزينة يزينها ومنافع من جلودها ومن أظلافها وقرونها وعظامها وثمة منافع عظيمة جدا من وراء هذه الأنعام الأصواف والأوبار والأشعار الشعر الذي فيها فهذه كلها منافع, فينتفع بها الإنسان {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ}[يس:73] في استمتاعهم بهذه الأنعام أَفَلا يَشْكُرُونَ: هل شكروا الله -تبارك وتعالى- على هذه النعم وعلموا أن هذه من أفضاله وأنعامه -سبحانه وتعالى- أفلا يشكرون ثم بعد هذا عرج الله -تبارك وتعالى- على ما يعبدونه من دون الله هذه خلق الرب وصناعته.
ثم قال -جل وعلا-: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ: أين الرب الإله -سبحانه وتعالى- وأين هذه الآلهة التي تُعبَد من دونه قال واتخذوا أي المشركين من دون الله آلهة اتخذوا لهم آلهة يعبدونهم قال -جل وعلا- لعلهم ينصرون آلهة معبودات واتخذوها لعلهم ينصرون على أعدائهم أنهم ينتصروا بها لينتصروا بهذه الآلهة على أعدائهم إذا عبدوها ودعوها ظنوا أنهم ينتصرون بها على أعدائها كما كانت تقول قريش من عبد العزى اعتز أن العزى عندهم هي العز وهي الغلبة وأن أهلها هم أهل الغلبة ولذلك كانت هذه أول كلمة قالها أو ثاني كلمة قالها أبو سفيان بعد نصرهم في أحد قال: أعلو هبل ثم قال: لنا العزى ولا عزى لكم لنا العزى هذه الإلهة التي يعبدونها وسمونها العزى من العز إنها العزيزة وأن من عبدها اعتز ولا عزى لكم أيها المؤمنون أنكم هزمتم وفعل بكم هذا الفعل لأنه لا إله عزيزًا يعزكم وتنتصرون به ورد عليه المسلمون فقالوا: الله مولانا ولا مولى لكم فالله هو مولانا ناصرنا ومؤيدنا ولا مولى لكم أيها الكفار فيخبر -سبحانه وتعالى- أن هؤلاء المشركين.
قال -جل وعلا-: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ}[يس:75]: لا تستطيع هذه الآلهة التي اتخذوها هم آلهة لينصرونهم لا يستطيعون نصرهم وذلك أنهم لا قدرة لهم عند هذا مالهم قدرة ما دام أنهم أصنام وإما أنهم موتى وإما لأنهم كلهم كل ما سوى الله -تبارك وتعالى- فعبد مقهور هو في قبضة الله -تبارك وتعالى- وقهره لا يخرج عن أمره وقهره -سبحانه وتعالى- لا يستطيعون نصرهم, ثم قال -جل وعلا-: وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ: هم الكفار لهم لهذه الآلهة المدعاة جند محضرون عند أصنامهم وعند أوثانهم فهم عاكفون عندهم قائمون عليهم هم الذين يصنعون هذه الأصنام بأيديهم هم سندتها هم حفظتها هم الذين يقومون بإبعاد الشر عنها وهي لا تصنع لهم شيئا بل هم لهم أن الكفار لهم لهذه الآلهة المدعاة جند محضرون فهم لا طاقة لهم أن ينصروا أنفسهم ولا أن ينصروا هؤلاء الذين عبدوهم, ثم قال -جل وعلا-: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ بعد هذا خطاب يوجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول الله له -تبارك وتعالى- فلا يحزنك قولهم لا تحزن من أقوال هؤلاء المكذبين ولهم مقالات كثيرة قولهم مضاف إلى معرفة فيعم ولهم مقالات شديدة تحزن كمقالتهم في الكفر والتجريف على الله -تبارك وتعالى- وسب الله -تبارك وتعالى- بأن جعلوا له من عباده جزء جعلوا الملائكة بنات الله -تبارك وتعالى- كذلك تكذيبهم البعث وإنكارهم إياه ثم كلماتهم الكبيرة في شان النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر وأنه مجنون وأنه وأن له هدفًا غير هذا الهدف المعلن الذي أعلنه من عبادة الرب قالوا وقال الملأ {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6]فلهم مقالات شنيعة كثيرة في الكفر والعناد قال -جل وعلا- فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ: أقوالهم هذه في الكفر والعناد إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون: الله -تبارك وتعالى- يخبر بأنه يعلم ما يسرون السر الإخفاء وما يعلنون وما يظهرون فالذي يسرونه من كفرهم والذي يعلنوه بل من كل عملهم يعلمه الله -تبارك وتعالى- ثم في نهاية السورة في الآيات الأخيرة في ختام هذه السورة بين الله -تبارك وتعالى- هذه القضية الأساسية المركزية عند الكفار وهو إنكارهم للبعث وهي هي الأساسية هي القضية الأساس التي عليها كان الكفر كله لما كفروا بهذا كفروا بما سواه قال -جل وعلا-: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}[يس:77]: أو لم يعلم الإنسان أنا خلقناه من نطفة الله -تبارك وتعالى- بدأ خلق الإنسان من هذا الشيء القذر النطفة ماء الرجل فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ: خصيم لله أي أنه مخاصم لربه -سبحانه وتعالى- مبين بين الخصومة فمن خصومته لله أنه جعل له أنداد وشركاء ذهب إلى هؤلاء الأنداد والشركاء من خصومته لله أنه ذهب يعبد يتبع عدو الله -تبارك وتعالى- إبليس ويسير فيه ويخاصم ربه من خصومته لله أنه ينكر كلامه ويجحده ويرفضه ويأبى أن يطيع الرب -تبارك وتعالى- ويخاصمه من خصومته لله -تبارك وتعالى- سيره فيما في طريق الكفر والعناد يريد أن يطفئ نور الله -تبارك وتعالى- معاداته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاندته للرسل, فهذا وضع نفسه خصمًا وخصيمًا للرب -تبارك وتعالى- يخاصمه ويسير في معاداة الرب -تبارك وتعالى- والحال أن يا أيها الإنسان الذي تخاصم ربك وإله كأن لا تذكر أنه خلقك من هذا الشيء القذر كيف تجعل نفسك مخاصمًا لله -تبارك وتعالى- وتعاند الله -تبارك وتعالى- وهو خلقك على هذا كما في الحديث يقول الله -تبارك وتعالى-: «يابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه مثل بصقة خلقه» الله -تبارك وتعالى- مثل من الماء المنى الذي هو يشبه البصاقة فكيف يعجز الله -تبارك وتعالى- والله قد خلقه من هذا الماء المهين, ومن الخصومة إنكاره البعث يخاصم ربه وينكر البعض ويعتقد ويظن أن الله -تبارك وتعالى- لا يبعثه قال -جل وعلا-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ}[يس78:81].
سنعود إن شاء الله إلى هذه الآيات في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب.