الجمعة 29 ربيع الآخر 1446 . 1 نوفمبر 2024

الحلقة (547) - سورة الصافات 15-37

الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله الأمين, وعلى آله وأصحابه, ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

وبعد... فيقول الله -تبارك وتعالى-: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات:15-26]: هذه الآيات من سورة الصافات, والتي بدأها الله -تبارك وتعالى- بهذه الأقسام العظيمة بملائكته العظام الذين أقامهم في عبادته وطاعته -سبحانه وتعالى-, وفي تدبير عظيم من هذا الخلق العظيم قال -جل وعلا-: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا}[الصافات:1]: وهم الملائكة يصفون عند ربهم {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}[الصافات:2]: الزجر للسحاب فيمن ملك الذي أقامه الله في هذا الزجر الكفار عند الموت الزجر لهم في دينهم إلى النار, {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}[الصافات:3]يقرؤون يعني الذكر يقرؤون في الصحف المكرمة {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ}[عبس:15], {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}[عبس:16]: هم ملائكة الله -تبارك وتعالى-, ثم أقسم البعض بعد أن أقسم الله -تبارك وتعالى- بهؤلاء الملائكة الذين أقامهم في هذه العبادة وفي تدبير عظيم من هذا الكون, قال: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ}[الصافات:4], ثم عرف الرب لماذا لأن إلههم واحد, قال هو الواحد لأنه {رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}[الصافات:5], ثم جاء بتفصيل من هذا الخلق العام قال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ }[الصافات:6-9]: هذا حال الشياطين الذين خلقهم الله -تبارك وتعالى- من النار وهذا جزء من فعلهم في استراقهم للسمع, وأن الله -تبارك وتعالى- يقمعهم ويدحرهم بإرسال الشياطين الذين تحفظ السماء من استماعهم, قال -جل وعلا- بعد ذلك َاسْتَفْتِهِمْ هؤلاء المكذبين من البشر أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا: هذا الخلق كله خلق السماوات والأرض إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ خلق الله -تبارك وتعالى- الإنسان من هذا الطين الذي المتماسك, من طين لازب {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ }[الصافات:12-13]: ذكروا بهذا الذي ذكرهم الله -تبارك وتعالى- بربهم وإلههم وخالقهم رب السماوات والأرض ورب الملائكة ورب الروح, وبما طريقهم إلى الله -تبارك وتعالى- ومآلهم لا يذكرون {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ}[الصافات:14]: يستهزئون, {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}[الصافات:15]: إن هذا الذي جاء النبي به محمد -صلوات الله وسلامه عليه- إلا سحر يغطي على العقول ويلبس عليها مبين بين ما ليس له فهو واضح في كونه سحر.

 {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}[الصافات:16] يستبعدون هذا كل استبعاد وأن يبعثهم الله -تبارك وتعالى- بعد أن يكونوا ترابا هذا أمر يقول خارج العقل ولا يمكن تصديقه, {أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ}[الصافات:17] كذلك يبعثون قال -جل وعلا-: {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ}[الصافات:18]: أي هذا الذي تستبعدونه كل الاستبعاد وتستعظمونه ولا عقول لهم أن يعني كيف يستعظمون هذا والله -تبارك وتعالى- خالق هذا الخلق المشاهد كله وهم يقرون بهذا, لكن هذا عمى يعني عمى الأبصار قل نعم وأنتم وآباءكم وأنتم داخرون وأنتم لأذلة صاغرون, ثم بين -سبحانه وتعالى- أن هذا الأمر ليس بعزيز عليه وليس بممتنع, قال {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ}[الصافات:19]: صرخة نهرة واحدة نفخة واحدة في الصور ينفخها ملك واحد من ملائكة الله -تبارك وتعالى- فإذا: الفجائية, ينظرون أحياء كامل الحياة ينظرون, لأن النظر هو أخص ومن أخص الصفات الحي والعين هي من أدق صنع الإنسان فيصبح مخلوق قائم وينظر بعد ذلك وليس معطل لهذه الحواس, بل النظر أعظم هذه الحواس تكون جاهزة وموجودة بمجرد هذه الزجرة الواحدة كما قال الله -تبارك وتعالى- في الآية الأخرى فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ: أي أنهم كانوا رقود ومتفرقين في قبورهم, فإذا هم قيام وهذا أسرع في البيان {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ}[الصافات:20] هنا تأتي حسرتهم فقالوا يا يَا وَيْلَنَا: يا حسرتنا يدعون بالويل والويل هو الهلاك على أنفسهم هذا يوم الدين الذي ذكرنا به يوم الجزاء أو يوم الدين يوم دين الإسلام الذي يظهر فيه هذا الدين, هذا اليوم الذي هو يوم الدين يظهر فيه بقى حقيقة الدين, وما جاء به هذا الدين وأخبر به, أو يوم جزاءنا يوم نجازى بأعمالنا كما أخبرنا, فيقال لهم: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[الصافات:21]: أي يوم يحكم الله -تبارك وتعالى- فيكون الحكم النهائي الذي يحكم به عليكم فيه, وكذلك الفصل بينكم وبين أهل الإيمان فأهل الإيمان يأخذون طريقهم إلى الجنة وهؤلاء يأخذون طريقهم إلى النار فيفصل بينهم هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون في الدنيا كنتم به في الدنيا, والتكذيب هو رد الخبر الصادق, والقول أنه كذب تقولون عن هذا الخبر الصادق وعن هذا الأمر أنه كذب.

 {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:22]: هذا الأمر الإلهي, وهذا الحكم حكم الله -تبارك وتعالى- الفصل فيهم, اجمعوا الذين ظلموا بكفرهم وعنادهم وشركهم وتكذيبهم للحق والظلم وضع الأمر في غير محله, فقد وضعوا كل هذه الأمور في غير محلها فبدل من أن يصدقوا الصدق كذبوه, وبدل من أن يوحدوا الإله لذي لا إله إلا هو أشركوا به وبدلا من أن يستعدوا للآخرة ويعملوا لها تلهوا عنها, وعاشوا