الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (545) - سورة يس 79-82

{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2], {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة:3], {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:4], والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس:77-83]: يخبر -سبحانه وتعالى- في ختام هذه السورة سورة يس عن حال الإنسان الكافر وأنه مخاصم ربه -سبحانه وتعالى- مع أنه خلقه من هذا الشيء القذر من النطفة قال -جل وعلا-: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ: الإنسان الكافر علم هذا أن الله -تبارك وتعالى- قد خلقه من هذه الشيء الذي يراه فإذا هو خصيم مبين ولكنه لا يكون رجلًا حتى يخاصم الله -تبارك وتعالى- يخاصمه بأن يكذب بآياته بان يدعي له الولد بأن يتخذ من دونه آلهة, بأن يعادي رسله بكل أنواع الخصومات التي قام بها الكفار يعاندون ربهم -سبحانه وتعالى- وإلههم, فهو خصيم بين العداوة كما قال ذلك المؤمن لصاحبه {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}[الكهف:37]: تكفر به وتدعي إن ما أنت فيه من النعيم إنما هو حظك ونصيبك وأن الله -تبارك وتعالى- ليس متفضلا عليك ثم تنكر البعث لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا, وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ: هذه الصورة من صورة الخصومة والعناد لله -تبارك وتعالى- وضرب لنا مثلا ونسي خلقه نزلت الآيات وقد فعل هذا أكثر من مشرك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر الإمام أحمد بإسناده إن هذا كان صنيع أبي بن خلف الملعون وكذلك العاصم بن وائل السهمي انابي بن خلف أخذ عظمًا قديمًا رميما ففته, وجعل يذروه في الهواء ويذروه في وجه النبي ويقول له: يا محمد أتزعم إن الله يعيدنا وقد صرنا إلى مثل هذه مستكبرًا ومعاندًا فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك النار وهكذا قال أيضا النبي لذلك الفاجر العاص بن وائل السهمي الذي فعل نفس الصنيع, وضرب لنا مثلا أي بهذا بأن مثل بهذا العظم الذي قد أرم وانتهى وأصبح رميم وأنه يمكن الإنسان أن ينشر ذراته في كل مكان فأنى عندهم للرب -تبارك وتعالى- أن يعيد هذه العظام التي فتت على هذا التفيت وأصبحت ذرات ناعمة لهذا وذهبت كل مسار أن يعيدها الله -تبارك وتعالى- مرة ثانية, ونسي خلقه وأن الله -تبارك وتعالى- قد خلقه لم يكن شيئا وقد خلقه من هذه النطفة لم يكن شيئا فكيف جمع الله -تبارك وتعالى- خلقه وجمعه على هذا النحو وسواه رجل ولم يكن شيئا, كانت أيضا البداية أصعب من هذه الإعادة لان البداية ما كان للإنسان أي أثر يذكر كان ميتًا كان طعامًا شرابًا, ثم كان ذي ظهر أبيه وفي رحم أمه أمشاج أخلاط ثم خلقه الله -تبارك وتعالى- من هذا سواه رجلًا على هذا النحو فكيف لا يسويه -سبحانه وتعالى- مرة ثانية وقد سواه الله -تبارك وتعالى- من العدم فلو كان تذكر خلقه قال -جل وعلا- ونسي خلقه لو كان هذا الإنسان الكافر المعاند لله -تبارك وتعالى- المكذب بالبعث تذكر كيف خلقه الله كيف كانت نشأته لما قال قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قال -جل وعلا-: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ: وهذا أمر في المنطق وفي البرهان العقلي مثل كما يقال واحد وواحد يساوي اثنين, إن هذا أمر مقطوع به, فالذي خلق الشيء أول مرة يستطيع أن يعيده إذا انتهى إذا هلك هذا الشيء يستطيع أن يعيده لأنه خلقه أول مرة من العدم فكيف لا يستطيع إعادته وخلقه من جديد مرة ثانية هذا أمر مفروغ منه قل يحييها الذي أنشأ هذه العظام أول مرة ولم تكن عظام أصلا ما كان هناك عظم أصلًا وإنما أنشأ الله -تبارك وتعالى- هذه العظام لم تكن شيئا قل يحييها يحيي هذه العظام وينشرها الذي خلقها أول