لهذه الدنيا, واعتقدوا أنه لا عودة إلى الآخرة فهذا ظلمهم, وأزواجهم أشكالهم كل شكل يضم إلى شكله أزواجهم, زوج الإنسان شكله وضربه {مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:23] من دون الله وكل الذي كانوا يعبدونه من دون إله من أصنامهم وأوثانهم وترهاتهم وخرافتهم, هذه الآلهة التي اتخذوها لهم آلهة من دون الله العرب وحدها, كان عندها مئات الأصنام وكانت تضع فوق الكعبة 360 صنم وكانوا يقدسونها, ويعبدونا وفي كل بيت صنم, فكل هذه الآلهة الباطلة التي يعبدوها من دون الله معهم يجمعوها معهم {........ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:23]: أرشدوهم وبينوا لهم هذا صراط الجحيم, وقد جاء أنهم يقولوا يلا هذا الطريق اذهبوا الطريق, كما يقال لليهود كما جاء في الحديث في حديثه الشفاعة الطويل أن الله -تبارك وتعالى- يقول لهم ليتمسك كل قوم بما كانوا يعبدونه في الدنيا كل ناس كانوا يعبدون شيء في الدنيا فليستمسكوا به فتتمثل لهم الآلهة لهم كل من كان يعبد شيء يتمثل له ي إلهه الذي يعبده يتمسك به, ثم يرشدون بعد ذلك إلى النار حتى إذا بقي اليهود والنصارى والمسلمون يقول الله لليهود ماذا تنتظرون؟ يقولون كنا نعبد عزير ابن الله قال كذبتم ما اتخذ إله من ولد وما كان معه من إله ثم يقولون يا رب عطشنا فاسقنا فيشار لهم جهة النار فينظرون إلى النار فتخيل لهم أنها ماء سراب, والرسول يقول يقطع بعضها بعضا فيذهبون جهتها يظنون أنها الماء, فيتساقطون فيها فهؤلاء عزلة بينهم وبين العبد الصالح الذي عبدوه دون واعتقدوا له الألوهية لكنهم مبرئ أن يدعو الناس إلى عبادته كذلك يقال للنصارى, ماذا تنتظرون الناس كل الناس يتمسك بإلههم وذهبوا فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله نحن ننتظر المسيح الذي نعبده, فيقال كذبتم ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ثم يقولون: يا رب عطشنا فاسقنا فيشار لهم جهة النار الملائكة تشير لهم تقولهم إلى الماء هنا فينظرون إلى النار وكأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيذهبون إليها فيتساقطون, فيبقى كل من عبد شيئا غير الله -تبارك وتعالى- يذهب إلى النار يهدوهم إلى صراط الجحيم فإذا كانت هذه الآلهة من الآلهة الباطلة أم ممن عبدوا وهو يدعو الناس إلى عبادة نفسه كالطواغيت فإنهم هم وطواغيتهم معهم في النار إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ: حصبها الذي تحصب به جهنم يلقون فيه, {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء:98]: لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها لو كان هذه التي عبدتموها آلهة ما وردوها ما وردوا النار لامتنعوا لأن الإله هو يستحق العبادة لابد أن يكون خالق رازق قوي إله كيف يكون إلها وهو لا يملك لا يدفع الضر عن نفسه ولا يجلب الخير لنفسه لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون.

يقول -جل وعلا-: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}[الصافات:22], ثم زيادة في إذلالهم وَقِفُوهُمْ: وهم في الطريق, {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24]: فيه سؤال سيسألونه وهذا السؤال: مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ}[الصافات:25]: لماذا لا ينصر بعضكم بعضًا كما كان الحال في الدنيا؟ كان الحال في الدنيا أنه ينصر بعضهم بعضا القادة والإتباع, والجند وصاحب الجند ينصر بعضهم بعضًا في هذا الباطل ويقوي بعضهم بعضًا ينصرون ألهتهم كما قال: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:6], فكانوا ينتصرون ويحمون هذه الآلهة اشلون الآن شايفين نفسهم يساقوا وآلهتهم معهم وأصنامهم أمامهم تمثل لهم, ويخرجون أمامهم وكلهم يلقى بهم في النار وهم مستسلمون ذاهبون, وطبعًا لا يرجع بلاهم ما يدروا مستسلمون لأن الأمر أكبر وأعظم وكذا مما كانوا يتخيلونه ويتصورونه قال -جل وعلا-: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}[الصافات:26]: بل هم  في هذا اليوم العظيم يوم القيامة مستسلمون المستسلم, والمسلم هو المذعن الطائع الخاضع؛ خاضعون ذليلون مسلمون أمرهم ينفذون الأمر بدون أن يعترضوا عليه كما قال -جل وعلا-: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه:108]: يتبعون الداعي من يدعوهم ويدعوهم هنا إلى النار يقول لهم اذهبوا هذا الطريق وهم مع ذلك في غاية الاستسلام وفي غاية المذلة والخضوع, ولا ينصر بعضهم بعضًا ولا يحمي بعضهم بعضًا, ثم قال -جل وعلا-: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات:27]: هنا فسر الله -تبارك وتعالى- هذا بأنه الذين ضلوا والذين أضلوهم كل ما يشعر أنه أضل الأخر يبدأ بعضهم على بعض يتلاومون ويتساءلون سؤال رد ما عند الآخرين, وهذا يرد عليهم كذلك قالوا هذه أسئلتهم بعضهم لبعض {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}[الصافات:28]: يقول الضلال من الإنس لمن أضلوهم من الجن, ومعنى أنه يأتوهم عن اليمين أي يأتوهم من جوارهم من إيمانهم ويوسوسون لهم, وهذا الذي قاله الشيطان إبليس لربه -سبحانه وتعالى- عندما نفسه أن يضل بني آدم قال {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف:17]: فقد أخذ على نفسه بأن يأتي الإنسان من كل جهاته ليوسوس له ويصرفه عن طريق الرب -تبارك وتعالى- ردوا عليهم الذين أضلوهم من الجن ووسوسوا لهم {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الصافات:29]: أنتم لم تكونوا من أهل الإيمان, وإنما أنتم كنتم مكذبين ضالين {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ........}[الصافات:30]: ما كان لنا عليكم من سلطان نقهركم به وسلطان هي السلطة القاهرة ونحرفكم عن طريق الإيمان ونجركم إليه بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ أنتم كنتم أهل طغيان وأهل فساد وهذا نفس الكلام الذي يقوله الشيطان يوم القيامة لأتباعه يقول كما قال -جل وعلا-: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فقطدعوة وليس سلطان قوة قاهرة فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ: لا تلوموني إني أنا الشيطان الذي أغويتكم وصرفتكم عن الحق لكن لم نفسك أنت, أنت الذي اتبعت أنا فقط عرضت وزينت وأنت سرت واتبعت فلا تلوموني ولوموا أنفسكم مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ بمصرخكم لا استطيع انقاذكم وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ  إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ, وهذا يكون كله زيادة في الغم والهم الذي حل بهم والعذاب يأتيهم الهم والغم من كل مكان, فلا يسمعون كلمة ما حد يتحمل مسئولية أنه هو الذي أضل بل هذا يزيد في غمهم وهمهم قالوا: وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ أي قهر نقهركم به وسلطة قاهرة نقهركم به بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ حق علينا قول ربنا أصبح قول ربنا علينا حق وذلك أن الله -تبارك وتعالى- قد أنذر هذا الشيطان الذي أخذ على نفسه إضلال بني آدم أن الله -تبارك وتعالى- سيدخله هو ومن تبعه إلى النار كما قال -تبارك وتعالى- فالحق قال للشيطان لما قال {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص:82-83] قال الله -تبارك وتعالى- {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ }[ص:84-85]: فهذا قول الله -تبارك وتعالى-, فعند ذلك يقول هؤلاء الشياطين فحق علينا قول ربنا أصبح قول ربنا هذا الذي قاله -سبحانه وتعالى- في ذلك الوقت أصبح حقا علينا إنا لذائقون, لذائقون العذاب لذائقون للعذاب مقاسون له فأغويناكم إنا كنا غاوين فأغويناكم أضللناكم عن طريق الحق إنا كنا غاوين هذا شغلنا هذا عملنا الذي أخذناه على أنفسنا, فالشيطان غاوي لبني آدم قال فأغويناكم وأضللناكم عن طريق هذا الحق عن طريق الغواية والغواية هي التزيين تزيين الباطل الصرف عن الحق بهذه الإرادات الكاذبة, وبهذه الإخبار الكاذبة وبهذا الكذب الذي يسير فيه الشيطان, فيزين الباطل فيجعله حق ويكره الحق فيجعله باطل فأغويناكم إنا كنا غاوين.