مرة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ: وهذا الخلق المتجدد الدائم عليم به -تبارك وتعالى- لأنه لا يخلق إلا هو فلا يخلق إلا هو فالخلق الدائم للإنسان والحيوان والنبات خلق دائم مستمر, كل يوم هذه ملايين الملايين من أفراد الخلق يخلقها الله -تبارك وتعالى- وهو عليم بها -سبحانه وتعالى- فإن كل مخلوق يخلق إنما هو بعلم الله وبصناعة الله, الله خالق كل شيء -سبحانه وتعالى- وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ هو الذي يصورك في الأرحام كيف يشاء -سبحانه وتعالى- فهذا خلق الله -تبارك وتعالى- الدائم أمام عينهم فكيف يكذب المكذب بان الله -تبارك وتعالى- يعيدهم مرة ثانية الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم -سبحانه وتعالى-, وقد جاء في الحديث أن رجلا وكان نباشا نباش قبور قال لأبنائه أي أبنائي أي أب كنت لكم؟ قالوا خير أب. قال لهم: إذا مت فاحرقوني ودقوني وانتظروا يوما عاصفا فذروني واجعلوا نصفي في البر ونصفي في البحر, فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا شديدًا هذا رجل مؤمن بالبعث وأن الله يبعث الأجساد ولكنه جهل أنه إذا كان الإنسان وصل إلى هذه الحال من أنه يحرق ثم يكون رماد ويدق إذا كان بقي بعد الحرق شيء من عظامه اليابسة المحترقة فإنه يدق حتى يصبح مسحوق ناعم جدًا وأنه يذر إذا ذري وذهب قسم منه في البر وقسم منه في البحر فإنه ظن أن الله -تبارك وتعالى- لا يستطيع أن يعيده مرة ثانية, وكان الذي حمله على هذا مخافته قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعاده الله بعد أن صنع أولاده به هذا الصنيع بحسب وصيته أنهم أخذوه وحرقوه ودقوه, وبعد ذلك سحقوا عظامه وذروها انتظروا أن يأتي يوم عاصف الريح شديدة, ثم ذروه في كل مكان فأحياه الله -تبارك وتعالى- وأتى به فقال له ما حملك على ذلك أي ما الذي حملك أن توصي أبناءك بما أوصيتهم به فقال مخافتك يا رب وأنت تعلم أنه لن يحملني على هذا إلا أني أخافك أخاف أنك فغفر الله -تبارك وتعالى- له فشهد من الحديث أن الله -تبارك وتعالى- جمعه من حيث هو في ولو ذري ما ذري فإن الله -تبارك وتعالى- قادر على أن يعيد الأجساد مرة ثانية لأنه هو خالقها -سبحانه وتعالى- {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }[يس:78-79] هذا دليل, فالذي انشأ الخلق قادر على إعادته والذي يخلق هذا الخلق المستمر أبدا فهذا قادر على الخلق -سبحانه وتعالى- أن يعيد الخلق مرة ثانية.

 ثم دليل آخر قال -جل وعلا-: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}[يس:80]: هذا إخراج الضد من الضد الشجر الأخضر تنبت النبتة رقيقة ناضرة خضراء لينة بهذه الليونة ملؤها الماء, ثم بعد ذلك تستوي حتى تصبح شجرة كبير تصلب تصبح صلبة, ثم تجف تصيح بعد ذلك حطب يخرج منها النار فالله -تبارك وتعالى- الذي خرج النار مشتعلة انظر الفحم المشتعل والنار المشتعلة يخرجها من هذا النبات الأخضر أخرج الضد من ضده, الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا وهذه من قدرة الرب -تبارك وتعالى- من الشجر الأخضر المملوء بالماء والرطوبة والماء والرطوبة وهذه هي ضد النار لكن الله أخرج منها الضد ضدها -سبحانه وتعالى- فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ, ثم دليل أخر بعد ذلك على قدرة الله -تبارك وتعالى- على البعث من الأدلة العقلية المشاهدة قال -جل وعلا-: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ........}[يس:81]: هذا سؤال يراد به التقرير أو الذي خلق السموات والأرض  الذي قدر -سبحانه وتعالى- على خلق السماوات والأرض السماوات السبع العظام والأرض التي نعيش عليها السماوات التي لا نعرف أبعادها إلى يومنا هذا مع تنامي علومنا والتي هذه فوقنا زينها الله -تبارك وتعالى- بهذه النجوم والشموس التي علمنا أمن أرضنا بملايين المرات والأرض التي نحن عليها هذا الخلق العظيم الهائل ألا يستطيع أن يخلق ما هو دون هذا وما هو دون هذا خلق الإنسان وأن يعيده الله -تبارك وتعالى- فكيف يعجز الرب -سبحانه وتعالى- الذي خلق هذا الخلق العظيم, خلق السموات والأرض أن يخلق الإنسان فإن الذي قدر على الأعظم والعظيم قادر على أن يفعل ما هو دونه, قال - جل وعلا-: بَلَى إنما هي جواب إثبات لأنها نفي للنفي ونفي النفي إثبات, وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ: الخلاق كثير الخلق العليم عليم بما يخلق -سبحانه وتعالى- انظر ما خلقه الله -تبارك وتعالى- في السماوات والأرض وكل يوم هذا الخلق يتجدد خلق الله -تبارك وتعالى- بمخلوقاته خلق متجدد كل لحظة يخلق الله -تبارك وتعالى- من الإنسان والحيوان والنبات والمخلوقات هذا خلق متجدد مستمر أبدًا فهو الخلاق -سبحانه وتعالى- الذي مازال خالقا منذ الأزل ولا يزال خالقًا -سبحانه وتعالى- إلى الأبد هذه صفته -سبحانه وتعالى- وهذه صفة له لوحده -سبحانه وتعالى- ليس لغيره, فإن الخلق صفة من صفات الله وحده -سبحانه وتعالى- ولم يعطها -تبارك وتعالى- لغيره {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[الزمر:62] فلا يخلق إلا هو, الملائكة لا تخلق, الإنسان لا يخلق, ما يخلق إلا هو وأنه لو اجتمع أهل السماوات والأرض على أن يخلقوا ذرة ما خلقوها, الله تحدى بهذا الكل قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ........}[الحج:73] والذبابة من أحقر ما يرى الناس من الحشرات والمخلوقات التي خلقها الله -تبارك وتعالى- ولكن هذه الذبابة لن يستطيع أحد أن يخلقها لو مهما كل الآلهة التي دعيت من دون الله -تبارك وتعالى- ولو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابة واحدة فإنهم لا يستطيعون ذلك, {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73] فالله -تبارك وتعالى- هو خالق كل شيء هو الخلاق كثير الخلق -سبحانه وتعالى- العليم بما يخلق لأنه لم يخلق ويدع وإنما خلق وهدى {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:50] وهو-سبحانه وتعالى- القائم على كل نفس بما كسبت وكل مخلوقاته كل تصريف يقع على المخلوق إنما هو بعلمه -سبحانه وتعالى- فجمع الله هنا -تبارك وتعالى- بين هاتين الصفتين الخلاق والعليم وهو الخلاق العليم الخلاق بدءا من إخراج هذه المخلوقات من العدم, وكذلك استمرارا لكل تصريفها بعلم الله -تبارك وتعالى- ولا يعزب عن علمه في هذا المخلوق شيء -جل وعلا-, ثم قال -جل وعلا- مبينًا أن هذا الأمر أمر الخلق عليه سهل, وأنه ليس بصعب وأنه كلام بالكلمة قال -جل وعلا-: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:82]: أي كلمته -سبحانه وتعالى- أمره أحد الأوامر التي يصدرها -سبحانه وتعالى- إذا أراد لشيء ما أن يكون فانه يقول له كن, كن من التكوين أي تكون وكن فيكون فالله -تبارك وتعالى- كل مخلوقاته إنما هي كائنة بأمره -سبحانه وتعالى- فالله -جل وعلا- لا يتعب في الخلق كشأن الإنسان إذا أراد أن يصنع شيئا فإنه يتعبه ويثقله ويكرسه ويفكر فيه ويقيمه, وإنما الله -تبارك وتعالى- إنما يفعل بكن يفعل بالكلمة -سبحانه وتعالى- فإذا كان هناك الإرادة الإلهية والمشيئة الإلهية توجهت إلى فعل شيء فانه يكون بأمر الله -تبارك وتعالى-, وقد أخبر -سبحانه وتعالى- انه لا يكرر هذه الكلمة كما قال -تبارك وتعالى- {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}[القمر:50]: فأمر الله -تبارك وتعالى- واحدة لا يكررها كلمح بالبصر, فيكون ما شاءه الله -تبارك وتعالى- وما أراده الله -تبارك وتعالى-, وإذا بلغ الأمر هذا الحد وأعلمنا الله -تبارك وتعالى- بصفاته على هذا النحو فلم يبق إلا تسبيح الرب -تبارك وتعالى- عن كل ما يعتقده الكفار في الله -تبارك وتعالى-.