 قال -جل وعلا-: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}[الصافات:33]: الإنس الذين غوا والشياطين الذين أغواهم كلهم في العذاب مشتركون عذاب واحد وهو عذاب النار -عياذا بالله- فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون كما قال إبليس لهم وهذا رأس الغواية قال مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ  إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ, قال كلنا في النار لا أنا استطيع أن أنقذكم ولا أنتم تستطيعون أن تنقذوني كلنا موجودون فيها وهذا نفس المقالة يقولها الرؤساء من الإنس المضلين, وكذلك الإتباع الذين أضلوا , فكما قال -سبحانه وتعالى- {........ فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}[إبراهيم:21]: أي أن الأمر كذلك ما احنا ما كن ما كنا مهتدين وأن نحن لو كان نملك الهداية لكنا هديناكم ولكن أنتم ونحن كنا سواء في الضلال, قال -جل وعلا-: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}[الصافات:34]: إنا كذلك كهذا الفعل وهو إدخال كل هؤلاء المحرمين الذين أضلوا, والذين ضلوا, والذي اشتركوا في  هذه الضلالة معا إلى النار إنا كذلك كهذا الفعل نفعل بالمجرمين, ثم أخبر الله -تبارك وتعالى- أيضًا صورة إجرامهم وصلفهم واستكبارهم في الدنيا فقال -جل وعلا- {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}[الصافات:35]: أنهم هؤلاء المجرمون كانوا في الدنيا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون لا إله إلا الله لا اله يستحق العبادة إلا الله -سبحانه وتعالى- وهل من إله غير الله, الله الذي عرف نفسه -سبحانه وتعالى- رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين والذي قال: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}[الصافات:1-9]: فهذا الذي خلق هذا الخلق رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق هو الله الذي لا إله ها هو هل هناك من أحد مع الله -تبارك وتعالى-, أو دون الله -تبارك وتعالى- خلق شيئا من هذا الخلق فهؤلاء المجرمون مع ما كانوا يرونه من أن هذا الكون الذي هم فيه لم يخلقه إلا خالق واحد ولا يدبره إلا مدبر واحد, وأنه ليس لآلهتهم التي عبدوها أي نوع من التدبير أي نوع من التأثر أي نوع من الفعل عطاءا منعًا لا نفعًا, لهم ولا ضرًا لهم ما يعبدون ما لا ينفع ولا يضر فهؤلاء كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله لا يعبد بحق لا معبود بحق إلا الله يستكبرون, أي يتكبرون يطلبون الكبر والعلو, {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}[الصافات:36]: أأنا بالسؤال للاستعظام والاستبعاد تاركو آلهتنا التي نعبدها لشاعر مجنون آلهتنا ما آلهتهم هذه أحجار أصنام هبل اشرف هذه الآلهة عند قريش أشرف القبائل, أشرف قبائل العرب كانت قريش وأشرف إله عندهم وأكثر إله عندهم يستحق العبادة هبل ما هبل هذا حجر منحوت على شكل إنسان جعلوه في جوف الكعبة ماذا له ثم إذا جئنا لألهتهم الأخرى مناة التي كانت بالمشلل العزى جنية في الطائف اللات رجل صالح لكن بنوا على قبره وصنعوا له تماثيل أساف ونائلة حجرين صورة رجل وامرأة على الصفا والمروة باقي هذه الآلهة البائسة التي صوروها بصورهم ووضعوها فوق الكعبة فهذه آلهتهم ما هي هذه الآلهة.