 قال -جل وعلا-: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ........}[يس:83]: كل شيء سبحانه تنزيهًا له -جل وعلا- عن كل ما يقوله الكفار, السبحان التسبيح هو التنزيه هو التنزيه والتنزيه الأبعاد أن الله -تبارك وتعالى- -سبحانه وتعالى- بعيد عن كل ما يصفه به هؤلاء الواصفون من الكفار المجرمين فسبحان الله عما يصفون أنه له زوجة أنه ولد, أنه له شريك, أنه له نظير -سبحانه وتعالى- أنه لا يستطيع أن يعيد الخلق هو خالق الخلق لكنه لا يستطيعه هذه مقالة الكفار قالوا هو خلق, وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ, لكن يقولون لا يستطيع الإعادة مرة ثانية, فأخرج الإعادة عن قدرة الرب -تبارك وتعالى- فسبحان الله عن كل هذا تنزيها للرب -تبارك وتعالى- عن كل هذا تنزيها له أن تكون قدرته محدودة أن يكون علمه محدود, فيعلم الجهر دون السر كما كان يعتقده هؤلاء الكفار كذلك كفار مكة كانوا يعتقدون بأن الله -تبارك وتعالى- يعلم جهره ولا يعلم سرهم كما قال عبد الله بن مسعود اجتمع نفر من قريش عظيم شحم بطونهما قليل فقه قلوبهما ناس سمان فكر قليل فقال أحدهما للآخر أترى أن الله يعلم ما نصنع فقال له يعلم ما نظهره ولا يعلم ما نخفيه ولذلك كانوا لاعتقادهم هذا إذا أرادوا أن يعملوا شيئا مما يظنوا أن الله لا يرضاه فإنهم يعلمونه في السر ولا يعملونه في العلن ظانين أن الله -تبارك وتعالى- لا يراه هذا العمل الذي يعملونه في السر فقال -تبارك وتعالى- {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[فصلت:22-23] فكانوا يستترون لأنهم يظنون أن الله لا يعلم ولم يكن يدرى بخلدهم أن الله -تبارك وتعالى- سيجعل أعضاءهم التي معهم تشهد عليهم يوم القيامة {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ......... }[فصلت:22-23] الَّذِي ظَنَنتُمْ هذا الظن الذي ظنتتم أرداكم لأنه جعلكم تنطلقون في فعل معاصيهم سرا وهم يظنون أن الله -تبارك وتعالى- لا يطلع على ذلك ولا يعلم ذلك فأصبحتم من الخاسرين ظن الكافر بالله الظن السيئ, هو الذي يهلكه هذه المهالك فهو لما ظنوا أن الملائمة بنات الله وعبدوهم ووقعوا في الشرك بالله-تبارك وتعالى- ولما ظنوا أن الله -تبارك وتعالى- لا يعيد الأجسام مرة ثانية فأنهم فعلوا في الدنيا ما يشاءون ولم يحسبوا حساب للآخرة فالله -جل وعلا- ينزه نفسه ويأمرنا -سبحانه وتعالى- بتسبيحه عن كل ما لا يليق به عن كل هذه المقالات مقالات الكفر والشرك التي انتشرت في هذه المشركين فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ: أي ملك كل شئ بيد الله -تبارك وتعالى- فكل ما سوى الله ملك لله وذلك أنه خالق كل ما سوى الله العرش, الكرسي, السماوات السبع, الأرض, الملائكة, الجن, الإنس, كل هذه العوالم إنما هي الله ربها -سبحانه وتعالى- وهو خالقها, وملكها كله بيد الله, الله يملكها ذاتًا ويملكها تصريفًا يملك ذاتها فذوات هذه الأشياء كلها الله -تبارك وتعالى- هو الذي يملكها لأنه الذي أخرجها من العدم -سبحانه وتعالى- وهو الذي يملك تصريفها -سبحانه وتعالى- فلا يكون شيء من التصريف في هذه المخلوقات إلا بأمر الله -تبارك وتعالى- فالله بيده ملكوت كل شئ الملكوت هو الملك, الملك والملكوت الملكوت بزيادة الواو والتاء إنما هذه مبالغة للملك فكل ملك لله -تبارك وتعالى- وكل ما سوى الله ملك له بيده -سبحانه وتعالى- أي هو المتصرف فيه وحده لا شريك له, وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: إليه لا إلى غيره -سبحانه وتعالى- أي الخلق كلهم رجوعهم إلى الله -تبارك وتعالى- لا إلى غيره, وكان النبي دائما يسبح بهذا التسبيح في صلاته وخاصة صلاته الطويلة -صلوات الله والسلام عليه- كما في حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله تعالى عنه- أنه يقول: قمت مع النبي -صلوات الله وسلامه عليه- ليلة فقرأ السبع الطوال سبع سور الطوال وهي تقريبا حوالي عشر أجزاء من القرآن يقول فقمت معه حتى كادت رجلي أو كادت رجليا أن تنكسر, وكان النبي يقول يقوم فيصلي في كل ركعة بسورة ثم يركع فيكون ركوعه قريبا من قيامه, وكان يقول في ركوعه سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزة والجبروت فيدعو بهذا الدعاء سبحان ذي الملك صاحب الملك والملكوت الملك والملكوت كله لله - تبارك وتعالى- سبحان ذي العزة والجبروت تسبيحا لله -تبارك وتعالى- فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ فكأن النبي في صلاته صلاته الطويلة هذه -صلوات الله وسلامه عليه- وكان يقول هذا كذلك كثيرا في صلاة الليل -صلى الله عليه وسلم- سبحان ذي الملك والملكوت والعزة والجبروت, بهذا تنتهي هذه السورة سورة يس بما فيها من الآيات واذكر الحكم التي بدأها الله -تبارك وتعالى- بالقسم بهذا القرآن قال: {يس}[يس:1], {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}[يس:2], {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}[يس:3], {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[يس:4], {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}[يس:5], {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}[يس:6], ثم اخبر -سبحانه وتعالى- بأن أكثر الخلق أكثر الناس إنما سيكذبوا بهذه الرسالة وان الرسالة إنما تفيد قال الله -تبارك وتعالى- لرسوله {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}[يس:11].

 ثم أخبر -سبحانه وتعالى- عن هذا الأمر الأساس الذي من أجله كذب المكذبون وخاصة العرب الذين أنكروا البعث فقال -جل وعلا-: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس:12]: أخبر الله -تبارك وتعالى- في مطلع هذه السورة إخبارا بأنه يحيي الموتى -سبحانه وتعالى- ويكتب ما قدموه من الأعمال أي في حياتهم وكذلك ما خلفوه خلف ظهورهم من أثر كله يكتبه الله -تبارك وتعالى- والله -تبارك وتعالى- يكتب للإنسان أثره في الخير وأثره في الشر ويحاسبه عليه إن دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل من أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه لا ينقض ذلك من أوزارهم شيئا إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا أي في حياتهم وآثارهم بعد موتهم وكل شئ أحصيناه في أمام مبين ثم ضرب الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك المثال في العناد والتكذيب بأصحاب القرية الذين جاءهم ثلاثة من الرسل وكذبوهم ولم يؤمن إلا شخص واحد فقط ثم ماذا كانت ماذا كان شان الله -تبارك وتعالى- في عقوبة هؤلاء وفي الكرامة التي أكرم الله بتارك وتعالى بها هذا المؤمن ليبين الله -تبارك وتعالى- أن مصير العباد إلى هذا الكافر هذا مصيره والمؤمن هذا مصيره ثم ضرب الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة الأمثلة الكثيرة على قدرته -سبحانه وتعالى- وعرف العباد بمظاهر هذه القدرة ليستدلوا بذلك على هذا الأمر الذي ينكرونه وهو أنه -سبحانه وتعالى- معيدهم ولابد إلى الحياة مرة ثانية ليحاسبهم الرب -سبحانه وتعالى- وضرب الله -تبارك وتعالى- كذلك في السورة عقد المقارنة بينه -سبحانه وتعالى- انه المنعم المتفضل على عباده وبين الآلهة المدعاة من دون الله -تبارك وتعالى- فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ }[يس:71], ثم ضرب المثال بالذي يعبدونه من دون الله قال: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ }[يس:74], ثم في ختام السورة ذكر الله -تبارك وتعالى- الأدلة على قدرته -سبحانه وتعالى- على إعادة الأجساد فقال -جل وعلا-: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا:  أي الكافر قال: {........ وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }[يس81:78], ثم سبح نفسه -سبحانه وتعالى- وأمرنا بتسبيحه -جل وعلا- فقال: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس:83]تنزيها له -سبحانه وتعالى- الرب الإله المالك لكل شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: أيها العباد مصيركم إليه -سبحانه وتعالى- ليحاسب كل إنسان على عمله.

 سورة عظيمة, نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا فيها بالآيات والذكر الحكيم, اللهم صلي وسلم وبارك على عبده وروسله محمد, أستغفبر الله لي ولكم من كل ذنب.