 ثم إذا تدرجت بعد ذلك في كل ما تأخذهم المشركون ما الآلهة التي اتخذوها الشمس التي يعبدونها هذه ليست اله, وإنما هذه مخلوق من مخلوقات الله مطيعة لله -تبارك وتعالى- منفذة لأمره النجوم الكواكب ما الآلهة ماذا عبد من دون الله -تبارك وتعالى- فاستعظموا هذا الأمر جعلوا هذه الآلهة إن تركها وعبادة رب السماوات والأرض خالقهم وخالق هذا الكون المشاهد كله جعلوا إن هذا أمر يستدعي السخرية والاستهزاء والاستبعاد يقولون أأنا لتاركوا آلهتنا, آلهتنا هذه التي نعظمها ونجلها, وهي آلهة التي نعبدها لشاعر مجنون يعنون بالشاعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه مجنون, والحال أنه ليس بشاعر وليس بمجنون, فإنه لم يقل شعرًا قط قبل أن يأتي بهذا القرآن -صلوات الله وسلامه عليه- يعلمون هذا, ثم يعلمون أن هذا القرآن الذي جاء به ليس شعرا, وأنه لا يجري علي مناط الشعر بتاتًا أين الشعر من هذا القرآن, فليس بشاعر لأنه لم يقل شعرًا قبل ذلك بل لم يكن يقرأ ويكتب, ولو كان الله -تبارك وتعالى- حماه من الشعر حتى لا تكون هناك فيه شبهه لهم في هذا فهم كاذبون في أنه شاعر, ثم هم يعلمون بأن هذا القرآن شعر, وأنه ليس لا موضوعه موضوع الشعر, ولا نسق الشعر لا هو شعر ما في موضوعه ولا في طريقته فموضوع الشعر الشاعر يقول في كل الأفانين يقول في الوصف والخمر والنساء والمدح والهجاء والفخر بغير فخر, وأنه في كل هذه الأقوال عامة هذه الأقوال كذب ومبالغة أين هذا من القرآن الهادي إلى صراط مستقيم الذي يخبر -سبحانه وتعالى- عن الله وعن غيبه وعن ملائكته يخبر الإنسان عن بدايته ونهايته يخبر عن التشريع الكامل والحلق الكامل, وأين موضوع القرآن غير الموضوعات التي يقول فيها الشعر, ثم نسقه غير نسقه لا يجري علي أي بحر من بحور هذا الشعر, ثم أنه مجنون الرسول مجنون, وهم يشهدون قبل أن يأتي بهذه الرسالة أنه كان أكثرهم عقلًا وأدبًا وخلقًا وحكمة ودين فهو عندهم بالصادق والأمين, وهو الذي يحتكمون إليه في مهام الأمور وفي أصعبها فيكف يكون هذا مجنون وهم يعلمون من حاله هذا الذي يعلم فكذب افتروا هذا ودفعوا مقالة الحق بهذا, فلما اجتمعت فيهم كل هذه الخسائس أولًا التمسك بالآلهة ورفض الإله الواحد -سبحانه وتعالى-, ثم الكذب وصف النبي بما ليس فيه -صلوات الله وسلامه وعليه- وصفه بأنه شاعر وهم يعلمون يقينًا بكل يقين أن هذا الكلام الذي جاء به ليس هو من قبيل الشعر بحال, وأنه قد تحداهم بأن يأتي لو كان شاعر يكون شانه كشأن سائر الشعراء وقد كان يعقدون الموازنات لهذا الشعر في كل عام في أسواقهم, ويقولون من أشعر الناس في هذا وكل  واحد يأتي بالشعر يأتي هناك بمن يكون أشعر من موسم في موسم آخر ونحو ذلك أما إن يأتيهم النبي بكلام يتحداهم به ويقول لهم: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}[هود:13], ويعجزوا أن يأتوا بكلام من مثله صياغة وحلاوة وجمالًا على هذا النحو اللي هو القرآن فكيف يكون هذا شاعر ومجنون تصفونه بالجنون وهو في قمة العقل والحكمة -صلوات الله وسلامه عليه-.

قال -جل وعلا-: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:37]: بل جاء بالحق جاء هذا النبي بالحق الثابت في كل شيء, والشعر كله كذب الشعر عامته يقولون أعذبه أكذبه, فكيف يكون بل جاء بالحق وصدق المرسلين صدق هذا النبي المرسلين الذين جاءوا قبله من نوح -عليه السلام-, فإنه جاء بما يصدق إخباره وذلك أنه أتى بالأخبار التي هي نفس الأخبار التي كان عليها هؤلاء المرسلون في ما دعوا إليه المرسلون كلهم دعوا إلى عبادة الله واحدة لا شريك له, وجاء هذا النبي يدعوا إلى عبادة إله وحده لا شريك له جاء المرسلون بأن هناك يوم بعث, وهناك يوم قيامة وكذلك والملائكة كذلك فكل ما دعا إليه المرسلون من الدين دين واحد جاء النبي يصدقه -صلوات الله وسلامه عليه- ويصدق وجوده وصدق المرسلين.

 ثم قال -جل وعلا-: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ}[الصافات:38] إنكم أيها المكذبون لذائقوا العذاب الأليم, {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ}[الصافات:39-40].

نقف هنا ونكمل إن شاء الله في الحلقة الآتية, أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب, -وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد-.